مغاربة فقدوا حياتهم من أجل التغيير ومن أجل غد أفضل/الشهيد حمان الفطواكي
مغاربة فقدوا حياتهم من أجل التغيير
ومن أجل غد أفضل
تقديم:
إن أغلب المقاومين والأغلبية الساحقة لفئات الشعب المغربي تملكتهم الصدمة والشعور بالاحباط والقهر والغربة في بلدهم الذي ناضلوا وضحوا بالغالي والنفيس لإنعتاقه من بؤرة الاستعمار واستقلاله. لأنهم سرعان ما عاينوا أن لا صوت لهم ولا اعتبار بل أصبحوا طريدة للأجهزة الأمنية العلنية منها والسرية واضطهد أولادهم وعائلاتهم وذووهم. وانتشر الاحباط إلى درجة ان هؤلاء المناضلين بدؤوا يفكرون في طريق للخروج من العتمة التي أسقط فيها المغرب ليعيش في ظروف أنكى وأقسى من ظروف أنكى وأقسى من ظروف الإستعمار الفرنسي أو الاسباني.
واعتباراً للقمع والتسلط والاستبداد والرعب وإرهاب الدولة أضحى الكثير من المغاربة يرون في الاستقلال نقمة ويعتبرون أن البلاد عرفت تقهقراً ملحوظاً مقارنة بالماضي.
لذلك فإن النضال أو الكفاح أو المقاومة، كل ذلك ظل ولازال دائماً عملاً مشروعاً مادام هناك طغيان، سواء كان هذا الطغيان أجنبياً أو محلياً. وتضحية المناضلين والمكافحين والمقاومين من أجل قضية عادلة هي التي تعطي المعنى العميق للحياة والوجود والحرية والكرامة الانسانية.
فعلى امتداد عقود عاش المغاربة في نفق مظلم قوامه السجون والمعتقلات السرية والاختطافات والتعذيب والموت البطيء والاغتيالات والقتل والدفن قي أماكن سرية والاغتصاب والقهر الجسدي والقمع المادي والمعنوي والاهانة والدوس على الكرامة الانسانية والصفة الآدمية.
وقد أدى الشعب المغربي الثمن فادحاً في الغلاء بأرواح أبنائه سواء على امتداد مرحلة الحماية والاستعمار أو في سبيل الخبز ومن أجل الحرية وحقوق الانسان والديمقراطية بعد الاستقلال في وقت كانت كمشة تراكم الثروات الفاحشة بدون موجب شرع ولا قانون على حساب أكثر من سبعة ملايين من أبناء هذا الوطن يعانون من وطأة الفقر المدقع.
وإذا كانت حصيلة الشهداء من أجل التغيير وغد أفضل ثقيلة وثقيلة جداً، فلا زال المغاربة ينتظرون هذا التغيير وهذا الغد الأفضل وقد طال انتظارهم.
وإذا كان لابد من الإقرار بحصيلة فإن المعطيات المتوفرة لازالت غير كافية بما يساعد على طرح حصيلة كاملة.
وقصد الاقتراب من الصورة يمكن الاكتفاء ببعض المعطيات التي أضحت واضحة للجميع ولا جدال فيها، ومن ضمنها الشهداء من أجل الاستقلال والاعدامات التي عرفها المغرب في عهد الاستقلال، وشهداء المظاهرات في ستينات وسبعينات وثمانيات القرن الماضي وشهداء المعتقلات السرية ومخافر الشرطة.
إنه لا مناص من جرد الحصيلة حتى نتعرف على الثمن الغالي الذي أداه الشعب المغربي من أجل التغيير وغد أفضل
السبت، 5 ديسمبر 2015
الشهيد حمان الفطواكي
البطل الشهيد حمان الفطواكي
هو محمد بن ابريك بن إبراهيم المعروف بحمان الفطواكي ، ولد عام 1319هجرية الموافق لسنة 1902م بمنطقة دمنات بناحية مراكش وعلى الخصوص قبيلة فطواكة،وسط عائلة جد متواضعة. وقد كان رحمة الله عليه وطنيا غيورا على بلاده.كما كان من العناصرالقليلة المسئولة عن تنظيم المقاومة بمراكش .وقد شارك في عمليات فدائية كثيرة ، منها رمي القنابل على الباشا التهامي الكلاوي ، وبن عرفة والجنرال كيوم (المقيم العام) ، ثم اغتيال مندوب الحكومة الفرنسية المسمى موني ، ومحاولة اغتيال الجنرال رئيس الشؤون الحضرية بمراكش ، كما كان مسئولا عن ربط الاتصال بين خلايا المقاومة بمراكش والدار البيضاء .
أعتقل يوم 9 ذي الحجة 1373ه الموافق 9 غشت 1954، وثم إعدامه بتاريخ 10شعبان 1374 الموافق 9أبريل 1955 بسجن العادر بإقليم الجديدة
.........................
كانت عقارب الساعة تشير إلى الساعة التاسعة وثلاثين دقيقة من مساء يوم السبت 15 ماي 1954، الموافق 12 رمضان 1373، عندما توقف مندوب الحكومة الفرنسية المدعو موريس موني بسيارته أمام مدخل منزله، قرب مقبرة باب دكالة خارج أسوار مدينة مراكش. وكان قد عاد لتوه من سهرة سينمائية منتشياً، يسحب دخان سيجارته في استعلاء، ليعطي إشارة ضوئية متفق على عدد ومضاتها، لفتح باب المرأب من طرف حارس البيت، في اللحظة نفسها يتلقى رصاصة مباغتة أخطأته، وقبل أن يتسلل ويتسلق الدرج الثالث من المرأب، في محاولة إفلات الى داخل البيت، يسقط جثة هامدة، تحت وابل من رصاص الفريق الفدائي للتنظيم السري للشهيد حمان الفطواكي، الذي كان يتابع بنفسه مجريات التنفيذ عن قرب، ومساجد المدينة تتهيأ بعد صلاة التراويح لإفراغ جوفها من المصلين.
كان موريس
موني المولود بالجزائر من بين الرموز الاستعمارية المتسمة بروح العداء والكراهية للوطنيين وكل محبي الحرية والاستقلال. كان يمتلك السلطة المطلقة في التحكم في التوجيه السياسي والقضائي والتعليمي، على مستوى مدينة مراكش ونواحيها. فهو يحضر محاكمات الوطنيين إلى جانب القضاة والمستشارين كمندوب مخزني، لتوجيه القضاء والتأثير عليه في إصدار أحكام قاسية في حق الوطنيين.
وأمام توسيع دائرة المقاومة المسلحة بمراكش، وتنامي العمليات الفدائية المنظمة لفرقة الشهيد حمان الفطواكي التي تستهدف أساطين الادارة الاستعمارية وعملائها، من خونة وأعوان. أقدم موريس موني المندوب المخزني على إجبار بعض ضعاف النفوس من علماء مراكش، لاستصدار فتوى تحرم العمل الفدائي، معتبرة إياه عملا إرهابيا، لا يقره الدين الإسلامي، ولا يدخل في باب الجهاد وتحرير الشعوب من ربقة الاستعمار. وفي هذا الصدد، يقول المرحوم الوطني المقاوم والمناضل الأستاذ محمد الحبيب الفرقاني، في كتابه: «صفحات من تاريخ المقاومة وجيش التحرير» ص 505، (هو الذي استدعى علماء مراكش... وجمعهم جميعا في إدارة
إدارة كلية ابن يوسف، بمحضر رئيس الكلية، طلب منهم أن يصدروا فتوى باستنكار العمل الفدائي، بوصفه عملا إرهابيا... وقد وافق كل العلماء الحاضرين على مطلب المندوب المخزني، وحرروا فتوى باستنكار العمل الفدائي، وساقوا في فتواهم تحريفا للدين والكتاب الكريم).
وفور إعلان هذه الفتوى، ونشرها في صحف الادارة الاستعمارية، وتعليقها أمام أبواب المساجد، هبت فرقة حمان الفطواكي، وجعلت من أولوياتها تصفية موريس موني اللعين، وعلى وجه الاستعجال خاصة لما علموا باقتحامه مسجد ابن يوسف منتعلا حذاءه، دون اعتبار لحرمة المسجد كفضاء للعبادة والتعبد، ولا مراعاة للمشاعر الدينية والوطنية للطلبة والمصلين الذين عبروا عن استنكارهم لهذا السلوك العنصري العدائي الاستفزازي المقيت. فانتدب أربعة عناصر مخلصة ذات خبرة ودراية بإنجاز العمليات الفدائية الفورية، من بين المجموعة التنفيذية لفرقة حمان الفطواكي، وأسندت لها مهمة تصفية المندوب المخزني في الادارة الاستعمارية بمدينة مراكش موريس موني وهم: محمد بن العربي الهوزالي، وعلي رضوان المسفيوي، والشهيدان مبارك بن بوبكر الدكالي، وعلال بن احمد الرحماني، اللذان نفذ فيهما الإعدام رفقة الشهيد حمان الفطواكي بتاريخ 9 أبريل 1955.
:crazy_pilot[1]::crazy_pilot[1]::crazy_pilot[1]::crazy_pilot[1]:
الهوامش:
إفادة بعض المقاومين من فرقة الشهيد حمان الفطواكي من لازالوا على قيد الحياة.
إفادة السيدة أرملة الشهيد علال بن احمد.
صفحات من تاريخ المقاومة وجيش التحرير ص 505.
حسن أحراث // الشهيد حمان الفطواكي وجحود الوطن..
(علاقتي بحمان الفطواكي الابن)
مناضلون مغاربة كثيرون يعرفون تفاصيل حياة العديد من الرموز عبر العالم، وخاصة الثوار منهم، مثل ماركس وانجلز ولينين وستالين وماو تسي تونغ وغيفارا وهوشي
منه وجياب والخطابي... إلخ. لكن أغلبهم يجهل تفاصيل تضحيات رموز مغاربة منسيين، ومن بينهم بالمناسبة الشهيد حمان الفطواكي (استشهد يوم 09 أبريل 1955)..
المناضلون يعرفون الكثير عن الشهداء بنبركة وزروال وسعيدة ورحال وكرينة وبلهواري والدريدي والتهاني وزبيدة وشباضة وايت الجيد وبوملي والكادري وبنعمار والمزياني..
لكن جلهم يجهل الكثير عن رموز وشهداء شعبنا لفترات تاريخية سابقة. ليس ذلك موقفا أو انحيازا/تمييزا، بل في كثير من الأحيان، سيرا على خطى التجارب السياسية السابقة.
وأغتنم الفرصة وأسجل أن العديد من التجارب السياسية السابقة لم تول الكثير من الاهتمام للتاريخ السياسي المغربي، لما قبل 1955/1956. علما أن هذه الفترة غنية بالدروس وكذلك فترة ما بعد 1955 وحتى 1970. فبدون معرفة دقيقة لهذه الفترات من تاريخ شعبنا، يصعب بلورة صيغ وآليات الانعتاق والتحرر من قبضة النظام القائم.
إن المناضلين مدعوون الى قراءة التاريخ القريب والبعيد لشعبنا وللشعوب الأخرى أيضا. ففي ذلك ما يؤهلهم لإبداع ملاحم المستقبل السعيد لشعبنا المغربي العظيم..
ومن خلال هذا القوس التاريخي، أتقاسم مع المناضلين الذين يهمهم الأمر، محطة استشهاد أحد رموز المقاومة المغربية، الشهيد حمان الفطواكي..
من هو الشهيد حمان الفطواكي؟
هو محمد بن ابريك بن ابراهيم المعروف بحمان الفطواكي، ولد سنة 1902 بمنطقة دمنات بناحية مراكش (منطقة فطواكة). شارك في عمليات فدائية كثيرة، منها رمي القنابل على الباشا التهامي الكلاوي وابن عرفة والجنرال كيوم (المقيم العام) واغتيال مندوب الحكومة الفرنسية المسمى موني ومحاولة اغتيال الجنرال رئيس الشؤون الحضرية بمراكش، كما كان مسؤولا عن ربط الاتصال بين خلايا المقاومة بمراكش والدار البيضاء .
أعتقل يوم 9 غشت 1954 وتم إعدامه بتاريخ 9 أبريل 1955 بالسجن الفلاحي العادر بإقليم الجديدة..
إنها نبذة بسيطة وسطحية.. لكن، من المفروض نضاليا أن تفتح شهية المناضلين للتعرف أكثر على الشهيد حمان الفطواكي وعلى تضحياته وعلى شهداء وتجارب أخرى ببلادنا العزيزة (ليس بالضرورة أن تكون هذه التجارب منسجمة حرفيا مع ما نريد).
لقد كان الحي الواحد وفي المدينة الواحدة يعرف أكثر من تجربة للمقاومة.. وعندما توحدت الروابط بين صفوف مختلف هذه التجارب، ولدت المقاومة الكبيرة التي هزمت المستعمر.. هزمت فرنسا، القوة العظمى حينذاك.. وهزمت اسبانيا من أنوال وما بعدها.. وهزمتهما معا بعد حين.. بعد الجريمة المعروفة بعملية "المكنسة" (Ecouvillon)..
ونحن بدورنا في حاجة الى توحيد روابطنا وتمثينها لتولد مقاومتنا الكبيرة.. فليس في مصلحة أي منا، كتجارب نضالية مشهودة، تصعيد أشكال العداء (المجاني) في وجه بعضنا البعض..
واستحضارا للتاريخ، أتوقف عند علاقتي بحمان الفطواكي، حمان الابن..
لقد شاءت الصدفة أن تحط أسرتي الرحال سنة 1972 بحي "عرصة الملاك" (بمدينة مراكش طبعا). وبنفس "الدرب" المراكشي كانت تقطن زوجة الشهيد حمان الفطواكي. كان ابن الشهيد يحمل نفس الاسم (حمان). لقد اعتقل الشهيد حمان وزوجته حامل.
كم لعبنا معا بنفس الحي وكم تابعنا بمنزلنا من مقابلات لكرة القدم بالتلفزة الواحدة.. وكم من مرة حملت على كتفي "وصلة" الخبز الى "فران" الحومة نزولا عند طلب زوجة الشهيد وأم الصديق حمان الفطواكي..
افترقت بنا السبل، رغما عنا.. وضاعت علاقتنا الاجتماعية والإنسانية.. لكن التاريخ يشهد أننا كنا أصدقاء.. وسيشهد أننا مخلصون لنفس القضية، قضية الشهيد حمان الفطواكي..
علمت فيما بعد بمعاناة أسرة الشهيد والصديق، خاصة إبان وبعد وفاة الزوجة/الأم..
إنه المصير المؤلم لعائلات الشهداء، منذ الخمسينات والى اليوم..
إنه الجحود وعدم الاعتراف..
إنها مسؤوليتنا اليوم وغدا، أيها الرفاق..
لنتذكر الشهداء.. ولنفضح أعداءهم/أعداءنا..
ليتذكر من عاهد الشهداء على أن يهتم بأبنائهم وعائلاتهم..
ليتذكر عبد السلام الجبلي (وغيره كثيرون) عهد الشهداء ومن بينهم الشهيد بركاتو..
لنتذكر المعتقلين السياسيين.. ولنفضح أعداءهم/أعداءنا..
لنتذكر المضربين عن الطعام.. ولنناضل من أجل نصرتهم ونصرة قضيتهم، تضامنا وانخراطا في معاركهم...
**********
نجل الشهيد حمان الفطواكي يكشف أسراره المجهولة :
والدنا فضل المقاومة على التجارة وقصور الباشا وبعد مماته عشنا طفولتنا «مكرفسين»
والدنا فضل المقاومة على التجارة وقصور الباشا وبعد مماته عشنا طفولتنا «مكرفسين»
عبد الكبير الميناوينشر في المساء يوم 04 - 09 - 2009
حمان الفطواكي، هو الاسم الحركي للمقاوم والشهيد محمد بن بريك، الذي نفذ فيه الاستعمار الفرنسي حكم الإعدام شهوراً قليلة قبل إعلان الاستقلال. ومن المفارقات العجيبة أنه لم يترك خلفه صورة شخصية واحدة يتعرف المغاربة من خلالها على ملامح وجهه، باستثناء رسم تقريبي باليد وضعه له أحد المراكشيين، مباشرة بعد تنفيذ حكم الإعدام في حقه. في الحوار التالي الذي أجرته «نجمة» مع ابنه شهيد حمان، نعيد تركيب صورة الأب والشهيد، الذي رحل قبل أن يتعرف على ابنه الثاني، بعد أن ترك الأول في سن الرابعة، وزوجة كان عليها أن تتقمص، لاحقا، دور الأب والأم، وذكريات الاعتقال والإعدام، وبعض التفاصيل والأسرار المجهولة في حياة هذا الشهيد الذي طبع مسيرة المقاومة المغربية.
- ما هي الصورة التي ترسمها عن والدك الذي لم تره قيد حياته؟
> أتذكره عبر حديث أصدقائه ورفقائه وذكريات الوالدة معه. أذكر أننا التقينا مرة بالراحل عبد الله إبراهيم، رئيس أول حكومة وطنية بعد الاستقلال، نحن أبناء علال بن عبد الله والزيراوي ومحمد الزرقطوني وحمان الفطواكي. وحين تقدمنا للسلام عليه، وعرّفناه بهويتنا، سكت لبعض الوقت، ثم قال «إيه ... هؤلاء هم أعمدة الوطن». كنا وقتها في انتظار أن يستقبلنا الملك محمد السادس لنقدم له التعازي في وفاة والده، الملك الراحل الحسن الثاني.
- متى كانت بداية وعيك بموت الوالد وبكونه كان مقاوماً، نفذ فيه حكم الإعدام من طرف الاستعمار الفرنسي؟
> كان أخي في الرابعة، وكنت أنا في بطن الوالدة حين أعدم. كبرنا في حضن الوالدة التي كانت بمثابة الأب والأم لي أنا وأخي صلاح الذي تابع دراسته في. مؤسسة أبناء الشهداء الموجودة في شارع الحسن الثاني بحي جليز. في البداية، لم نكن نحس بأي نقص، على مستوى الأكل والشرب والسكن لأن والدتنا كانت تعمل المستحيل حتى لا نشعر بالفراغ الذي خلفه والدنا.
وقتها كنا نسكن بباب تاغزوت. وإضافة إلى مصاريف الأكل والشرب والملبس والدراسة، كانت الوالدة تؤدي واجب الكراء، فنحن لم نكن نملك سكناً. ثم رحلنا، حوالي سنة 1966، من باب تاغزوت إلى منزل آخر يوجد بعرصة الملاك، إلى أن توفيت الوالدة، في العام 1976.
علاقته بزوجته
- لنرجع قليلا إلى الوراء، لنتحدث عن علاقة الوالد بالوالدة؟
> والدي من مواليد 1912، اسمه بالكامل محمد حمان الفطواكي، وقد كان والده يدعى بريك بن ابراهيم، ووالدته اسمها فطومة بنت المكي. تزوج أبي بالوالدة رقية بنت محمد الصبان سنة 1946. وكانت والدتي حاملا بي، حين نفذ فيه حكم الإعدام، في التاسع من أبريل من سنة 1955. ولذلك لم يكتب لي أن أتعرف عليه، أما صلاح الدين، أخي الأكبر، فكان في الرابعة من العمر، وهو اليوم مهندس معماري، متزوج وله ثلاثة أبناء، هم نزار وسارة وريم. أما أنا فأشتغل في الوكالة المستقلة للماء والكهرباء بمراكش، ولي أربعة أبناء، هم ابتسام ولبنى وزكريا ويحيى.
- كيف كانت تحدثكما الوالدة عن والدكما؟ وكيف كانت ترسم صورته؟
> كانت تقول إنه كان إنساناً متخلقا يخاف الله. عاش لفترة في إسبانيا قبل زواجه منها، لأنه كان منخرطاً في الجيش الإسباني، وحين عاد إلى المغرب ذهب إلى فطواكة بمنطقة تيديلي، حيث اشتغل مع والده في الفلاحة، إلى أن دخل إلى مراكش، حوالي سنة 1944، واشتغل إلى جانب الباشا الكلاوي.
- ولماذا انتقل في رأيك من قصور الباشا إلى خلايا المقاومة؟
> كبرت في رأسه فكرة المقاومة بعد نفي محمد الخامس. وكانت له أخت تعيش في الدار البيضاء، وهناك بدأ اتصالاته مع محمد الزرقطوني والفقيه البصري ومولاي عبد السلام الجبلي.
- كيف كانت الوالدة تتذكر علاقتها بالوالد؟
> كان يعاملها بلطف وأدب. كما كانت تقول إنه كان يملك محلين تجاريين، واحد لبيع الزيتون والخليع والحامض برياض العروس، ومحل ثان لبيع الفحم بنفس المنطقة. وكانت تردد أن أمورهما المادية كانت بخير، وأنه كان يملك سيارة. وحين أعدم لم تعرف والدتي أين ذهب كل ذلك، فقد كانت ربة بيت ينطبق عليها ذلك الوصف الذي يقول «من الدار للقبر».
- كيف كانت الوالدة تتدبر متطلبات العيش، في غياب الوالد؟
> من مدخول رخصة الطاكسي.
- وكم كانت تؤدي كواجب لكراء المنزل؟
4000 ريال. وكانت تأخذ عن الرخصة مبلغ 5000 ريال.
- ومتى حصلت على هذه الرخصة؟
> بعد الاستقلال، كان هناك تجمع حضره الملك الراحل محمد الخامس، الذي قام بتوزيع رخص وإعانات على المقاومين والشهداء. ولما وقفت والدتي أمامه، وسألها ماذا تريد، طلبت منه أن يرسلها إلى الحج.
ذكرى لقاء الملك
- حدثنا عن لقائكم بالملك، كيف كان هذا اللقاء؟
> تقدمنا للسلام عليه وتعزيته في والده، ومن جانبه رحب بنا وكان لطيفا جداً. تعامل معنا كأننا إخوته، وليس أبناء شهداء ومقاومين، وقال لنا إن آباءنا استشهدوا فداء للوطن، وإننا أبناء الدار وإنه مرحب بنا في أي وقت رغبنا فيه. وقد تمت دعوتنا، لاحقا، إلى حفل زفافه وإلى مناسبات أخرى.
- التقيتُ مرة بالفنان المسرحي عبد الجبار الوزير، الذي حكم عليه هو الآخر بالإعدام، ولم ينفذ فيه بسبب إعلان الاستقلال، وحدثني عن والدك بتقدير كبير..
> (مقاطعاً) لو جالست رفيقه المرحوم محمد بلقاس لقال لك إن بعضهم أطلق على حمان الفطواكي بعد مماته لقب «مول الطاكسي»، بعد أن توصلت والدتي برخصة سيارة أجرة من النوع الكبير تحمل الرقم 23، وكانت هي كل ما حصلت عليه عائلته.
- في مقابل العمل البطولي الذي قام به والدك، يبدو أنك تشعر ببعض المرارة؟
> كيف لا أشعر بالمرارة وأنت ترى أنني أسكن في شقة تبلغ مساحتها 68 مترا في الطابق الثاني، من عمارة تابعة للأملاك المخزنية، وحين سأموت سيكون على أبنائي أن يخرجوا منها؟ حاولت مراراً أن أتملك هذه الشقة، ووجهت العديد من المراسلات في الموضوع، وحين أجابوني طلبوا مني مبلغ 19 مليون، وهو مبلغ مبالغ فيه.
- متى كانت آخر مرة زرت فيها قبر الوالد؟
> في ذكرى 20 غشت 2002. ومن المفارقات المحزنة أنه كتب علينا أن نفتقد الوالد حياً وميتاً.
- كيف ذلك؟
> لأنني شخصياً لم أعرفه حياً ولم أتعرف على قبره ميتاً.
- كيف؟
> يوجد قبر والدي في سجن العدير بالجديدة. والمثير في الأمر أننا لا نميز قبره عن باقي القبور الأخرى التي تعود لشهداء آخرين. فهناك مجموعة قبور يصل عددها إلى حوالي 13 قبرا، وبجانبها لوحة كبيرة تقدم أصحاب القبور كشهداء، لكن ليس هناك قبر عليه إشارة أو شاهد أو شيء يدل على أنه والدك أو شهيد آخر، بحيث تقف هناك دون أن تعرف أين هو قبر والدك.
- وهل حاولتم تدبر طريقة للتعرف على قبر الوالد ونقل رفاته إلى خارج السجن؟
> حاولنا مرارا، وسمعنا أن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق عبد الكبير العلوي المدغري، حين سألوه في الموضوع، قال لهم إن ذلك حرام. وعليه، وبما أن القبر يوجد داخل السجن، فإن علينا دائماً أن نأخذ موافقة وزارة العدل، أو أن ننتظر ذكرى 20 غشت لكي نقوم بزيارته.
- هل تصطحب أبناءك في زياراتك لقبر والدك؟
> لا. أردت دائما أن أجنبهم المواقف المحرجة، التي قد تنجم عن وجود القبر داخل السجن.
أنت الذي لم تره في حياته، كيف تبدو صورة والدك في مخيلتك؟
> الصورة الوحيدة لوالدي هي صورة مرسومة باليد.
- ولماذا لم يخلف والدكم صوراً؟
> قالت لي الوالدة إنه كان ينفر من أخذ الصور، كما أنه مات قبل أوان الرحيل. ومن يدري فربما لو كان كتب له عمر طويل لأخذت له صور كثيرة بالأبيض والأسود وبالألوان، مثل الكثير من رفاقه.
- متى كانت بداية وعيك بموت الوالد وبكونه كان مقاوماً، نفذ فيه حكم الإعدام من طرف الاستعمار الفرنسي؟
> كان أخي في الرابعة، وكنت أنا في بطن الوالدة حين أعدم. كبرنا في حضن الوالدة التي كانت بمثابة الأب والأم لي أنا وأخي صلاح الذي تابع دراسته في. مؤسسة أبناء الشهداء الموجودة في شارع الحسن الثاني بحي جليز. في البداية، لم نكن نحس بأي نقص، على مستوى الأكل والشرب والسكن لأن والدتنا كانت تعمل المستحيل حتى لا نشعر بالفراغ الذي خلفه والدنا.
وقتها كنا نسكن بباب تاغزوت. وإضافة إلى مصاريف الأكل والشرب والملبس والدراسة، كانت الوالدة تؤدي واجب الكراء، فنحن لم نكن نملك سكناً. ثم رحلنا، حوالي سنة 1966، من باب تاغزوت إلى منزل آخر يوجد بعرصة الملاك، إلى أن توفيت الوالدة، في العام 1976.
علاقته بزوجته
- لنرجع قليلا إلى الوراء، لنتحدث عن علاقة الوالد بالوالدة؟
> والدي من مواليد 1912، اسمه بالكامل محمد حمان الفطواكي، وقد كان والده يدعى بريك بن ابراهيم، ووالدته اسمها فطومة بنت المكي. تزوج أبي بالوالدة رقية بنت محمد الصبان سنة 1946. وكانت والدتي حاملا بي، حين نفذ فيه حكم الإعدام، في التاسع من أبريل من سنة 1955. ولذلك لم يكتب لي أن أتعرف عليه، أما صلاح الدين، أخي الأكبر، فكان في الرابعة من العمر، وهو اليوم مهندس معماري، متزوج وله ثلاثة أبناء، هم نزار وسارة وريم. أما أنا فأشتغل في الوكالة المستقلة للماء والكهرباء بمراكش، ولي أربعة أبناء، هم ابتسام ولبنى وزكريا ويحيى.
- كيف كانت تحدثكما الوالدة عن والدكما؟ وكيف كانت ترسم صورته؟
> كانت تقول إنه كان إنساناً متخلقا يخاف الله. عاش لفترة في إسبانيا قبل زواجه منها، لأنه كان منخرطاً في الجيش الإسباني، وحين عاد إلى المغرب ذهب إلى فطواكة بمنطقة تيديلي، حيث اشتغل مع والده في الفلاحة، إلى أن دخل إلى مراكش، حوالي سنة 1944، واشتغل إلى جانب الباشا الكلاوي.
- ولماذا انتقل في رأيك من قصور الباشا إلى خلايا المقاومة؟
> كبرت في رأسه فكرة المقاومة بعد نفي محمد الخامس. وكانت له أخت تعيش في الدار البيضاء، وهناك بدأ اتصالاته مع محمد الزرقطوني والفقيه البصري ومولاي عبد السلام الجبلي.
- كيف كانت الوالدة تتذكر علاقتها بالوالد؟
> كان يعاملها بلطف وأدب. كما كانت تقول إنه كان يملك محلين تجاريين، واحد لبيع الزيتون والخليع والحامض برياض العروس، ومحل ثان لبيع الفحم بنفس المنطقة. وكانت تردد أن أمورهما المادية كانت بخير، وأنه كان يملك سيارة. وحين أعدم لم تعرف والدتي أين ذهب كل ذلك، فقد كانت ربة بيت ينطبق عليها ذلك الوصف الذي يقول «من الدار للقبر».
- كيف كانت الوالدة تتدبر متطلبات العيش، في غياب الوالد؟
> من مدخول رخصة الطاكسي.
- وكم كانت تؤدي كواجب لكراء المنزل؟
4000 ريال. وكانت تأخذ عن الرخصة مبلغ 5000 ريال.
- ومتى حصلت على هذه الرخصة؟
> بعد الاستقلال، كان هناك تجمع حضره الملك الراحل محمد الخامس، الذي قام بتوزيع رخص وإعانات على المقاومين والشهداء. ولما وقفت والدتي أمامه، وسألها ماذا تريد، طلبت منه أن يرسلها إلى الحج.
ذكرى لقاء الملك
- حدثنا عن لقائكم بالملك، كيف كان هذا اللقاء؟
> تقدمنا للسلام عليه وتعزيته في والده، ومن جانبه رحب بنا وكان لطيفا جداً. تعامل معنا كأننا إخوته، وليس أبناء شهداء ومقاومين، وقال لنا إن آباءنا استشهدوا فداء للوطن، وإننا أبناء الدار وإنه مرحب بنا في أي وقت رغبنا فيه. وقد تمت دعوتنا، لاحقا، إلى حفل زفافه وإلى مناسبات أخرى.
- التقيتُ مرة بالفنان المسرحي عبد الجبار الوزير، الذي حكم عليه هو الآخر بالإعدام، ولم ينفذ فيه بسبب إعلان الاستقلال، وحدثني عن والدك بتقدير كبير..
> (مقاطعاً) لو جالست رفيقه المرحوم محمد بلقاس لقال لك إن بعضهم أطلق على حمان الفطواكي بعد مماته لقب «مول الطاكسي»، بعد أن توصلت والدتي برخصة سيارة أجرة من النوع الكبير تحمل الرقم 23، وكانت هي كل ما حصلت عليه عائلته.
- في مقابل العمل البطولي الذي قام به والدك، يبدو أنك تشعر ببعض المرارة؟
> كيف لا أشعر بالمرارة وأنت ترى أنني أسكن في شقة تبلغ مساحتها 68 مترا في الطابق الثاني، من عمارة تابعة للأملاك المخزنية، وحين سأموت سيكون على أبنائي أن يخرجوا منها؟ حاولت مراراً أن أتملك هذه الشقة، ووجهت العديد من المراسلات في الموضوع، وحين أجابوني طلبوا مني مبلغ 19 مليون، وهو مبلغ مبالغ فيه.
- متى كانت آخر مرة زرت فيها قبر الوالد؟
> في ذكرى 20 غشت 2002. ومن المفارقات المحزنة أنه كتب علينا أن نفتقد الوالد حياً وميتاً.
- كيف ذلك؟
> لأنني شخصياً لم أعرفه حياً ولم أتعرف على قبره ميتاً.
- كيف؟
> يوجد قبر والدي في سجن العدير بالجديدة. والمثير في الأمر أننا لا نميز قبره عن باقي القبور الأخرى التي تعود لشهداء آخرين. فهناك مجموعة قبور يصل عددها إلى حوالي 13 قبرا، وبجانبها لوحة كبيرة تقدم أصحاب القبور كشهداء، لكن ليس هناك قبر عليه إشارة أو شاهد أو شيء يدل على أنه والدك أو شهيد آخر، بحيث تقف هناك دون أن تعرف أين هو قبر والدك.
- وهل حاولتم تدبر طريقة للتعرف على قبر الوالد ونقل رفاته إلى خارج السجن؟
> حاولنا مرارا، وسمعنا أن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق عبد الكبير العلوي المدغري، حين سألوه في الموضوع، قال لهم إن ذلك حرام. وعليه، وبما أن القبر يوجد داخل السجن، فإن علينا دائماً أن نأخذ موافقة وزارة العدل، أو أن ننتظر ذكرى 20 غشت لكي نقوم بزيارته.
- هل تصطحب أبناءك في زياراتك لقبر والدك؟
> لا. أردت دائما أن أجنبهم المواقف المحرجة، التي قد تنجم عن وجود القبر داخل السجن.
أنت الذي لم تره في حياته، كيف تبدو صورة والدك في مخيلتك؟
> الصورة الوحيدة لوالدي هي صورة مرسومة باليد.
- ولماذا لم يخلف والدكم صوراً؟
> قالت لي الوالدة إنه كان ينفر من أخذ الصور، كما أنه مات قبل أوان الرحيل. ومن يدري فربما لو كان كتب له عمر طويل لأخذت له صور كثيرة بالأبيض والأسود وبالألوان، مثل الكثير من رفاقه.
عبد الجبار الوزير : أنقذني إعلان الاستقلال من حكم الإعدام
ألقيت قنبلة على سينما «مرحبا» بمراكش خلفت ذعرا وجرحى
ألقيت قنبلة على سينما «مرحبا» بمراكش خلفت ذعرا وجرحى
عبد الكبير الميناوينشر في المساء يوم 07 - 10 - 2009
عبد الجبار الوزير، هو، اليوم، شيخ المسرح المغربي، هو الفنان المتميز الذي راكم التجارب وعاش حياة تلخص مغرب ما بعد الأربعينيات وسنوات الاستقلال. مابين 1948، مع مسرحية «الفاطمي والضاوية»، و2009، مع مسرحية «التبوريدة»، سنكون مع وقائع وأحداث وأسماء وعناوين تلخص سيرة فنان متميز، جرب كل الفرص والخيارات التي يمكن أن تقترحها الحياة على أي فرد منا. في هذا الحوار المطول، سنكون مع عبد الجبار الوزير حارس المرمى، الصْنايعي، المقاوم والمحكوم بالإعدام، الذي انخرط في صفوف القوات المساعدة، فكان يؤدي عمله بالنهار على هذا الأساس، وفي الليل يلبس جبة الفنان المسرحي ليضحك ويمتع الجمهور المراكشي، قبل أن يتفرغ لفنه وجمهوره. يتذكر عبد الجبار الوزير علاقته بحمان الفطواكي وبجيل المقاومة في مراكش، كما يتحدث، في مرحلة ثانية، عن علاقته برواد الفن والمسرح المغربي، من دون أن ينسى الحديث عن علاقته، كفنان، بالملك الراحل الحسن الثاني. يتذكر عبد الجبار الوزير أياما كان فيها المسرح المغربي مزدهرا، ويتحسر على حاضر فني صار مفتوحا على استسهال الفن وتراجع إشعاع المسرح.
- ما حكاية معرفتك بحمان الفطواكي ؟
> كان حمان الفطواكي معروفا كأحد أعوان الباشا الكلاوي. كما كان يبيع الفحم في رياض العروس. وكانت له بالوالد سابق معرفة. وقد لمحته في محيط جامع الفنا، خلال الاختبار الذي أخضعني له المقاومون، وقد أخبرت بنبراهيم البصير عن تواجد حمان الفطواكي، حارس الباشا الكلاوي، بالمكان، حتى أني وصفته بالخائن.
- لم تكن تعرف أن حمان الفطواكي هو زعيم الخلية، وأنه كان متواجدا هناك لكي يختبرك ؟
> لم أعرف ذلك إلا حين أخبرني بنبراهيم بذلك. لقد كان مجاهدا ومقاوما كبيرا، وقد مات رحمه الله فداء للوطن.
- لم تكن مهمة فدائية.. كانت اختباراً لك من طرف الفدائيين...؟
> فعلا. لكن، في وقت لاحق، كانت خلايا المقاومة تحاول تفجير قنبلة بسينما «مرحبا». كان من أهداف المقاومة أن يثير تفجير القنبلة الذعر في النفوس أكثر من أن تخلف ضحايا. وكانت المقاومة طالبت بإغلاق المحلات والملاهي. ولم تغلق سينما «مرحبا» أبوابها. وكان قد تم تكليف بعض المقاومين بالمهمة، لكنهم فشلوا، على مدى ثلاثة أيام، في تنفيذ المهمة. بعد ذلك، اقترحت اسمي للقيام بالمهمة، حيث قصدت سينما «مرحبا»، وألقيت القنبلة في الهواء، فانفجرت مخلفة الذعر وبعض الجرحى، ثم تسللت هاربا، إلى حين أرسل المقاومون في طلبي، بعد أن عرفوا بمكاني، ملحين في أمر التخفي، خوفاً من إلقاء القبض علي.
وبالإضافة إلى مثل هذه النوعية من المهمات كنت أقوم، أيضا، بتوزيع المنشورات، وقد كنت أتحدى حراس الكلاوي فأوزع المنشورات بالقرب منهم، فشكوا في أمر قتلي للحارس الذي اعتدى على أخي، فخافوا أن ينالهم نصيب من بأسي. وقد بقيت على هذه الحالة إلى أن كلمني بنبراهيم في شأن مهمة جديدة.
- وبعد ذلك، ماذا حدث ؟
> بعد يومين ستفشل محاولة اغتيال رئيس الغرفة التجارية بالسمارين. وسيلقى القبض على المقاوم الذي كلف بتنفيذ العملية، وبعد تعذيبه اعترف بالخلية.
لما سمع حمان الفطواكي بالأمر هرب، وقد حاول الانتحار في أكثر من مناسبة، لكن الحراس كانوا حذرين وملحين في أخذ اعترافاته كيفما كانت الطريقة.
- وكان أن ألقوا عليك القبض ؟
> نعم. كان ذلك يوم 17 غشت 1954. أمضيت عشرة أيام بكوميسارية جامع الفنا وسبعة أشهر بسجن بولمهارز. كان التعذيب شديداً. هكذا ألخص لك الحكاية. وبعد ذلك حكموا علينا بالإعدام. أنا وبنبراهيم وحمان الفطواكي وباقي أعضاء الخلية.
- يظهر، أن حكم الإعدام لم ينفذ في حقك؟
> لقد كنت متابعا، في قضية توزيع المنشورات، مع بنبراهيم وآخرين، وكان ملفها بالرباط. لأجل ذلك لم ينفذ في الحكم، في نفس الوقت، الذي نفذ فيه، في المرحوم حمان الفطواكي.
- حكم عليك بالإعدام، فيما كانت تنتظرك قضية أخرى بالرباط... كيف تقبلت الحكم عليك بالإعدام؟
> في السجن، كان هناك مقاومون من مختلف مناطق المغرب، ومن مختلف الطبقات والمستويات. كانوا رجالا مؤمنين بالقضية التي دخلوا على أساسها إلى السجن. وكذلك كان حالي. لقد اعتقلنا وعذبنا بعد اقتناع بنبل مانقوم به. لم نسرق أو نزهق أرواحا بريئة تحت دافع السرقة أو غير ذلك. كنا ندافع عن استقلال البلاد وعودة الملك. كانت ثورة عارمة ساهم فيه الشعب بمختلف شرائحه. لأجل ذلك كنا مرتاحين للحكم الذي كان سيصدر في حقنا. لقد وصلت المقاومة إلى درجة جعلت مقاومين يفضلون السم والانتحار طواعية واختيارا خوفا من الوشاية برفاقهم في الكفاح.
- حدثنا عن ظروف خروجك من السجن؟
> من حسن حظنا، أن أعلن عن عودة الملك محمد الخامس من المنفى. لم يطلق سراحنا مباشرة، بل بقينا رهن الاعتقال إلى فاتح يناير 1956. وقد خرجنا من السجن خروج الأبطال، حيث احتفى بنا حزب الاستقلال وتمت استضافتنا، على مدى ثلاثة أيام، بكل ما للضيافة من معنى. كما حظينا باستقبال من طرف الملك الراحل محمد الخامس، شأننا شأن كل المقاومين. وبعد ذلك عدنا إلى مراكش حيث تم الاحتفاء بنا. كان الاستقبال حاشدا، وكنا فرحين. كانت فرحة مضاعفة : فرحة أننا من المقاومة وفرحة حصول بلادنا على الاستقلال.
- لنرجع إلى السجن ثانية، كيف كانت أيامكم هناك ؟ وكيف رتبت أمورك داخله ؟ سواء شخصيا أو في علاقة بالآخرين ؟ ألم توظف المسرح لتمضية الوقت والترفيه عن النفس، مثلا ؟
> فعلا. وظفنا المسرح في السجن. وأذكر جيدا تلك المقاطع من مسرحية «الفاطمي والضاوية»، والتي كنت أعرضها أمام المقاومين.
- ألم تستثمر فترة السجن والاعتقال في شيء آخر؟
> بلى. لقد قضينا مايقرب من سنتين في السجن والاعتقال. والفدائيون المعتقلون كانوا من مختلف الأعمار والطبقات، كما كان فيهم المتعلم والأمي. في السجن كانت لدي الفرصة لأتعلم الأبجدية وأركب الحروف والجمل ولأحفظ الجزء الأول من النحو الواضح، وهذا ما نفعني، في مابعد، في مسيرتي الفنية. كما أني عملت، بعد خروجي من السجن، على التعلم وإتقان اللغة، عبر قراءة القصص وحفظ القواعد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق