جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

إعلان الرئيسية

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

مغاربة فقدوا حياتهم من أجل التغيير ومن أجل غد أفضل/الفرار من السجن 1955

مغاربة فقدوا حياتهم من أجل التغيير
ومن أجل غد أفضل
تقديم:

إن أغلب المقاومين والأغلبية الساحقة لفئات الشعب المغربي تملكتهم الصدمة والشعور بالاحباط والقهر والغربة في بلدهم الذي ناضلوا وضحوا بالغالي والنفيس لإنعتاقه من بؤرة الاستعمار واستقلاله. لأنهم سرعان ما عاينوا أن لا صوت لهم ولا اعتبار بل أصبحوا طريدة للأجهزة الأمنية العلنية منها والسرية واضطهد أولادهم وعائلاتهم وذووهم. وانتشر الاحباط إلى درجة ان هؤلاء المناضلين بدؤوا يفكرون في طريق للخروج من العتمة التي أسقط فيها المغرب ليعيش في ظروف أنكى وأقسى من ظروف أنكى وأقسى من ظروف الإستعمار الفرنسي أو الاسباني.
واعتباراً للقمع والتسلط والاستبداد والرعب وإرهاب الدولة أضحى الكثير من المغاربة يرون في الاستقلال نقمة ويعتبرون أن البلاد عرفت تقهقراً ملحوظاً مقارنة بالماضي.
لذلك فإن النضال أو الكفاح أو المقاومة، كل ذلك ظل ولازال دائماً عملاً مشروعاً مادام هناك طغيان، سواء كان هذا الطغيان أجنبياً أو محلياً. وتضحية المناضلين والمكافحين والمقاومين من أجل قضية عادلة هي التي تعطي المعنى العميق للحياة والوجود والحرية والكرامة الانسانية.
فعلى امتداد عقود عاش المغاربة في نفق مظلم قوامه السجون والمعتقلات السرية والاختطافات والتعذيب والموت البطيء والاغتيالات والقتل والدفن قي أماكن سرية والاغتصاب والقهر الجسدي والقمع المادي والمعنوي والاهانة والدوس على الكرامة الانسانية والصفة الآدمية.
وقد أدى الشعب المغربي الثمن فادحاً في الغلاء بأرواح أبنائه سواء على امتداد مرحلة الحماية والاستعمار أو في سبيل الخبز ومن أجل الحرية وحقوق الانسان والديمقراطية بعد الاستقلال في وقت كانت كمشة تراكم الثروات الفاحشة بدون موجب شرع ولا قانون على حساب أكثر من سبعة ملايين من أبناء هذا الوطن يعانون من وطأة الفقر المدقع.
وإذا كانت حصيلة الشهداء من أجل التغيير وغد أفضل ثقيلة وثقيلة جداً، فلا زال المغاربة ينتظرون هذا التغيير وهذا الغد الأفضل وقد طال انتظارهم.
وإذا كان لابد من الإقرار بحصيلة فإن المعطيات المتوفرة لازالت غير كافية بما يساعد على طرح حصيلة كاملة.
وقصد الاقتراب من الصورة يمكن الاكتفاء ببعض المعطيات التي أضحت واضحة للجميع ولا جدال فيها، ومن ضمنها الشهداء من أجل الاستقلال والاعدامات التي عرفها المغرب في عهد الاستقلال، وشهداء المظاهرات في ستينات وسبعينات وثمانيات القرن الماضي وشهداء المعتقلات السرية ومخافر الشرطة.
إنه لا مناص من جرد الحصيلة حتى نتعرف على الثمن الغالي الذي أداه الشعب المغربي من أجل التغيير وغد أفضل


فرار 1955
عرفت فترة الاستعمار عدّة عمليات فرار من السجون التي كان يديرها الفرنسيون آنذاك. ومن المقاومين الذين اشتهروا بفرارهم أكثر من مرة من قبضة السجانين عبد السلام الجبلي ورحال المسكيني وبن بوبكر ( الاسم الحركي للفقيه البصري). وقد شكلت عملية الفرار من السجن المركزي بالقنيطرة في شهر شتنبر 1955 حدثا هاما، وهي العملية التي أسالت المداد على صفحات الإعلام الفرنسي والدولي وقتئذ. إنها كانت أضخم عملية فرار من أكبر سجن في شمال إفريقيا آنذاك، وحدثا تاريخيا وعملا بطوليا ساهم فيه ثلة من رجالات مدينة القنيطرة ( بور ليوطي)، سواء منهم الذين أعدوها أو نفذوها أو تكلفوا بإيواء الفارين والتستر عليهم . ظل هؤلاء جنودا مجهولين، وأغلبهم تَمّ التنكر لهم ولدورهم، بل لم يكلفوا أنفسهم عناء ذكرهم في كتاباتهم وشهاداتهم. رفض سجناء الحركة الوطنية والمقاومة المكوث خلف القضبان في سجون كان يتحكم فيها أفراد تابعون للمنظمة الإرهابية “الوجود الفرنسي”، الذين يكنون العداء الأعظم لكل مغربي يسعى إلى الحرية، علما أن هذا التنظيم تشكل أساسا من أغنياء المعمرين الفرنسيين الذين دأبوا على تشجيع أبنائهم والشباب الفرنسي على الانضمام إلى صفوف رجال الأمن وحراس السجون للتنكيل بالتواقين للحرية وطرد المستعمر، وكبح جماحهم باعتماد القمع. حسب الكثير من المهتمين بتاريخ المقاومة والكفاح من أجل الاستقلال، يعتبر عبد الله الخصاصي من أهم مدبري عملية الفرار، وهو الذي روى تفاصيل عملية الهروب، إذ تكلف بالإعداد لها كل من سي بوبكر ( الفقيه البصري) وعبد السلام الجبلي بمساعدة المختار الطنجاوي، أحد أشهر سجناء الحق العام بين نزلاء السجن، وولد الوزانية والسجين الألماني “هيس”. وكان المختار رجل ثقة في عيون إدارة المعتقل يساعد الحراس على إغلاق أبواب الزنازن، وهو الذي أقنع “هيس” والسجين امحمد المير بصنع مفتاح الزنازن. كان من اللازم توفير المال لتوزيعه على الفارين وكذلك السلاح لاستعماله عند الضرورة ووسائل النقل، وكانت زوجة الشهيد أحمد الصباغ هي التي سربت السلاح إلى السجن. وفي شتنبر 1955، اتصل الفقيه البصري (سي بوبكر) بعبد الله الخصاصي وأخبره أن الفرار سيكون بعد الساعة العاشرة ليلا، غير أنه تمّت مناداة مولاي عبد السلام الجبلي إلى المحكمة العسكرية قصد التحقيق في جملة من المستجدات، وكان حلقة أساسية في عملية الفرار، لكن استقر الرأي  على تنفيذ العملية دونه، سيما وأنه بلغ إلى علم المجموعة أن إنشاء جيش التحرير سيتم في فاتح أكتوبر 1955. إلا أن اللجنة المكلفة بمراقبة الأكل قررت خوض إضراب عن الطعام، مما أدى إلى تأجيل العملية، وبعد إرجائها ثلاث مرات تقرّر الهروب مساء 28 شتنبر 1955. تغير الحراس، وجاء أصحاب المداومة الليلية حوالي الساعة السابعة مساء، حلّ أحدهم بالحي للتأكد من إحكام إغلاق الأبواب. قبل ذلك، تمكن أحد أفراد المجموعة من فتح باب الزنزانة بواسطة المفتاح الذي سبق وأن أمنوه عليه. لما وصل الحارس الفرنسي إلى باب الزنزانة، انقض عليه كل من عبد الله البعمراني وبوشعيب الحريزي وأحمد الصباغ… كمّموه وأحكموا تكبيله تحت تهديد مسدس مصوب إليه. مرّت نصف ساعة… حضر حارسان آخران لتفقد الوضع ولقيا نفس المصير، وكذلك الأمر بالنسبة لحارس رابع. عادة كان رئيس الحراسة الليلية يزور الحي للمراقبة، غير أنه ذلك اليوم تأخر ولم يحضر إلا عند الساعة الواحدة ليلا، فانقض عليه ثلة من المقاومين وحملوه إلى الزنزانة وأوثقوه وأخذوا منه كل المفاتيح وجردوه من سلاحه. مرّ الفارون من أربعة أبواب، وبقيت ثلاثة. عند الباب الخامس، كان الحارس المغربي الوحيد، مولاي الشريف أحمد، قد غلبه النوم، مما سهل ضبطه وتجريده من لباسه الوظيفي. اجتاز الفارون الباب السادس دون مشاكل، وقرب الباب السابع استولى التعب على سي بوبكر، فتكلف كل من محمد بن الميلودي ورحال المسكيني وعبد الله البعمراني بحمله على أكتافهم بالتناوب. كان هذا الباب آخر فاصل عن الحرية… وعلى بعد نحو 5 كيلومترات تبيّن أنه لم يتمكن من مغادرة السجن المركزي إلا 37 سجينا… آنذاك بلغ إلى سمعهم رنين أجراس الإنذار، فتفرق الناجون واتجهت كل مجموعة إلى وجهة، إما صوب شاطئ المهدية أو غابة سيدي البخاري، في حين فضّل بعضهم التنكر في ملابس النساء أو اللجوء إلى مسكن أحد معارفهم. أما مجموعة عبد الله الخصاصي فقد توجهت صوب غابة المعمورة من وجهة سيدي بوقنادل. في طريقهم صادفوا خيمة رعاة استضافهم صاحبها، وبعد تناول الطعام والشاي وأخذ قسط من الراحة، غادر كل من أحمد الصباغ وبوشعيب الحريزي وعبد الفتاح سباطة كل إلى وجهته. وحضر إلى الخيمة مقدم الجماعة فاضطر الباقون للمغادرة. تفرقت المجموعة، وظل الأربعة ( الخصاصي وعبروق والبعمراني وسي علال) جميعا يركضون وسط الغابة… لم تمض إلا حوالي 20 دقيقة حتى اعترضت طريقهم عشرات الكلاب البوليسية… استمرت في النباح وعلى حين غرة وجدوا أنفسهم محاصرين من طرف مئات الجنود وحامت فوقهم مروحيتان وسمعوا عدة طلقات نارية… طلبوا منهم الاستسلام ورفع أياديهم فوق رؤوسهم… ألقي عليهم القبض بعد حوالي 5 ساعات من معانقة الحرية، فيما اندس بوشعيب الحريزي  وأحمد الصباغ في الغابة، لكن انقضت عليهما الكلاب البوليسية. عندما سقط الأربعة بيد الدرك الفرنسي بباب الخميس بسلا، مزقت الكلاب أطراف الصباغ، وبعد وصوله إلى السجن ألقي عاريا على الأرض وهو يحتضر… وفي تلك الليلة نُقل بمعية الحريزي إلى الغابة المجاورة للسجن المركزي لإعدامهما تنفيذا للحكم الصادر في حقهما.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *