حبشي: بدرب مولاي الشريف إبتكر المعتقلون وسائل لتجنب نزيف الاعتقالات (الحلقة 6)
حبشي: بدرب مولاي الشريف إبتكر المعتقلون وسائل لتجنب نزيف الاعتقالات (الحلقة 6)
“حكاية معتقل سري”، يحكيها أحمد حبشي، المعتقل السياسي السابق الذي قضى سنوات خلف الأبواب الموصدة للزنازن الباردة في زمن الجمر والرصاص، ضريبة عن مواقفه ومواقف رفاقه في العمل السري، منظمة 23 مارس”، التي سعت للثورة المسلحة، قبل العودة للعمل السياسي العلني.
حبشي الذي يروي قصته في زمن الجمر والرصاص، مثله مثل رفاقه قاوم العزلة وبرودة السجن، وحارب خوف سوط الجلاد وكأبة ظلمة السجن، وصبر على مختلف وسائل التعذيب، “الطيارة” و الشيفون”..، إليكم الحلقة السادسة من “حكاية معتقل سري”.
“لم يكن المعتقل السري مكانا للقمع واستنزاف قدرات المعتقلين على المواجهة والصمود ، بل كان فرصة لمراجعة الذات وتقييم التجربة ورصد أخطائها ، بمستويات مختلفة بمواقف كل من يرغب في مواصلة التجربة والذين أخذوا يتبرؤون منها ويحملون الآخرين فقط مسؤولية ما انتهت إليه ممارساتنا الجماعية.
بعد تجاوز مرحلة الرهبة تمكن المعتقلون من ابتكار اشكال التواصل بينهم واستقصاء أخبار كل الموجودين بالمعقل من الرفاق الذين كان يربطهم إطار واحد أو تجمعهم علاقات في الفضاء العام. وذلك تجنبا لنزيف الاعتقالات وتمكين المحققين من معطيات تكون لها انعكاسات سلبية على البعض الذي سعوا إلى إخفاء بعض المعطيات.
هكذا أصبح المعقل فضاء للحوار وإدارة الندوات والنقاش بعد أن تمكن النزال من ضبط أسلوب مراقبة الحراس. نتيجة لفعالية المراقبة فقد احد الحراس صوابه ، وكان شديد الحقد والضغينة على المعتقلين، كان جالسا في الممر وتصله أصوات المعتقلين فتحرك في اتجاه الصوت، كلما اقترب انقطع الحديث ، أضاء الغرفة فوجد الكل في نوم عميق . أعاد الكرة مرات بعد خلع حذاءه وسار المسافة على أطراف أصابعه ، لم يصل إلى أية نتيجة ، فما كان منه إلا نزل ضربا في الجميع وأرغمهم على الوقوف على رجل واحدة انتقاما منهم وتعويضا لفشله في ضبط مصدر الصوت.
كان الرفيقين المكلفين بمراقبة تحركات الحارس يقظين ويخبرون الآخرين بتنقلاته في حينها دون أن ينتبه بأن خياله كان يسبقه قبل أن يصل إلى الغرفة . أبراج مراقبة تحركات الحراس كان دقيقة ، ساعد في نجاحها سذاجة الحراس وغباوتهم.
بالطبع عندما يضبط بعضنا مخالفا للتعليمات فإن الضرب المبرح يكون بالمرصاد. ومع ذلك فإن البعض لم يكن يأبه لذلك ، ويسقط دائما في المحظور . صلاح الوديع لم يكن يقوى على التحكم في قهقهته ، فهو يضحك بصوت مسموع كل ما سمع نكتة أو شاهد ما يثير الضحك ،خليل قاسم كان كثير الحركة والرغبة في الحديث دون أخذ الاحتياط ، أعياهم بعقوباته لأنه كان يغض الحار حين لا يصرخ تحت وقع الضرب ، بل خاطب يوما أحدهم ، وهو من أكثر الحراس قسوة بعد ان انتهى من ضربه على ظهره بكرباجه ، دون ان يسمع صراخ أو أنين ، قال له : أنت ماشي رجل كتضرب واحد يديه مقيدين.
خلال مدة عشرة أشهر قضيتها بدرب مولاي شريف لم أعاقب يوما، وضبطت مرة وأنا أحدث يوسف فاضل في مدخل مكان الاستحمام ، سمعت صوته وهو يكلم الحارس الذي يأخذه للاغتسال ، فرفعت صوتي ملحا للخروج إلى المرحاض . استجاب الحارس لطلبي فهرعت إلى المكان قبل أن يدخل يوسف لمكان الاستحمام ، فانتبه الحارس إلى أنني اقتربت من يوسف وعانقته ، غير أنه لم يقم بأي رد فعل ، واكتفى بأن نهرني مخاطبا أياي : حتى انت أعزي . وهو فعلا كان من ألطف الحراس ، كنا نطلق عليه اسم الحاج اللواط لأنه كان يرافق المعتقل إلى داخل الحمام ليتأمل مؤخرات المستحمين عند ما يخلع الواحد منا كل ملابسه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق