مقاطعة شعيرة عيد الاضحى بين الماضي والحاضر
من تهديدات عائلات معتقلي الريف بمقاطعة شعائر عيد الاضحى نسوق من ذاكرة تاريخ المغرب بعض هذه الاحداث من مقال لحسن البصري في الجريدة الالكترونية الاخبارتحت عنوان
حكايات أعياد أضحى ذاقها المغاربة بطعم الأحزان
لعبت السياسة دورها في إبطال فرحة العيد، حين تعرض المغرب لمواقف استدعت تأجيل الفرح، خاصة حين تتزامن أحداث سياسية مع عيد الأضحى، إذ رفض كثير من المغاربة نحر الأضاحي تضامنا مع ضحايا حرب الرمال سنة 1963، أو حين طرد الجزائر آلاف المغاربة ورمى بهم نظام بن جديد على الحدود والناس تنتظر قدوم العيد.
وعاشت أسر وعائلات منفذي ومدبري الانقلابات التي شهدها المغرب في بداية السبعينات، ما يشبه القطيعة مع عيد الأضحى، بعدما نفذت أحكام الإعدام رميا بالرصاص في ليلة النحر، فأصبح العيد بلا طعم ولا رائحة.
«الأخبار» تعيد ترتيب وقائع وأحداثا عفا فيها القدر عن الخرفان وخلصها من نحر مع سبق الإصرار والترصد.
وعاشت أسر وعائلات منفذي ومدبري الانقلابات التي شهدها المغرب في بداية السبعينات، ما يشبه القطيعة مع عيد الأضحى، بعدما نفذت أحكام الإعدام رميا بالرصاص في ليلة النحر، فأصبح العيد بلا طعم ولا رائحة.
«الأخبار» تعيد ترتيب وقائع وأحداثا عفا فيها القدر عن الخرفان وخلصها من نحر مع سبق الإصرار والترصد.
قٌتل الرجال فصدرت فتوى تبيح للنساء نحر الأضاحي
في الحرب الأهلية الإسبانية التي استمرت من سنة 1936 إلى 1939، قتل مئات المغاربة من أهالي الريف وآلاف الإسبانيين الذين جندهم الجنرال فرانسيسكو فرانكو في حرب لا يعرفون أسبابها وأهدافها، لكنهم كانوا يدافعون عن لقمة عيش أسرهم، لأن التجنيد يمنحهم راتبا شهريا وخبزا وسمكا. «كنا نصلي على سيدنا محمد ونردد الأذكار قبل أن نشن الغارات، وكان الإسبان المذعورون يحاولون الفرار فور سماعهم أصواتنا»، يروي شاهد على عصر الحرب المدمرة، التي شارك فيها مغاربة قاصرون أوهمهم أتباع فرانكو بأنهم في مواجهة الشيوعيين «الكفرة»، مستغلين سذاجة المجندين، الذين لم يكونوا على علم بأنهم يقاتلون ضد حكومة دستورية مشروعة متحالفين مع الدكتاتور فرانكو.
تحالفت الحروب والجفاف والمجاعات ضد المواطن الريفي البسيط، فكانت لها عواقب وخيمة في شمال المغرب، على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي بل وحتى الديمغرافي، حيث تكبد الأهالي خسائر بشرية هامة أخلت بالتوازن الديموغرافي، وهذه الخسائر تثبتها بعض الحقائق التاريخية إذ أن «الذين عبروا البحر سنوات 1936-1937-1938، لم يعد منهم إلا القليل، حاملين معهم أعطابا وإعاقات جسدية شتى، وهذا النزيف الديموغرافي هو الذي جعل بعض المداشر في الريف الشرقي لم تجد رجلا بالغا يذبح أضحية عيد الأضحى المصادف للسنة الثانية من الحرب أي عام 1937».
في ظل هذا الوضع، استصدر فقهاء المنطقة فتوى دينية يسمحون فيها للمرأة بنحر أضحية العيد «شريطة أن تكون محملة على ظهرها بابن بكر»، وهذه الفتوى شهيرة في حوليات الحرب الأهلية الإسبانية بالريف، تكشف أن غالبية رجال المنطقة جندوا في تلك الحرب ولم يبق بها سوى النساء، كما ورد في كثير من الروايات التاريخية.
في الحرب الأهلية الإسبانية التي استمرت من سنة 1936 إلى 1939، قتل مئات المغاربة من أهالي الريف وآلاف الإسبانيين الذين جندهم الجنرال فرانسيسكو فرانكو في حرب لا يعرفون أسبابها وأهدافها، لكنهم كانوا يدافعون عن لقمة عيش أسرهم، لأن التجنيد يمنحهم راتبا شهريا وخبزا وسمكا. «كنا نصلي على سيدنا محمد ونردد الأذكار قبل أن نشن الغارات، وكان الإسبان المذعورون يحاولون الفرار فور سماعهم أصواتنا»، يروي شاهد على عصر الحرب المدمرة، التي شارك فيها مغاربة قاصرون أوهمهم أتباع فرانكو بأنهم في مواجهة الشيوعيين «الكفرة»، مستغلين سذاجة المجندين، الذين لم يكونوا على علم بأنهم يقاتلون ضد حكومة دستورية مشروعة متحالفين مع الدكتاتور فرانكو.
تحالفت الحروب والجفاف والمجاعات ضد المواطن الريفي البسيط، فكانت لها عواقب وخيمة في شمال المغرب، على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي بل وحتى الديمغرافي، حيث تكبد الأهالي خسائر بشرية هامة أخلت بالتوازن الديموغرافي، وهذه الخسائر تثبتها بعض الحقائق التاريخية إذ أن «الذين عبروا البحر سنوات 1936-1937-1938، لم يعد منهم إلا القليل، حاملين معهم أعطابا وإعاقات جسدية شتى، وهذا النزيف الديموغرافي هو الذي جعل بعض المداشر في الريف الشرقي لم تجد رجلا بالغا يذبح أضحية عيد الأضحى المصادف للسنة الثانية من الحرب أي عام 1937».
في ظل هذا الوضع، استصدر فقهاء المنطقة فتوى دينية يسمحون فيها للمرأة بنحر أضحية العيد «شريطة أن تكون محملة على ظهرها بابن بكر»، وهذه الفتوى شهيرة في حوليات الحرب الأهلية الإسبانية بالريف، تكشف أن غالبية رجال المنطقة جندوا في تلك الحرب ولم يبق بها سوى النساء، كما ورد في كثير من الروايات التاريخية.
حين أكل المغاربة لحم العيد بدون خبز
جاء في كتاب «آثار وانعكاسات الحرب الأهلية الاسبانية على شمال المغرب من خلال المكتوب والموروث الشفهي -الريف نموذجا، للباحث الحسين بوجدادي، أن المغاربة اضطروا لأكل لحم عيد الأضحى بدون خبز، حين «ارتبط هذا الحدث بعام الجوع، وبالضبط سنة 1941، والذي تميز بطوابير الأهالي أمام مكاتب التموين التابعة للسلطات الاستعمارية المحلية، للبحث عن دقيق الطحين لعجن الخبز، وتزامن ذلك وحلول عيد الأضحى، فقام الأهالي بنحر أضاحي العيد، إلا أنهم تناولوا وجبات الأكل من غذاء وعشاء والمتكونة أساسا من اللحم المبخر أو المطبوخ، بالملاعق الخشبية في ما يخص المرق وباليدين في ما يخص اللحم وبدون خبز. وهذا ما لا يستسيغه أهالي الريف ولهذا بقي عالقا في ذاكرتهم الجماعية».
وحسب المؤرخ الراحل جيرمان عياش فإن مجاعة عام 1945 هي الأخطر على الإطلاق في تاريخ المغرب، «لم يشهد المغرب مثيلا لها منذ عهد المولى إسماعيل، إذ عانى المغاربة خلالها من استنزاف خطير للمواد الغذائية من طرف المستعمر الفرنسي لتمويل المجهود الحربي الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية. وتميز عام 1945 بنقص كبير في التساقطات المطرية، لم تشهد البلاد مثيلا له منذ نصف قرن وتوالى على البلاد طقس جاف امتد على عشرة شهور اضطر معه الناس للقيام بصلاة الاستسقاء عدة مرات».
صرف أغلب المغاربة النظر عن أضحية العيد، واضطر عدد من الفلاحين إلى بيع أراضيهم بأسعار بخسة، بل هناك من باعها مقابل كمية من المواد الغذائية تسد الرمق، بل إن عددا من الإقطاعيين ورجال المخزن تراموا على أراضي هلك أصحابها جوعا. «ساق الكثير من الناس قطعانهم إلى الأسواق نظرا لقلة الكلأ وقلة الماء رغبة منهم في التخلص منها ولو بأبخس الأثمان»، حسب المصدر نفسه.
في ظل هذا الوضع المأساوي أصبح الحديث عن العيد ضربا من الجنون. وتقول رواية شفوية لأحد الناجين من عام الجوع إن شيخ القبيلة ذبح خروفا يوم العيد، ففتح تحقيق حول القضية من طرف السلطات البيطرية الاستعمارية، ومنع أفراد القبيلة من تناول أضحية في عيد «سري».
وحسب المؤرخ الراحل جيرمان عياش فإن مجاعة عام 1945 هي الأخطر على الإطلاق في تاريخ المغرب، «لم يشهد المغرب مثيلا لها منذ عهد المولى إسماعيل، إذ عانى المغاربة خلالها من استنزاف خطير للمواد الغذائية من طرف المستعمر الفرنسي لتمويل المجهود الحربي الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية. وتميز عام 1945 بنقص كبير في التساقطات المطرية، لم تشهد البلاد مثيلا له منذ نصف قرن وتوالى على البلاد طقس جاف امتد على عشرة شهور اضطر معه الناس للقيام بصلاة الاستسقاء عدة مرات».
صرف أغلب المغاربة النظر عن أضحية العيد، واضطر عدد من الفلاحين إلى بيع أراضيهم بأسعار بخسة، بل هناك من باعها مقابل كمية من المواد الغذائية تسد الرمق، بل إن عددا من الإقطاعيين ورجال المخزن تراموا على أراضي هلك أصحابها جوعا. «ساق الكثير من الناس قطعانهم إلى الأسواق نظرا لقلة الكلأ وقلة الماء رغبة منهم في التخلص منها ولو بأبخس الأثمان»، حسب المصدر نفسه.
في ظل هذا الوضع المأساوي أصبح الحديث عن العيد ضربا من الجنون. وتقول رواية شفوية لأحد الناجين من عام الجوع إن شيخ القبيلة ذبح خروفا يوم العيد، ففتح تحقيق حول القضية من طرف السلطات البيطرية الاستعمارية، ومنع أفراد القبيلة من تناول أضحية في عيد «سري».
شوريون يقاطعون الدم بعد معركة سوق الأربعاء
لم يكن أحد يعتقد أن الخلاف البسيط بين هيئتين سياسيتين حول أمور تنظيمية، سيصل إلى حد إراقة الدماء وإثارة الصخب في قرية هادئة بمنطقة الغرب اسمها أربعاء الغرب. وأن الحدث الدامي سيدفع الشوريين إلى الامتناع عن نحر أضاحي عيد الأضحى تضامنا مع ضحايا ماتوا بسبب صراع سياسي.
أصل الحكاية خلاف تنظيمي بين الهيئات الحاضرة في حفل لم يكن ليلزم الناس بحضوره، لأن الأمر يتعلق بزيارة العامل المحجوبي أحرضان لمنطقة ترابية تحت نفوذه، اشتعل الصراع بعد ملاسنات بين استقلاليين وشوريين كانوا يؤطرون كشافة تابعين لهذا التنظيم. يروي عبد الواحد معاش عن هذه المذبحة بكثير من التأثر «هي مذبحة كبرى حصلت بسوق أربعاء الغرب، قتل خلالها 18 شابا شوريا من الكشفية، وكنت حينها أدرس بالقرويين بفاس، كانت مذبحة مشينة مازالت موشومة في ذاكرتنا. جل من غادروا فاس، غادروها خوفا من أن يغتالوا أو يطاردوا، وهم كثيرون مثل الحاج معنينو الذي هرب وأصبح يبيع البيض في الشمال، وكان نشيد الاستقلاليين المغرب لنا لا لغيرنا يكفي لفهم الهيمنة الحزبية».
ويضيف الأمين العام للحزب الشوري، «قاطع الشوريون العيد وامتنعوا عن النحر، وكانوا يقولون ما الجدوى من استعمال السكاكين والسواطير، وقد استخدمها الاستقلاليون في معركة كشفت عمق الخلاف بين حزبين، فقد استبدل السياسيون الأقلام والحناجر بالسيوف، واختلط الحابل بالنابل حتى نسي الوافدون على سوق أربعاء الغرب أسباب الصراع الدامي الذي بدأ بتصفية العربي السفياني المسؤول عن فرع حزب الشورى الذي طالب بإنهاء فكرة الحزب الوحيد. وبالرغم من كون الإدانة لم تكن في حاجة إلى شهود أو دلائل إلا أن المحاكمة التي دامت شهورا انتهت ببراءة المدانين أمام استغراب الجميع بما فيهم هيئة الاتهام. والأغرب أن يعتقل شبان كانوا يروجون لفكرة مقاطعة العيد تضامنا مع ضحايا سوق أربعاء الغرب.
الصراع بين الغريمين التقليديين آنذاك ظهرت أعراضه أيضا حين قسم الحزبان الاستقلال والشورى العاصمة الرباط إلى قسمين، ففي استقبال الملك محمد الخامس إثر عودته من المنفى اصطف أنصار الحزب الأول على اليمين وأنصار الحزب الثاني على اليسار، وظلا يتبادلان الملاسنات.
لم يكن أحد يعتقد أن الخلاف البسيط بين هيئتين سياسيتين حول أمور تنظيمية، سيصل إلى حد إراقة الدماء وإثارة الصخب في قرية هادئة بمنطقة الغرب اسمها أربعاء الغرب. وأن الحدث الدامي سيدفع الشوريين إلى الامتناع عن نحر أضاحي عيد الأضحى تضامنا مع ضحايا ماتوا بسبب صراع سياسي.
أصل الحكاية خلاف تنظيمي بين الهيئات الحاضرة في حفل لم يكن ليلزم الناس بحضوره، لأن الأمر يتعلق بزيارة العامل المحجوبي أحرضان لمنطقة ترابية تحت نفوذه، اشتعل الصراع بعد ملاسنات بين استقلاليين وشوريين كانوا يؤطرون كشافة تابعين لهذا التنظيم. يروي عبد الواحد معاش عن هذه المذبحة بكثير من التأثر «هي مذبحة كبرى حصلت بسوق أربعاء الغرب، قتل خلالها 18 شابا شوريا من الكشفية، وكنت حينها أدرس بالقرويين بفاس، كانت مذبحة مشينة مازالت موشومة في ذاكرتنا. جل من غادروا فاس، غادروها خوفا من أن يغتالوا أو يطاردوا، وهم كثيرون مثل الحاج معنينو الذي هرب وأصبح يبيع البيض في الشمال، وكان نشيد الاستقلاليين المغرب لنا لا لغيرنا يكفي لفهم الهيمنة الحزبية».
ويضيف الأمين العام للحزب الشوري، «قاطع الشوريون العيد وامتنعوا عن النحر، وكانوا يقولون ما الجدوى من استعمال السكاكين والسواطير، وقد استخدمها الاستقلاليون في معركة كشفت عمق الخلاف بين حزبين، فقد استبدل السياسيون الأقلام والحناجر بالسيوف، واختلط الحابل بالنابل حتى نسي الوافدون على سوق أربعاء الغرب أسباب الصراع الدامي الذي بدأ بتصفية العربي السفياني المسؤول عن فرع حزب الشورى الذي طالب بإنهاء فكرة الحزب الوحيد. وبالرغم من كون الإدانة لم تكن في حاجة إلى شهود أو دلائل إلا أن المحاكمة التي دامت شهورا انتهت ببراءة المدانين أمام استغراب الجميع بما فيهم هيئة الاتهام. والأغرب أن يعتقل شبان كانوا يروجون لفكرة مقاطعة العيد تضامنا مع ضحايا سوق أربعاء الغرب.
الصراع بين الغريمين التقليديين آنذاك ظهرت أعراضه أيضا حين قسم الحزبان الاستقلال والشورى العاصمة الرباط إلى قسمين، ففي استقبال الملك محمد الخامس إثر عودته من المنفى اصطف أنصار الحزب الأول على اليمين وأنصار الحزب الثاني على اليسار، وظلا يتبادلان الملاسنات.
إعدام مداهمي «مولاي بوعزة» في ليلة العيد
في صباح اليوم الثاني من نونبر 1973، أصدرت وزارة الأنباء بلاغا صحفيا حول قضية مولاي بوعزة، وكشف عن أسماء المحكوم عليهم بالإعدام بعد المحاكمة العسكرية للقنيطرة. نفذ الإعدام يوم الفاتح من نونبر 1973 في الساعة السادسة صباحا و38 دقيقة بالسجن المركزي بالقنيطرة، بحضور رئيس المحكمة ووكيل الملك ومحامي الدفاع، وهو تاريخ صادف احتفالات عيد الأضحى.
قدم البلاغ أسماء المعدمين وهم: عمر دهكون، عبد الله بن محمد، أيت لحسن، بارو مبارك، بوشعكوك محمد، حسن الإدريسي، موحا نايت بري، تفجيست لحسن، أجداني مصطفى، يونس مصطفى، أمحزون موحى، ولحاج، بيهي عبد الله الملقب بفريكس، دحمان سعيد نايت غريس، أيت زايد لحسن، حديدو موح، محمد بلحسين الملقب بـ«هوشي منه»، واختزل جريمتهم في «محاولة قلب النظام» وهي التهمة التي تكفي لوقوف أصحابها أمام القناصة.
يروي أحد أفراد عائلة موحى أمحزون، تراجيديا تلك الليلة، وقال في حوار أدرجته صحيفة ليبراسيون: «نسجت عائلات المتهمين في قضية مولاي بوعزة في ما بينها علاقات راسخة، رغم الاختلاف الثقافي، لقد بلغ خبر الإعدام للأسرة ولم نصدق وحين انتشر في ما بيننا تبين أنه حقيقة، فعم الحزن وتعالت أصوات البكاء وصرف الناس النظر عن عيد الأضحى، خاصة وأن السلطات منعت إجراء طقوس التأبين، لأن الأمر يتعلق بقتلى مغضوب عليهم».
في تلك الفترة الزمنية كان من الصعب جدا التضامن مع أشخاص حاولوا قلب النظام، لذا كان التضامن أسير العائلات المعنية بملف «مولاي بوعزة»، ونادرا ما يخرج عن محيط المدانين في القضية، خاصة وأن المخبرين كانوا يرابطون بالقرب من منازل المعتقلين لاصطياد المترددين على أسر المتهمين في الملف، لذا تركت أغلب العائلات بيوتها كي تتخلص من هذا الشبح البوليسي، ومنهم من عاش ما يشبه الإقامة الجبرية في بيته.
شكلت أحداث مولاي بوعزة التي تزامنت مع الثالث من مارس وهو يوم احتفال الشعب المغربي بعيد العرش، نقطة خلاف بين اليسار المتطرف والنظام، رغم أن الهدف من مداهمة قرية مولاي بوعزة الجبلية كان الغرض منها وضع اليد على سلاح سرية للدرك الملكي.
يقول لحسن بروكسي الذي تعامل مع هذا الملف، إن النظام تعامل مع التمرد بمقاربة عسكرية، «تم التصدي لأحداث مولاي بوعزة عسكريا، تحت أوامر الكولونيل حمو أرزاز، صهر الجنرالين الدليمي والصفريوي، انطلقت حملة تمشيط واسعة النطاق بالأطلس المتوسط، شملت بعض أعضاء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذين كانوا يتلقون الدعم من القوات الجزائرية، وشملت الاعتقالات عائلات المتهمين، وفي هذه العملية ظهر ضابط اسمه حميدو لعنيكري، مختص في الأبحاث الجنائية، وكان حديث العهد بالدرك الملكي ويعمل تحت إشراف حسني حسني الذي عينه الحسن الثاني على رأس جهاز الدرك بعد تحديثه. أبلى حميدو المنحدر من أسرة بسيطة في مكناس، البلاء الحسن وساهم في ردع انتفاضة الأطلس فلفت الأنظار بدهائه وحركيته».
قدم البلاغ أسماء المعدمين وهم: عمر دهكون، عبد الله بن محمد، أيت لحسن، بارو مبارك، بوشعكوك محمد، حسن الإدريسي، موحا نايت بري، تفجيست لحسن، أجداني مصطفى، يونس مصطفى، أمحزون موحى، ولحاج، بيهي عبد الله الملقب بفريكس، دحمان سعيد نايت غريس، أيت زايد لحسن، حديدو موح، محمد بلحسين الملقب بـ«هوشي منه»، واختزل جريمتهم في «محاولة قلب النظام» وهي التهمة التي تكفي لوقوف أصحابها أمام القناصة.
يروي أحد أفراد عائلة موحى أمحزون، تراجيديا تلك الليلة، وقال في حوار أدرجته صحيفة ليبراسيون: «نسجت عائلات المتهمين في قضية مولاي بوعزة في ما بينها علاقات راسخة، رغم الاختلاف الثقافي، لقد بلغ خبر الإعدام للأسرة ولم نصدق وحين انتشر في ما بيننا تبين أنه حقيقة، فعم الحزن وتعالت أصوات البكاء وصرف الناس النظر عن عيد الأضحى، خاصة وأن السلطات منعت إجراء طقوس التأبين، لأن الأمر يتعلق بقتلى مغضوب عليهم».
في تلك الفترة الزمنية كان من الصعب جدا التضامن مع أشخاص حاولوا قلب النظام، لذا كان التضامن أسير العائلات المعنية بملف «مولاي بوعزة»، ونادرا ما يخرج عن محيط المدانين في القضية، خاصة وأن المخبرين كانوا يرابطون بالقرب من منازل المعتقلين لاصطياد المترددين على أسر المتهمين في الملف، لذا تركت أغلب العائلات بيوتها كي تتخلص من هذا الشبح البوليسي، ومنهم من عاش ما يشبه الإقامة الجبرية في بيته.
شكلت أحداث مولاي بوعزة التي تزامنت مع الثالث من مارس وهو يوم احتفال الشعب المغربي بعيد العرش، نقطة خلاف بين اليسار المتطرف والنظام، رغم أن الهدف من مداهمة قرية مولاي بوعزة الجبلية كان الغرض منها وضع اليد على سلاح سرية للدرك الملكي.
يقول لحسن بروكسي الذي تعامل مع هذا الملف، إن النظام تعامل مع التمرد بمقاربة عسكرية، «تم التصدي لأحداث مولاي بوعزة عسكريا، تحت أوامر الكولونيل حمو أرزاز، صهر الجنرالين الدليمي والصفريوي، انطلقت حملة تمشيط واسعة النطاق بالأطلس المتوسط، شملت بعض أعضاء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذين كانوا يتلقون الدعم من القوات الجزائرية، وشملت الاعتقالات عائلات المتهمين، وفي هذه العملية ظهر ضابط اسمه حميدو لعنيكري، مختص في الأبحاث الجنائية، وكان حديث العهد بالدرك الملكي ويعمل تحت إشراف حسني حسني الذي عينه الحسن الثاني على رأس جهاز الدرك بعد تحديثه. أبلى حميدو المنحدر من أسرة بسيطة في مكناس، البلاء الحسن وساهم في ردع انتفاضة الأطلس فلفت الأنظار بدهائه وحركيته».
إعدام انقلابيين يوم عيد الأضحى بحضور العاهل الأردني
قرر الملك الراحل الحسن الثاني إعدام مدبري المحاولة الانقلابية للصخيرات سنة 1971 يوم عيد الأضحى، قبل أن ينسحب شهر يوليوز الحارق تم مقتل 9 جنرالات من أصل 15، إما برصاص فرقة الإعدام بمعسكر مولاي إسماعيل بالرباط، أو بتصفية من رصاص الانقلابيين.
تعامل الجنرال محمد أوفقير مع الملف بشكل استعجالي، «في اليوم الثالث من التحقيق قاد الجنرال أوفقير زملاءه الجنرالات المعتقلين إلى ثكنة مولاي إسماعيل بالرباط للإشراف على تنفيذ إعدامهم دون الحاجة إلى محاكمة. وتابع المغاربة مراسيم إعدام أبرز القيادات العسكرية في بيان بث على شاشة التلفزة والإذاعة في صباح ذات اليوم، كما حجت جماهير غفيرة بإيعاز من السلطات المحلية لمعاينة مراسيم إعدام 4 جنرالات، هم بوكرين وحبيبي وحمو ومصطفى و4 كولونيلات والكومندار إبراهيم المنوزي».
أصر الملك على أن يتم تنفيذ الإعدام في عيد الأضحى وأمام الملأ في استصغار رهيب لهيبة القيادات، رغم أن أغلب المحكومين شكلوا قوة جيش خارج للتو من معركة الرمال بنصر معنوي.
وبعد عام وتحديدا في ليلة عيد الأضحى سنة 1973، شهد حقل الرماية بضواحي هرهورة عملية إعدام منفذي ومدبري الانقلاب الذي استهدف الطائرة الملكية، حضرت عملية التصفية تشكيلات أمنية مختلفة وحرص الملك الحسن الثاني على حضور لحظات الإعدام الرهيبة وكان برفقته العاهل الأردني الملك حسين.
كانت التهم ثقيلة لكنها تتلخص في «محاولة قلب النظام»، وكان القصر حريصا على أن يقود فرقة القناصة، عبد الله القادري، الكولونيل الناجي بأعجوبة من جحيم تازمامارت بعد أن تراجع في آخر لحظة عن المشاركة في انقلاب عيد الشباب سنة 1971. في 16 غشت 1972 استُهدفت الطائرة الملكية العائدة من باريس وعلى متنها الملك الحسن الثاني وحاشيته، فتعرضت في الأجواء التطوانية لهجوم طائرات حربية. كان أغلب منفذي هذا الانقلاب منحدرين من الأوساط الشعبية. و«كانت الحصيلة إعدام 11 ضابطا من الرتب المتوسطة والصغيرة في ليلة باردة تزامنت مع عيد الأضحى. ولقي 30 عسكريا حتفهم في ظروف أشد قساوة وبطشاَ في أحضان آكل البشر، معتقل تازمامارت، رغم أن أغلبهم تجاوزوا المدد الحبسية المحكومين بها من طرف محكمة علنية. وهذا علاوة على الذين فقدوا حياتهم تحت التعذيب في المعتقلات
تعامل الجنرال محمد أوفقير مع الملف بشكل استعجالي، «في اليوم الثالث من التحقيق قاد الجنرال أوفقير زملاءه الجنرالات المعتقلين إلى ثكنة مولاي إسماعيل بالرباط للإشراف على تنفيذ إعدامهم دون الحاجة إلى محاكمة. وتابع المغاربة مراسيم إعدام أبرز القيادات العسكرية في بيان بث على شاشة التلفزة والإذاعة في صباح ذات اليوم، كما حجت جماهير غفيرة بإيعاز من السلطات المحلية لمعاينة مراسيم إعدام 4 جنرالات، هم بوكرين وحبيبي وحمو ومصطفى و4 كولونيلات والكومندار إبراهيم المنوزي».
أصر الملك على أن يتم تنفيذ الإعدام في عيد الأضحى وأمام الملأ في استصغار رهيب لهيبة القيادات، رغم أن أغلب المحكومين شكلوا قوة جيش خارج للتو من معركة الرمال بنصر معنوي.
وبعد عام وتحديدا في ليلة عيد الأضحى سنة 1973، شهد حقل الرماية بضواحي هرهورة عملية إعدام منفذي ومدبري الانقلاب الذي استهدف الطائرة الملكية، حضرت عملية التصفية تشكيلات أمنية مختلفة وحرص الملك الحسن الثاني على حضور لحظات الإعدام الرهيبة وكان برفقته العاهل الأردني الملك حسين.
كانت التهم ثقيلة لكنها تتلخص في «محاولة قلب النظام»، وكان القصر حريصا على أن يقود فرقة القناصة، عبد الله القادري، الكولونيل الناجي بأعجوبة من جحيم تازمامارت بعد أن تراجع في آخر لحظة عن المشاركة في انقلاب عيد الشباب سنة 1971. في 16 غشت 1972 استُهدفت الطائرة الملكية العائدة من باريس وعلى متنها الملك الحسن الثاني وحاشيته، فتعرضت في الأجواء التطوانية لهجوم طائرات حربية. كان أغلب منفذي هذا الانقلاب منحدرين من الأوساط الشعبية. و«كانت الحصيلة إعدام 11 ضابطا من الرتب المتوسطة والصغيرة في ليلة باردة تزامنت مع عيد الأضحى. ولقي 30 عسكريا حتفهم في ظروف أشد قساوة وبطشاَ في أحضان آكل البشر، معتقل تازمامارت، رغم أن أغلبهم تجاوزوا المدد الحبسية المحكومين بها من طرف محكمة علنية. وهذا علاوة على الذين فقدوا حياتهم تحت التعذيب في المعتقلات
تعليق
جميلة سلمات
سيناريو ما قبل إعدام 10 من كبار الضباط السامين بعد يومين من محاولة الانقلاب
لا يخمد صوت رصاص طائش إلا صوت رصاص منظم
في ذلك اليوم الصيفي القائظ، المؤرخ في 13 يوليوز 1971، عرف المكان الذي تستخدمه القوات المسلحة الملكية للتدريب على الرماية بالقرب من شاطئ الهرهورة (غير بعيد عن مدينة تمارة والمسمى بالتير) حركة غير عادية، إنزال أمني مكثف، ووحدات من مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية تحج إليه تباعا، كان الجيش، الدرك الملكي، الأمن الوطني والقوات المساعدة حاضرون بثقلهم في مسرح خصص لإعدام الانقلابيين، أو بالأحرى أشباه الانقلابيين الذين نادوا بحياة الملك ودوام الملكية ثوان قبل أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة تحت وابل من الرصاص.
في ذلك اليوم الحار، كان الحسن الثاني بالكاد قد استرجع أنفاسه.. وقف بجلبابه على ربوة رملية قبالة المحيط الأطلسي.. كان آنذاك ما يزال تحت تأثير الصدمة وهو يرقب عشرة ضباط سامين قد شدوا إلى أعمدة خشبية مغروسة في الرمال، في انتظار أن تفرغ بنادق الرماة محتواها من الرصاص في أجسادهم.
بالنسبة للحسن الثاني، لا يخمد صوت لعلعة الرصاص الطائش الذي تحتفظ به أدناه، وهو يرى كيف سقط على إثره عشرات الضحايا في عز احتفاله بعيد شبابه في قصر الصخيرات (لا يخمد هذا الصوت) إلا صوت رصاص منظم آثر الملك أن يسمعه المغاربة جميعا من خلال التلفزة.. وهكذا تقرر بسرعة أن يُعدم بذات الرصاص 10 من كبار العساكر، قيل بأنهم من خيرة ضباطه السامين، بعد أن حامت حولهم شكوك بتورطهم في محاولة تصفية الملك يوم السبت 10 يوليوز 1971.
وحتى نعيد ترتيب الحكاية، نبدأ من لحظة استعادة الحسن الثاني السيطرة على الوضع بقصر الصخيرات، لقد كان الملك قاب قوسين أو أدنى من موت محقق، لكن في لحظة وجد نفسه في موقع قوة وإن بدون سلاح، بعد أن أذعن جنود صغار لأوامره.. كان الكولونيل اعبابو الذي هندس للعملية الانقلابية رفقة المذبوح وأوفقير ، قد توجه لاحتلال مقر الإذاعة والتلفزة، بينما كبار الجنرالات والضباط السامين الذين اجتمعوا معه بمقر القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية (إطامجاور)، فقد تفرقوا كل إلى وجهته من أجل التحكم في الشرايين المغذية لأجهزة الدولة.. لكن استعادة الحسن الثاني لنفوذه في آخر لحظة، ومنحه كافة الصلاحيات للجنرال أوفقير من أجل ضبط النظام ووضع حد لتمرد الانقلابيين، منحه هامشا من الوقت لترتيب أوراقه واختبار سريرة الصالح والطالح من رجالاته.. وهكذا انطلقت رحلة البحث عن قادة الانقلاب والآلات المنفذة له.
بالنسبة للكولونيل السابق عبد الله القادري، إن موت الجنرال المذبوح العقل المدبر للعملية الانقلابية ومصرع الكولونيل اعبابو الذي يعتبر المنفذ الرئيسي لها، قد غيَّب حقائق كثيرة وأسرار جمة عن الخلفيات الحقيقية للمحاولة الانقلابية، غير أن جزء من أسرارها ظل آنذاك في حوزة الجنرال أوفقير، وبعض الضباط الذين اكتشفوا تورطه في آخر لحظة، من هذا المنطلق، سارع أوفقير إلى اعتقال العديد من الجنرالات والكولونيلات والضباط حتى لا يفتضح أمره من جهة، وأن يزيح من يمكن عرقلة مشروعه الانقلابي القادم من جهة ثانية، وقد دامت عملية اعتقال الضباط ساعات فقط، لعلمه المسبق بوجهة هؤلاء.
وحسب القادري، الذي كان على علم مسبق بمخطط اعبابو والمذبوح، قبل أن ينسل من بينهم مثل شعرة من العجين، اقتاد الجنرال أوفقير العديد من الضباط المعتقلين إلى مكتبه بثكنة « المصفحات » بالرباط التي كان الجنرال الغرباوي قائدا لوحدتها، ومن تم انطلق سيل التحقيقات والاستنطاقات، ليستقر الأمر في نهاية المطاف على 10 ضباط سامين، قرر أوفقير أن يضع حدا لهم ودفن سره معهم، وهم الجنرالات حمو أمحزون، مصطفى أمهارش، محمد حبيبي وبوكرين الخياري والكولونيل الشلواطي (الذي كان أقرب المقربين إلى أوفقير، وأحد الذين ترأسوا سير العملية الانقلابية حسب القادري)، الكولونيل الفنيري، الكولونيل بوبري، الكولونيل بنبراهيم عمي، الكولونيل بلبصير والكوموندو إبراهيم المانوزي. ذلك أنه بعد اعتقالهم واستنطاقهم تقرر مصيرهم خلال ليلة المحاولة الانقلابية، حيث أقنع أوفقير الملك بضرورة إعدامهم حتى يكونوا عبرة لغيرهم، فتقرر تصفيتهم صباح يوم الثلاثاء 13 يوليوز 1971..
لكن كيف جرى سيناريو الإعدام؟
تفاصيل عملية إعدام حضرها الملك الحسن الثاني والعاهل الأردني الملك حسين
كان صباحا استثنائيا مشبعا برطوبة البحر التي أضفت على المكان الشاطئي طابعا غرائبيا، أربع دوائر أمنية تطوقه للحماية، وشاحنات عسكرية مصطفة تشكل طابورا، كانت مغطاة حتى لا يعرف من بداخلها.. على مقربة منها ثم غرس عشرة أعمدة خشبية في رمال تمتد إلى المحيط الأطلسي، بينما الملك الراحل الحسن الثاني يقف كشاهد على سير الترتيبات على تلة رملية رفقة العاهل الأردني الملك حسين.
هنا ساحة الإعدام التي تقرر أن تموت فيها نزعة الانقلاب على الملكية في المغرب.. وهنا أيضا كان الحسن الثاني بجلبابه المغربي يسترجع سريعا شريط مأساة الصخيرات، لقد كان مستعجلا في تنفيذ حكم الإعدام في حق الانقلابيين، غير أن تأخر طاقم الإذاعة والتلفزة الموكول له نقل الحدث للمغاربة في القدوم إلى مسرح العملية، عطل الأمر لدقائق.
ساحة الرماية، أو بالأحرى ساحة الإعدام تعج بالعديد من الضباط على اختلاف رتبهم العسكرية، يتقدمهم الجنرالان إدريس بن عمر ومحمد أوفقير؛ الشاحنات العسكرية المصطفة ما تزال في مكانها، وفرقة الرماة الموكول لها تنفيذ عملية الإعدام تقف قبالتها في أقصى تأهبها، مرت دقائق قليلة، كانت الساعة وقتذاك تشارف على الحادية عشرة صباحا، توجه بعض الجنود ورفعوا الأغطية على الشاحنات ليظهر الضباط العشرة بداخلها مكبلي الأيدي، كانت هاماتهم منكسرة، وجوههم شاحبة كما لو أنها تعتلي أجسادا بلا روح، بينما أعينهم بدت شاخصة نحو كل شيء وللاشيء.. كل واحد من هؤلاء يحاول أن يفهم ما يجري، وحده الكولونيل الشلواطي الذي كان غير مكترث بما يدور حوله، باعتباره حسب ما ذكرته العديد من المصادر، كان عنصراً أساسيا ضمن قادة الانقلاب، وقد شغل خلال العملية منصب « رئيس مجلس الثورة ».
إلى جانب القادري هناك الإعلامي محمد بن ددوش، وهو واحد ممن شهدوا عملية الإعدام عن قرب، وقد تحدث في كتابه « رحلة حياتي مع المكروفون »، عن بعض تفاصيلها بحكم أنه كان وراء إعداد الروبورتاج الذي أذيع في التلفزة حول العملية، وحسب هذا الأخير، فإن الضباط العشرة سيقوا إلى ساحة الإعدام، وقد ربطت أيديهم من الخلف بالأعمدة المنصوبة ببزاتهم العسكرية وعليها شارات رتبهم، وهي الشارات التي ستنزع منهم الواحد بعد الآخر، وحسب القادري إن من تولى عملية نزع الشارات هو الجنرال إدريس بن عمر.
دقت ساعة الحسم، ووقت الصباح يشارف على الانتهاء، إذ مع حلول الساعة الحادية عشرة والربع دخل الجنرال أوفقير والجنرال إدريس بن عمر في جدال اتضح من خلاله أنهما المشرفان على سير عملية الإعدام، وحسب بن ددوش، كان الجنرالان يتذاكران على انفراد، وإذا بالجو يتوتر بينهما، حيث سمع الجنرال إدريس بن عمر يقول لأوفقير بالفرنسية ما يعنى أنه « يجب أن تكون تصرفاتنا معهم وفق القواعد المتعارف عليها »، ليرد الجنرال أوفقير منفعلا وبصوت عال « هل كانت تصرفاتهم معنا كما يجب »؟، وقبل أن ينهي كلامه ابتعد عن الجنرال إدريس بن عمر وتوجه صوب فرقة الرماة (فريق التنفيذ العسكري)، ثم صاح فيهم (بالفرنسية) حسب بنددوش « انتبهوا انتبهوا … نار… نار »، ومن ثم أخذت البنادق دفعة واحدة في إطلاق الرصاص، فكانت أجساد الضباط تتهاوى تباعا بعد أن تحولت صدورها إلى شلالات فائرة بالدماء.
وعن هذا المشهد الدراماتيكي قال بن ددوش في إحدى اعترافاته « هكذا جرت العملية في جو مضطرب رهيب، وأثارت نوعا من الخوف لدينا لقربنا من الموقع، بالنظر إلى الطابع الفجائي الذي ميز صدور الأمر بإطلاق النار، وبالنظر أيضا إلى قوة الرماية وصوت الرصاص المرعب ومنظر الدماء تتطاير من الأجساد ».
قبل ذلك، كان الضباط حسب الكولونيل السابق عبد الله القادري ينادون باسم الملك، « الجنرال حمو الله يرحمو قال قبل إعدامه « يحيا الملك.. اللهم إن هذا منكر راحنا ملكيين »، والجنرال بوكرين قال بدوره « أنا ملكي وقد عينت لأذهب إلى باريس ملحقا عسكريا، وقبلت الأمر بكل تواضع رغم أن لي مسؤولية كبيرة في الجيش »، بينما بدا الكوموندو إبراهيم المانوزي غاضبا وهو يتوعد بالقصاص في الدار الآخرة..
كانت رائحة الموت تخيم على المشهد برمته، والسكون الذي امتص لعلعة الرصاص أصبح سيد المكان، فجأة – يقول بن ددوش – ظهر « مجموعة من الجنود قيل بأنهم يمثلون الوحدات البرية والجوية والبحرية التابعة للقوات المسلحة الملكية … أسرعوا نحو الضباط الذين نفذ فيهم حكم الإعدام وصاروا يبصقون على جثثهم، كعلامة احتقار نحوهم كما قيل لنا ».. بعدها تم دفن الضباط في حفر كانت موجودة مسبقا خلف أعمدة الإعدام.
سيناريو ما قبل إعدام 10 من كبار الضباط السامين بعد يومين من محاولة الانقلاب
لا يخمد صوت رصاص طائش إلا صوت رصاص منظم
في ذلك اليوم الصيفي القائظ، المؤرخ في 13 يوليوز 1971، عرف المكان الذي تستخدمه القوات المسلحة الملكية للتدريب على الرماية بالقرب من شاطئ الهرهورة (غير بعيد عن مدينة تمارة والمسمى بالتير) حركة غير عادية، إنزال أمني مكثف، ووحدات من مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية تحج إليه تباعا، كان الجيش، الدرك الملكي، الأمن الوطني والقوات المساعدة حاضرون بثقلهم في مسرح خصص لإعدام الانقلابيين، أو بالأحرى أشباه الانقلابيين الذين نادوا بحياة الملك ودوام الملكية ثوان قبل أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة تحت وابل من الرصاص.
في ذلك اليوم الحار، كان الحسن الثاني بالكاد قد استرجع أنفاسه.. وقف بجلبابه على ربوة رملية قبالة المحيط الأطلسي.. كان آنذاك ما يزال تحت تأثير الصدمة وهو يرقب عشرة ضباط سامين قد شدوا إلى أعمدة خشبية مغروسة في الرمال، في انتظار أن تفرغ بنادق الرماة محتواها من الرصاص في أجسادهم.
بالنسبة للحسن الثاني، لا يخمد صوت لعلعة الرصاص الطائش الذي تحتفظ به أدناه، وهو يرى كيف سقط على إثره عشرات الضحايا في عز احتفاله بعيد شبابه في قصر الصخيرات (لا يخمد هذا الصوت) إلا صوت رصاص منظم آثر الملك أن يسمعه المغاربة جميعا من خلال التلفزة.. وهكذا تقرر بسرعة أن يُعدم بذات الرصاص 10 من كبار العساكر، قيل بأنهم من خيرة ضباطه السامين، بعد أن حامت حولهم شكوك بتورطهم في محاولة تصفية الملك يوم السبت 10 يوليوز 1971.
وحتى نعيد ترتيب الحكاية، نبدأ من لحظة استعادة الحسن الثاني السيطرة على الوضع بقصر الصخيرات، لقد كان الملك قاب قوسين أو أدنى من موت محقق، لكن في لحظة وجد نفسه في موقع قوة وإن بدون سلاح، بعد أن أذعن جنود صغار لأوامره.. كان الكولونيل اعبابو الذي هندس للعملية الانقلابية رفقة المذبوح وأوفقير ، قد توجه لاحتلال مقر الإذاعة والتلفزة، بينما كبار الجنرالات والضباط السامين الذين اجتمعوا معه بمقر القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية (إطامجاور)، فقد تفرقوا كل إلى وجهته من أجل التحكم في الشرايين المغذية لأجهزة الدولة.. لكن استعادة الحسن الثاني لنفوذه في آخر لحظة، ومنحه كافة الصلاحيات للجنرال أوفقير من أجل ضبط النظام ووضع حد لتمرد الانقلابيين، منحه هامشا من الوقت لترتيب أوراقه واختبار سريرة الصالح والطالح من رجالاته.. وهكذا انطلقت رحلة البحث عن قادة الانقلاب والآلات المنفذة له.
بالنسبة للكولونيل السابق عبد الله القادري، إن موت الجنرال المذبوح العقل المدبر للعملية الانقلابية ومصرع الكولونيل اعبابو الذي يعتبر المنفذ الرئيسي لها، قد غيَّب حقائق كثيرة وأسرار جمة عن الخلفيات الحقيقية للمحاولة الانقلابية، غير أن جزء من أسرارها ظل آنذاك في حوزة الجنرال أوفقير، وبعض الضباط الذين اكتشفوا تورطه في آخر لحظة، من هذا المنطلق، سارع أوفقير إلى اعتقال العديد من الجنرالات والكولونيلات والضباط حتى لا يفتضح أمره من جهة، وأن يزيح من يمكن عرقلة مشروعه الانقلابي القادم من جهة ثانية، وقد دامت عملية اعتقال الضباط ساعات فقط، لعلمه المسبق بوجهة هؤلاء.
وحسب القادري، الذي كان على علم مسبق بمخطط اعبابو والمذبوح، قبل أن ينسل من بينهم مثل شعرة من العجين، اقتاد الجنرال أوفقير العديد من الضباط المعتقلين إلى مكتبه بثكنة « المصفحات » بالرباط التي كان الجنرال الغرباوي قائدا لوحدتها، ومن تم انطلق سيل التحقيقات والاستنطاقات، ليستقر الأمر في نهاية المطاف على 10 ضباط سامين، قرر أوفقير أن يضع حدا لهم ودفن سره معهم، وهم الجنرالات حمو أمحزون، مصطفى أمهارش، محمد حبيبي وبوكرين الخياري والكولونيل الشلواطي (الذي كان أقرب المقربين إلى أوفقير، وأحد الذين ترأسوا سير العملية الانقلابية حسب القادري)، الكولونيل الفنيري، الكولونيل بوبري، الكولونيل بنبراهيم عمي، الكولونيل بلبصير والكوموندو إبراهيم المانوزي. ذلك أنه بعد اعتقالهم واستنطاقهم تقرر مصيرهم خلال ليلة المحاولة الانقلابية، حيث أقنع أوفقير الملك بضرورة إعدامهم حتى يكونوا عبرة لغيرهم، فتقرر تصفيتهم صباح يوم الثلاثاء 13 يوليوز 1971..
لكن كيف جرى سيناريو الإعدام؟
تفاصيل عملية إعدام حضرها الملك الحسن الثاني والعاهل الأردني الملك حسين
كان صباحا استثنائيا مشبعا برطوبة البحر التي أضفت على المكان الشاطئي طابعا غرائبيا، أربع دوائر أمنية تطوقه للحماية، وشاحنات عسكرية مصطفة تشكل طابورا، كانت مغطاة حتى لا يعرف من بداخلها.. على مقربة منها ثم غرس عشرة أعمدة خشبية في رمال تمتد إلى المحيط الأطلسي، بينما الملك الراحل الحسن الثاني يقف كشاهد على سير الترتيبات على تلة رملية رفقة العاهل الأردني الملك حسين.
هنا ساحة الإعدام التي تقرر أن تموت فيها نزعة الانقلاب على الملكية في المغرب.. وهنا أيضا كان الحسن الثاني بجلبابه المغربي يسترجع سريعا شريط مأساة الصخيرات، لقد كان مستعجلا في تنفيذ حكم الإعدام في حق الانقلابيين، غير أن تأخر طاقم الإذاعة والتلفزة الموكول له نقل الحدث للمغاربة في القدوم إلى مسرح العملية، عطل الأمر لدقائق.
ساحة الرماية، أو بالأحرى ساحة الإعدام تعج بالعديد من الضباط على اختلاف رتبهم العسكرية، يتقدمهم الجنرالان إدريس بن عمر ومحمد أوفقير؛ الشاحنات العسكرية المصطفة ما تزال في مكانها، وفرقة الرماة الموكول لها تنفيذ عملية الإعدام تقف قبالتها في أقصى تأهبها، مرت دقائق قليلة، كانت الساعة وقتذاك تشارف على الحادية عشرة صباحا، توجه بعض الجنود ورفعوا الأغطية على الشاحنات ليظهر الضباط العشرة بداخلها مكبلي الأيدي، كانت هاماتهم منكسرة، وجوههم شاحبة كما لو أنها تعتلي أجسادا بلا روح، بينما أعينهم بدت شاخصة نحو كل شيء وللاشيء.. كل واحد من هؤلاء يحاول أن يفهم ما يجري، وحده الكولونيل الشلواطي الذي كان غير مكترث بما يدور حوله، باعتباره حسب ما ذكرته العديد من المصادر، كان عنصراً أساسيا ضمن قادة الانقلاب، وقد شغل خلال العملية منصب « رئيس مجلس الثورة ».
إلى جانب القادري هناك الإعلامي محمد بن ددوش، وهو واحد ممن شهدوا عملية الإعدام عن قرب، وقد تحدث في كتابه « رحلة حياتي مع المكروفون »، عن بعض تفاصيلها بحكم أنه كان وراء إعداد الروبورتاج الذي أذيع في التلفزة حول العملية، وحسب هذا الأخير، فإن الضباط العشرة سيقوا إلى ساحة الإعدام، وقد ربطت أيديهم من الخلف بالأعمدة المنصوبة ببزاتهم العسكرية وعليها شارات رتبهم، وهي الشارات التي ستنزع منهم الواحد بعد الآخر، وحسب القادري إن من تولى عملية نزع الشارات هو الجنرال إدريس بن عمر.
دقت ساعة الحسم، ووقت الصباح يشارف على الانتهاء، إذ مع حلول الساعة الحادية عشرة والربع دخل الجنرال أوفقير والجنرال إدريس بن عمر في جدال اتضح من خلاله أنهما المشرفان على سير عملية الإعدام، وحسب بن ددوش، كان الجنرالان يتذاكران على انفراد، وإذا بالجو يتوتر بينهما، حيث سمع الجنرال إدريس بن عمر يقول لأوفقير بالفرنسية ما يعنى أنه « يجب أن تكون تصرفاتنا معهم وفق القواعد المتعارف عليها »، ليرد الجنرال أوفقير منفعلا وبصوت عال « هل كانت تصرفاتهم معنا كما يجب »؟، وقبل أن ينهي كلامه ابتعد عن الجنرال إدريس بن عمر وتوجه صوب فرقة الرماة (فريق التنفيذ العسكري)، ثم صاح فيهم (بالفرنسية) حسب بنددوش « انتبهوا انتبهوا … نار… نار »، ومن ثم أخذت البنادق دفعة واحدة في إطلاق الرصاص، فكانت أجساد الضباط تتهاوى تباعا بعد أن تحولت صدورها إلى شلالات فائرة بالدماء.
وعن هذا المشهد الدراماتيكي قال بن ددوش في إحدى اعترافاته « هكذا جرت العملية في جو مضطرب رهيب، وأثارت نوعا من الخوف لدينا لقربنا من الموقع، بالنظر إلى الطابع الفجائي الذي ميز صدور الأمر بإطلاق النار، وبالنظر أيضا إلى قوة الرماية وصوت الرصاص المرعب ومنظر الدماء تتطاير من الأجساد ».
قبل ذلك، كان الضباط حسب الكولونيل السابق عبد الله القادري ينادون باسم الملك، « الجنرال حمو الله يرحمو قال قبل إعدامه « يحيا الملك.. اللهم إن هذا منكر راحنا ملكيين »، والجنرال بوكرين قال بدوره « أنا ملكي وقد عينت لأذهب إلى باريس ملحقا عسكريا، وقبلت الأمر بكل تواضع رغم أن لي مسؤولية كبيرة في الجيش »، بينما بدا الكوموندو إبراهيم المانوزي غاضبا وهو يتوعد بالقصاص في الدار الآخرة..
كانت رائحة الموت تخيم على المشهد برمته، والسكون الذي امتص لعلعة الرصاص أصبح سيد المكان، فجأة – يقول بن ددوش – ظهر « مجموعة من الجنود قيل بأنهم يمثلون الوحدات البرية والجوية والبحرية التابعة للقوات المسلحة الملكية … أسرعوا نحو الضباط الذين نفذ فيهم حكم الإعدام وصاروا يبصقون على جثثهم، كعلامة احتقار نحوهم كما قيل لنا ».. بعدها تم دفن الضباط في حفر كانت موجودة مسبقا خلف أعمدة الإعدام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق