جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

إعلان الرئيسية

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

«الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق»/قتلوا فرج الله الحلو وساروا في الجنازة إعداد: جورج حداد*

 فرج الله الحلو:

قائد شيوعي عربي بارز قتل على يدي جلاديه وذوبوا جسده بالاسيد. لبناني الجنسية كان قائد بارز في الحزب الشيوعي اللبناني السوري وما زال رمز للشيوعيين السوريين واللبنانيين حتى بعد انفصال الحزب الشيوعي اللبناني عن الحزب الشيوعي السوري كتبت له الاغاني والاناشيد واشهرها قصيدة تصور معاناته كاتبها الشاعر المسرحي المصري نجيب سرور تقول: القرن يقال العشرين و العام التاسع والخمسين وانا في الزنزانة منفردا اترقب وقع اقدام الجستابو من المعروف على اثر الوحدة بين سورية ومصر رفض الحزب الشيوعي حل نفسه وقدم ما يسمى وثيقة المبدارات العشرة والتي رفضت وفي مهمة سرية كان فيها بدمشق قام أحد المخبرين بتبليغ السلطات عنه فتم القبض عليه ووضع تحت التعذيب لكي يعترف بأسماء القيادات الموجودة ومات تحت التعذيب قبل أن يحصلوا منه على اي من المعلومات ومن ثم ذوب جسده بالاسيد. --------------------------------------------------------------------------------------------------- فهد: هو يوسف سلمان يوسف كما يعرف غالباً باسمه الحركي فهد، يعتبر من المؤسسين للحزب الشيوعي في العراق. أصبح بإعدامه أول سياسي يعدم في العراق. تم اعتقال فهد ورفاقه زكي بسيم الملقب ب-"حازم" وحسين الشبيبي الملقب ب-"صارم" عام 1948 بسبب الانتماء للحركة الشيوعية والترويج لها، وتم الحكم عليهم بالإعدام وبسبب الضغوط الدولية تم تخفيف الحكم عليهم إلى المؤبد. قاد فهد وحازم وصارم ومن المعتقل الانتفاضة الجماهيرية التي عمت مدن العراق في عام 1948 والتي سميت بوثبة كانون وهي انتفاضة قام بها الحزب الشيوعي العراقي عن طريق كوادره الطلابية والشبيبية والعمالية ضد النظام الملكي في العراق. أدت هذه الأنتفاضة إلى إعادة محاكمتهم والحكم عليهم بالإعدام. إعتلى فهد ورفاقة المشانق بتاريخ 14 شباط 1946. آخر كلماته كانت مقولته الشهيرة: «الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق» --------------------------------------------------------------------------------------------------- الوثبة: وثبة كانون انتفاضة جماهيرية في العراق قادها الطلبة والشبيبة وبمسانده من العمال والكادحين أشرف على قيامها الحزب الشيوعي العراقي كان لهذه الإنتفاضه دور مهم في الحركة السياسية العراقية، هب الطلبة والشبيبة والعمال في هذه الإنتفاضه التي قادها فهد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي من المعتقل. قام الطلبة والشبيبة بعقد مؤتمر لهم في ساحة السباع في بغداد وسمي ب مؤتمر السباع تم على أساسة تأسيس اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية وكان العمال النقابيون في العراق يقومون بحماية المؤتمر والمؤتمرين. تسببت هذه الانتفاضة بإعدام فهد ورفاقه حازم و صارم.

يا رفاق الفكر - فرقة الطريق العراقية



قتلوا فرج الله الحلو وساروا في الجنازة



إعداد: جورج حداد*



تاريخيا، تتشكل الحركة الوطنية والتحررية اللبنانية والعربية من ثلاثة اجنحة:
ــ1ــ الجناح السياسي ــ الاجتماعي (الشيوعي، الاشتراكي، الاصلاحي، العلماني، الخ).
ــ2ــ الجناح القومي والوطني القطري (القومي العربي، القومي السوري، المصري، الجزائري، السوري، العراقي، الجزائري، اللبناني، الى آخر السلسلة).
ــ3ــ والجناح الوطني الاسلامي، على اختلاف المذاهب.
وفي جدلية الصراع الوجودي التاريخي بين الحركة الوطنية اللبنانية (بمعناها الايديولوجي ــ السياسي ــ المجتمعي الواسع) والامبريالية الاميركية واسرائيل والرجعية النفطواسلاموية المتمثلة بالنظام السعودي وزعانفه الخليجية، ــ في خضم هذا الصراع شديد الشراسة، وبالرغم من الشروخ الطائفية العميقة في الكيان اللبناني، برزت الحركة الوطنية اللبنانية، بقيادة حزب الله ذي الخلفية الايديولوجية الدينية الشيعية والتركيبة الطائفية المطابقة لها، كقوة مقاومة شعبية، عسكرية وسياسية، ذات مستوى اقليمي يحسب لها المعسكر الامبريالي الاميركي ــ الاسرائيلي ــ السعودي الف حساب.
ولكن في المرحلة التاريخية ذاتها حدثت، على درجات متفاوتة، عملية تراجع وتقلص في دور مختلف فصائل الجناحين الرئيسيين الآخرين للحركة الوطنية، ولا سيما الضمور في دور الحزب الشيوعي.
ويدعي القادة الشيوعيون المزيفون، وخصوصا أولئك الذين التحقوا على المكشوف بـ"الحريرية" السياسية و"الليبيرالية" الاميركية، ان سبب تقلص دور الحزب الشيوعي اللبناني وتوقف "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" عن مواصلة كفاحها هو "القمع" الذي يمارسه حزب الله في جنوب لبنان ذي الغالبية السكانية الشيعية.
ولكن هذا التبرير هو غير صحيح، بمقدار ما هو سطحي وغير منطقي.
وفي المقالة التالية احاول ان اضيء على حيثيات السبب العميق لضمور دور الجناح الشيوعي في الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة المسلحة ضد اسرائيل، والمتمثل في هيمنة المتسترين على قاتلي القائد الشيوعي التاريخي الشهيد فرج الله الحلو على قيادة الحزب الشيوعي:

في 27-11-2021 نشر الموقع الالكتروني اليساري "الحوار المتمدن" مقابلة مطولة مع احد قادة الحزب الشيوعي اللبناني الحاليين موريس نهرا، تناول فيها جوانب من حياة القائد الشيوعي التاريخي، الشهيد الكبير فرج الله الحلو، وما سماه الموريس (تخفيفا او استخفافا): "ملابسات اختفاء فرج الله الحلو".
وعن "اختفاء" فرج الله الحلو قال القائد الشيوعي (طبعا "شيوعي"!) الموريس نهرا حرفيا:

"عام 1959 فوجئنا بخبر اعتقال فرج الله الحلو في سوريا،
وعرفت لاحقاً أن الذي أخذ فرج الله الحلو إلى سوريا بسريّةٍ تامّة في 26 حزيران 1959، هو سائق شيوعي من انطلياس يقصد الشام يومياً ليوزّع الجرائد اللبنانية. ودخل فرج الله البلد بهوية تحمل إسماً آخر لأنه سيعتقل.
وكان ذهابه إلى سوريا، يحمل الكثير من المخاطر عليه تحديداً، ولا سيما بعد تنفيذ حملات قمع واعتقالات وتعذيب من قبل مباحث وزير الداخلية عبد الحميد السراج، الذي كان ينفّذ أو يقود حملات ضد الشيوعيين في ظلّ الوحدة،
دخل فرج الله الحلو إلى سوريا باسم مستعار في تلك الليلة، وكان متوجّهاً إلى بيت سري، يعرفه (الخائن) رفيق رضا، الذي كان موجوداً مع المباحث بانتظار فرج الله، حيث اعتقل فور وصوله، وعُذّب في الليلة نفسها بشكل وحشي واستشهد عند الفجر تحت التعذيب،
سُئل عبد الناصر عن فرج الله الحلو، ولبّى بدوره مطالب خارجية من الحزب الشيوعي السوفياتي والهند وسواهم، وأرسل مكتوباً رسمياً لعبد الحميد السراج يسأل عنه، فأجابه أن اسم فرج الله ليس ضمن الوافدين، فهو لم يدخل الأراضي السورية.

السراج بقي على جوابه، وكوزير داخلية خاف جداً عندما أبلغوه أن فرج الله الحلو استشهد، فطلب منهم عدم إخبار أحد وإخفاء الجثة، وكان أحد أفراد المباحث، سامي جمعة، الذي قاد عملية الاعتقال والتعذيب، يملك بستاناً خارج الشام، دفنوا فرج الله فيه لإخفاء معالم الجريمة، ولكن لاحظوا مرور سيارة مرتين من المكان أثناء عملية الدفن، وتخوّفوا من كشف القبر وتحويله لاحقاً مزاراً للشيوعيين، فأعادوا نبشه وعملوا على تقطيع الجثة ووضعها في حوض الاستحمام وذوّبوها بالأسيد، ثم سرّب الجسد المذوّب إلى مجاري نهر بردى."

(انتهت كلمات الشيوعي الدجال موريس نهرا)

ولاستكمال الصورة حول "ملابسات اختفاء فرج الله الحلو"، حسب تعبير الموريس نهرا، نرى من الضروري إضافة ما يلي:
ــ آ ــ في حزيران 1961 كنت مرسلا من قبل الحزب (من ضمن مجموعة من اكثر من 30 شيوعيا لبنانيا وسوريا وفلسطينيا ــ سوريا) لمتابعة دراسة العلوم السياسية في المدرسة الحزبية العليا التابعة للحزب الشيوعي البلغاري. ومنذ صيف 1959 كان الحزب يشن حملة دولية للتضامن مع فرج الله الحلو والمطالبة بالافراج عنه، على زعم انه لا يزال حيا ومعتقلا في سوريا. وتبلغنا من قيادة الحزب الشيوعي البلغاري في حينه، انهم تبلغوا من قيادة الحزب الشيوعي السوري ــ اللبناني انهم علموا للتو (اي بعد سنتين من مقتل فرج الله الحلو) انه قد قتل تحت التعذيب. فقرر الطلاب اللبنانيون والسوريون والفلسطينيون ــ السوريون الدعوة الى اجتماع عام لجميع الطلاب العرب والبلغار والاجانب في المدرسة الحزبية، لتكريم وتأبين فرج الله الحلو واستنكار قتله، وكُلّفت شخصيا بإلقاء الكلمة باسم الطلاب اللبنانيين والسوريين.
والسؤال المركب الذي لم اجد له جوابا في حينه هو:
ـــ هل صحيح ان قيادة الحزب لم تعرف بمقتل فرج الله الحلو الا بعد سنتين من مقتله؟ واذا كان ذلك صحيحا، فما هي "ملابسات وظروف عدم معرفة الحزب"، ثم ما هي "ملابسات وظروف معرفة الحزب" بمقتله. (ونشير هنا ان ابنة الشهيد السيدة ندى الحلو تقول في مقابلة تلفزيونية انه كان يجري بين الحين والاخر "تطمين" العائلة الى ان فرج الله لا يزال حيا، وكانت العائلة تبلّغ بنتف اخبار غامضة بأن احدهم رآه لدى المخابرات، او احدهم سمع صوته الخ... ومما "يؤكد!" ان فرج الله الحلو كان لا يزال حيا اثناء حملة المطالبة بالافراج عنه ان السوفيات والهند (كما يفيدنا الموريس نهرا في مقالته آنفة الذكر) سألوا عبدالناصر عنه خلال تلك الحملة وبعد مقتله بشهور طويلة، اي ان السوفيات ايضا "لم يكونوا يعرفون!").
ـــ واذا كانت الحقيقة، كما تشير كل الدلائل المنطقية، ان قيادة الحزب كانت قد علمت فورا، او على الاقل باكرا جدا، بمقتل فرج الحلو تحت التعذيب، فمن هي (بالاشخاص) الهيئة الحزبية التي اتخذت قرار التعتيم على الجريمة، وشن حملة تضامن مزيفة للافراج عن فرج الله الحلو؟ وما هي التبريرات السياسية لذلك؟
ـــ وتأسيسا على هذا التعتيم المقصود، من هي (بالاشخاص) الهيئة الحزبية التي اتخذت قرار الغاء التعتيم، والكشف عن جريمة الاغتيال بعد سنتين من "اختفاء فرج الله الحلو"، حسب تعبير الموريس نهرا؟ وما هي التبريرات السياسية لذلك؟
ــ ب ــ في 1961، بعد ان قررت قيادة الحزب في سوريا ولبنان رفع السرية عن جريمة اغتيال فرج الله الحلو، نشرت جريدة "الصرخة" العائدة للحزب، وذلك بعد حوالى السنتين من "اختفاء" فرج الله الحلو، انه كان مريضا بالقلب ويحمل الدواء في جيبه. والكثير من الكتابات المنشورة في وسائل الاعلام تكرر كذبة اصابة فرج الله الحلو بمرض قلبي.
ولكن في مقابلة تلفزيونية مع ابنة الشهيد السيدة ندى الحلو تنفي ان والدها كان مريضا بالقلب. وتقول ان المخابرات نشرت هذه الكذبة للنفي انه عذب بشدة حتى الموت (اي انن المقصود كان الايحاء بأنه عذب تعذيبا "عاديا" خفيفا لانتزاع اعترافات حول معلوماته التنظيمية، ولكن "قلبه المريض" لم يتحمل. وبمعنى أخر انه لم تكن توجد نية مسبقة لقتل فرج الله الحلو و"إخفائه"، وانه مات بدون قصد بسبب "ضعف قلبه").
ــ ج ــ في 1964-1965 جرى اكبر انشقاق في تاريخ الحزب الشيوعي اللبناني، ولجأت القيادة الحزبية، التي كانت مفروضة فرضا على الحزب ولكنها معترف بها من قبل السوفيات وبالتالي دوليا، الى طرد مئات الكوادر والمناضلين الحزبيين "المعارضين"، ومنهم شيوعيون بارزون مثل اوهانس اغباشيان ونسيب نمر ونخلة مطران واحمد الحسيني وحسن فخر. وكنت انا اول المطرودين في اذار 1964، وكان آخر المطرودين المرحوم نخلة مطران في تشرين الثاني 1965. وقد دار الخلاف حينذاك حول كل الخط السياسي والوضع التنظيمي للحزب. ومن اهم مواضيع الخلاف، التي طرحتها شخصيا مع عدد من الرفاق الاخرين ومنهم المرحوم احمد الحسيني الذي كنت واياه زملاء دراسة في المدرسة الحزبية في بلغاريا، السؤال: من هي الهيئة الحزبية التي ارسلت فرج الله الحلو الى الموت في سوريا في 1959؟
وقد نجحت القيادة الحزبية من "الشيوخ"، بمساندة زمرة من "الشباب" الوصوليين، ذوي الاصول البرجوازية، وعلى رأسهم الشاب البرجوازي المدلل، المغامر السياسي الكراكوزي، القمارجي المدمن والتاجر الالعباني الكبير جورج حاوي، ــ نجحوا في تطهير الحزب تطهيرا تاما من "المعارضة". ولكن مواقع "الشيوخ" في القيادة تزعزعت تماما. وفي 1966 تنطحت مجموعة "الشباب" لازاحة "الشيوخ" والاستيلاء على القيادة، مستخدمين نفاقا (على الطريقة الستالينية) بعض اطروحات المعارضة، التي سبق وتم تطهير الحزب منها تطهيرا تاما. وللدفاع عن موقعه عمد الامين العام للحزب نقولا الشاوي، مدعوما من قبل "الشيوخ": حسن قريطم وارتين مادويان وصوايا صوايا وطنوس دياب الخ، الى اتهام جورج حاوي بأنه "عميل للحلف الاطلسي" بناء على ما سمّاه الشاوي "مصدرا موثوقا". وصدرت بذلك نشرة حزبية داخلية، مرقمة رقما تسلسليا لكل نسخة، وزعت على كوادر الحزب، بالاسم، على ان يعيد كل كادر نسخته بعد 24 ساعة من استلامها وقراءتها. وقد اطلعني على تلك النشرة احد الرفاق القدماء. وقيل يومها ان نقولا الشاوي قال شفهيا عن اتهامه لجورج حاوي بالعنالة الاطلسية ان "مصدره الموثوق" هو سوفياتي، وحدد هوية المصدر، وانا اتحفظ الان عن ذكره لدواع سياسية. وقد رد "الشاطر حسن" جورج حاوي على الاتهام الموجه اليه من قبل نقولا الشاوي بأن وضع نفسه تحت تصرف السوفيات. فتم تسفيره الى موسكو، حيث غاب فترة غير قليلة، حصل خلالها، لاسباب غير معروفة، على صك الغفران والبركة من الكا غي بي، ثم عاد من موسكو ونزل بالباراشوت في بيروت كعضو في المكتب السياسي للحزب، ثم نائبا للامين العام للحزب نقولا الشاوي، الذي سبق ان وجه اليه الاتهام بالعمالة للحلف الاطلسي. ووضع الاتهام طي التجاهل والنسيان، بدون اي تفسير. وتمت دوزنة العلاقة بين الشاوي و"الشباب" الذين تم تسليمهم مراكز قيادية في الحزب، بدلا من عدد من "الشيوخ" (حسن قريطم وصوايا صوايا وطنوس دياب وبطرس عيد) الذين طردوا من الحزب الشيوعي اللبناني بصفة كونهم بكداشيين. وأشرف على ضبط ايقاع هذه المسرحية الكراكوزية ضابط الكا غي بي القديم ارتين مادويان.
وفي تموز 1968 عقد المؤتمر الثاني للحزب، الذي مثل مسرحية كراكوزية، او حفلة تنكرية، حقيقية. حيث ان "الشباب" لبسوا اقنعة "المعارضة"، التي سبق لهم ان شاركوا "الشيوخ" في تطهير الحزب منها في 1964-1965، وطرحوا بوجه "الشيوخ" بعض الاطروحات ذاتها التي سبق لـ"المعارضة" ان طرحتها (وكانوا هم ضدها) حول: البكداشية، والوضع التنظيمي غير المبدئي وغير الدمقراطي للحزب والقيادة، والاممية المشوهة والذيلية للسوفيات واستقلالية الحزب، والكفاح المسلح، والقضية الفلسطينية والقضية القومية، وقضية فرج الله الحلو.
وفي كل هذا الطرح كان أولئك "الشباب" ــ "أولاد النعمة" البرجوازيين المرفهين والمدللين الذين يابسون اقنعة شيوعية مستعارة ــ كانوا "يمثلون" على الحزب، ويلعبون ــ كممثلين ــ دورا ليس لهم في الحياة الواقعية. وهذا ما اثبتته المجريات التاريخية اللاحقة التي كشفتهم على حقيقتهم. وللمثال: فهم، بعد كل تشدقهم حول "استقلالية الحزب" حافظوا على الذيلية للبيروقراطية السوفياتية، حتى حينما قامت بخيانة الاشتراكية على المكشوف عبر ما سمي البريسترويكا. وذهبوا ابعد من ذلك الى حد جعل الحزب تابعا مطواعا للمخابرات السورية، بل وذيلا للانظمة العربية التي كانوا "يقبضون" المخصصات منها، و"محاورا وطنيا" لعملاء اسرائيل (ورد في بعض المعلومات ان جورج حاوي تلقى سيارة مصفحة هدية من احد امراء النفط، وهو لم يتورع عن الاجتماع بالسفاح الطائفي والعميل الاسرائيلي سمير جعجع بحجة ترميم "الوحدة الوطنية").
وفيما خص قضية فرج الله الحلو، وبالرغم من الحملة الشعواء التي شنت في المؤتمر ضد بكداش والبكداشية، اقتصر البحث على موضوع رفض فرج الحلو الموافقة على القرار الستاليني في 1947 حول الاعتراف بتقسيم فلسطين وانشاء دولة اسرائيل، وعزل فرج الله الحلو عن منصبه القيادي في الحزب، واجباره على كتابة نقد ذاتي إذلالي وهو ما عرف بـ"رسالة سالم". وقرر المؤتمر الثاني رفع تلك الرسالة من الارشيف الرسمي للحزب واعتبارها كأنها لم تكن.
ولكن في غمرة "نشوة الانتصار" برفع "رسالة سالم" من ارشيف الحزب، ارتكب "الشباب"، ومعهم كل المؤتمر الثاني الكراكوزي للحزب، "هفوة" او "سهوة" صغيرة جدا(!)، وهي انهم "نسوا" طرح مسألة جريمة اغتيال فرج الله الحلو عموما، والسؤال عن الهيئة الحزبية "اللبنانية" التي ارسلته للموت في سوريا. وانه لمن العار انه لم يرتفع صوت واحد، مجرد صوت واحد في المؤتمر يطالب بالكشف عن قَتَلة فرج الله الحلو وشركائهم "اللبنانيين". وفي كل المؤتمرات التالية للحزب، والتي زادت عن العشرة، كانوا يهزون المباخر ويكثفون دخان البخور لذكرى فرج الله الحلو، حتى يعموا الابصار عن التحقيق في جريمة ارساله للموت. وهذا ما يجعل دم فرج الله الحلو ليس فقط على بكداش والبكداشيين و"الشيوخ" و"الشباب" الشيوعيين اللبنانيين، بل، موضوعيا، وعلى الحزب الشيوعي اللبناني بأسره، الذي لم يقرر حتى اليوم اجراء تحقيق تاريخي حول جميع "ملابسات اختفاء فرج الله الحلو" ، كما يسميها الموريس نهرا.
ونخلص من ذلك الى الاستنتاج المفصلي التالي:
ـــ إما ان فرج الله الحلو هو شيوعي من طينة غير طينة "هذا الحزب" الشيوعي!
ـــ وإما ان "هذا الحزب" لا علاقة له بالشيوعية عموما، وبفرج الله الحلو خصوصا!
ــ د ــ تقول المعلومات المنشورة ان زوجة عبدالحميد السراج كانت سيدة كردية، وعلى علاقة بعائلة خالد بكداش، الكردية هي ايضا. وتقول بعض الروايات انه من خلال هذا الخيط العائلي "الكردي" كان هناك تواصل ما او علاقة ما بين عبدالحميد السراج، من جهة، وخالد بكداش، وعبره مع المخابرات السوفياتية، من جهة ثانية.
ــ هـ ــ ان موريس نهرا، الذي يجلس يوميا تحت صورة فرج الله الحلو في مكتب الحزب الشيوعي (على طريقة قبلة الاسخريوطي للمسيح)، يكذب عامدا متعمدا ويخفي الوقائع بكل وقاحة. فهو يعلم تماما اسم السائق الذي اوصل فرج الله الحلو الى دمشق، وهو ابن المحلة التي ينتمي اليها موريس نهرا نفسه وهي (انطلياس) في ضاحية بيروت الشمالية، ويدعى جورج دياب. وهو يذكر ان جورج دياب اوصل فرج الله الحلو مساء، مع انه اخذه معه صباحا في سيارة مؤسسة توزيع الجرائد والمطبوعات التي كان يعمل فيها جورج دياب. (وهذا يأخذنا الى نقطة مهمة، وهي ان جورج دياب كان شيوعيا معروفا. فكيف حصل الشيوعي المعروف جورج دياب على تصريح المخابرات الناصرية ــ السراجية بالدخول يوميا بسيارة المطبوعات الى سوريا. وهل لذلك علاقة بالتسهيلات التي كان يقدمها عبدالحميد السراج لبعض الشيوعيين، ومن ذلك "إغماض العين" عن خروج خالد بكداش وسفره من مطار دمشق، عشية شن الحملة الواسعة ضد الحزب الشيوعي).
ــ و ــ ان امتناع موريس نهرا عن ذكر اسم جورج دياب ليس عفويا، فهو يفعل ذلك كي يتجنب الاعتراف بما هو اهم، وهو ان جورج دياب هو شقيق طنوس دياب، عضو المكتب السياسي للحزب في حينه، وان فرج الله الحلو قضى الليلة الاخيرة من حياته في بيت طنوس دياب بالتحديد، حيث كان قد عقد اجتماع للقيادة الحزبية التي قررت الموافقة على ذهاب فرج الله الحلو الى دمشق، وجاء جورج دياب صباحا (وليس مساء) واخذه معه في سيارة المطبوعات الى دمشق. (وهدف موريس نهرا من تجنب ذكر اسم جورج دياب وطنوس دياب هو التعتيم، المتواصل حتى اليوم، على مسؤولية قيادة الحزب في لبنان عن ارسال فرج الله الحلو الى الموت وتسليمه يدا بيد لمخابرات السراج).
ــ ز ــ وحول التخوف من خطر الذهاب الى سوريا ومسؤولية ارسال فرج الله الى الموت، يكتب الحزبيان المرحومان يوسف خطار الحلو وعزيز صليبا في مذكرات منشورة لهما ان خالد بكداش اتصل بالتلفون مرارا من براغ سائلا "ألم يذهب فرج الله بعد الى الشام؟". اي ان يوسف خطار الحلو وعزيز صليبا يضعان مسؤولية ذهاب فرج الله الحلو الى سوريا على إلحاح خالد بكداش وتنفيذ فرج الله الحلو لطلب بكداش الذي كان السيد المطاع في الحزب. في حين ان السيدة وصال فرحة زوجة خالد بكداش كتبت في صحافة الحزب الشيوعي السوري ان بكداش حذّر قيادة الحزب الشيوعي في لبنان من خطورة ذهاب فرج الله الحلو الى سوريا. اي انها تحمّل قيادة الحزب في لبنان مسؤولية ارسال فرج الله الحلو الى سوريا.
ــ ح ــ ان الخائن رفيق رضا (وكان معروفا باسمه الحركي: رأفت)، وأصله من طرابلس، لم يكن قد اعتقل وانهار وتحول الى الخيانة تحت التعذيب، بل كان عضوا في اللجنة المركزية للحزب، وكان قد تزوج امرأة شابة تصغره كثيرا بالسن، ولم يعد يكتفي بالمخصص المالي الحزبي المتواضع، وصار يريد "ان يعيش حياته"، وانتقل الى الخيانة بمحض ارادته، متسترا بالاختلاف الحزبي حول موضوع دعم او معارضة الوحدة المصرية ــ السورية. وقد ساهم رفيق رضا في "تكميش" الكثير من اعضاء الحزب الذين يعرفهم، قبل ان ينفضح امره. وهو شارك في "التحقيق" مع فرج الله الحلو الذي بصق في وجه رفيق رضا كما تقول روايات الحزب.
ــ ط ــ وأحد الذين "كمّشهم" رفيق رضا، قبل ثلاثة اشهر من ذهاب فرج الله الى دمشق، كان شيوعيا من طرابلس، اسمه صبحي الحبل، وكان متفرغا حزبيا ويستأجر بيتا سريا للحزب في دمشق. وكان فرج الله الحلو يأتي الى هذا البيت ويستخدمه حينما يكون في دمشق. وفي هذا البيت بالتحديد كانت المخابرات تنتظر مع رفيق رضا قدوم فرج الله الحلو.
وكل الدلائل تؤكد ان خالد بكداش وقادة الحزب في سوريا ولبنان كانوا على علم بخيانة رفيق رضا وقيامه بـ"تكميش" عشرات الشيوعيين، ومنهم صبحي الحبل وانفضاح البيت السري الذي كان يستأجره صبحي الحبل.
وقد افرج عن صبحي الحبل من السجن بعد سقوط الوحدة في ايلول 1961، ولكنه طرد من الحزب بتهمة "تسليم فرج الله الحلو".
وفي 1963 كنت اعمل كمحرر للشؤون المحلية في جريدة "النداء" التابعة للحزب. وفي ايار من تلك السنة كنت اغطي صحفيا انباء حملة الانتخابات البلدية للحزب في بلدية الميناء بطرابلس. وجاءني يوما احد نشطاء الحزب المرحوم رياض كيال، وقال لي ان صبحي الحبل يقيم في الميناء، وانه ينفي تماما تهمة "تسليم فرج الله الحلو"، ويقول انه اعتقل قبل فرج الله الحلو بثلاثة اشهر، وأن المخابرات وضعت يدها على البيت السري عند اعتقاله، وانه يتساءل كيف ذهب فرج الله الحلو الى البيت السري الذي صار في قبضة المخابرات، وانه يريد مقابلة المسؤولين الحزبيين لاستيضاح المسألة، وانه يضع نفسه تحت تصرف الحزب، ويريد رفع التهمة عنه والعودة الى صفوف الحزب. وانا لم تكن لي اي صفة حزبية تخولني اللقاء مع صبحي الحبل. فقلت للمرحوم رياض كيال ان يطلب من صبحي الحبل ان يكتب رسالة بما يقول وانا سأسلمها للقيادة الحزبية. وجاءني رياض كيال بالرسالة في مغلف مغلق قمت بتسليمه يدا بيد الى الامين العام للحزب المرحوم نقولا الشاوي. وبعد اسبوع قال لي نقولا الشاوي حرفيا "اقطعوا كل اتصال بصبحي الحبل و... الحزب رح يدبرو!". وقمت بنقل الجواب كما سمعته حرفيا الى رياض كيال، وسكّرت على الموضوع. ولكن هذا الجواب الملتبس اثار عندي تساؤلات لم اجد لها جوابا فيما بعد، خصوصا بعد ان علمت من احد الشيوعيين الطرابلسيين ان صبحي الحبل اقام سنوات طويلة بعد اندلاع الحرب اللبنانية في 1975 في محلة "الجديدة" في ضاحية بيروت الشمالية، اي انه كان في متناول يد الحزب، ولم اسمع من احد ان الحزب اتصل به او "دبّرو".
ــ ي ــ ان خالد بكداش وقيادة الحزب في لبنان، الذين كانوا يعلمون بخيانة رفيق رضا واعتقال صبحي الحبل ووضع المخابرات يدها على "بيته"، أخفوا ذلك "سهوا!" عن فرج الله الحلو.
ــ ك ــ ان موريس نهرا يتجاهل ذكر اسم صبحي الحبل، "صاحب البيت" الذي اعتقل فيه فرج الله الحلو، ولكنه يعترف بشكل تلقائي بأن الخائن رفيق رضا كان مع المباحث ينتظر فرج الله الحلو في ذلك "البيت السري".
ــ ل ــ ان جهاز المخابرات هو جهاز منضبط، وربما هو اكثر اجهزة الدولة البوليسية انضباطا. ومن المستبعد تماما ان يكون القرار بتقطيع جثة معتقل، وخصوصا له اهمية فرج الله الحلو، وتذويبه بالاسيد واخفائه، قد اتخذه المنفذون الصغار للجريمة. فهو بالتأكيد قرار سري متخذ من قبل قيادة المخابرات، بعد، والارجح قبل، الاعتقال. وقد حرصت قيادة المخابرات على السرية المطلقة للعملية، بدليل انه لم يجر سوق فرج الله الحلو فور اعتقاله الى اي من مراكز المخابرات، كما يجري عادة، بل ان التحقيق الاولي والتعذيب والقتل تم ــ وفي نفس اليوم والليلة ــ في البيت الذي اعتقل فيه فرج الله الحلو؛ وبعد التأكد من موته نقلت الجثة (حسب الروايات) لتدفن سرا في بستان احد المنفذين (سامي جمعة)، ثم نبشت (بعد تأمين كمية الاسيد) وارسلت الى منزل منفذ آخر (عبدالوهاب الخطيب) حيث قطعت بالمنشار وذوبت بالاسيد في حوض الاستحمام. وادعاء الموريس نهرا ان المنفذين اعادوا نبش الجثة، ونقلها وتذويبها، لانهم اشتبهوا بمرور سيارة مشبوهة بالمكان مرتين، وخافوا ان يقوم الشيوعيون فيما بعد بتحويل المكان الى مزار، هو نكتة سوداء وسخافة غبية، ما بعدها سخافة وغباء، الهدف منها هو متابعة التعتيم على وجود قرار مسبق، واتفاق مسبق بين عدة اطراف، على اعلى المستويات، لـ"إخفاء" فرج الله الحلو.
ــ م ــ بعد قيام الوحدة في شباط 1958 فإن المستشار (والاصح القول: المرشد) الاول لعبدالناصر، العميل الاميركي السري الكبير محمد حسنين هيكل، رفع شعار "انتهت المعركة مع الاستعمار وبدأت المعركة مع الشيوعية". وكان استشهاد فرج الله الحلو في 1959 في سوريا وقائد الحزب الشيوعي المصري شهدي عطية في 1960 في مصر قمة الحملة الاميركية ــ الناصرية ضد الشيوعية في عهد الوحدة المصرية ــ السورية. وكان هدف تلك الحملة الحؤول دون قيام حكم وطني دمقراطي يقوده ــ او يضطلع فيه بدور رئيسي ــ الشيوعيون العروبيون المؤيدون لنهج فرج الله الحلو في سوريا (وكان من بينهم الفريق عفيف البزري رئيس الاركان السوري في حينه). وبعد تحقيق هذا الهدف واغتيال فرج الله الحلو وابعاد عفيف البزري، انتهت الحاجة (الاميركية ــ الناصرية) الى الوحدة، فأسقطت في نهاية ايلول 1961. وبعد الانفصال تم اعتقال عبدالحميد السراج وبعض الضباط الصغار منفذي جريمة اغتيال فرج الله الحلو، وحوكموا بتهمة ارتكاب الجريمة وصدرت بحقهم احكام خفيفة جدا. وراجت روايات تقول ان اولئك الضباط الصغار كانوا بعثيين. وقد جرى تهريب عبدالحميد السراج من السجن، وحط رحاله ضيفا معززا مكرما عند "الزعيم": جمال عبدالناصر. ثم تم الافراج عن المجرمين الاخرين "البعثيين" بعد الانقلاب البعثي في 8 اذار 1963.
XXX
بعد هذا العرض حول المسرح، والخطوط العريضة لجريمة اغتيال فرج الله الحلو، وبناء على ما كتبه وصرح به الموريس نهرا، تبرز تلقائيا التساؤلات والملاحظات التالية:
ــ1ــ يضع موريس نهرا لمقابلته المنشورة عنوان: ملابسات "اختفاء" فرج الله الحلو. وقد تم بالفعل قتل فرج الله الحلو بسرعة في الساعات الاولى لاعتقاله، ودفنه ثم نبش قبره وتقطيع جثته بالمنشار وتذويبه بالاسيد في اليوم الثاني او الثالث لاعتقاله. وهذا يشي بوضوح بوجود مؤامرة مسبقة لـ"إخفاء" فرج الله الحلو، وان قيادة الحزب الشيوعي كانت شريكا في هذه المؤامرة (على الاقل في الجانب التعتيمي فيها، وهو ما يستمر في المحافظة عليه موريس نهرا نفسه بعد اكثر من ستين سنة من ارتكاب الجريمة).
ــ2ــ يقول موريس نهرا انهم (اي القادة الشيوعيين اللبنانيين) "فوجئوا" باختفاء فرج الله الحلو في 1959. وان السوفيات كانوا يجهلون مصير فرج الله الحلو فسألوا عبدالناصر عنه. وان عبدالناصر لم يكن يعلم ايضا فسأل السراج. وان السراج نفسه خاف كثيرا عندما علم بموت فرج الله وأمر بإخفاء الجثة. اي ان الجميع كانوا لا يعرفون بالاعتقال، وابرياء من جريمة القتل، حتى السراج نفسه، الذي يتحمل فقط مسؤولية الامر باخفاء الجثة بعد ان خاف كثيرا عندما علم بموت فرج الله الحلو تحت التعذيب العادي لانه مريض بالقلب(!).
ــ3ــ وموريس نهرا يكذب ويخفي الوقائع التي يعرفها تماما، كي يتجنب تحميل القيادة الشيوعية اي مسؤولية عن ارسال فرج الله الحلو الى الموت في دمشق.
وكان بامكان موريس نهرا، الذي روى روايته بكل هدوء بعد اكثر من ستين سنة من وقوع الجريمة، ان يبرّئ قيادة الحزب الشيوعي في لبنان، وخالد بكداش، والسوفيات؛ وان يلقي المسؤولية فقط على النظام الناصري وعبدالناصر والمخابرات السورية وعبدالحميد السراج لوحدهم. ولكنه ــ في كذبه ذاته ــ وتبرئته الشاملة للجميع، اكد التهمة على الجميع، الذين ارتكبوا الجريمة بالتضامن والتكافل، الذي ما زال ساريا الى اليوم؛ وهو ما يحتم على جميع قيادات الحزب الشيوعي، منذ 1959 وحتى اليوم، الالتزام بعدم اجراء اي تحقيق (للتاريخ) عن جريمة الاغتيال ووقائعها وخلفياتها ومدلولاتها السياسية.
ــ4ــ من السذاجة التصديق ان فرج الله الحلو تعرض للتعذيب فقط من اجل انتزاع اعترافات منه حول التنظيم الحزبي وان موته كان "مفاجأة" خاف منها السراج نفسه. فاغتيال فرج الله الحلو كان جريمة مخططا لها مسبقا وعلى اعلى المستويات. وهذه الجريمة هي من الجرائم السياسية الكبرى في التاريخ العربي والعالمي المعاصر، وكانت موجهة ضد الخط الستراتيجي، الشيوعي العربي والثوري الاممي، الذي كان يمثله فرج الله الحلو. ولا شك انه كان يوجد اختلافات وتناقضات بين القيادات السوفياتية (الستاليينية والنيوسستالينية)، من جهة، والناصرية والبعثية (الدكتاتورية والفاشية)، من جهة ثانية، والشيوعية (الذيلية والانتهازية) السورية واللبنانية، من جهة ثالثة. ولكنه كان يوجد تقاطع مصالح لهذه الاطراف لضرب النهج الشيوعي الثوري، الدمقراطي الوطني، العروبي التقدمي، والاممي الحقيقي، الذي كان يمثله فرج الله الحلو. وهذا "التقاطع مصالح" للاطراف "السوفياتية المزيفة"، و"العروبية السرطانية المعادية للشيوعية"، و"الشيوعية الخيانية"، هو الذي انتج جريمة اغتيال فرج الله الحلو. واستمرار امتناع القيادة الشيوعية عن اجراء تحقيق تاريخي شامل حول جريمة ارسال فرج الله الحلو الى الموت و"اختفائه"، هو دليل على تمسك هذه القيادة، ومنها موريس نهرا، بالنهج الستراتيجي المعادي لفرج الله الحلو ونهجه.
ــ5ــ ان نجاح القوى المضادة للشيوعية وللحركة التحررية، في اغتيال فرج الله الحلو مثّل نقطة تحول ومؤشرا مركزيا بارزا للانتكاسة التاريخية الكبرى في الحركة التحررية والتقدمية، العربية والاممية، المعادية للامبريالية الاميركية والغربية واليهودية العالمية واسرائيل. فـ"السوفياتي" الذي يوعز بقتل و"إخفاء" فرج الله الحلو هو عدو للنظام السوفياتي وللشعب الروسي؛ و"العروبي" الناصري والبعثي الذي يقطّع فرج الله الحلو بالمنشار ويذوبه بالاسيد هو فاشستي ومن ألد اعداء الوطنية والعروبة؛ و"الشيوعي" الذي يرسل فرج الله الحلو الى الموت او يسكت عن جريمة قتله هو عدو لدود للشيوعية. وبعد اغتيال فرج الله الحلو، تبدت تلك الانتكاسة العالمية في ذبح الحزب الشيوعي العراقي على يد الانقلاب البعثي الفاشستي المتوحش (الهتلري) الذي جاء به الاميركيون وشيوخ النفط العرب في شباط 1963، ثم الانقلاب البعثي الفاشستي ــ الديماغوجي (الغوبلزي) في سوريا في اذار 1963، ثم الهزيمة المدوية امام اسرائيل واحتلال سيناء والقدس وكامل الاراضي الفلسطينية وتسليم الجولان بدون قتال في حرب 5 حزيران 1967 (بالرغم من وجود "القوميين" الاشاوس: الناصريين والبعثيين، في الحكم في مصر وسوريا والعراق معا)، ثم اعدام القادة والضباط الشيوعيين الثوريين في السودان في 1971، ثم اخذ مصر الى "كامب دايفيد"، ثم اخذ منظمة التحرير الفلسطينية الى "اوسلو"، ثم ادارة وجهة البندقية 180 درجة في العراق وادارة الظهر لاسرائيل وشن الحرب الصدامية ضد الثورة الاسلامية التي اسقطت نظام الشاه العميل في ايران. واخيرا تتوجت الانتكاسة في الحركة الوطنية والتقدمية العالمية في تحول الستالينية والنيوستالينية الخروشوفية (اي الخيانة السرية وشبه السرية للشيوعية) الى الغورباتشوفية والبريسترويكا واليلتسينية (اي الخيانة المكشوفة للشيوعية والنظام السوفياتي، وللمصالح القومية العليا والاستقلال الوطني للشعب الروسي).
ــ6ــ وانه لذو دلالة تاريخية واممية كبرى ان تجاوز اثار هذه الانتكاسة التاريخية الكبرى انما يتم اليوم على ايدي القوى التي كانت خارجة عن تأثير ونفوذ الشيوعية المزيفة (الستالينية والنيوستالينية والبيريسترويكا)، و"القوميين" المزيفين والفاشست: الناصريين والبعثيين، والاسلامويين النفطوخليجيين. اي يتم تحديدا على يد:
ــ آ ــ النهج القومي ــ الاورثوذوكسي، الذي يقوده بوتين في روسيا؛
ــ ب ــ والحزب الشيوعي الصيني الذي شق طريق الثورة سنة 1927 على حكم حزب الكيومنتانغ العميل، ضد ارادة ستالين الذي كان مؤيدا للكيومنتانغ؛ وبعد انتصار الثورة في 1949 اتجه الحزب الشيوعي الصيني نحو بناء "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية" ضد املاءات خروشوف وباستقلالية تامة عن البيريسترويكا؛
ــ ج ــ "محور المقاومة" العربية ــ الاسلامية، ضد الامبريالية الاميركية واسرائيل، الذي تقوده الثورة الاسلامية الايرانية، ومن ابرز مكوناته حزب الله في لبنان، والمقاومة الاسلامية وغير الاسلامية في فلسطين المحتلة، وقوى المقاومة الشعبية في العراق، والقوى الشعبية الثورية في اليمن.
XXX
ان قيادات الحزب الشيوعي، الحالية والسابقة، قد تضم "شيوعيين في ذاتهم"، شرفاء وصادقين انما محدودي الافق، ولكنها في الغالب تتكون من تشكيلة من الانتهازيين والوصوليين والمغامرين والمرتزقة السياسيين، الذين تحولوا ــ بفعل جدلية صيرورتهم "قادة" وفي "هذا الحزب" ــ الى زمرة من "خونة" و"مشاريع خونة" للمبادئ والاخلاقية الشيوعية، خاصة، وللقضايا الاممية والقومية والوطنية والشعبية عامة.
وليس من الصدفة ان غالبية الستالينيين والخروشوفيين (المختلفين في المظهر والمتشابهين في الجوهر) يتسابقون الان للانضواء في صفوف عملاء الامبريالية الاميركية واليهودية العالمية والسعودية واسرائيل.
ولكن مع الانتصار المحتم على الامبريالية الاميركية واليهودية العالمية والرجعية الداعشية واسرائيل، فإن هؤلاء "القادة" خونة الشيوعية سيذهبون ايضا الى مزبلة التاريخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *