جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

إعلان الرئيسية

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

ياسمينة وليلى، وطائر الحرية... عبد الرحيم التوراني

 ياسمينة وليلى، وطائر الحرية...

عبد الرحيم التوراني
اسم هذه الصغيرة، التي معي في الصورة، هو ياسمينة.
ياسمينة هلال.
عمرها ست سنوات.
التقيت بها بصحبة أبيها مع أصدقاء آخرين، حيث قضينا الأحد الماضي نهارا عائليا دافئا بمدينة صور في الجنوب اللبناني.
ليست المرة الأولى التي أزور فيها هذه الحاضرة التاريخية، التي تذكرني أزقتها الضيقة ومعمار أبنيتها العتيقة المطلة على شرق المتوسط، بملامح بعض المدن القديمة في المغرب، وإن كان صديقي المقيم في بريطانيا يشبهها بمدن الجنوب الإيطالي. واعتبارا لمآثرها التاريخية أدرجت مدينة صور، التي تقع على بعد 85 كلم جنوب العاصمة بيروت، على لائحة التراث العالمي التابعة للأونيسكو.
بعد جولة بالميناء الأثري حيث يجتمع الصيادون، وصلنا إلى أوبيرج "الفنار" لنتغذى في مطعم نصبت طاولاته في الهواء الطلق. عند قدم البحر جلسنا لتناول أصناف لذيذة من المطبخ اللبناني المتنوع، تبُّولة وفتُّوش وحمص مطحون وباذنجان وبطاطا حارة وأسماك متنوعة. أما الأطفال (كانوا ثلاثة)، فتناولوا بطاطا مقلية (فريت) و"شيش طاووق".. صدر دجاج مشوي مع "السفن أب". واستمتعنا حتى مالت الشمس لتغرق في قاع المتوسط كجمرة ملتهبة.
***
عرفت كيف أجذب ياسمينة لتجلس جانبي، فكل الأطفال يحبون الرسم، كذلك كان. وقد تحدثنا معا بعض الوقت حديث عاقلين.
سألتها عن اسمها، ثم عن جدها وجدتها، فأجابت. ولما انتبهت إلى صمتي، استدركت ياسمينة وقالت:
- ذكرت لك جدي وجدتي من ماما فقط، لدي أيضا جدي وجدتي من بابا.
- أي وا..، إييه...
- جدي فايز وجدتي ليلى.
ابتسمت أنا واكتفيت، لأغير دفة الكلام، ولأستجيب لما طلبته مني ياسمينة في البدء، رسمت لها ما أرادت:
- بهلوان باسم فوق رأسه قبعة منقطة.
- رأس حصان جامح.
- قطة مع صغيرتها.
نالت الرسوم إعجاب ياسمينة. ضحكت وسارعت لتريني صور قطتها الصغيرة من على هاتف أبيها. قطة جميلة، ذات فرو باللونين الأبيض والأسود.
ثم سمتها لي:
- سميتها أنا "بِسْبِسْ". جلبناها جد صغيرة...
سألتني إن كنت أنا أيضا مثلها، محبٌّ للقطط. فأجبتها بنعم.
ثم طلبت مني ياسمينة رسم طائر محلق، لكن لم تكن معنا ورقة زائدة.
أووف.. فاتتنا رؤية طائر جميل بجناحين مبسوطين في الهواء يرفرف بحرية على بياض الورق فوق الشط والموج الأزرق.
***
تذكرت الرسوم المتضمنة في الأجزاء الخمسة للسلسلة المدرسية "إقرأ" للمؤلف التربوي الرائد أحمد بوكماخ. وتذكرت صديقي التشكيلي الراحل محمد شبعة واضع تلك الرسوم. وقد أشركني معه في آخر الثمانينيات، في متابعة ورشة كبيرة لرسوم الأطفال أشرف عليها في المعرض الدولي للدار البيضاء.
تذكرت النحاتة الفلسطينية والكاتبة منى سعودي، وتجربتها مع رسوم الأطفال، وقد جمعتها في كتاب بعنوان: "شهادة الأطفال في زمن الحرب"، صدر ضمن منشورات مجلة " مواقف" باشتراك مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سنة 1971، وأعيدت طباعته سنة 1979.
لقد عكست الرسوم العفوية ل"أطفال منى" ما يجول في نفسياتهم ورؤسهم من حزن وغضب ساطع. ولعل من ضمن أولئك الأطفال من سكنوا آنذاك بالمخيمات الفلسطينية بضواحي مدينة صور، التي تضم اليوم ألاف اللاجئين الفلسطينيين. وبحساب المسافات تقع صور على منتصف الطريق بين صيدا وعكا في فلسطين.
يا لهم من أطفال لا يشبهون الأطفال!
أما ياسمينة فطفلة عادية. تشبه في براءتها أطفال العالم.
وهي من فلسطين، إلا أنها حفيدة أول امرأة قامت بخطف طائرة من أجل لفت أنظار العالم إلى القضية الفلسطينية وبهدف إطلاق سراح المناضلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، حدث ذلك قبل حوالي نصف قرن من مجيء ياسمين إلى هذه الدنيا...
طبعا لم أسأل ياسمينة، ولا سألت والدها هل تعرف صغيرته قصة جدتها. لكنها حتما ستعرف لما تعي جيدا وتكبر.
ستقرأ ياسمينة وتطالع صورة جدتها وهي تلتحف بالكوفية وفي يدها بندقية كلاشنكوف.
وأكيد... ستفتخر ياسمينة بليلى خالد.
الأطفال هم مستقبل العالم. والأطفال الفلسطينيون هم مستقبل فلسطين، وهم ضمان استمرار الشعب الفلسطيني وكفاحه باتجاه إنهاء الاحتلال الصهيوني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
أما إخوة الدم والمصير، فهم اليوم "عربٌ أطاعوا رومهم .. عربٌ وباعوا روحهم ..عربٌ... وضاعوا..." كما ردد مرة الشاعر العظيم محمود درويش.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *