كان أول صحافي عربي ومغربي يجري لقاءً صحفيا مع شخصية قيادية بالكيان الصهيوني. حوار نُشر على صفحات صحيفة مغربية هي لسان حال حزب سياسي قومي لعب أدوارا رئيسية في تاريخ المغرب الراهن والمعاصر.
المُحَاوَر ليس شخصية عادية، فهو بطل قومي في نظر بني إسرائيل، لكونه كان أحد صانعي انتصارهم في حرب 67، إنه ميتي بيلد mettey belled.
أما المُحَاوِر فهو صحفي مخضرم، بصم المشهد الإعلامي المغربي بأعماله التي جر بعضها عليه الكثير من الغضب، وأوصله بعضها الآخر إلى ردهات السجون، وهو أيضا سياسي تسلق أعلى المراتب بالأجهزة القيادية لحزب علال الفاسي، إنه الإعلامي والسياسي البارز خالد الجامعي.
اللقاء دبر في سرية تامة مخافة استهدافه من قبل المناهضين لمثل هكذا أعمال، وجر على صاحبه فتوات أهدرت دمه، وطُرح خلاله مبادرات اعتبرت ثورية في حينها، وقوبلت برفض واسع قبل أن يتم تبنيها من كل الأطراف لاحقا.
“آشكاين” نبشت في ذاكرة الجامعي حول اللقاء الصحفي الذي أجراه مع جنرال الحرب بليد، وحاورته حول الخلفيات التي دفعته لإجراء هذا اللقاء؟ وردة فعل الشارع العربي والمغربي حينها؟ وموقف السلطات المغربية من ذلك؟
نص الحوار كاملا:
مرحبا السيد خالد الجامعي، وشكرا لك على قبول دعوة “آشكاين” لإجراء هذا الحوار.
أهلا ومرحبا وشكرا لكم على هذه الدعوة التي ستعيدني 40 سنة إلى الوراء.
كيف جاءت فكرة إجراء حوار مع جنرال حرب إسرائيلي في زمن كان فيه ما يسمى بمحول الممانعة هو السائد؟
كنت مسؤولا عن صفحة منظمة التحرير الفلسطينية بجريدة “لوبينيون المغربية” وكانت لدي اتصالات بعدد من الإخوة الفلسطينيين، سواء في مكتبهم بالرباط أو بالخارج، وهم من رتبوا لي اللقاء مع الجنرال ماجور السابق في صفوف الجيش الإسرائيلي “ميتي بيلد” mettey belled، وتم اللقاء بباريس سنة 1982، بشكل سري حيت أجريت معه حوارا مطولا.
من هو ميتي بيلد mettey belled؟ ولماذا الحوار معه وليس مع غيره؟
يعتبر الجنرال ماجور ميتي بيلد mettey belled أحد ابطال حرب 67، بالنسبة للإسرائيليين، وفي سنة 1975 أسس ما سمي بـ”المجلس الإسرائيلي من أجل السلام مع فلسطين” وكان هذا المجلس ينادي بإقامة دولة فلسطينية في حدود 1967 ودولة إسرائيلية وأن تكون القدس عاصمة موحدة لهما. ومن أعضاء هذا المجلس الصحافي يوري أفنيري، وهو من زار عرفات عندما كان مطوقا في بيروت.
الجنرال ميتي بليد قام باتصال مع عصام السرطاوي، القيادي بمنظمة التحرير، ليتم ترتيب اللقاء تحت إشراف ياسر عرفات ومحمود عباس، قبل أن يتم اغتياله في البرتغال حيث كان يتابع دوره للعالمية الاشتراكية “، من طرف مجموعة أبو نضال.
حفيدته ذات الـ13 سنة قتلت في عملية استشهادية بتل أبيب، ووالدتها كتبت مقالا بعدها في “لوموند ديبلوماتيك” قالت فيه: إنها تتفهم أن يقوم الفلسطينيون بمثل هذه العمليات الاستشهادية وأنه لو كانت هي أم فلسطينية لحبذت هذه العمليات، والأكثر من ذلك أنها منعت نتنياهو والمسؤولين الإسرائيليين من حضور جنازة ابنتها، واتهمتهم بكونهم المسؤولين الحقيقيين على موت الإبنة، وهي الآن من أشد المدافعات عن حقوق الشعب الفلسطيني، ونشرت مؤخرا كتابا يفضح المد العنصري في التعليم الإسرائيل.
هل كنت أول صحافي عربي ومغربي يحاور شخصية قيادية إسرائيلية، والأكثر أنها عسكرية شاركت في حرب خلفت آلاف الضحايا؟
نعم، كنت أول مغربي، وأعتقد إن لم أجزم أني أول صحفي عربي يجري لقاءً مع شخصية عسكرية إسرائيلية، وعند إجراء الحوار كان عضو في الكنيسيت الإسرائيلي. قبل أن يمتهن تدريس الآدب العربي بإحدى الجامعات الإسرائيلية.
هل كان اللقاء بعلم السلطات المغربية وقيادة حزب الاستقلال؟
على مستوى حزب الاستقلال فاللقاء تم بعلم محمد بوستة، على الأقل..
مقاطعا.. هل كنت أنت من أخبره؟
لا، أخبره أبو مروان، (يقصد محمود عباس، الذي خلف ياسر عرفات في رئيس السلطة الفلسطينية حاليا)
والسلطات..؟
غالبا كانت على علم، لأنه عندما عدت إلى المغرب ومعي الاستجواب لم يتحدث معي أحد ولم أُستفسر من أي جهة، بل نشر الاستجواب كاملا كما هو ودون أي تعديل أو رقابة، وتم ترجمته من طرف العربي المساري لصحيفة “العلم”، لسان حال حزب الاستقلال.
ماذا تضمن الاستجواب بشكل عام؟
نقاش القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، وخلاله طرح بيلد موقفه اتجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأكد على أنه لا مستقبل لإسرائيل بدون دولة فلسطينية، وقال: هما كاينين وحنا كينين وبالتالي الحل الوحيد هو الاعتراف بحقوق الشعبين، بما فيها حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية.
هذا الموقف كان ثوريا في إسرائيل، وهو موقف تبناه اليسار الجدري الذي كان ينتمي له بيلد يمثله داخل الكنيسيت، وكان يحظى باحترام الساسة الإسرائيليين، لأنهم كانوا يعتبرونه قائدا عسكريا كبيرا، وهنا اسمح لي أن أذكر أن (بيلد) كان صديقا مقربا لإسحاق ربين، وكان يحت هذا الأخير على فتح حوار مع منظمة التحرير.
هل تطرقتم في هذا الاستجواب للعلاقات المغربية الإسرائيلية؟
لا أعتقد ذلك، ولم أعد أتذكر بالضبط التفاصيل الدقيقة للحوار، لكن المهم هو أن السلطات العليا المغربية كانت على علم بهذا اللقاء، ولم يعارضه أحد، وهو في حد ذاته موقف.
كيف كانت ردة فعل الشارع المغربي والعربي بعد نشر الاستجواب؟
نُشر الاستجواب في الصفحة الأولى من الجريدة، مرفقا بصور لي مع بيلد، ولم يكن أي رد فعل سلبي داخل المغرب، أما على المستوى الخارجي، فقد شنت حملة كبيرة ضدي وبالأخص من طرف دول الخليج، وهناك من طالب بمحاكمتي وبعض شيوخهم أباح دمي عن طريق فتاوي نشرت بصحفهم، واتهموني بالخيانة العظمى، فإذا بهم اليوم هم من يهرولون للتطبيع بشكل مباشر مع إسرائيل.
مقاطعا… ألم تكن هناك مطالبات بمحاكمتك بتهمة التطبيع من طرف المجتمع المدني المغربي؟
لا أبدا، لم يطالب بذلك أحدا سواء من طرف الأحزاب السياسية أو السلطات أو المجتمع المدني، مما يعني أنه لم يكن هناك معارضة أو اعتراض عن هذا للاستجواب.
هل كان للاستجواب أثار إيجابية على القضية الفلسطينية؟
نعم، لكونه كان قد خدم مصالح منظمة التحرير الفلسطينية، فهذه الأخيرة كانت تعد الأرضية لإجراء اتصالات مباشر مع الإسرائيليين من أجل إجراء مفاوضات سلام.

فضائية الجزيرة وإستضافة الصهاينة
مهند إبراهيم أبو لطيفة
ليست دعوة لا للتجهيل ولا للتهميش ولا لمصادرة حرية التعبير، ولكنها دعوة للإنسجام مع الذات وعدم إدخال أبواق الإحتلال إلى بيوتنا وغرف نومنا، خصوصا في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي.
يبرر بعض القائمين على محطة الجزيرة إستضافتهم لمحللين وإعلاميين أو رسميين صهاينة، بأهمية أن يعرف الجمهور العربي كيف يفكرون، ويرى عنصريتهم وعدوانيتهم، وهذا بالطبغ تبرير لا يقنع دجاجة ، ناهيك عن أن بداية إستضافتهم كانت في ظل أجواء تطبيعية أصلا ، فالشعب الفلسطيني ومعه الشعب العربي في كل مكان - ومنذ عقود- يعرف تماما طبيعة هذا الكيان، عدوانيته، عنصريته ، أيدولوجيته وحُلمه التوسعي المؤسس على خرافات توراتية.
هناك فرق كبير بين أن يكون شعار " الرأي والرأي الآخر" طريقة للتحاور الإعلامي بين مختلفين في وجهات النظر، وبين أن تقدم فضائة بحجم الجزيرة، فضائها منبرا مجانيا لترويج الخطاب المعادي الذي يسعى بناء على خطط مدروسة ، لإختراق وعي وثقافة ونفسية المُشاهد العربي، وتحويل كل ما هو مطلق إلى نسبي، خصوصا ما يتعلق بالعقيدة الدينية والعروبة والثوابت السياسية، تماما كما يحصل تاريخيا في المجتمعات الغربية وخصوصا قبل المؤتمر الصهيوني الأول، والفترة ما بعد تأسيس الكيان، حيث تمت تهيأة المشهد الثقافي لتقبل فكرة الإستيطان والهجرة وتشريد الشعب الفلسطيني ومحاولات طمس تاريخيه وهويته وتشويه نضاله من أجل الحرية والإستقلال، ولم يسلم العرب مجتمعين وفي مقدمتهم أهلنا في الخليج ومصر ، من أفلام هوليود الشهيرة الممولة صهيونيا.
في عصر العولمة وثورة الإتصالات وسهولة الحصول على المعلومة بإمكان كل " فضولي" أو مهتم ، وبكل بساطة الإطلاع على الصحافة الإسرائيلية، والمشهد السياسي للإحتلال، وكل ما يحتاج معرفته من موضوعات إجتماعية وثقافية وإقنصادية وعسكرية وغيرها، ولدى المحطات الفضائية جيش من المراسلين هناك، يقدمون التقاريرالإخبارية صوتا وصورة، إضافة لعدد كبير من الكناب والصحفيين الدين يعرفون أدق التقاصيل عن هذا الكيان ويقومون بنشرها، ويوجدد عدد كبير من مراكز البحوث والدراسات المتخصصة في هذا المجال، فلا يعوز الباحث العربي شيء.
لست من أنصار الخطاب الإعلامي الرسمي الموجه المؤدلج ، ولكن مع إتخاذ موقف واضح من جريمة التطبيع ، وعدم إستفزاز المواطن العربي أكثر.
يعتبر من أحلام اليقظة أن تستضيف أغلب محطات التلفزة الغربية أوالأمريكية مثلا تحت عنوان : الديمقراطية وحرية التعبير والرأي والرأي الآخر، شخصيات سياسية أو دينية أو تمثل الإسلام السياسي مثلا : تنظيم القاعدة ،الجهاد الإسلامي، حركة حماس،أو حتى الإخوان المسلمين ، أو ممثلين عن قوى وتيارات المقاومة القومية واليسارية، من أجل حوار هاديء و"جنتل" ، ولا يُمكن تصور كم ستكون ردة الفعل الرافضة لمثل هكذا إستضافات في أوساط النُحبة قبل الجمهور.
من يتابع الخطاب الإعلامي لقناة الجزيرة خصوصا في السنوات القليلة الماضية، يُدرك بكل بساطة أنها منبر إعلامي موجه يسير في إتجاه واحد، وليس إتجاها معاكسا على الإطلاق.
ليس من المقبول ولا المناسب، إستضافة الناطق بإسم جيش الإحتلال، في نفس الوقت التي يتعرض فيه القطاع للقصف، وماذا ستضيف هذه الإطلالة للجمهور العربي؟ أن يعرف أو يسمع تبريرا لهذا العدوان؟، وليس من المناسب كذلك إتاحة المجال للمؤرخ الصهيوني " مردخاي كيدار" الباحث في مركز بيغن- السادات للدراسات التاريخية - ومن هم على شاكلته - أن يستخدم منبر الجزيرة للهجوم بكل وقاحة على العروبة والإسلام والمقدسات وتاريخ العرب والشعب الفلسطيني ، ويروج لجهله بتاريخ منطقتنا.
ومردخاي هذا حسب ما يُعرف عنه، خدم 25 عاما في المخابرات العسكرية لجيش الدفاع الإسرائيلي ، ومتخصص في دراسة الجماعات الإسلامية والإعلام العربي، يعني أن عقله ولسانه ويديه ملطخة بدماء الشعب الفلسطيني، ومن المفترض أن يتم تقديمه كمجرم حرب مثل غيره ممن تستضيفهم الجزيرة.
في زمن الفضاء الإعلامي الواسع، ليست هناك تحفظات على السماع لوجهات نظر الآخر من أي مكان في العالم ، بل من الواجب الحضاري أن تتوسع مدارك الإنسان العربي ويطلع على ثقافات وتجارب الشعوب والأمم على نطاق واسع ولا يستثني حتى أتباع الديانات الأخرى، لكن يجب إدراك أن التماشي مع التطبيع السياسي والأمني والإقتصادي الذي يقود لإتفاقيات ملزمة تكبل مستقبلتا في التقدم والاستقلال وانهاء التبعية والترويج له، يمس وجدان وحقوق الشعوب العربية والإسلامية ويستفزها بشكل كبير.
لا يمكن الإدعاء بإلتزام خط إعلامي يدافع عن حرية الشعوب وما سمي بالربيع العربي، بينما يتم إستضافة مجرمي حرب ويخاطبوا ب" سيدي" و"تفضل" وغيرها من عبارات اللباقة والإحترام، وفي أغلب الأحيان يحاورون من هم أقل كقاءة منهم في الرد.
لم تعد إزدواجية المعاييرفي فضائة الجزيرة ، تدعم أو تؤكد مصداقيتها، بل على العكس تماما، وفي مقدمتها مثلا مسألة الهجوم على الدول التي طبعت مؤخرا، بينما بعض برامج الجزيرة وتحديدا برنامج " الإتجاه المعاكس" له شرف السبق في هذا المجال.
تفتح قناة الجزيرة الباب على مصراعية لإستقبال مجموعة من القتلة، بينما يقبع آلاف المعتقلين الفلسطينيين في السجون، وتعاني غزة منذ سنوات من الحصار، وتقصف مدن وأراضي عربية دون حسب أو رقيب.
عملت سلطات الإحتلال تحديا بعد حرب عام 1967 ، على حرمان الفلسطينيين من مجرد الحصول على كتاب في الأدب، ولاحقت المثقفين ومنعتهم من تشكيل تجمعات أدبية أو نقابية، ومارس الرقيب العسكري كل ما في جعبته من قمع لحرية الصحافة والإعلام وإصدار الصحف والمطبوعات ومنح التراخيص لها، وحين قويت شوكته، بات يسارع في إختراق المجتمعات العربية عبر إعلامها وبالتالي ثقافتها ووعيها، تمهيدا لفرض شرعيته وإنتزاعها على الصعيد الشعبي إضافة للرسمي.
في ظل الهجمة التي تواجه وجود الشعب الفلسطيني، والمصالح العليا للعرب، وحفاظا على ما تبقى من حدود للأمن القومي، يجب أن يكون حائط الصد متماسكا أمام استراتيجيات الخداع الإعلامي الصهيوني ، والإبتعاد عن أنصاف المواقف أو التضليل الإعلامي، على الكيان الصهيوني أن لا يُقنع نفسه ، أنه بات مقبولا كجسم غريب، وأن لا شرعية للإحتلال، وأن التطبيع على حساب الحقوق والمقدسات لا يمكن أن يوصف سوى بالخيانة، لا يكافىء مجرم الحرب بإستقباله في بيوت الضحية ليتفلسف ، وأن العدلون والارهاب المُنظم لا يقابل حسب الأعراف والمواثيق الدولية والإنسانية إلا بالمقاومة الشاملة وفي مقدمتها معركة الوعي والاعلام ، مهما طال الزمن وأختلت موازين القوى.
عن موقع دنيا الوطن
l
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق