جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

إعلان الرئيسية

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

على من تكذب يا معالي الوزير؟أحمد بطاح. قاص وروائي من الصحراء.

 على من تكذب يا معالي الوزير؟

دائما ما يتحفنا معاليه بخرجاته البهلاوانية المتكررة، وهي وإن كانت خرجات بهلاونية، فإنها تبكي أكثر مما تضحك؛ تبكي لأنها تعبر بحق عن بؤس السياسة التي تنهجها حكومته في التعاطي مع ما يسمى تجاوزا بالمناطق الجنوبية. لذا أدعو معاليه أن ينزل من برجه العاجي، وينخرط في الاستماع لرجل ولدته أمه في خيمة على بقعة من بقاع الصحراء، لم يسمع بها قبلا، قبيل سقوط جدار برلين بأربعة أشهر. تعال أخبرك يا معالي الوزير بالواقع المرير الذي نعيشه في هذه الجزء السحيق من العالم، تعال حتى لا تظن أنه ليس للصحراء مثقفون يدافعون عنها من بياعي الوهم أمثالك، تعال واركب معي مركبة عابرة للزمن، فأنا سأعيدك للوراء حيث نعيش، حيث لا ننتمي للقرن الواحد والعشرين.
لنبدأ أولا لمعاليه بالسكن، طالما أنه موضوع الخرجة البهلوانية، ولنبدأ بما يسمى ݣليميم باب الصحراء، أو ݣلميم كما ينطقها الوزير، وليتفضل معاليه لحي الݣصبة، لا تخف إنه ليس حيا من الأحياء الهامشية للدولة الموحدية كما يبدو لك، بل حي ينتمي للصحراء التي قلت عنها أرض الفيلات والدور المغربية، ألا ترى معي دور الطين ممتدة حتى الأفق، وأزقة يستحيل أن تمر منها دراجة نارية. هيا لنتمم ولننزل قليلا لحي التواغيل والنوادر ثم لنصعد لحي تيرت العليا ومنها إلى السفلى، هل ترى معي الناس المكدسة في الديار كتكدس أسماك السردين في علب معدنية، لا أريد أن أصدم معاليك بأحياء أفظع، لذلك هيا بنا نتوغل قليلا في الشرق، حيث مدينة أسا، وحيث الشباب يتجرعون كؤوس البطالة حتى الثمالة، حيث لا بحر ولا معامل ولا أي شيء سوى أن يلقي الشباب بنفسهم في براثن التهريب، فتتصدى لهم جحافلك بالرصاص الحي. توغل أكثر يا وزير، فالزاك التي تنطقها مع أسا تفصل بينهما المسافة بسبعين كيلومترا، نعم بلدة الزاك التي تظن أنها لا وجود لها، طالما تأتي دوما محاذية لاسم أسا، الزاك، تلك البلدة المنسية التي أثخنتها الألغام جراحا، ومخلفات حرب الصحراء ما زالت تحصد شبابها وشيبها. ولن أتوغل بك أكثر، إلى حيث بلدة المحبس، لأنه ربما سمعت أزيز الرصاص ووليت هاربا. لذا دعنا نعود إلى اعوينة ايغمان واعوينة تركز، وأتحف سمعك بخبر عائلات مدخولها الشهري هو مائتا درهم، وهلم لترى الناس وأقصى أمانيهم أن يروا قطرات الماء تسقط من صنبور أغلقته بيوت العنكبوت، أما راس أمليل فلن أحدثك عنه، كما لن أحدثك عن لبيار وتيغمرت وأفركط وفاصك وأسرير، فأسماء هذه المناطق وحدها تبعث على فقدان الأمل.
لننزل جنوبا إلى الطنطان، وما أدراك ما الطنطان؟ لا لم تسقط عليها قنبلة هيروشيما كما ترى، بل هي سياسة ممنهجة، ومحاسبة للتاريخ يا سيدي، وذلك الحي الذي تراه في البعيد، سامحني أنت لا تراه، فهو غارق في الظلام، ذاك نسميه "دوار الشمع" الناس هناك يا سيدي يضيئون بالشموع، نعم في القرن 21، وفي أول مدينة تبنى فيها عمالة في الصحراء. آه أنت تشم رائحة مقززة، أليس كذلك؟ إنها رائحة معامل السردين المبنية وسط الأحياء، إنها رائحة ألفناها نحن أبناء الحي الجديد وحي النهضة، وعلى فكرة، فهذا الحي الجديد لا يحمل من الأمر سوى الاسم، لا أريد أن أنزلك للشوارع في هذا الحي خوفا على حذاءك الملمع جيدا بعرق الفقراء.
فلنكمل رحلتنا يا سيدي، هذا الذي ترى أمامنا يسمى أخفنير، لا بأس كل يصعب عليه نطقها، كما هو صعب أن تعيش هنا ليومين متتاليين. هل تريد بنا أن نعرج على الطرفاية، أم أن معاليه لا يحب الزوابع الرملية؟ إذن فلنكمل مباشرة، لا تخف إنها اهتزازات عادية، فقط بعض الحفر الكبيرة في الطريق. لن أتوقف بك أيضا في بلدة الطاح وبلدة الدورة، فواحد مثلك ألف مدينة الرباط لن يتحمل تلك المشاهد المرعبة.
هذه التي أمامنا؟ نعم إنها مدينة العيون، عاصمة الصحراء، أعرف أنك كنت تتوقع رؤية بنايات شاهقة، وشوارع فسيحة مزينة. أتريد الذهاب إلى الجامعة أم إلى السينما أم إلى المسرح؟ إني أمازحك، فإطلاق اسم مدينة على مدن الصحراء ضرب من ضروب الجهل بمفهوم المدينة الحديثة، أيعقل أن تكون العيون أكبر مدن الصحراء ولا توجد فيها ولا جامعة، ولا مسرح ولا سينما؟ يا إلهي، أحدثك عن الكماليات ونسيت ما هو أساسي، هل معاليك على علم بمجزرة اسمها بلمهدي، عفوا مستشفى اسمه بلمهدي، هل يعلم معاليه معاناة سكان الصحراء في التنقل إلى مدن البيضاء والرباط من أجل التدواي وقربهم أكبر منجم للفوسفاط في العالم؟ هل يعلم معاليه حالة الطالب بويا وحالة الرباب قبله، وحال آلاف الصحراويين الذين يحلبون في مستشفيات البيضاء وكأنهم يلدون النقود؟ لا يا سيدي، أنت لا تعلم بذلك، ولا تعلم بحالة الطلبة الذين يقطعون مئات الكيلومترات ليتموا دراستهم؟ وما يتعرضون له من ميز عنصري ومن قتل وتنكيل، لا تدعنا ننكأ جرح حمادي هباد وجرح خيا وجرح لكتيف وجرح عبد الرحيم بضري وجرح عبد الوهاب، وكثيرا من الطلبة الصحراويين الذين قضوا نحبهم هناك، قبل أن يفرح بهم أهلهم.
أما زال معاليه لم ير الفيلات التي تحدث عنها؟ لنذهب إذن إلى أحياء لحشيشة والدويرات وسوق لمخاخ، هيا بنا إلى حي الوفاق وحي العودة، ومتع نظر بالفيلات يحاذي بعضها بعضا. من باع لك هذا الوهم؟ نحن نعرفهم جيدا، أولئك الذين اغتنوا من قضايا الشعوب، أولئك الذين لا ضمير لهم، ولا عمل سوى النهب والسرقة، أولئك الذين انتفخت بطونهم بأموال الريع، لا تعرف غيرهم في الصحراء ليخبروك بالحقيقة كما هي.
لن أحدثك أيضا عن أزمة الماء في الصحراء، وعن العائلات الصحراوية التي تتجاوز عشرة أفراد لا مدخول لهم سوى بطاقة إنعاش حقيرة، أو حوش شياه يبيعون منه رأسا أو رأسين كل سنة، أكيد أنك لم تر مدينة من قبل تغزوها أحواش الماعز والغنم، فلتعد إذن إلى مدينة الطنطان، وسترى العجائز مساء وهن يجمعن مخلفات الخضر والفواكه لإطعام رأس أو رأسين هما كل ما يملكن.
لنكمل الرحلة، هذه بلدة المسيد، البلدات تتطور وهذه البلدة سائرة إلى الزوال، ولم يبق فيها سوى مطعم منزو في الخلاء، وخلفها بوجدور مدينة المتناقضات، هذا الذي تراه يسمى حي القطب، فعلا اسم على مسمى، القطب الشمالي، حافة العالم، وخلفه شرقا ذاك حي التنمية، وهو أيضا اسم على مسمى، التنمية الاجتماعية التي طالما تغنيتم بها، أنظر إلى الفيلات المبنية بمخلفات دور الصفيح التي كانت تحف المدينة، أنظر إلى مئات البيوت التي كد أهلها وباعوا ما يملكون ليضيفوه للإعانة الهزيلة التي عوضت بها مساكنهم الصفيحية. خذ لك صورة بانورامية، أكيد أعمتك الزوابع الرملية، والشباب المهمش يسند الجدران، هذا ما تبقى منهم بعد أن يمم نصفهم شطر الفردوس المفقود، ونصفهم في الصحراء ينقب عن الذهب، والبعض الآخر قد أهلكته المخدرات في مدينة بئيسة لا بارقة أمل فيها، ولو أطلت هنا ليومين أو ثلاث ستعرف بضع أناس يمتلكون الأرض ومن عليها، مشاريعهم في فرنسا واسبانيا، ولو أطلت أكثر ستعرف خبايا الدعم الذي يقدم إلى المخيمات، وأصحاب المناصب الذين اغتنوا بين ليلة وضحاها، والمناصب التي تباع بالملايين، وبطائق الإنعاش التي توزع بالمحاباة. أما الأحرار فهم ملقون في السجون.
وهيا بنا إلى الداخلة، هنا ستحس بحجم الكذبة التي أخرجها لسانك، (والكلب السلوقي الذي أطلقته علينا)، ولكن قبل أن نصل يجب أن تحس معي بأطول طريق بين مدينتين، 350 كيلومترا من الخلاء، لن أعد لك عدد ضحايا هذه الطريق، بل سأخبرك أنه ليس فيها سوى بلدة بئيسة تسمى لكراع، لن يدخلها أمثالك ممن ألفوا الفنادق المصنفة. وأيضا لن أعرج بك إلى قرى الصيد من الكاب 7 ووصولا إلى أعرايش، أخاف أن يتجرأ عليك ناس نسوا المدنية، أو قتلة هاربون من مدن الداخل... وها هي مدينة الداخلة تترامى أمامنا، نعم سيعجبك الخليج، ومنظر الألعاب البحرية، ورائحة السمك المقلي.. ولكن اجلس معنا هنا قليلا، بضعة أشهر فقط، اشرب ماء الصنبور، فهو حلو، أفضل من "سيدي علي"، وسآخذك في جولة لشراء السمك، سمك القرب هنا ب 100 درهم فقط للكيلو، نعم في هذه المدينة حيث توجد أغنى بحار العالم بالأسماك، أما السمك الممتاز فلا تحلم أنك ستراه، لأنه يجمع ويصدر قبل أن يلج الأسواق. أتريد أن تبحث عن بيت للسكن؟ ههه تلك قصة أخرى لا نهاية لها، المنزل من غرفة وصالون صغير في هذه المدينة بين 1500 و 2000 درهم، مع تسبيق ستة أشهر أو سنة، وشراء عدادي الماء والكهرباء، هذا إن كنت متزوجا، أما إذا كنت أعزبا فمن الأفضل أن تشتري خيمة. لا تستطيع أن تستيقظ صباحا، أمر عادي، إنها فقط الرطوبة المرتفعة، لن أحدثك أكثر عن مشاكل المدينة، من جاؤوا إلى هنا أعواما سيخبرونك بكل شيء. كنت سآخذك إلى جولة في العركوب، ومنها إلى بير كندوز ثم إلى أوسرد، لترى بأم عينيك التراجيديا الإنسانية التي يعيشها الناس في تلك البقاع، كنت أيضا سآخذك للݣويرة ولكن شتان بين الشعارات والواقع.
ما زال الكثير في جعبتي لأقوله، ولأكشف الحقيقة بناء على تجربة معيشة في الصحراء، وليس بناء على أرقام لا علاقة لها بالواقع. نعم نحن نصدق العلوم الإنسانية، والمناهج الكمية والكيفية في دراسة الظواهر الإنسانية، ولكننا نستطيع التمييز بين النتائج المبنية على بحث ودراسة، والنتائج التي تقال بناء على استقراءات مغلوطة عن الواقع. لذلك كفوا عن الرسم على مخيلة المغاربة أن الصحراء جنة الله على الأرض، وأننا نعيش هنا في النعيم، ودعوا لنا ولو القليل من خيراتنا، فهي كفيلة بناء.
أحمد بطاح. قاص وروائي من الصحراء.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *