في الذكرى 65 لاغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد
في الذكرى 65 لاغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد
في صباح يوم 5 ديسمبر عام 1952 م تم تنفيذ خطة القضاء علي فرحات حشاد. تبعته سيارة في الطريق من الضاحية التي كان يقطنها خارج العاصمة تونس وأطلقوا عليه النار وفرت السيارة هاربة ولكن حشاد أصيب فقط في ذراعه وكتفه وتمكن من الخروج من السيارة بعدها بثوان ظهرت سيارة أخرى وأجهزت عليه بإطلاق النار علي رأسه ثم إلقائه علي جانب الطريق بعد التأكد من موته وعندما أعلن نبأ اغتياله علي الراديو في الظهيرة اجتاحت المظاهرات مدن العالم من الدار البيضاء إلى القاهرة ودمشق وبيروت وكراتشي وجاكارتا وامتدت أيضاً إلى مدن أوروبية مثل ميلانو وبروكسل وستوكهولم وتحولت في الدار البيضاءإلى أعمال عنف راح ضحيتها ما يقرب من اربعين شخصاً.
مثل اغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد في الوقت الذي كانت فيه اللجنة السياسية للأمم المتحدة تدرس القضية التونسية تجاوزا لكل معايير السلوك الدولي إضافة إلى ما يمثله من تصعيد سياسة التصلب والقمع وإطلاق العنان لاستبداد رجال الإقامة العامة وحلفائهم في المنظمة الإرهابية الفرنسية "اليد الحمراء". خلال مؤتمر عام لاتحاد العمال التونسي طالب المؤتمرون بإعادة فتح ملف اغتيال فرحات حشاد أحد أقرب الزعماء السياسيين إلى الرئيس الراحل حبيب بورقيبة وعضو مجلس الأربعين الذي كان يستشيره ملك تونس وأوصاه بعدم القبول بالإصلاحات الهزيلة التي أرادت فرنسا في إبانه فرضها على تونس لتضمن تأبيد وجودها في البلاد وسيطرتها عليها وهو والد نورالدين حشاد الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية.
ومن الطبيعي ألا تتبع عملية الاغتيال أي محاولة فرنسية جدية لملاحقة الفاعلين باعتبارهم يتمتعون بحصانة من السلطات الاستعمارية آنذاك. غير أنه وبعد الاستقلال في 20 مارس عام 1956م قامت أصوات خافتة للمطالبة بمحاكمة المسؤولين عن قتل فرحات حشاد وليس أسوة بما تم مع المتهمين في قضية قتل الزعيم التونسي الكبير الآخر الهادي شاكر الذي اغتيل في 13 سبتمبر عام 1953م أي بعد أقل من عام على مقتل فرحات حشاد. إلا أن كل ذلك جوبه بنوع من التجنب.
ارتفعت أصوات قليلة لتقول إن هذا السكوت هو عبارة عن صفقة سرية منذ استقلال تونس الداخلي في 29 مايو عام 1955 م الذي توج بعد أقل من عام بالاستقلال التام لعدم ملاحقة الفرنسيين المورطين في اغتيال فرحات حشاد وأضاف هؤلاء في إبانه أن الصفقة شملت كل الفرنسيين الذين تورطوا في اغتيال عدد من المجاهدين التونسيين والمعروفين أحيانا بالاسم والذين وبمناسبة استقلال البلاد غادروا في سرعة من أمرهم وأصبحوا خارج قدرة القضاء التونسي على ملاحقتهم. وإذ عرفت قضية اغتيال الزعيم التونسي الهادي شاكر محاكمة في سنة 1957 م انتهت باعدام اثنين من المتهمين إذ تعتبر محاكمة باطلة لا تستند إلى الشرعية القانونية بحكمها غير دستورية (محاكمة شعبية) تم فيها سماع شهود زور وتعذيب للمتهمين وأهملت التعرض للفرنسيين الذين ورد ذكرهم وبعضهم ممن كان يتسنم مناصب عالية في الإدارة الفرنسية الحاكمة في تونس أو بعض رجال الدرك. فيما إن أي ذكر لملاحقة قتلة فرحات حشاد وكلهم على ما يبدو من الفرنسيين لم يجر على لسان، وباتت قضية اغتياله نسيا منسيا.
غير أن المؤتمر الأخير الذي اعتبر الأكثر ديمقراطية بين مؤتمرات المركزية النقابية العمالية في تونس منذ زمن طويل عادت إلى الموضوع وطالبت بكشف كل أسرار هذا الاغتيال لأول مسؤول نقابي في تونس أسس اتحاد النقابات سنة 1946 م وبذلك كان أول من أسس مركزية نقابية بالمعنى الكامل للكلمة في كل إفريقيا والعالم العربي. ومما لاشك فيه أن الملاحقة الجزائية لم تعد ذات موضوع بالنسبة لقضية فرحات حشاد فقد سقطت الدعوى بالتقادم كما يقول القانونيون غير أن الزعماء النقابيين الحاليين يسعون للدفع لمعرفة من قتل فرحات حشاد ومن كان وراء ذلك الاغتيال وفي أي مستوى كان في تونس أو في باريس ومن أعطى الأوامر لذلك الاغتيال أو على الأقل الضوء الأخضر له.
ومن المؤكد أن أرشيف الخارجية الفرنسية التي كانت تتبعها تونس والمغرب بعكس الجزائر التي كانت تتبع وزارة الداخلية باعتبارها محافظة فرنسية يحتوي على أسرار ذلك ومن الناحية القانونية فإن هذا الأرشيف يمكن أن يماط عنه اللثام وتكشف أسراره، وتعطى أسماء من أمر ومن أعطى الضوء الأخضر، ومن خطط، ومن وفر الوسائل اللوجيستية ومن تولى التنفيذ لهذه العملية التي أنزلت السمعة الفرنسية إلى الحضيض في ذلك الوقت قبل 55 عاما. ويكاد يكون مؤكدا أن السلطات الاستعمارية الفرنسية التي كانت خاضعة لحفنة من الفرنسيين المقيمين في تونس والمعروفين بتطرفهم وعدائهم لكل إصلاحات تؤدي إلى استقلال البلاد، والواثقة بأن تونس قد تم استيعابها وفرنستها في طريق تنصيرها إن لم تكن قد وقفت وراء عملية الاغتيال هذه وكذلك عملية اغتيال الهادي شاكر فإنها تكون قد تركت الحبل على الغارب وبعلم منها لهذه العمليات التي لم ترفع لا من شأن فرنسا ولا من مكانتها.
وقد جاء الوقت ولا شك لإلقاء ضوء الحقيقة وضبط المسؤوليات في هذا الاغتيال الذي استهجنته في إبانه كل الجهات الدولية بما فيها الأمريكية وحملت مسؤوليته للحكومة المركزية في باريس.
عن صفحة الاتحاد العام التونسي للشغل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق