من معاناة عائلات المعتقلين السياسيين والمنفيين والمختطفين/فاطمة العمري.. أرملة المناضل بوكرين
فاطمة العمري.. أرملة المناضل بوكرين التي قبلت الزواج بـ«خريج سجون»
فاجأت فاطمة العمري والديها حين قبلت الزواج من «خريج سجون» المملكة، المعلم محمد بوكرين الذي كان يكبرها بثمان عشرة سنة، قال والدها إن خطيبها مناضل كبير، وحكى لها عن علاقته بالرجل الذي سيصبح زوجها، بل وذكرها بواقعة اختفائها بعد أن تاهت في أحياء بني ملال وهي طفلة صغيرة قبل أن يتجند والدها وبوكرين للبحث عنها.
حين غادر بوكرين السجن بعد قضاء سبع سنوات رهن الاعتقال، لم يجد من ملاذ سوى صديقه مصطفى العمري، الذي سيصبح صهره، بعد أن تزوج ابنته التي ترعرعت أمام عينيه، قبل أن يغيبه الاعتقال. قبلت فاطمة الارتباط بزوج بدون مهمة ممنوع من شغل الوظائف الحكومية، مطارد على الدوام من قبل المخبرين.
في حفل بسيط صيف سنة 1968 أقيم ببني ملال حفل زفاف بين محمد وفاطمة، بحضور الحد الأدنى من الضيوف، وبأقل صخب ممكن فالزمن كان زمن النكبة الفلسطينية، حرصت العروس على ارتداء لباس محتشم وارتدى العريس بذلة أهداها له صهره مصطفى الذي كان خياطا، فيما اكتفى الحاضرون بقراءة الفاتحة وترديد الأدعية وانصرف كل إلى غايته. منذ تلك اللحظة بدأت معاناة الزوجة صغيرة السن مع زوجها الحقوقي، ففي اليوم الموالي لحفل الزفاف، بعد أن شرع في عمله النضالي أصر على دعم المناضلين المتمردين على النظام، بل إنه حول بيته إلى مأوى للفارين من زمن الرصاص، ولم يكتف بذلك بل باع منزله الصغير للإنفاق على رفاقه دون اكتراث لتحذيرات الزوجة التي كانت مجرد يافعة لا تفهم في شؤون السياسة.
لاحظت فاطمة أن زوجها تحول من مدرس في مدرسة عمومية إلى مدرس للتربية على الثورة، ومن عامل في مصنع السكر إلى صانع للمر والعلقم، بل إلى صاحب وكالة للهجرة السرية نحو الجزائر التي كانت تحتضن الهاربين من جحيم سنوات الرصاص.. لذا كان من الطبيعي أن يكون اسمه حاضرا في جلسات الاستنطاق مباشرة بعد الهجوم على سرية للدرك الملكي في مولاي بوعزة إقليم خنيفرة سنة 1973، حينها هيأت فاطمة نفسها للأصعب، سيما في ظل تعاقب الأزمات حيث تعرض العرش لمحاولتي انقلاب برا وجوا قبل أن تكشف الأيام عن تورط الجزائر التي شكلت منطلقا لهجمات شرسة ضد مغرب يخرج من أزمة ليدخل أخرى.
في حوار سابق مع المجلة النسائية «نجمة»، قالت فاطمة العمري إنها اكتشفت بعد توالي الأحداث أنها تزوجت رجلا «مسجل خطرا»، فالمحققون لا يغادرون بيتها وحين يغادرونه يدعونها للالتحاق لاستكمال التحقيق، «قدري أن يعتقل زوجي يومين فقط بعد فرحتي بمولودي الثالث، كنت في مرحلة نفاس، حين علم الناس باعتقال زوجي امتنعوا عن زيارة بيتي الذي أصبح مطوقا. اعتقل زوجي في الصباح من معامل السكر بسوق السبت من مقر عمله وتلاه اعتقال والدي في المساء، واعتقل أفراد أسرتي أمي، أخي وخالي، اقتحم البوليس بيتي وتركت في مواجهة محنتي ووليدي يصيح دون أن أتمكن من الاستجابة لصراخه، بعد أن أعطيت تعليمات للجيران بعدم الاقتراب من بيت بوكرين».
هنا بدأت المحنة الحقيقية للزوجة، كيف السبيل في ظل اعتقال الزوج والأب وضرب حصار على ما تبقى من أفراد العائلة. لم يكن لفاطمة مورد رزق، لكنها تذكرت أنها ابنة خياط، فشرعت في ممارسة مهنة الخياطة التقليدية وبيع المنتجات وإنفاق المبالغ المحصل عليها لإعالة أسرتين اعتقل معيلاها، بينما توفر جزء من المداخيل لتدبير «القفة» لمعتقلين ممنوعين من التموين.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد توفي وليدها البكر في ظل هذه الأزمة، في حادثة سير مروعة، حين كان الطفل يهم بولوج المدرسة، عاشت النكبة دون أن يتقاسم معها أحد فاجعة انضافت إلى فواجع أخرى، حتى أصبح بيتها عنوانا للمآسي لا يخرج منه مرتادوه إلا في سيارة الإسعاف أو سيارة الشرطة.
تقول فاطمة في بوحها للمصدر الإعلامي نفسه: «بعض نساء الحي كن يأتين لزيارتي محملات بالسكر مهنئات بالإفراج عن زوجي، فيفاجأن بأنه اعتقل من جديد فتتحول التهاني إلى مواساة».
في التاسع من شتنبر سنة 2012، انتقل زوجها بوكرين إلى الرفيق الأعلى بعد أن توقف قلبه فجأة عن النبض، وفي رصيده 16 سنة من الاعتقال في مختلف سجون المملكة. كانت الزوجة تعاني من المرض لكنها تجاوزت محنتها لتكون في استقبال الحشد الذي حضر لتأبينه، قالت إن العوض في أبنائها الذين أصر الراحل على منحهم أسماء غريبة، الابن البكر «هزرمر»، وتعني بالفارسية «ألف رجل»، وحمل الابن الثاني اسم «غاثي»، ويعني بالفارسية «صديقي»، أما «نهاد» فاسمها استلهمه من «فيروز» واسمها الحقيقي «نهاد حداد»، ثم «جويرية» اسم إحدى زوجات الرسول (ص)، فـ«ماهر» و«لبيب» ثم «نصوح». الأغرب أن أغلب التسميات تمت في غياب الزوج، لكن فاطمة تستحق لقب المناضلة لأنها نابت عن سجين في رعاية وتربية أبناء بدون معيل.
حين غادر بوكرين السجن بعد قضاء سبع سنوات رهن الاعتقال، لم يجد من ملاذ سوى صديقه مصطفى العمري، الذي سيصبح صهره، بعد أن تزوج ابنته التي ترعرعت أمام عينيه، قبل أن يغيبه الاعتقال. قبلت فاطمة الارتباط بزوج بدون مهمة ممنوع من شغل الوظائف الحكومية، مطارد على الدوام من قبل المخبرين.
في حفل بسيط صيف سنة 1968 أقيم ببني ملال حفل زفاف بين محمد وفاطمة، بحضور الحد الأدنى من الضيوف، وبأقل صخب ممكن فالزمن كان زمن النكبة الفلسطينية، حرصت العروس على ارتداء لباس محتشم وارتدى العريس بذلة أهداها له صهره مصطفى الذي كان خياطا، فيما اكتفى الحاضرون بقراءة الفاتحة وترديد الأدعية وانصرف كل إلى غايته. منذ تلك اللحظة بدأت معاناة الزوجة صغيرة السن مع زوجها الحقوقي، ففي اليوم الموالي لحفل الزفاف، بعد أن شرع في عمله النضالي أصر على دعم المناضلين المتمردين على النظام، بل إنه حول بيته إلى مأوى للفارين من زمن الرصاص، ولم يكتف بذلك بل باع منزله الصغير للإنفاق على رفاقه دون اكتراث لتحذيرات الزوجة التي كانت مجرد يافعة لا تفهم في شؤون السياسة.
لاحظت فاطمة أن زوجها تحول من مدرس في مدرسة عمومية إلى مدرس للتربية على الثورة، ومن عامل في مصنع السكر إلى صانع للمر والعلقم، بل إلى صاحب وكالة للهجرة السرية نحو الجزائر التي كانت تحتضن الهاربين من جحيم سنوات الرصاص.. لذا كان من الطبيعي أن يكون اسمه حاضرا في جلسات الاستنطاق مباشرة بعد الهجوم على سرية للدرك الملكي في مولاي بوعزة إقليم خنيفرة سنة 1973، حينها هيأت فاطمة نفسها للأصعب، سيما في ظل تعاقب الأزمات حيث تعرض العرش لمحاولتي انقلاب برا وجوا قبل أن تكشف الأيام عن تورط الجزائر التي شكلت منطلقا لهجمات شرسة ضد مغرب يخرج من أزمة ليدخل أخرى.
في حوار سابق مع المجلة النسائية «نجمة»، قالت فاطمة العمري إنها اكتشفت بعد توالي الأحداث أنها تزوجت رجلا «مسجل خطرا»، فالمحققون لا يغادرون بيتها وحين يغادرونه يدعونها للالتحاق لاستكمال التحقيق، «قدري أن يعتقل زوجي يومين فقط بعد فرحتي بمولودي الثالث، كنت في مرحلة نفاس، حين علم الناس باعتقال زوجي امتنعوا عن زيارة بيتي الذي أصبح مطوقا. اعتقل زوجي في الصباح من معامل السكر بسوق السبت من مقر عمله وتلاه اعتقال والدي في المساء، واعتقل أفراد أسرتي أمي، أخي وخالي، اقتحم البوليس بيتي وتركت في مواجهة محنتي ووليدي يصيح دون أن أتمكن من الاستجابة لصراخه، بعد أن أعطيت تعليمات للجيران بعدم الاقتراب من بيت بوكرين».
هنا بدأت المحنة الحقيقية للزوجة، كيف السبيل في ظل اعتقال الزوج والأب وضرب حصار على ما تبقى من أفراد العائلة. لم يكن لفاطمة مورد رزق، لكنها تذكرت أنها ابنة خياط، فشرعت في ممارسة مهنة الخياطة التقليدية وبيع المنتجات وإنفاق المبالغ المحصل عليها لإعالة أسرتين اعتقل معيلاها، بينما توفر جزء من المداخيل لتدبير «القفة» لمعتقلين ممنوعين من التموين.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد توفي وليدها البكر في ظل هذه الأزمة، في حادثة سير مروعة، حين كان الطفل يهم بولوج المدرسة، عاشت النكبة دون أن يتقاسم معها أحد فاجعة انضافت إلى فواجع أخرى، حتى أصبح بيتها عنوانا للمآسي لا يخرج منه مرتادوه إلا في سيارة الإسعاف أو سيارة الشرطة.
تقول فاطمة في بوحها للمصدر الإعلامي نفسه: «بعض نساء الحي كن يأتين لزيارتي محملات بالسكر مهنئات بالإفراج عن زوجي، فيفاجأن بأنه اعتقل من جديد فتتحول التهاني إلى مواساة».
في التاسع من شتنبر سنة 2012، انتقل زوجها بوكرين إلى الرفيق الأعلى بعد أن توقف قلبه فجأة عن النبض، وفي رصيده 16 سنة من الاعتقال في مختلف سجون المملكة. كانت الزوجة تعاني من المرض لكنها تجاوزت محنتها لتكون في استقبال الحشد الذي حضر لتأبينه، قالت إن العوض في أبنائها الذين أصر الراحل على منحهم أسماء غريبة، الابن البكر «هزرمر»، وتعني بالفارسية «ألف رجل»، وحمل الابن الثاني اسم «غاثي»، ويعني بالفارسية «صديقي»، أما «نهاد» فاسمها استلهمه من «فيروز» واسمها الحقيقي «نهاد حداد»، ثم «جويرية» اسم إحدى زوجات الرسول (ص)، فـ«ماهر» و«لبيب» ثم «نصوح». الأغرب أن أغلب التسميات تمت في غياب الزوج، لكن فاطمة تستحق لقب المناضلة لأنها نابت عن سجين في رعاية وتربية أبناء بدون معيل.
*************
بني ملال : فاطمة العمري حكاية زوجة أخلصت بتفان
بعد الافراج عنهنشر في بني ملال أون لاين يوم 15 - 01 - 2009
كان محمد بوكرين يشتغل بمركز تاكزيرت القروي في قطاع التعليم ،انتقل في أواسط الخمسينات لبني ملال ، بمجرد وصوله لمقر عمله الجديد التقى أحد أصدقائه المسمى "البداوي" الذي اقترح عليه أن يسكن عند احد أصدقائه يدعى المصطفى العمري ، " وجدت عنده آنذاك بنية صغيرة عمرها سنتين ،قضيت آنذاك أسبوعين عند أسرة العمري في حي الكركور ببني ملال ،أذكر انه ذات مرة تاهت الصبية الصغيرة وسط بني ملال ولم نتمكن من العثور عليها إلا بعد جهد كبير ،انتقلت بعدها للسكن عند أسرة أخرى من عائلة معوني ، وانتقلت بعد ذلك إلى مناطق أخرى في إطار العمل إلى كل من مدن قصبة تادلة وسيدي حجاج .....بعد ذلك استقلت من التعليم والتحقت بالعمل كاتبا لدى أحد القواد بعدما كنت رفضت العمل كقائد مع بداية الاستقلال لاقتناعي آنذاك أن مواصفات القائد لا تتوفر في أنا الشاب اليافع ، وضرورة أن يتوفر القائد على خبرة وتجارب كبيرة في الحياة ،بعد أحداث 1960 واعتقالي سبع سنوات كان أول من استقبلني بعد الإفراج عني السيد مصطفى العمري ، لترتبط علاقتي مجددا بعائلة هذا الرجل ، وبعد سنة سيقترح علي مجموعة من الإخوان أن أتزوج من ابنة هذا الرجل التي لم تكن سوى بنته البكر الصبية التي كان عمرها سنتين عندما تعرفت لأول مرة على عائلة السيد مصطفى العمري ،كنت أكبرها آنذاك بسبعة عشر سنة وكان الزواج في نونبر سنة 1968 وأقمنا عرسا تقليديا بسيطا ." يحكي محمد بوكرين عن اللقاء بفاطمةالعمري رفيقة دربه .
كانت فاطمة العمري كما يصفها بوكرين طيلة سنوات اعتقاله بمختلف المعتقلات السرية والعلنية "انسانة عظيمة حفظتني ورعيت أبنائي وربتهم خير تربية ، وأخلصت بتفان ".
بوكرين الذي عايش مناضلين طلبت زوجاتهم الطلاق أو وقعت بعضهن نتيجة إغراءات وضغوطات .....بوكرين يعرف أكثر من غيره أعرف قيمة المرأة عندما يغيب عنها الرجل خاصة عندما يعتقل بسبب مواقفه السياسية ،يقول بوكرين "عندما يغيب الرجل وتكون زوجته مفتقدة للضمير والإخلاص فإن أسهل ما يكون أن تقع المرأة فريسة لكل شي فالعديد من الرفاق طلبت منهم زوجاتهم الطلاق وهم في السجن ، ومنهم من وجد زوجته قد أنجبت من بعدهم وكثير من المعتقلين السابقين بمجرد خروجهم من السجن تزوجوا من جديد ".
فاطمة العمري في أول سؤال ل"نجمة" حول شعورها وهي الشابة في نهاية سنوات الستينات عندما تقدم للزواج منها رجل خرج لتوه من السجن وبسبب مواقفه السياسية ، انفجرت ضاحكة وقالت "تيقنت حينها أنني تزوجت الخطر بعينه ،لكن الحمد لله زواج الوالدين وبالطرق التقليدية "، فاطمة امرأة بسيطة لكنها تختزل في بساطتها تجارب قلما تتوفر عليها نساء غيرها ،فهي زوجة "معتقل الملوك الثلاثة" محمد بوكرين ، مرت بفترات عصيبة كان أصعبها الاعتقال الأول بعد زواجها من بوكرين والثاني في تاريخ اعتقالات الرجل الاستثنائي ، تحكي فاطمة العمري عن الأحداث التي رافقت تلك الفترة ،العسكر والإرهاب النفسي لشابة في العشرين من عمرها ،كان قدرها أن يعتقل زوجها يومين فقط بعد فرحتها بوليدها الثالث ، وفي الوقت الذي كان عليها أن تفرح بوليدها الثالث كتب عليها أن لا تجد بجانبها أي فرد من عائلتها ،اعتقل الزوج في الصباح من معامل السكر بسوق السبت من مقر عمله وتلاه اعتقال الأب في المساء،قبل أن تعتقل الأم والأخ والخال في الغذ ،"بتنا ليلة عصيبة احتل فيها رجال البوليس والعسكر البيت وخضعت لتحقيق مطول مصحوب بإهانات وتعسفات ،وكان من غريب الصدف أن من أشرف على التحقيق معي واستنطاقي أحد رفاق بوكرين أثناء دراسته الكومسير ميمون أوقباب ،منعوا الجيران من الدخول إلى البيت أو الخروج منه رحلوا في الصباح ليحل محلهم فريق آخر ومعاناة أخرى وتحقيقات جديدة ."
"قمت آنذاك بدور الأب والزوج ،مارست الخياطة لإعالة أسرتين ، كان عمي يتطوع لبيع منتجاتي وكانت الأرباح كافية لإعالة عائلتين وتسديد تكاليف دراسة إخواني ورعاية أبنائي الصغار ،كان الحرص على توفير لقمة العيش وسط معاناة بفراق الزوج والأب ، والخوف على مصيرهما خاصة أمام عدم التمكن من معرفة هل هما على قيد الحياة أم أعدما مع من تم إعدامهم آنذاك في سنوات الرصاص ،حدث آخر كان تأثيره علي كبيرا عندما كان الزوج رهن الاعتقال ،فقدت ابني البكر "هزرمر" بعدما صدمته سيارة أجرة وهو ابن ست سنوات ،تحملت الصدمة لوحدي ولم أشأ أن أضيف هم آخر لهموم زوجي وكذلك فعل رفاقه ووالدي معه بالسجن ، ولم نخبره إلا بعد فترة تهيئ نفسية ،" تتذكر فاطمة العمري بتواضع كبير أن رسالتها إلى وزير العدل التي طالبت من خلالها بالكشف عن مصير زوجها ومحاكمته والتي نشرتها الصحف منتصف السبعينات كان لها أكبر الأثر في إخراج قضية زوجها إلى العلن وإلى محاكمة علنية بدل سقوط المعتقلين واحدا تلو الآخر في المعتقلات السرية .
تعتبر فاطمة فترة اعتقال زوجها محمد بوكرين يوم 12 يونيو سنة 1973 أصعب فترات الاعتقال التي عاشتها زوجة "معتقل الملوك الثلاثة "،لأن "مصير الزوج لم يكن معروفا بعكس الاعتقالات الأخرى التي كان الزوج على الأقل يخضع فيها للمحاكمة ونعرف مصيره رغم كل ما يمكن أن يقال عن أسباب الاعتقال وظروف المحاكمة والسجن إلا أننا كنا نعرف أين يوجد بعكس اعتقال سنة 1973 الرهيب والعصيب " تقول فاطمة العمري .
تعودت فاطمة على اعتقال زوجها ،كانت مقتنعة بأنه " لا يمكنه التراجع عن مواقفه ومادام لاشيء تغير في المغرب فإن أسهل ما كان يمكن أن يحصل أن يعتقل من جديد سنة 1981 ويقضي سنة أخرى ،وخرج من السجن في سنة 1982 ليعاد اعتقاله سنة أخرى بعد أشهر فقط ، ولكن بعد خروجه بأسبوعين فقط أعيد اعتقاله والحكم عليه بثلاث سنوات سنة 1983 ومن الطرائف آنذاك أن بعض النسوة كن يجئن بالسكر مهنئات بالإفراج عن زوجي فيفاجأن بأنه اعتقل فتتحول التهاني إلى مواساة ".
كما العادة يقول محمد بوكرين أن زوجته كانت "انسانة عظيمة جدا وتحملت أعباء البيت وتربية الأبناء ،ورغم أن اعتقالات الثمانينات لم تكن كظروف اعتقال 1973 لأن المناضلين بدأ وسطهم تضامن واسع مع المعتقلين، إلا أنها كالعادة لم تترك معتقلا أو سجنا إلا وتبعتني إليه وواستني وشدت من عزيمتي ،مقابل عنايتها بأبنائنا وتربيتهم أحسن تربية فهي إنسانة عظيمة ولن أكون ناكر جميل خاصة بعد الضغوطات التي مورست عليها لكنها لم تخضع لذلك واختارت الإخلاص لزوجها والإيمان بصواب مواقفه ومبادئه".
بعد خروج محمد بوكرين من السجن أواخر بعد قضائه ثلاث سنوات في وسط الثمانينات ولأن تاريخ الزوجة يرتبط بتاريخ زوجها أكثر من غيرها ،إذ كانت حياتها كلها استثناء تتغير المعطيات باعتقاله وتعود طبيعية بعودته للبيت ،فإن اعتقاله الأخير وهو الشيخ ذو الثانية والسبعين من عمره كانت تصاحبه مخاوف غير مسبوقة على صحة الرجل ،تقول فاطمة بعد أن ترفض ممازحة ذكر عمر بوكرين الحقيقي وترفض لقب الشيخ العجوز وتصر على أنه مازال شابا ،أن حالته الصحية التي كان عليها كان مصدر القلق الوحيد ،فالرجل الذي خرج من السجن وأفلت من الموت بأعجوبة في السبعينات ،حيث مات أزيد من 20 شخص كانوا معه آنذاك بالمعتقل ، كلفته فترة الاعتقال العيش بعدها بنصف رئة وتعطل النصف الآخر من الرئة بسبب ظروف الاعتقال ،أفلت مرة أخرى من موت محقق بعد تعرضه لنزيف حاد في سنة 2000 ،لذلك كان اعتقاله الأخير لا يخيفني بالقدر الذي تخوفت على صحته ،لذلك بمجرد علمي بمرضه الأخير قبل الإفراج عنه حتى لازمت الفراش نتيجة حالتي النفسية وخوفي على حياته" .
السيدة فاطمة العلوي التي درست إلى حدود السنة الرابعة من التعليم الابتدائي ،تتحدث بيقين تام عن صواب مواقف زوجها مهما كلف الأمر ،بل لا تبدي أي اعتراض ولو في اختيار أسماء أبنائهما، تقول فاطمة "كان سي محمد بوكرين يترك ظرفا مغلقا فيه مجموعة الأسماء وأوصاني إن هو قتل أو اعتقل أن أختار الأسماء من الموجودة داخل الظرف ، سمينا الابن البكر "هزرمر " وهو لقب فارسي بمعنى ألف رجل ، وكان أحد القادة العرب من بني المهلب يلقب بهذا اللقب ،أما الاسم الثاني "غاثي "فهو اسم فارسي أيضا بمعنى صديقي وأخي ،أما نهاد فقد كان متأثرا بصوت المطربة فيروز فسمى ابنته الأولى على اسم فيروز الحقيقي نهاد حداد ،ثم سرعان ما سمينا أبناءنا أسماء عربية،" ماهر،لبيب ،نصوح" ، وسمينا ابنتنا الثانية باسم "جويرية "كما كان اسم إحدى زوجات النبي محمد عليه الصلاة والسلام " ،تؤكد فاطمة العمري أن" الاستغراب والتعجب يكون موقف كل من يعرفنا حول طبيعة أسماء أبنائنا ،لكن سرعان ما يتحول الاستغراب إلى إعجاب بهذه الأسماء " .
ورغم أنها زوجة "معتقل الملوك الثلاثة" إلا أن فاطمة العمري لها تعريف خاص بالنضال" كنت وما أزال أقوم بدوري كزوجة ،لم أشغل نفسي بالسياسة ،لكنني مقتنعة بصواب ما يقوم به زوجي ،واعتبر النضال الحقيقي أن أقوم برعاية أبنائي وأحفظ زوجي في غيابه وبالإخلاص له ".
لحظات الإفراج عن المعتقلين يكون لها طعم خاص ،إلا أن فاطمة لم تكن تفرح كثيرا للإفراج عن زوجها لشعورها الدائم أن اعتقال بوكرين ممكن في أي لحظة ، تقدر فاطمة العمري تضحيات عائلات المناضلين التي كانت تواسيها أثناء اعتقال زوجها بوكرين ،لكن تبقى عائلتين لهما مكانة خاصة في قلوب كل أفراد عائلة بوكرين ،عائلتي المعتقلين السابقين محمد براضي وعمر منير رفيقا محمد بوكرين خلال اعتقالات السبعينات والثمانينات ،كما تأسف للدور الحقير والبعيد عن الشرف الذي لعبته بعض العائلات بممارسة الضغوط عليها وضايقتها ،بل منهم من كان يقدم نصائح مسمومة من مثل الوعود بتوفير مستقبل أفضل لفاطمة وأبنائها لو هي تطلب الطلاق من زوجها أثناء اعتقاله ،لكن إخلاصها لزوجها كان أكبر من أن تنال منه المساومات والإغراءات.
عندما طلبت "نجمة" من فاطمة العمري صور خاصة لنشرها ضمن مواد العدد فوجئنا أن الصور التي كانت تتوفر عليها العائلة صودر أغلبها أثناء اعتقال بوكرين خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي حتى الصور الخاصة بالعائلة .
لا تنسى فاطمة العمري في ختام جلستها مع "نجمة " أن تذكر بأن عائلتها ضحت كثيرا من أجل الوطن ،وأنه آن الأوان ليكمل الشباب مسيرة التضحيات من أجل مغرب أفضل ولكي لا تذهب سنوات التضحية التي بذلتها أسر مثل أسرة محمد بوكرين سدى .
إعداد :المصطفى أبوالخير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق