جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

إعلان الرئيسية

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

فنانون خلف القضبان/التشكيلي المغربي محمد شبعة

فنانون خلف القضبان/التشكيلي المغربي محمد شبعة 

حوار/ التشكيلي المغربي محمد شبعة لـ «الراي»: اللغة التشكيلية لغة عالمية مثلها مثل الموسيقى أو الرياضيات

| الرباط - من رضا الأعرجي |
الفنان التشكيلي الكبير محمد شبعة أحد أهم الأسماء المغربية والعربية التي أنجزت دورا طليعيا وعميقا في اثراء الثقافة الجمالية، ولا يذكر تطور الحركة التشكيلية المغربية الا ويرد في الصميم منها، مبدعا وفاعلا في مختلف مساراتها، فهو من بين قلة من الفنانين الذين يرسمون، وفي نفس الآن يمارسون الكتابة النظرية والنقدية حول الفن، كما كان من أوائل التشكيليين المغاربة الذين انخرطوا في «اتحاد كتاب المغرب» وأغنوا الذاكرة البصرية للانتاج الثقافي والأدبي المغربي.

ارتبط شبعة (طنجة 1935) في بداياته بمدرسة الفن التشكيلي في شمال المغرب، قبل أن يحفر مكانته الأساسية بين رواد الحركة الفنية في المغرب، وقد عرف مع فنانين آخرين باخراج أعمالهم الفنية الى الساحات والشوارع عبر تظاهرة العرض الجماعي في ساحة «جامع الفنا» بمراكش عام 1969، وتكرار هذه الخطوة في أكثر من مدينة مغربية.

منذ 1957 أقام شبعة عشرات المعارض داخـل المـغرب وخـارجه، اضافة الى مساهماته الفنية المتعددة في مهرجانات وبينالات عربية ودولية، كما حصل على جوائز وأوسمة اعترافا بقيـمة أعماله التي تنم عن ثقة ولـغة ابداعية عـالية، عدا تميزها بألوان التضاد التي تشيع فيها، حيث تستمد اللوحة حضورها من التصادم القائم بين ألوان مختلفة، لكنها تتآلف في تضادها الصارخ.

وفي هذا الحوار مع «الراي» يتحدث محمد شبعة عن تجربته وأعماله التي تثبت تطورها من معرض لآخر، وعن صيرورة الفن التشكيلي في المغرب. وهذا نص الحوار:

ماذا تغير في تجربتك الفنية، أعني ما الفرق بين شبعة القديم وشبعة الآن بعد كل هذه السنوات؟

- أنا فنان كلاسيكي، أتهرب أحيانا من القيود، لكنني أحترم أصول الفن، ولا أقبل أن أتجاوز قوانين «الصنعة». من هنا، أحاول تجسيد الاستمرارية من الرمز الانساني والطبيعة وارتباطهما بالفضاء الخارجي الى الأشكال الهندسية داخل فضاء يبتعد أو يقترب حسب زاوية الرؤية.

والبداية؟

- بدأت التجربة الفنية التي تعني لي البحث والاضافة، بأعمال 1964 المتميزة بالوجه المسيطر على فضاء اللوحة، وقد امتدت هذه المرحلة الى 1967، حيث تأثرت، كغيري من المثقفين، بالأحداث التي عرفتها الساحة العربية، فكان طبيعيا أن تحتل مسألة الثقافة الوطنية والعلاقة مع التراث مكانها في التجربة، وقد استمر ذلك الى غاية 1972، اذ ليس بالامكان البقاء على أرضية جامدة.

هل تعني أن على الفنان الخضوع دائما للتأثيرات الخارجية؟

- لا. ما يكوٌن الفنان ليس مقادير من هذا الفن أو ذاك، ومن ثم يجمع في «قارورة» أو بوتقة ويحمل كل من هذه الفنون نسبة مئوية محددة. الموضوع ليس بهذا الشكل، ولكن الانسان بشكل عام هو نتاج ما يتشرب به، كالاسفنجة، نتشرب كل ما يعنينا وما يهمنا. أحيانا نتشرب أشياء لا تهمنا، وبناء على ذلك، لا أقول ان أعمالي هي نتاج الفن الفلاني أو غيره، اذ يمكن لكل المراحل أن تنعكس على عمل الفنان، كما يمكن أن تحمل آخر لوحة يقوم الفنان بانجازها، اذا كان محترفا وجديا وصادقا، كل مراحله، حتى مرحلة الطفولة.

اللافت هذا التضاد الصارخ في ألوان لوحاتك. هل لديك رؤية خاصة للون يمكن أن تفسرها؟

- ما اعرفه عن طريق الحس هو أن أعمالي تتسم بتعامل للون، قال بعضهم انه «احتفالي» وأظنه تعبيرا جميلا، لان «الصباغة» هي الاحتفالية باللون، واذا عدنا الى التراث فسنجد ان الموسيقى الأندلسية مثلا احتفالية، هناك تغني بانسانية الحياة، وهذا كمضمون فلسفي يصب في دافع العمل من اجل السلام كما يتحدث السياسيون، أي أن يدعو العمل الى الابتهاج، كأن الألوان تقيم حربا ضد الابهام والغموض والدكنة.

ملاحظتك هذه تهيمن جداً. انني أود حمل المتفرج على الشعور بجمالية الكون رغم معاناة الانسان يوميا. هناك شاعرية وجمالية وراء هذا كله يجب أن تبرز وتغطي على هذه المآسي الظالمة التي يعانيها، واذا لم يستطع الفن أن يحرك حب الحياة وحب البشر، فلا أدري ماذا سيكون هدف الفن.

العلاقة مع التراث

شخصياً، كيف تنظر الى قضية شائكة مثل تبادل التأثر والتأثير؟

- كلنا نتعلم، سواء في التقنية أو في المشاهدة، وهذا شيء علمي، فقد تؤثر مشاهدة أفلام سينمائية مهمة على أعمالنا، وعندما أسير في الشارع، وارى الناس والأشجار وربما الحشرات، كل هذا يعلق بالذاكرة، وقد نتعلم منه، لأن الفنان عندما يصل الى مرحلة معينة من النضج يصبح لديه ما يشبه الكاميرا الالكترونية التي تتحرك لوحدها وتختزن الصور والمشاهد بشكل اقرب الى الكومبيوتر الذي يخزن المعلومات: أشكالاً وألوانا وأشياء. هذه كلها مخزونة في الذاكرة، ويخرجها الفنان في أعمال فنية قد تثير استغراب الناس أو اعجابهم.

لا تزال اشكالية التعامل مع التراث تشغل اهتمام العديد من الكتاب والمبدعين، هل تجد أن بمقدور الفنان التشكيلي المساهمة في حل هذه الاشكالية المستعصية؟

- لقد تحدثت في هذا الجانب أكثر من مرة، وهو انني بعد اكمال دراساتي في الخارج اهتممت بدراسة تراثنا التشكيلي، وذهبت الى أبعد من هذا، حيث وضعت جانبا النماذج الأكاديمية، والتفت الى ما يزخر به تراثنا من أسس تشكل مقومات التراث الوطني، لكن ليس بالضرورة أن يتضمن العمل الفني مفردات تراثية كالمشربية وسواها، لأن هذا يدخل ضمن دائرة الفلكلور. هناك من يلجأ الى تضمين لوحاته مثل تلك المفردات ليقول أن له علاقة بالتراث أو «نحن ملتحمون بالتراث»، وفي الحقيقة ان تلك الأعمال لا تمثل أكثر من سرقة للتراث.

واذا وضعنا هذه المسألة جانبا، سنجد أننا، وبشكل تدريجي، بصدد خلق ثقافة مغربية معاصرة سواء في الفن التشكيلي أو الشعر أو القصة أو الموسيقى أو الهندسة المعمارية، وفي كل فروع الابداع، وهذه المرحلة لا ندري كيف ستكون نتيجتها، واذا قال احد انه يعرف ماذا ستكون فان ذلك ليس صحيحاً، والسبب اننا الآن نجمع ونؤسس، وربما نصل الى مرحلة نكون قد وضعنا فيها بعض الأسس النظرية والعملية، لما قد يسمى بالثقافة أو الفنون والحضارة المعاصرة، ومن الطبيعي أن يرتبط كل هذا بالتاريخ والماضي، ولكن ليس بشكل فونغرافي، وانما الارتباط بالفلسفة وبالروح العميقة للتراث.

اذاً، ما هي الأسس التي «تبني» عليها لوحتك؟

- كل مرحلة من مراحل البحث التشكيلي تطرح لدى الفنان قضية عناصر اللوحة من أشكال وألوان. وبالنسبة لأعمالي الأخيرة، لا يمكن أن أتكلم عن الأسس الفنية بالمعنى المطلق. ربما يلاحظ الرائي أو المتفرج طريقة متميزة في تحريك الفضاء، وخلق أبعاد ما، اذ هناك حركية من خلال مناخ قد يتحول من القوي المشحون والساخن الى الهادئ المتأمل، هذا باختصار ما يمكن أن يلاحظه المشاهد في أعمالي الأخيرة. ويمكن بالطبع أن أجعل من الشكل والفراغ وحدة متماسكة لا تدري فيها ما هو الشكل ولا ما هو الفراغ. هذه الخاصية ما تزال تزامن أعمالي منذ عدة سنوات، كما لو كانت أساسا للعمل أو أحد أسسه.

من المحلية الى العالمية

هل تجد نفسك مشغولاً في قضية من نوع الوصول الى العالمية، كما نلمسها عند بعض الفنانين؟

- أظن أن اللغة التشكيلية التي يتعامل معها وبها الفنان هي لغة عالمية مثلها مثل الموسيقى أو الرياضيات. لغات قائمة بذاتها ويتواصل من خلالها مختلف الشعوب، بصرف النظر عن العادات والخصوصيات. غير أن مسألة العالمية والخصوصية تخضع بالنسبة لي لجدلية قائمة منذ أن بدأت أعي هاتين القضيتين في الابداع، ذلك اننا اذا تمسكنا بالعالمية بشكل سلبي سيستحيل علينا أن نكون عالميين لأن ذلك سيفضح استلابنا واستقطابنا لأشياء لا نفهمها ولا نحسها.

بالعكس، اذا أخضعنا تجربتنا ووعينا الثقافي والفني الى مقتضيات المعرفة التي يجب أن تكون أحيانا عملية تستمد أصولها من التراث والتقاليد، على مختلف المستويات. وعندما نقوم بهذه العملية التي هي عملية تثقيفية، أي عملية الوعي بالذات أولا، علينا أن نأخذ على عاتقنا مسألة ثقافتنا الوطنية ونستطيع بالتالي أن نحل معضلة الانطلاق من الخصوصية المحلية الى تجاور مع العالمية.

اذا كان بعض الفنانين التشكيليين المغاربة قد وصلوا الى درجة من العالمية فانهم بدون شك قد قاموا بتلك الرجعة العميقة الى خصوصية ثقافتنا والى ينابيعها العميقة، خصوصا ثقافتنا التشكيلية القديمة والتقليدية على اختلاف مشاربها. وأضيف توضيحاً: ان المشاهد الأجنبي عند تعامله مع ابداعاته يحس بخصوصيتها ويشعر بحسه الأجنبي في الاختلاف.

الكتابة والتشكيل

أنت من بين فنانين يمارسون الكتابة على صعيد التنظير والنقد وطرح الأفكار. ما هي حدود وآفاق هذا التوجه؟

- لضرورة التوعية اضطررنا في المراحل الأولى للحركة الفنية التشكيلية في المغرب أن نتعرض الى الكتابة في التشكيل والتراث التشكيلي والثقافة الفنية الشعبية الخ. هذا الجهد يمكن أن نصفه بالعصامية لأننا بدأنا تحركنا في الخمسينات في مناخ ووضعية تاريخية ينعدم فيها كل شيء لتقبل أعمالنا، فالأحرى عرضها وتقديمها بشكل لائق للجمهور.

كانت البداية صحراء قاحلة يجب أن نمدها بكل شيء، نرسم، نكتب، نتحدث الى الناس لتوعيتهم ولتقريبهم الى الفن، نكتب المقالة، نقدم للمعرض، نبدأ في أولى اللمسات النظرية والتحليلية مع العلم بان الوسائل النظرية والتحليلية كانت ضعيفة.

من الصدق أن نقول، كما قال عبد اللطيف اللعبي: «انها مرحلة بطولية»، غير أن هذه البدايات المتواضعة دفعتنا بالتدريج الى ضرورة تكوين بعض المثقفين من «اتحاد كتاب المغـرب» لـكي يقومـوا بحمـل العبء الى جـانبنا، وفعلا منحونا فرصة التفرغ لعملنا التشكيلي، وفي هذا المسعى ربطنا علاقة متينة مع الاتحاد الذي كنت عضواً مؤسساً فيه، ومن خلال مكتب «الجمعية المغربية للفنون التشكيلية» قمنا باعداد نشرة مشتركة سميناها «الاشارة»، وهكذا بدأت تؤسس تقاليد ما تزال مستمرة بين الكتاب والفنانين التشكيليين.

هل تشعر حقا بحاجة الفن الى النقد؟

- هناك في العمل الفني، في اللوحة، أوضاع سرية الفنان المتمكن وحده يعرفها، هذه الأسرار يجب أن يقترب منها الناقد ليقترب من جوهر الابداع والا سنبقى فقط في الاطار الضيق للكتابة، بمعنى نص على نص. هذه الكتابة قد تكون مفيدة للقارئ اذا صرح بها أما اذا لبست دثار النقد المزعوم فستبعد المشاهد عن اللوحة.

أنا لا أمانع في أن يقوم مشتغل بالأدب أو الفلسفة بدور الناقد للغة التشكيل، لكن عليه أن يحايثني، وان يتابعني وأنا ارسم، وفي كل الحالات، أثناء المخاض، عند الولادة. بمعنى أن يكون حاضراً في السير.

واعتقد أن النداءات التي أطلقتها منذ عدة سنوات بضرورة فتح شعب في الجامعات المغربية يدرس فيها تاريخ الفن التشكيلي والهندسة المعمارية ربما ساهمت في التخصصات الحالية في ميدان الفنون التشكيلية، لكننا رغم ذلك نستطيع أن نطمئن على مستقبل الكتابة في ميدان الفنون التشكيلية.











رحيل الفنان التشكيلي المغربي محمد شبعة:

المزاوجة الخلاقة بين الانفتاح على الثقافة العالمية واستلهام التراث العربي

Jul 27, 2013
الرباط ـ ‘القدس العربي’ ـ من الطاهر الطويل: فقدت الساحة التشكيلية المغربية، مساء الأربعاء، أحد أعلامها الكبار الذين ساهموا فيها إبداعا وبحثا وتنظيرا وتدريسا. إنه الفنان محمد شبعة الذي توفي عن عن سن تناهز 78 عاما. 
ولد محمد شبعة سنة 1935 بطنجة، تابع دراسته بمدرسة الفنون الجميلة بتطوان. التحق سنة 1962 بروما، حيث واصل تكوينه بأكاديمية الفنون الجميلة إلى حدود سنة 1964. عين سنة 1966 أستاذا بمدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء وكذلك أستاذا بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بالرباط. انضم الى اتحاد كتاب المغرب سنة 1968. ساهم في الحركة التشكيلية من خلال مجموعة من المعارض الشخصية والجماعية، من بينها: رسامون مغاربة (تونس، 1957)، الرسم العربي (روما، 1962)، المعرض العربي (مونريال، 1967)، المعرض العام (ساحة جامع الفنا، مراكش 1968)، البيينال العربي الأول (بغداد، 1974)، معرض من أجل فلسطين (بيروت، 1975)، رسوم جدارية (مستشفى الأمراض العقلية، برشيد، 1981)، 19 رساما من المغرب (غرونوبل، 1985)، الفن المعاصر بالمغرب (لشبونة، 1986)، ستة رسامين مغاربة (ساوباولو، البرازيل، 1987)، مباراة النحت على الجليد (نيويورك، 1988). 
وساهم الراحل في وضع لبنات مشروع رؤية جديدة للفن والثقافة والمجتمع عبر مجلة ‘أنفاس′ سنة 1965، حيث أسس رفقة محمد لمليحي وفريد بلكاهية حركة طليعية في الفن أطلقوا عليها اسم: جماعة 65، واعتقل الراحل ضمن حملة شملت نشطاء الحركة اليسارية الراديكالية آنذاك بالمغرب، من أمثال عبد القادر الشاوي، وعبد اللطيف اللعبي.
‘محمد شبعة فنان ثائر على آفة الحكي في التشكيل. فهو لا يقبل أن تصير اللوحة حكايةً تُروى في حضرة زوار المعارض؛ لأنه يعلم أن حكمة البصر تتعطل ويهيمن منطق اللفظ بمجرد ما تتحول اللوحة إلى نص معرض للحكي.’ ملاحظة استنتجها الباحث والناقد المغربي مصطفى الحداد، وأوردها في مقدمته لكتاب ‘الوعي البصري بالمغرب’ الذي أصدره محمد شبعة عام 2001 ضمن منشورات اتحاد كتاب المغرب. وأضاف قوله عن الفنان المذكور: ‘إنه يُقوض مبدأ الحكي لينسج بالألوان أكوانا على غير مثالٍ سَبَق. فاللوحة عنده ليست رمزا للأشياء، بل رقصة تعلن انتصار البصيرة على العمى.
إن شبعة يدرك، ربما أكثر من غيره، ثقل الألفاظ في ثقافتنا وسحرها؛ لذلك اقترنت الريشة في تاريخه الفني بالقلم وعانقته. فشبعة فنان انقادت له الألوان والحروف على حد سواء، وعلم بها على امتداد ثلاثة عقود أو يزيد أجيالا من الفنانين، وقاد حركات وتظاهرات تشكيليةً لعبت دورا بارزا في التحسيس بأهمية الفنون البصرية عموما بالمغرب. ومازالت نصوصه وتصريحاته تنير المسالك لكل من خفيت عليه شؤون اللون وشجونه في المغرب.
غير أن شبعة ـ يلاحظ مصطفى الحداد ـ لم يُسَخِّر يوما قلمه أو يثقفه ليشرح للناس ما يرسمه بالريشة، بل كان ولا يزال يلقن العيون كيف تتحرر من سلطة النص، ويحثها على إعمال البصر والتفنن في الإمعان. قال يوما بعد أن ضاق صدره بكثرة ما يروج من حشو لفظي عن التشكيل: ‘اجعلوا للتشكيل مكانا في حياتكم، واعملوا على تحريره من أسر النص الجاهز، وامنحوه ثانية استقلاله وتميزه’.
وفي شهادة للناقد والمترجم المغربي الراحل عبد الرحمن بن الأحمر، يتضح أن تجربة الفنان التشكيلي محمد شبعة تنهل من روافد عالمية متعددة للإبداع، حيث يذكر بافتتانه بالطلائعية، وشغفه بالباوهاوس، ويسترجع نقده المهذب لأستاذه بيرطوتشي Mariano Bertuchi لكونه لم يدرج في مشروعه التربوي بالمدرسة التحضيرية للفنون الجميلة بتطوان غير التزيين والرسم التوضيحي، قاصرا التكوين فيها علي صباغة الحامل والنحت الأكاديمي.
وأضاف بن الأحمر أن أعمال شبعة تبين تجاوزه للإشكالات الزائفة التي تقيم التعارض بين التشخيص والتجريد أو بين الفن البنائي والتعبيري، أو بين الفن الجماعي والفرداني. ومن الجدير بالملاحظة أن ما استفاده شبعة لا ينحصر في الحقل الجمالي، فعلي سبيل المثال نجده في موقفه الأخلاقي والاجتماعي يلتقي مجموعة إل باسو El Paso من حيث إنه يحول السند إلى ساحة للمواجهة الجمالية والأخلاقية: الألوان والأشكال بل والمواد أيضا ناطقة عن ذلك. إنه يلتقي أنطونيو ساورا وأنطونيو سواريث وغيرهما من منتسبي هذه المجموعة في كون كل منهم حاول الإصغاء لقضايا مرحلته، التي استدعت ضرورة القطع مع المشهد التشكيلي بالنسبة إليهم في إسبانيا، وبالنسبة إليه في المغرب: بيان 1965 الذي صاغته طوني مارايني ذو دلالة في هذا السياق، ومن الطريف أن هذه السنة نفسها عرفت تشتت مجموعة إل باسو دون أن ينتهي ذلك إلي تلاشي برنامجها. غير أن أفرادها إذا كانوا قد وجدوا بحكم نزعتهم الإسبانية إلهامهم في غويا، فإن شبعة وجده في الخط العربي وفي الفنون الحرفية والمعمارية العربية الإسلامية…
ولاحظ الناقد الراحل بن الأحمر أن شبعة كانت تتملكه حساسية عالمية صاغتها التيارات الغربية، وأنه هو الآخر قد تم احتواؤه كما حصل لجل الفنانين المغاربة. غير أن تراقص الأشكال وصخب الألوان وحضور العناصر المعمارية في أعماله يجعلنا نكتشف الحضور القوي لحساسية عربية إسلامية لا تمت بصلة إلى أصولية ولا ترتكز علي خصوصية مزعومة. لا يتعلق الأمر البتة بنقل أو تمثيل للخط العربي أو للنقوش والزخرفة الخ، وغيرها من الأمور التي يعمل البعض علي تضمينه في أعمالهم معتقدين أنهم بذلك يستعيدون التراث، وإنما باستلهام عميق للفلسفة الثاوية خلف هذا التراث. كما لا يتعلق الأمر بتاتا بتناول إثنوغرافي أو انجرار إلي ميثولوجية تقليدية، وإنما يتعلق بتناول واع، ميثولوجيته تتوخي الإسهام في تحديث الفعل التشكيلي في المغرب بل وفي العالم العربي
وخلص إلى القول إن الفن التشكيلي والصنائع الحرفية وفنون العمارة ثلاثية ألهمت الفنان شبعة وشكلت وعيه البصري، وطبعت أعماله بما أسميته حساسية مزدوجة.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *