جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

إعلان الرئيسية

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

للأخوة الأفارقة..محمود المعتصم

للأخوة الأفارقة.. خاصة أصدقائي الجذريين في موريتانيا و تشاد:
الحقيقة أن ما يجري في السودان هو بداية، هو المصير الذي ينتظر كل الشعوب الأفريقية. ما يجري في السودان اليوم هو النتيجة الطبيعة لعملية الإفقار الإقتصادي، و التردي البيئي، و الهيمنة السياسية التي تمارسها علينا القوى المستفيدة من المنظومة العالمية، و دول حقيرة و صغيرة شكلا و مضمونا مثل مصر و الإمارات و السعودية و قطر، هي تمثل للإستعمار الإقتصادي تحت مسمى "الإستثمار" و العولمة. و هي دول غير ذات سيادة بالتعريف، تتبع و لا تقود.
ما يحدث هو أن الدولة الأفريقية المفقرة هيكليا، و المجبرة على الإستيراد الإعتباطي، و إلغاء الصناعة بالتالي، و على تهجير قدراتها الإنسانية منهجيا، و على تحمل تبعات التغير المناخي السريع، الذي يدمر الزراعة - ذلك غير أن الزراعة تدمر هيكليا عبر السوق العالمي الذي يجعل الإستيراد أنجع من الإنتاج - كل هذه الأمور ستحول مجتمعاتنا لمجتمعات فقيرة و ضعيفة. و الشعوب كما تخبرنا نواميس التاريخ لا تستكين لهذا القدر، لأن الإستكانة إنتحار، و بدل أن يخاطر الشباب في الركوب لقوارب الموت، فإن المصير هو أن يخاطروا بصورة أفضل سعيا للخلاص السياسي الجذري و الحرية التي هي وسيلة للتقدم المادي، غير أنها غاية في ذاتها. فحلقة الرغبة الإنسانية مغلقة تبدأ من الحرية و تمر بالتنمية ثم تعود للحرية مرة أخرى، إذ ما فائدة التنمية غير تحريرها لممكن الإنسان في حياة كريمة؟
نحن سلكنا الطريق أولا. الطريق الذي بدأه و وطنه في أرضنا جذريون صادقون، شيوعيون بالمعنى العميق للكلمة، بمعنى إمكانية العالم المغاير، مثل عبد الخالق محجوب و الشفيع أحمد الشفيع و جوزيف قرنق. سلكنا طريق القوة الإجتماعية المدنية، ننظم نفسنا كفاحا، نسقط و نقف مرة تلو المرة، تحارب قوى الوعي الجذري على الجبهات المتعددة: جبة الفكرة الثقافية و الهوياتية، و جبهة الإستعمار المتخفي الجديد، و جبه النخب، البرجوازية الصغيرة، التي ما تفتأ أن تركب على قضايا شعبنا، إن كان بقيادتها المهتزة الإثنية لنضالات المهمشين، أو بقيادتها المدنية المتعجرفة لنضالات كادحي المدن. و كلما إنتصرنا في جبهة فتحت علينا جبهة جديدة. إلا أن سواعد الحق و حتمية الأمل، بقيت تنضح كل يوم بندى القوة العمالية الرفاقية الأصيلة، حتى صنعنا نقاباتنا و لجان أحياءنا من رحم المستحيل. و إن تذكرون فإن يوم دخول الشعب في إعتصام القيادة العامة، قهرا لواحدة من أشرس المنظومات الأمنية في التاريخ، كان تتويجا لجهد قاعدي طويل و مضني. و اليوم نحن نحارب عنف الدولة في شكله الهمجي، فالدولة المستبدة لن تترك للشعب أن ينتزع منها السلطة و أن ينكل بها تحت ظل الديمقراطية القوية، هي ستحارب أولا بالعنف المنظم، ثم بالعنف الهمجي، و الثاني أضعف من الأول هيكليا و لكنه أقسى. مثل الأب فاقد الأهلية، عنفه المباشر الهمجي غير مجدي و لكنه أكثر إثارة للألم و الشفقة.
لقد أخبرنا قادة النظرية قديما، و منهم الرفيقة روزا لوكسبورغ، أن المجتمع البرجوازي هو أمام خيارين: إما الإشتراكية و إما الفوضى. إن فهم هذه العبارة يجب أن يمر عبر ظاهرة حيمدتي. إن القوى الإشتراكية، قوى العدالة الإجتماعية الراسخة، قوة منظمات العمال و شباب المدن، و حتى قوى مسلحي الريف، هي كما وضح للجميع، قوى النظام، قوى السلمية و الأمن، قوى التفكير العملي و مصلحة الوطن، قوى الإستقلال و الإستقامة، أما قوى البرجوازية، و هي تعبر ماديا عن خوف أهل الحظوة على بقايا مكاسبهم، هي قوى تنضح ببحث محموم عن فوضى تجعلها على نفس مستوى البقية. إن النظام المستبد، لا يهدد بالفوضى، هو يهدد بها ثم يصنعها، يخلقها هياكلا من أشباح أطراف البروليتاريا، يقتل الشباب الفقير المغيب مرتين، مرة عبر تدمير مستقبلهم، و هم ليسوا إلا جزءا من مستقبل الوطن، لا مستقبل حقيقي لهم إلا في إرتفاع الحق، و لكنهم مع ذلك يقتلونه، و يقتلهم مرة ثانية عمليا بتحويلهم لآلة لصنع الفوضى التي سترتد عليهم، المساكين، لا على النخبة. الخياران لهما قوى تبحث عنهما، الإشتراكية و العدالة الإجتماعية لها قوى مجتمعية حية تقف على المبدأ و الحق، و الفوضى لها قوتها. و هذا هو الخيار.
إن إدراك الثورة السودانية لا يمكن أن يكون إدراك التعاطف و المناصرة. هو إدراك القضية الواحدة، أن ترى فيها مستقبلك و تفهم عبرها واقعك. و لذلك فإن الوقوف مع الثورة السودانية هو عبر الدخول فيها كتفا بكتف. و هذه لا تفهم إلا عبر فهم أن النضال الكلي ضد قوى الإستبداد هو نضال واحد، أنتم فيه رفقاء و إن إختلفت الظروف. أكبر مساندة للشعب السوداني الممحون و المكلوب في أعز أبناءه، الشعب الذي عبرت عن محنته الشاعرة نجلاء التوم عندما قالت: كيف نفكر فيمن يبنون لنا المستقبل عبر الرحيل عنه؟! مناصرة هذا الشعب هو في تحرر الشعوب في موريتانيا و تشاد. و هزيمة هذا الشعب هو في الركون لتحليلات المادة التي ترى أن تحرر شعوب أفريقيا هو أمر لم يأت معاده. إن النظرية المادية الصارمة، الجدلية المادية، هي الحقيقة التي تقطع داخل كل المجتمعات، بغض النظر عن درجات التعليم و لا درجة إنتشار القبلية و لا تدرجات التدين، هي حقيقة الحداثة التي تقطع داخل الكل و يمكن التأسيس للتحرك البطيء الصلب عليها. و الذوات، الأفراد الأحرار، هم مما يمكن صنعه في بادية الرعاة، و باحات الجامعات، و أفنية الأسر، بين جموع النساء التقليديات و بين مناضلي الهامش، ما لا تراه "الروح الجميلة" التي ترى الشر في كل مكان هو أنها أكثر الشر قهرا و مكوثا، فهي بعماها الذاتي تقطع الطريق أمام الحقيقة.
إن تحرر أفريقيا هو مجرد فكرة. ما أصغرها و هي تخرج من مثل بوستات الفيسبوك هذه. و لكن الروح تحلق دائما في الخفاء، صامتة بلا ضجيج، و قوية تقنع الفرد تلو الفرد، و تهز النقاش تلو النقاش، حتى إذا ما بسطت الروح جناحيها معلنة عن نفسها، كان من ضرورة الجدل الهيغيلي أن تظهر كمفاجئة من كان يتخيل أن فكرة الشهيد عبد الخالق محجوب، التي ألقاها رفقة بأعقاب سجارته الأخيرة قبل إعدامه، و إعدام حزبه، و إعدام طليعته و رفاقه في سبعينات القرن الماضي، سوف تتحول فجأة للفكرة الأساسية التي سينافح السودانيون عبرها و بها، مرة بعد مرة، نقابة بعد نقابة، و مؤسسة مدنية بعد مؤسسة، حتى يهزوا عرش الإستبداد فيخرج علينا فئرانه؟
فلتحتفظ كل القوى الجذرية في أفريقيا بتعاطفها مع الشعب السوداني لنفسها، لنفسها فعلا، و تبدأ بالعمل الجذري لتحرير شعبها، فذلك أكبر إنتصار للشعب السوداني، و الحقيقة ذلك هو الإنتصار الوحيد الذي يليق به.
عاشت نضالات شعوب أفريقيا الكادحة، معذبو الأرض، و روح المستقبل.

إدانات دولية لأحداث اعتصام الخرطوم وسط دعوات للحوار بين القوى السودانية




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *