يوسف حسين لو ولد قبل مائة عام لكان ولياً يزار*** ياسر عرمان
يوسف حسين لو ولد قبل مائة عام لكان ولياً يزار
ياسر عرمان
نوفمبر 2017
ياسر عرمان
نوفمبر 2017
منذ أن إلتقيته للمرة الأولى في سجن كوبر وأمضيت معه عاماً في قسم الكرنتينة (ب) في الفترة من مارس ١٩٨٤م – الي فبراير ١٩٨٥م، ظل طيف يوسف حسين وملامحه النضيرة دائماً في خاطري، تمر أزمنة مشرقة وأخرى عجاف وماتزال الأشواق تشدني لهذا المناضل الفريد والإنسان من الطراز الرفيع. مرت فترة ليست بالقصيرة، وربما تعود فكرة هذه المقالة لنحو عشرين عاماً، ناقشتها مع نفسي مراراً ومع عدد من الأصدقاء ولم تبرح فكرة الكتابة عن يوسف حسين ذهني. لم أمجد الأحياء يوماً وأرى في تمجيدهم مغامرة غير مأمونة الجوانب، ولكن حينما يتعلق الأمر بمناضل فالح وصالح مثل يوسف حسين فإن تمجيده مستحق وواجب، فهو إنسان مجيد جسد لي دوماً معاني الإخلاص والإلتزام والزهد والنزاهة، وهي قيم يحتاجها عالم اليوم الملئ بالوجبات السياسية السريعة.
منذ عدة أشهر إنتشرت في وسائل التواصل الإجتماعي عند فئات اليسار صورة زاهية ليوسف حسين في شبابه بين عملاقين من عمالقة النضال، هما الشهداء الشفيع أحمد الشيخ وقاسم أمين، والحقيقة إن يوسف ينتمي بحق لأزمنة العمالقة وهو إمتداد حقيقي لتلك المسيرة من الإلتزام ونكران الذات، وكأن الصورة لم تؤخذ صدفة بل أخذت بعناية لثلاثة من أهم بناة الحركة التقدمية السودانية.
في القاهرة حينما زارها جون قرنق للمرة الأولى طلبت من العم والمناضل الكبير الراحل محجوب عثمان أن يفعل كل ما في إمكانه لحمل يوسف حسين لحضور عشاء رتبه الأستاذ فاروق أبوعيسى في منزله للدكتور جون قرنق دي مابيور، وكان عشاءاً مشهوداً حضره عدد كبير من قادة العمل العام سودانيين ومصريين، وكنت قد إتصلت قبلها بيوسف حسين لدعوته فأجاب بتواضعه المعتاد بإن هذه المهمة ليست من مهامه، فهي لزملاء آخرين، وذكرت له إنني طالما حدثت دكتور جون قرنق عنه وهو يرغب في مقابلته، فإعتذر ولكن حينما إتصلت بالإستاذ محجوب عثمان لاحقاً أكد لي إنه لن يترك يوسف حسين حتى يأتي به، وكما وعد فعل، وحينما كنت أقدم الدكتور جون قرنق لبعض السودانيين المتواجدين وعرفته على يوسف حسين، قال لي إنه يريد أن يلتقي به قبل مغادرة القاهرة، ومن قبل ذلك وفي مناسبات مختلفة دار حديث بيني وبين الدكتور جون قرنق عن تجربة الحزب الشيوعي في العمل السري وأهميتها للحركة الشعبية في بناء أجهزة عمل سري جماهيري في مدن وريف السودان، وقد إهتم قرنق بهذه الفكرة وناقشها أكثر من مرة مع قادة الحزب الشيوعي لاسيما مع الأستاذ التجاني الطيب وكان يريد أن يعرف أكثر عن طبيعة عمل (المتفرغين) وهم (المحترفين الثوريين) الشيوعيين، وإستغرب عندما حدثته عن عدد منهم، وإن بعضهم لا يعرفهم الناس على مدى عقود طويلة بأسمائهم الحقيقية، وإنهم يستخدمون أسماء حركية، وإن عددا منهم هجر الحياة العامة ووظائف مرموقة للعمل سراً وعلناً للحزب، وحدثته عن يوسف حسين وإنه تخرج من جامعة الخرطوم في قسم الجيولوجيا، وكان من المبرزين في دفعته، وحدثني في سجن كوبر بإن الشهيد عبدالخالق محجوب طلب منه التفرغ، وإنه تفرغ للعمل الحزبي منذ الستينيات، وحدثته عن الميزات والصفات الشخصية ليوسف حسين، وعن زهده وتقشفه، وإلتزامه الصلب، وإن الحركة الديمقراطية التقدمية السودانية قد قامت على أكتاف رجال ونساء من أمثال يوسف حسين.
كان جون قرنق ذلك الثوري الساحر الموغل في التمرد يرغب في إجراء مناقشة معه حول كيفية بناء قواعد عمل سري للحركة الشعبية حتى تتمكن من إيجاد معادلة قويمة بين الكفاح المسلح والعمل السلمي الجماهيري، وهي ذات المهمة المطروحة اليوم، ولكن ذلك اللقاء لم يتم.
في القاهرة حينما زارها جون قرنق للمرة الأولى طلبت من العم والمناضل الكبير الراحل محجوب عثمان أن يفعل كل ما في إمكانه لحمل يوسف حسين لحضور عشاء رتبه الأستاذ فاروق أبوعيسى في منزله للدكتور جون قرنق دي مابيور، وكان عشاءاً مشهوداً حضره عدد كبير من قادة العمل العام سودانيين ومصريين، وكنت قد إتصلت قبلها بيوسف حسين لدعوته فأجاب بتواضعه المعتاد بإن هذه المهمة ليست من مهامه، فهي لزملاء آخرين، وذكرت له إنني طالما حدثت دكتور جون قرنق عنه وهو يرغب في مقابلته، فإعتذر ولكن حينما إتصلت بالإستاذ محجوب عثمان لاحقاً أكد لي إنه لن يترك يوسف حسين حتى يأتي به، وكما وعد فعل، وحينما كنت أقدم الدكتور جون قرنق لبعض السودانيين المتواجدين وعرفته على يوسف حسين، قال لي إنه يريد أن يلتقي به قبل مغادرة القاهرة، ومن قبل ذلك وفي مناسبات مختلفة دار حديث بيني وبين الدكتور جون قرنق عن تجربة الحزب الشيوعي في العمل السري وأهميتها للحركة الشعبية في بناء أجهزة عمل سري جماهيري في مدن وريف السودان، وقد إهتم قرنق بهذه الفكرة وناقشها أكثر من مرة مع قادة الحزب الشيوعي لاسيما مع الأستاذ التجاني الطيب وكان يريد أن يعرف أكثر عن طبيعة عمل (المتفرغين) وهم (المحترفين الثوريين) الشيوعيين، وإستغرب عندما حدثته عن عدد منهم، وإن بعضهم لا يعرفهم الناس على مدى عقود طويلة بأسمائهم الحقيقية، وإنهم يستخدمون أسماء حركية، وإن عددا منهم هجر الحياة العامة ووظائف مرموقة للعمل سراً وعلناً للحزب، وحدثته عن يوسف حسين وإنه تخرج من جامعة الخرطوم في قسم الجيولوجيا، وكان من المبرزين في دفعته، وحدثني في سجن كوبر بإن الشهيد عبدالخالق محجوب طلب منه التفرغ، وإنه تفرغ للعمل الحزبي منذ الستينيات، وحدثته عن الميزات والصفات الشخصية ليوسف حسين، وعن زهده وتقشفه، وإلتزامه الصلب، وإن الحركة الديمقراطية التقدمية السودانية قد قامت على أكتاف رجال ونساء من أمثال يوسف حسين.
كان جون قرنق ذلك الثوري الساحر الموغل في التمرد يرغب في إجراء مناقشة معه حول كيفية بناء قواعد عمل سري للحركة الشعبية حتى تتمكن من إيجاد معادلة قويمة بين الكفاح المسلح والعمل السلمي الجماهيري، وهي ذات المهمة المطروحة اليوم، ولكن ذلك اللقاء لم يتم.
في أمسية جميلة بلندن وبصحبة علي عبد اللطيف حسين وعلي خليفة عسكوري قمت بزيارة الأستاذ نبيل أديب وهو الآخر في الجانب التقدمي من التاريخ، ذكر لي بأنه قد عاصر يوسف حسين أيام حركة الطلبة وحضر معه إجتماعات لقيادات الطلبة بعد أن تخرج يوسف حسين من جامعة الخرطوم، قال إنه حينما يدعونه لتناول أكل الجامعة مجاناً وهو خريج أنذاك، فقد كان يرفض ذلك ويأتي بطعامه معه، ولا يقرب طعاماً ليس من حقه وهي قصة تعكس جوانب عميقة من مبدئية يوسف حسين وصدق إلتزامه، وحدثني من أثق به إنه في بداية حكم الإنقاذ حينما إحتار البعض في تحليل ظاهرة الإنقاذ فإن يوسف كان شديد الوضوح حول صلتها بالإسلاميين وقاد التحليل الحزبي على ذاك المنوال.
في الولايات المتحدة الأمريكية جمع بعض رفاق يوسف حسين مبلغا معتبرا من كتيب كان قد أصدره يوسف حسين، وحينما جيئ إليه بحصيلة بيع الكتاب رفض إستلام المبلغ ووجه بتسليمه لمالية الحزب، وهذا هو يوسف حسين الذي يشكل الزهد صفة مقيمة لايمكن أن تتحدث عنه والا طالعتك، وهو بحق يغشى الوغى ويعف عند المغنم، كما ذكر عبد الخالق محجوب بعد ثورة أكتوبر مستلهماً عنترة بن شداد. وقد أعطى حياته كلها لوطنه ويستحق أن تحنى له الجباه، وها أنذا أفعل ذلك في مقالتي هذه.
في الولايات المتحدة الأمريكية جمع بعض رفاق يوسف حسين مبلغا معتبرا من كتيب كان قد أصدره يوسف حسين، وحينما جيئ إليه بحصيلة بيع الكتاب رفض إستلام المبلغ ووجه بتسليمه لمالية الحزب، وهذا هو يوسف حسين الذي يشكل الزهد صفة مقيمة لايمكن أن تتحدث عنه والا طالعتك، وهو بحق يغشى الوغى ويعف عند المغنم، كما ذكر عبد الخالق محجوب بعد ثورة أكتوبر مستلهماً عنترة بن شداد. وقد أعطى حياته كلها لوطنه ويستحق أن تحنى له الجباه، وها أنذا أفعل ذلك في مقالتي هذه.
في سجن كوبر حينما كنا في قسم الكرنتينة (ب) كان الأخوان الجمهوريون في قسم الكرنتينة(ج)، وأحياناً كان السجانون يسمحون بالزيارات بين الأقسام في أيام الجمع والعطلات والأعياد، تعرف الجمهوريون على يوسف حسين وأحبوه جوهراً، وقال عنه أحدهم عبارة لا تزال تطرق أذني بعد أكثر من ٣٠ عاماً (لو ولد يوسف حسين قبل مائة عام لكان ولياً يزار). كان يوسف حسين في السجن كثير الصمت يداوم على القراءة والمحاضرات والإجتماعات الحزبية ويلعب كرة الطاولة والضمنة ولايعرف النميمة المنتشرة في السجون في بعض الأحيان.
رغم سنوات السجن الطويلة التي تسببت له في كثير من الأمراض ولكني لم أره منهزماً أبداً، بل كانت روحه المعنوية دائماً عالية، ورغم الحزم والصرامة التي ترسم الإنطباع الأول عنه عند مقابلته، ولكنه خفيف الدم أيضاً يتذوق النكتة ويحكي النكات. في السجن وفي مناسبات مختلفة يردد المعتقلون الهتافات، الا إنه في الغالب كان يلتزم الصمت وطوال عام لم أره منفعلاً يردد الهتافات الا في ١٨ يناير ١٩٨٥م يوم إعدام الأستاذ الشهيد محمود محمد طه، فقد جرت مراسم الإعدام في حوش الطوارئ الملاصق لقسم الكرتنينة (ب)، وقد كنا نسمع هتافات الإسلاميين بوضوح ونرد عليها بهتافات معاكسة تمجد الأستاذ محمود محمد طه وهو في الطريق الي عليائه السامق وصعوده نحو الأبدية طائعاً مختاراً، وبعض الناس " أرواحهم ملك للأمة متى طلبتها وجدتها"، كما عبر الشهيد أنطوان سعادة، ويوسف حسين شديد الشبه بالمتصوفة فهو مثلهم أتى الي الدنيا فقيراً وسيخرج منها مثلما أتى لم تأسره من الدنيا قشورها ولم تلفت إنتباهه قصورها، ولم يلتفت الا لمعاناة الناس والنضال من أجل عالم أفضل ولو أراد جميل الطعام وغالي الهندام والتطاول في البنيان لما كلفه ذاك كثير عناء، منذ تخرجه من جامعة الخرطوم في الستينيات.
في الماضي فصل يوسف حسين من مدرسة خور طقت مع الدكتور علي الحاج وآخرين، وأمضى سنوات طوال في سجون السودان المختلفة ولم يزل زاهداً ومؤمناً بالشعب السوداني، وما إلتقيت بالذين أعرفهم ويعرفون قدره الا وطلبت منهم حينما يرجعون الي الخرطوم نقل تحياتي وسلامي له، وفي جولات المفاوضات المختلفة في أديس أبابا كانت وصيتي الدائمة لصديقنا العزيز وأخانا الكبير الأستاذ كمال الجزولي أن ينقل التحايا والأمنيات الطيبات ليوسف حسين فمحبته عندي راسخة ومن محبة السودان، فالسودان إن لم يعني إنسانه والذين ضحوا من أجله فماذا يعني؟
حينما كنت في طريقي للإنضمام للحركة الشعبية قبل (٣١) عاماً كتبت له رسالة قصيرة من أبيات المناضل العمالي عالي الكعب والهمة الراحل الحاج عبد الرحمن (يا يوسفاً منا إليك تحية وسلاماً – عز الرحيل فقد سقاك حمام) وتركتها مع أحد الأصدقاء كتبها الحاج عبد الرحمن لصديق عمره السامق كالنخلة قاسم أمين.
قبل بداية الحرب الثانية والحالية كانت حواس الشم عندنا تؤشر الي إن نظام المؤتمر الوطني سيبدأ الحرب، وفي إحدى الأمسيات كان لدي عمل واجب الإنجاز مع قوى الإجماع الوطني، كلفت به مع الأستاذ صديق يوسف، وفي طريقي الي منزله طلبت من الصديق العزيز وابن طريقنا المشترك حاتم قطان أن يأتي معه بالأستاذ يوسف حسين وإلتقيته تلك الأمسية في بهاء من حوار، فهو بالنسبة لي يمثل زادا من ثبات وأوردة من التضحية والوفاء، وقد نصحت عددا من الذين أعتز بمعرفتهم بالتعرف بيوسف حسين فإن التعرف عليه قيمة مضافة في حد ذاتها.
قبل بداية الحرب الثانية والحالية كانت حواس الشم عندنا تؤشر الي إن نظام المؤتمر الوطني سيبدأ الحرب، وفي إحدى الأمسيات كان لدي عمل واجب الإنجاز مع قوى الإجماع الوطني، كلفت به مع الأستاذ صديق يوسف، وفي طريقي الي منزله طلبت من الصديق العزيز وابن طريقنا المشترك حاتم قطان أن يأتي معه بالأستاذ يوسف حسين وإلتقيته تلك الأمسية في بهاء من حوار، فهو بالنسبة لي يمثل زادا من ثبات وأوردة من التضحية والوفاء، وقد نصحت عددا من الذين أعتز بمعرفتهم بالتعرف بيوسف حسين فإن التعرف عليه قيمة مضافة في حد ذاتها.
في سجن كوبر طلب المهندس الراحل قاسم عباس من زوجته أن تشتري ملابس له وليوسف حسين ورفض يوسف حسين أن يستلم الملابس لأنه متفرغ حزبي يعيش على ما يتلقاه من التفرغ وعود نفسه على حياة بعينها، وحينما حدثني قاسم عباس الذي يعرف يوسف جيداً بكى فهو يحب شجاعته وصبره على المكاره.
مدون في التاريخ لا شك إن يوسف حسين ورهطه من قبيل نقد وتجاني والجزولي وعبد الحميد والسنجك وأنور وسليمان حامد والتجاني ساكن جاد كريم والآخرين وهم كثر تحدوا المشانق التي نصبت وبفضلهم عادت الحركة التقدمية الي الحياة من جديد، فيوسف حسين صاحب أفضال كبيرة ووهج لا ينقضي.
جذبتني الحياة الي حب الشهداء والشجعان والأوفياء والأذكياء، ويوسف حسين تحلى بالشجاعة والزهد، وصورته في ذاكرتي لا يعلوها غبار الزمن، ولا صدأ الأيام، فالحركة الوطنية السودانية منذ فجرها ضمت الكثيرين من الأوفياء الأنقياء ذهب بعضهم ولا يزال آخرون. لطالما شدني وإستوقفتني شخصيات مثل الحاج نقد الله مده الله بزاد من قوته حتى ينهض فارساً من جديد في حوبة الوغى، وعمي الراحل الحاج مضوي محمد أحمد ذلك الإنسان المصنوع من ماء الشجاعة، وفي ذهني الرجال والنساء الشجعان على إمتداد هذا النهر في غابات الجنوب.
في سجن كوبر أذكر جيداً إن مدثر بن إخت يوسف كان يداوم على زيارته وأتذكر قلة ملابسه التي إختارها زاهداً، كان لديه (قميصا) أثير يطلق عليه (قميص) مقابلة الحكام، وكان صديقنا الضوء أحمد بابكر يطلق على يوسف حسين (الليث الأسود) وعلى تجاني الطيب (الليث الأبيض)، للحديث عنهم دون معرفة الآخرين.
رفم مرور السنوات وتباعد المسافات يظل يوسف حسين عصياّ على النسيان وتحتشد ذاكرتي بصور الاف المناضلين أحياء وشهداء، مع ذلك تظل صورة يوسف حسين بازخة، وأعلم إنه لا يحب التمجيد ولكنني أفعل ذلك لأنني وددت أن أحيي هذا المناضل وأردت أن يعلم هو الأثر الباقي الذي خلفه عند جيلنا وثانياً أردت للأجيال الجديدة ومن يطلعون على هذه المقالة أن يدركوا قيمة هذا المناضل الإستثنائي، ولعل الأصدقاء الذي إلتقيتهم في ذاك العام في سجن كوبر يتفقون معي حول قيمته وجلده وصلابته، تمر أمامي الآن صور بعضهم، وعذراً لمن لم تسعفني الذاكرة بإستعادتهم في هذه اللحظة، وأذكر منهم رمضان سعيد – فوزي أمين – الضوء أحمدخ بابكر – محمد محمد خير - منصور الطاهر - الراحل قاسم عباس – ود أبو – هوث قور – ومحمد يوسف ( من اللجان الثورية)- الراحل أحمد خليل – جوني جوك ذلك النيلي الفارع الشجاع الذي إلتقيته لاحقاً في غرب الإستوائية في ١٩٩١م في مدينة كايا ، وراح ضحية الصراعات الداخلية في الجيش الشعبي، وهو إنسان عنيد لا يتراجع عن مواقفه حتى ولو أودت بحياته وهذا ما حدث، والمجد لله في الآعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة.
في سجن كوبر أذكر جيداً إن مدثر بن إخت يوسف كان يداوم على زيارته وأتذكر قلة ملابسه التي إختارها زاهداً، كان لديه (قميصا) أثير يطلق عليه (قميص) مقابلة الحكام، وكان صديقنا الضوء أحمد بابكر يطلق على يوسف حسين (الليث الأسود) وعلى تجاني الطيب (الليث الأبيض)، للحديث عنهم دون معرفة الآخرين.
رفم مرور السنوات وتباعد المسافات يظل يوسف حسين عصياّ على النسيان وتحتشد ذاكرتي بصور الاف المناضلين أحياء وشهداء، مع ذلك تظل صورة يوسف حسين بازخة، وأعلم إنه لا يحب التمجيد ولكنني أفعل ذلك لأنني وددت أن أحيي هذا المناضل وأردت أن يعلم هو الأثر الباقي الذي خلفه عند جيلنا وثانياً أردت للأجيال الجديدة ومن يطلعون على هذه المقالة أن يدركوا قيمة هذا المناضل الإستثنائي، ولعل الأصدقاء الذي إلتقيتهم في ذاك العام في سجن كوبر يتفقون معي حول قيمته وجلده وصلابته، تمر أمامي الآن صور بعضهم، وعذراً لمن لم تسعفني الذاكرة بإستعادتهم في هذه اللحظة، وأذكر منهم رمضان سعيد – فوزي أمين – الضوء أحمدخ بابكر – محمد محمد خير - منصور الطاهر - الراحل قاسم عباس – ود أبو – هوث قور – ومحمد يوسف ( من اللجان الثورية)- الراحل أحمد خليل – جوني جوك ذلك النيلي الفارع الشجاع الذي إلتقيته لاحقاً في غرب الإستوائية في ١٩٩١م في مدينة كايا ، وراح ضحية الصراعات الداخلية في الجيش الشعبي، وهو إنسان عنيد لا يتراجع عن مواقفه حتى ولو أودت بحياته وهذا ما حدث، والمجد لله في الآعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة.
كان بودي أن أعطي إضاءات اشمل حول يوسف حسين فهو بالفعل يستحق ذلك، ولكن (جري وطيران) العمل السياسي اليومي (الذي لم تجده النعامة) والأوضاع التي تواجهها الحركة الشعبية ماتتطلبه من جهد أضطرني للإيجاز، ولكنني سوف أكمل لاحقاً رسم هذه الصورة واللوحة الثورية التي في خاطري منذ سنوات.
أود أن أقول إن يوسف حسين ممثل حقيقي لجيل الستينيات وناطق بإسمه، هذا الجيل ذو الإسهامات الكبيرة في الحياة الثقافية والسياسية والإجتماعية السودانية والإحتفاء به إحتفاء بجيل الستينيات، فمن غيرهم يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر، كما عبر الناطق الآخر محمد المكي إبراهيم.
أود أن أقول إن يوسف حسين ممثل حقيقي لجيل الستينيات وناطق بإسمه، هذا الجيل ذو الإسهامات الكبيرة في الحياة الثقافية والسياسية والإجتماعية السودانية والإحتفاء به إحتفاء بجيل الستينيات، فمن غيرهم يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر، كما عبر الناطق الآخر محمد المكي إبراهيم.
وأخيراً أقول يوسف حسين (ما زولاً لعب).
نوفمبر 2017م
نوفمبر 2017م
وفاة المناضل الفذ الاستاذ يوسف حسين عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني الذي وهب عمره للعمل العام متفرق له منذ تخرجه من جامعة الخرطوم أوائل الستينات و بدء عمله في الحزب السوداني منذ المرحلة الثانوية مناضلا قويا لا يهاب السجون. أمضى جزء كبير من حياته في معتقلات النظم الديكتاتورية. خالص التعازي لأسرته و أصدقائه و معارفه و لحزبه.
وداعا عم يوسف حسين
له عبارة جميلة حيث قال : ان العزلة ليست في الابتعاد عن الكوم الكبير ، بل العزلة هي الابتعاد عن الموقف الصحيح ...
و قد كان دوما مع الموقف الذي يراه صحيح رغم ما يكلف ذالك
وداعا عم يوسف حسين
له عبارة جميلة حيث قال : ان العزلة ليست في الابتعاد عن الكوم الكبير ، بل العزلة هي الابتعاد عن الموقف الصحيح ...
و قد كان دوما مع الموقف الذي يراه صحيح رغم ما يكلف ذالك
*يوسف حسين، الجبل ليس له ضجيج*
بعد ان أشهر الشعب قوته الضاربة في 30 يونيو 2019 وطأطأت الكواسر والضباع رؤوسها ان للبطل الرفيق يوسف حسين مغادرة هذه الحياة.
أسهم الرفيق يوسف حسين إسهام الأبطال في القضاء على ثلاثة عهود عسكرية لتحكم نظام السوق وتماسيح السوق في حياة الشعب السوداني.
تسلح بالوعي وانتظم به ونظم آلاف النضالات التي شملت مع أسهامه في تنظيم الحزب الشيوعي تنظيم كثير من الأنشطة الديموقراطية بكل معاني الكلمة، في مجال المنظمات والروابط الإشتراكية، وفي مجال الجمعيات التعاونية، وفي النشاطات الثقافية والاعلامية، وفي العمل السياسي بما فيه من أفكار واختلافات وتوافقات، وعمل مكتبي، ووثائق تأسيس، برامج عمل، وتنظيمات رأسية وأفقية، وعضوية، وإجتماعات علنية واجتماعات أخرى سرية، محاضر وتقارير، وبيانات، ندوات، تحالفات، منشورات، مطالب، مذكرات، عرائض ومواكب، وتظاهرات وإضرابات واعتصامات. وما بين هذه وتلك من جهود وتضحيات، وتحمل اساءات واعتقالات وتعذيب وسجون.
لا مبالغة أن في خضم كل نضال جمعي شهده السودان، كان للحزب الشيوعي والرفيق يوسف حسين في قلب آلته التنظيمية إسهام من يدرس أكثر ويعمل أكثر وينظم أكثر، ويضحي أكثر، ثم يعف عند المغنم.
وقف الرفيق يوسف حسين بصلابة ضد الإمبريالية والإستعمار، وكان من أوائل المنتبهين لخطورة الإرث الإستعماري في تكوين الدولة وتأثير سياستها وتكوينها الإداري في توزيع موارد المجتمع وفرص التنمية، وفي هذا السياق الوطني اهتم بمصمون الأدب السياسي الذي صاغ بعضه في الخمسينيات الرفيق الراحل الأستاذ حسن الطاهر زروق، أول نائب برلماني للشيوعيين في أول برلمان للسودان، وبذلك الأدب المتجدد، وبرفضه آنذاك تحكم الإستعمار في تجارة وتمويل السودان، أنتبه الرفيق الراحل يوسف حسين الى طبيعة ترابط الإستغلال والتهميش في فترات ما بعد الإستقلال والصلة العضوية فيها بين طبيعة التمويل الدولي للتنمية الرأسمالية، ونموء حالة التفاوت الطبقي والتفاوت بين الأقاليم.
لمع إسم الرفيق الراحل يوسف حسين بعد خروجه للعمل السياسي العلني في عام 1985بعد كسر الشكل العسكري الثاني لتحكم السوق العالمي والداخلي في حياة الشعب السوداني، حيث واجه الرفيق الراحل مع الشعب ثلاثة قضايا: 1- قضية المعيشة والحريات النقابية،
2- قضية الحرب والسلام،
3-قضية الديموقراطية المناسبة لحل هاتين القضيتين.
2- قضية الحرب والسلام،
3-قضية الديموقراطية المناسبة لحل هاتين القضيتين.
ربطت الظروف الحل الإصلاحي لقضايا المعيشة بالحقوق الإجتماعية والنقابية للكادحين وحرية التقابات في المطالبة بالإصلاحات الضرورية لشؤون العاملين والعمل، بينما أرتبط حل قضية الحرب والسلام بتقسيم عادل لفرص التنمية ومقاليد تنظيمها في/بين أقاليم السودان. وارتبط تحقيق هذين الحلين بضرورة تطوير التمثيل البرلماني (الليبرالي) بتحقيق تمثيل برلماني مباشر لقوى العمل ومجتمعات العمل العام. بالصورة التي يتوافق عليها "المؤتمر القومي الدستوري" لكل فئات المجتمع السوداني السياسية والنقابية والعسكرية إلخ، وهو المؤتمر الذي كانت التوقعات تشير إلى عقده في يوليو 1989 لولا حدوث الانقلاب العسكري الثالث وقبام الجبهة الإسلامية لطفيليي السوق بقطع طريق تقدم الشعب.
بصلادة ورسوخ يهز الجبال واجه الرفيق الراحل يوسف حسين مع بقية قادة العمل النقابي والسياسي الموجة الأولى من ويلات القمع والحرب والفساد، وانتصروا للشعب أيما إنتصار بتعالبهم على آلامهم وآلام أسرهم، حتى خجلت منهم البسالة، وقد درحوا بها الإنقلاب الإسلامي من مرحلة القوة والبطش الدموي وأنزلوه إلى مرحلة السياسة ومنها لمرحلة الإنقسام.
في نشاطه وفي "المناقشة العامة" لوجود وفاعلية الحزب الشيوعي السوداني تصدى الرفيق الراحل يوسف حسين لنزعات الاستالينية المتمثلة في تأجيل الجزء القاعدي من الديموقراطية المركزية، وانتقد الرفيق يوسف لت وعجن البيروفراطية والتنظير، واهتم بتحقيق ترقية متكاملة كل مقومات التنظيم بمقرطة العلاقة الجدلية بين الانضباط والمرونة على اساس دراسة الواقع وطبيعة معالمه الحية، كذلك وكد الرفيق الراحل على أهمية القوام الطبقي والتنوع الإقليمي لنشاط الحزب وإثراءهم الأسس الوطنية للديموقراطية والأسس الديموقراطية للعمل الوطني.
كانت كثير من التظاهرات والانتفاضات والحركات المطلبية والحركات المدنية التي شهدها السودان في فترتي التسعينيات والألفينات وكذلك تنظيمات العمل المدني والحقوقي خارج السودان، نشاطات وثيقة الارتباط بنشاط الكثيرين، لكن لعل أكثرهم صمتاً وتدبيراً وعملاً ومتابعة لانتظامها أو ضعفها وجهداً لتنميتها كان الرفيق الراحل يوسف حسين.
مع جولات "الإيقاد" واتفاقات "ماشكوس" و"نيفاشا" تصدى الرفيق الراحل يوسف حسين بشكل حكيم لتياري الانتهازية، السوداني منهما والأجنبي، حيث وضح طبيعة النفع الذاتي لتحركات بعض عناصر وزعماء القوى الرجعية في الشمال، واشياههم في الجنوب، وكشف طبيعة نشاطات الحصار واغراءات فك الحصار الخارجي وكون الارتباط بها استجارة من الرمضاء بالنار.
العزاء للسودان في بطل صنديد أضاء مع الآخرين وعي الشعب والوطن بقضية التنظيم وقضية التهميش.
كان أنصع من النهار وأروى من النيل، ترتيبه أحد من السيف وكلامه أهدأ من الصمت، وسكوته بليغ، الجبل لا يتكلم وليس له كالطبول ضجيج.
المنصور جعفر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق