جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

إعلان الرئيسية

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

حول الفاشية*الرفيق عبد الله الحريف*

 حول الفاشية

تاريخيا، الفاشية- التي تتضمن النازية كأحد أشكالها- ارتكزت على الوطنية الشوفينية، ليس كايدولوجيا فحسب، بل لأنها سعت إلى بناء اقتصاد وطني مبني، بالأساس، على الصناعة ونظام سياسي يعتمد على البرجوازية الصناعية كأساس طبقي. وبفضل ذلك، استطاعت أن توفر الشغل لأعداد كبيرة من الطبقة العاملة، خاصة بعد البطالة العارمة التي عانت منها الطبقة العاملة خلال الازمة التي هزت الرأسمالية في الثلاثينات من القرن الماضي.
ولتوفير المواد الخام الضرورية للصناعة وتوسيع السوق أمام المنتجات الصناعية، ستلجأ إلى التوسع الخارجي: الحرب لإعادة اقتسام المستعمرات والسعي بالنسبة للنظام النازي إلى احتلال أجزاء من أوروبا والاتحاد السوفيتي.
وفي نفس الآن، عملت النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا على تسعير الشوفينية والاحساس بالتفوق على الشعوب الأخرى لدغدغة عواطف الشعبين الألماني والإيطالي ولإرجاع الثقة في النفس للشعب الألماني الذي عانى من الاحساس بالمهانة إثر الشروط المذلة لاتفاقية فيرساي التي أنهت الحرب العالمية الأولى.
هذه العوامل أدت إلى توفر الفاشية على قاعدة جماهيرية مهمة وراسخة نسبيا.
هل نحن، الآن، أمام نفس الوضعية؟
لا، وذلك لأن العولمة الرأسمالية أدت إلى تفكيك الصناعات في دول المركز ونقل الجزء الأكبر منها إلى دول المحيط وإلى الصين. ومن المستحيل إسترجاع هذه الصناعات إلى الدول الصناعية السابقة( أوروبا الغربية والولايات المتحدة الامريكية). فالشركات المتعددة الاستيطان والرأسمال المالي في حاجة ماسة، لضمان أعلى مستويات الربح، إلى استغلال اليد العاملة الرخيصة.
وعلى سبيل المثال، تبين دراسة قام بها معهد تريكونتنطال للأبحاث الاجتماعية أن ثمن أيفون إكس، لو أنتج بالكامل في الولايات المتحدة الأمريكية، سيكون 30000 دولار بينما ثمنه، الآن، لا يفوق 1000 دولار لأنه يصنع في الدول التابعة وفي الصين. ولذلك ظلت وعود ترامب باسترجاع الصناعة إلى أمريكا مجرد ديمغوجية ودعاية انتخابية.
لذلك، ظل ترامب يركز على الوطنية الشوفينية( أمريكا أولا) وعلى تفوقها( لنجعل أمريكا عظيمة Make America Great تسعير العداء للمهاجرين، ومساندة القوى العنصرية لضمان قاعدة شعبية له واستفاد من انتعاش اقتصادي ممول، بالأساس، من نهب خيرات الشعوب، وخاصة شعوب الخليج، وعلى العنصرية ضد السود. لكن جائحة كوفيد أدت إلى انهيار اقتصادي غير مسبوق. وبدأت قاعدة ترامب الاجتماعية تتفكك لأن بناء قاعدة شعبية راسخة تتطلب بناء اقتصاد متمركز على الذات يوفر الشغل القار للطبقة العاملة والشغيلة. وهو الشيء المستحيل في ظل هيمنة الشركات المتعددة الاستيطان والرأسمال المالي. صحيح أن ترامب وغيره من قادة اليمين المتطرف يستعملون أساليب ومناهج فاشية( الارتكاز إلى القوة وإلى تقوية الاجهزة القمعية الأمنية والعسكرية والقضائية واستعمالها ضد الشعوب ودعم الميليشيات اليمينية المتطرفة). لكن ما تسمى ب "الفاشية الجديدة" تفتقد إلى الأساس المادي والقاعدة الاجتماعية التي كانت تتوفر عليها الانظمة الفاشية في القرن الماضي.
والخلاصة هي أن الرأسمالية تعيش، إضافة لأزمتها الاقتصادية المستديمة والعميقة، أزمة سياسية عميقة ومستديمة تتمثل في انفضاح حقيقة ديمقراطيتها وتآكل نخبها التقليدية( اليمين و"اليسار" الديمقراطي-الاجتماعي) وعجز اليمين المتطرف( "الفاشية الجديدة") أن يشكل بديلا قارا لإفلاس أحزاب اليمين و"اليسار" التقليديين لافتقاده لقاعدة شعبية راسخة نسبيا. ولذلك أعتقد أن هذه الحركات "الفاشية الجديدة"، ومن ضمنها الترامبية، قد تستطيع خداع الشعوب لفترة قصيرة، لكنها لن تعمر طويلا.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *