المغرب على حافة السكتة الدماغية /براهمة المصطفى _
المغرب على حافة السكتة الدماغية
إذ كان المغرب على حافة السكتة القلبية عام 1998، مما حدا بالنظام إلى الاستنجاد بما سمي بحكومة التناوب التوافقي، الذي لم يكن في الحقيقة إلا تناوبا مخزنيا، بشروط المخزن، ولم تكن الحكومة إلا حكومة إذعان تخضع لشروط المخزن وإملاء المؤسسات المالية الامبريالية: صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. واليوم يعيش المغرب من جديد على حافة الإفلاس، حيث تتهدده هده المرة السكتة الدماغية.
فكيف ذلك؟
فكيف ذلك؟
أولا/ على المستوى الاقتصادي
لم تتغير خصائص الاقتصاد المغربي بل ازداد ضعفه وتعمقت هشاشته وتفاقمت طبيعته الربيعية والاحتكارية وازدادت أوجه الفساد فيه.
1- التبعية: تعمقت تبعية الاقتصاد المغربي للدوائر الامبريالية التي تستنزف خيرات البلاد وتثقل كاهل الميزانية العامة سواء من أجل أصل الدين أو من أجل فوائده المجحفة، أو بشروطه النيوليبرالية الداعية إلى مزيد من الخوصصة، وتسليع التعليم والصحة، ورفع يد الدولة عن القطاعات الاجتماعية، ذلك أن الدين العمومي أي دين الخزينة، ودين الجماعات المحلية ودين المؤسسات العمومية الذي تضمنه الدولة، يكاد يناهز الناتج الداخلي العام
2- الضعف: باستثناء عجز الميزانية، الذي استطاعت حكومة التناوب إرجاعه إلى حجم مقبول، بعد أن كان يتجاوز 7 في المائة، فإن المؤشرات الأخرى تبرز ضعف الاقتصاد المغربي، وخصوصا نسبة النمو التي لم تتجاوز 3 في المائة بالمعدل طيلة السنوات الأخيرة، والتي لن تتجاوز2.7 في المائة، بالنظر إلى الجفاف الذي يضرب الفلاحة المغربية اليوم، في ظل التغيرات المناخية التي يعرفها العالم. أما الميزان التجاري فيعرف اختلالا مزمنا بالنظر إلى استيراد المغرب للمنتوجات الأجنبية، وضعف التصدير بالنظر إلى اعتماد المغرب على تصدير المواد الخام، والمواد المصنعة ذات القيمة المضافة الضعيفة كتركيب السيارات.
3- الهشاشة: يتسم الاقتصاد المغربي بالهشاشة في غياب بورجوازية وطنية، بل إن البورجوازية الوكيلة أو الكمبرادورية تستفيد من ولائها للنظام القائم وتخدم مصالحه لذلك فهي تستفيد من اقتصاد الريع، حيث يفسح لها النظام الاستفادة من رخص الصيد في أعالي البحار، ومن رخص المقالع، والنقل الدولي ويمكنها من أراضي الدولة لتسخيرها للمضاربة العقارية والاستثمار الفلاحي. ويسعى اليوم إلى تمكينها من أراضي الجموع، التي كانت غير قابلة للتفويت منذ 1919. وتستفيد هذه البورجوازية الممسوخة من الاحتكار، حيث يحمي لها النظام السوق من أي منافسة، ويطلق يدها في استنزاف جيوب المغاربة.
4- الفساد: إن السمة الأساسية اللصيقة باقتصاد الريع والاحتكار هي الفساد، حيث لا تتكون الثروة بفضل المجهود، ولكن بفضل القرابة من السلطة، لذا فهي تحميها وتغطي عن الفساد المستشري داخلها، مقابل الاستفادة هي أيضا من عائدات الريع والاحتكار، مقابل التغاضي عن التهرب الضريبي وتهريب الأموال للخارج، في حين تقتطع 70 في المائة من الضريبة على الدخل من المنبع من مداخيل الأجراء.
ثانيا/ على المستوى الاجتماعي
تتسع دائرة الفقر والهشاشة، وتعرف الفوارق الطبقية اتساعا مضطردا في ظل غياب تغطية صحية واجتماعية حقيقية.
1- البطالة: خلافا للأرقام الرسمية التي تجعل البطالة في المتوسط 10 في المائة من الساكنة، فإن هذا الرقم يخفي تفاقم البطالة، خصوصا داخل الشباب حيث تتجاوز 45 في المائة في المدن، ذلك أن امتصاص البطالة يتطلب نموا اقتصاديا يفوق 7 في المائة، وتتحدث الحكومة المخزنية عن ضرورة ملائمة التكوين مع مستوى الشغل. والحقيقة أنه ليس هناك شغل لأن الاقتصاد المغربي ينمو بنسبة 3 في المائة في المعدل، وبالتالي لن ينتج أي مناصب شغل، بل إن الشغيلة تفقد مناصب الشغل القائمة من خلال التسريح لتقليص اليد العاملة أو نتيجة إغلاق المؤسسات الإنتاجية، كما أن المؤسسات التي أوكل إليها النظام البحث عن منافذ الشغل أصبحت اليوم تستهزئ من الشباب الحاصل على الشهادات الجامعية حيث فتحت لحاملي الإجازة التكوين المهني للحصول على منصب نادل في مقهى.
2 – الهشاشة: مناصب الشغل غير القارة والاعتماد على المناولة حتى في المؤسسات الإنتاجية جعل العديد من الشباب يمتهنون حرفا هشة كباعة متجولين، يخضعون لابتزاز السلطة. كما أن غياب مناصب الشغل في العالم القروي يجعل شباب البادية يهاجر إلى المدن للبحث عن لقمة العيش، مما يجعله لقمة سائغة لمافيا العقار وسماسرة البناء العشوائي الذين يشكلون اليوم أحزمة المدن، في ظل عجز الدولة عن توفير السكن اللائق لهم.
3 – الفقر: تتسع دائرة الفقر مع تركيز الثروة في أياد قليلة، وتوسع الفقر بين شرائح عديدة من المواطنين، إذ يعيش 47 في المائة من المغاربة على عتبة الفقر، ويعيش 12 في المائة منهم الفقر المدقع، مما يجعل 70 في المائة من المغاربة يرغبون في الهجرة إلى الخارج، حسب إحدى الدراسات الاجتماعية المنجزة هذه السنة.
4- ضعف التغطية الصحية والاجتماعية: يعيش نصف المغاربة دون تغطية صحية حقيقية، ذلك أن الدولة في إطار سياستها النيوليبرالية في الصحة، التي أدت إلى اتساع خوصصة القطاع في ظل سياسة مفضوحة لتسليع الصحة، جعلت الفقراء غير قادرين عليها، رغم أن الصحة تعتبر خدمة عمومية، على الدولة التي تحترم نفسها أن توفرها للجميع باعتبارهم يؤدون الضرائب، ويعيش الراميد اليوم أزمة حقيقية وعجزا تاما في ظل الفساد العام، أما التغطية الاجتماعية، فتكفي الإشارة إلى أن 60 في المائة من المغاربة لا يتوفرون على معاش.
ثالثا/ على المستوى السياسي
لقد أدى إغلاق الحقل السياسي من طرف النظام إلى فرز سياسي حقيقي، ولم تسعفه المقاربة الأمنية في كسر شوكة الحركة الجماهيرية:
1- إغلاق الحقل السياسي: لقد عمد النظام إلى تكسير أحزاب الحركة الوطنية وإدماجها في حقله السياسي (حزب الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، حزب التقدم والاشتراكية)، وأسس أحزاب الدولة لمنافستها (الحركة الشعبية، الاتحاد الدستوري، التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة)، وأدمج الجزء المهادن في الحركة الإسلامية كحزب العدالة والتنمية، وأدمج جزء من المتساقطين من قدماء اليسار في حركة لكل الديمقراطيين ثم في الأصالة والمعاصرة، وأغلق الحقل السياسي فلم يعد من هذه الأحزاب، سواء المصنوعة أو المدمجة، من يعارضه، وأصبح يدور في حلقة مفرغة مع نفسه.
2- الفرز السياسي : لكن إغلاق الحقل السياسي وبالتالي تشكل الحقل السياسي الرسمي، لم يمنع من تشكل الحقل السياسي المضاد. وهذا قانون التناقض الذي لا يفهمه النظام المخزني وطباخوه. لقد أدى هذا الوضع إلى عدم ثقة المغاربة في النظام السياسي القائم برمته. وقد أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة والتي قبلها أن 80 في المائة من المغاربة لم يسجلوا أنفسهم في اللوائح الانتخابية، أولم يصوتوا أو أدلو بأصوات غير صحيحة. وكشفت دراسة أخيرة الأوضاع الاجتماعية والسياسية في المغرب، أن 83 في المائة لا يثقون في النظام ومؤسساته من حكومة وبرلمان وقضاء، بل حتى في الأحزاب السياسية والنقابات.
وأمام تآكل الحقل السياسي الرسمي يتهيكل الحقل السياسي المضاد، ويشمل قوى اليسار (النهج الديمقراطي، أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي، القوى الماركسية كتيارات وأفراد، وكذلك جزء من الحركة الإسلامية، ومن الحركة النقابية. ويسعى النهج الديمقراطي إلى بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين المفتوح في وجه القوى الماركسية، ويسعى إلى جانب حلفائه في الحركة الديمقراطية والحركة النقابية، والحركة الحقوقية والحركة الأمازيغية والمجتمع المدني غير الممخزن إلى تأسيس جبهة اجتماعية، كخطوة أولى في اتجاه بناء جبهة سياسية ديمقراطية وشعبية.
3- المقاربة الأمنية
في الوقت الذي يتحدث فيه النظام عن فشل نموذجه التنموي المخزني، فإن مقاربته على المستوى السياسي، هي مقاربة أمنية قمعية وزجرية بالأساس. ذلك أن إغلاق الحقل السياسي واندحار شخوصه جعل الشارع هو المكان الحقيقي لممارسة الصراع السياسي والاجتماعي والتعبير عن المطالب، ففي ظل عدم رغبة النظام في التنازل وتحقيق المطالب فإنه يلجأ إلى القمع.
في الوقت الذي يتحدث فيه النظام عن فشل نموذجه التنموي المخزني، فإن مقاربته على المستوى السياسي، هي مقاربة أمنية قمعية وزجرية بالأساس. ذلك أن إغلاق الحقل السياسي واندحار شخوصه جعل الشارع هو المكان الحقيقي لممارسة الصراع السياسي والاجتماعي والتعبير عن المطالب، ففي ظل عدم رغبة النظام في التنازل وتحقيق المطالب فإنه يلجأ إلى القمع.
4- الحركة الجماهيرية
منذ حركة 20 فبراير المجيدة التي خلصت المغاربة من الخوف، وفي ظل سياسة الالتفاف على مكتسباتها على علاتها، تفجرت العديد من الحراكات في العديد من المناطق (الريف، جرادة، زاكورة، أوطاط الحاج) هذه المرة بمطالب اجتماعية بحمولة هوياتية وسياسية، واجهها النظام بالقمع وتوظيف القضاء لعقابها.
منذ حركة 20 فبراير المجيدة التي خلصت المغاربة من الخوف، وفي ظل سياسة الالتفاف على مكتسباتها على علاتها، تفجرت العديد من الحراكات في العديد من المناطق (الريف، جرادة، زاكورة، أوطاط الحاج) هذه المرة بمطالب اجتماعية بحمولة هوياتية وسياسية، واجهها النظام بالقمع وتوظيف القضاء لعقابها.
وانفجرت نضالات قطاعية في الصحة والتعليم بمطالب نقابية واجتماعية وبخلفية سياسية تندد بخوصصة هذا القطاع الحيوي، ومؤخرا برزت حركة نضالية ضد العطش في ظل الجفاف.
ورغم ذلك، أمعن النظام في تمرير القانون الإطار في التعليم الذي أبان عن جبن الأحزاب المندمجة، ومرر قانون تفويت أراضي الجموع، ويحاول تمرير القانون التكبيلي للإضراب، وهذا ما سيفتح من جديد الصراع ضد النظام القائم.
إن المغرب اليوم يعيش في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على حافة السكتة الدماغية، ولن تسعفه مقاربته الأمنية لمعالجة الأوضاع المنفلتة من يده، فالمستقبل لليسار وللجبهة الشعبية والحركات الاجتماعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق