جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

دستور 62.. هكذا استطاعت الملكية محاصرة الأحزاب والاستفراد بالحكم

 دساتير المغرب  ستة ظهرت خلال (1962 و1970 و1972 و1992 و1996و2011).

الانتخابات التشريعية في المغرب منذ "الاستقلال"

(1963-1970-1977-1989-1993-1997)


موقف محمد بن عبدالكريم الخطابي من أول دستور في "مغرب الاستقلال"





كان أمام الحسن الثاني بعد وفاة والده  لوضع دستور ثلاثة اختيارات:
• مجلس تأسيسي منتخب كما تطالب به فئة من النخبة السياسية والفكرية.
• تأسيس لجنة لوضع الدستور تضم خبراء وذوي الاختصاص والتجربة السياسية.
• اللجوء إلى ما يتمتع به الملك من سلطة مطلقة تشريعية وتنفيذية، فيضع الملك الدستور بنفسه أو بواسطة حكومته مستعينا بالخبراء الذين يرغب الملك في الاستعانة بهم.
لقد فضل الحسن الثاني الاختيار الأخير: وحول هذا الاختيار يقول علال الفاسي" أسس الملك لجنة خاصة كان وزراء في حزب الاستقلال من بين أعضائها على أنها اللجنة التأسيسية، وترأسها بنفسه، وقدم لها مشروع الدستور الذي تدارسته معه، وأبدت رأيها في كل بند من بنوده حتى تم على الصيغة التي عرض عليها على الشعب في ديسمبر 1962 للاستفتاء" (معركة اليوم والغد. منشورات الحزب/صفحة 55).
لم يحظ هذا الدستور برضى وتزكية بعض المكونات السياسية والفكرية التي تتمتع بحضور قوي وشعبي في الساحة السياسية المغربية، فنظمت حملات شعبية تدعو المواطنين مقاطعته، بينما نظمت الجهات الموالية للحكم مظاهرات وحملات مضادة...فكان من نتائج هذه الحملات المضادة والحملات المؤيدة أن اندلعت في المجتمع السياسي معركة الدستور قاداها عن جانب المؤيدين للمشروع الملكي: علال الفاسي وأحمد رضا كديرة، وعن جانب المعارضين: المهدي بنبركة ومحمد حسن الوزاني وشيخ الإسلام مولاي العربي العلوي.
موقف الخطابي من معركة الدستور : من القاهرة كان الخطابي يتابع بعناية فائقة التطورات والتحولات التي تعرفها الساحة السياسية منذ فجر الاستقلال، ولايتردد في توضيح مواقفه في شأن كل مسألة أو قضية، بل وجه رسائل شخصية إلى قيادات سياسية ومسؤولين حكوميين، وعلماء ومفكرين، يوضح مواقفه في شأنها ويقترح البدائل والحلول.
عارض الخطابي دستور 1962 انطلاقا من مواقفه السابقة في شأن مباحثات إكيس لبيان (AIX LES BAINS)التي اعتبرها خديعة سياسية أجهضت الثورة التحريرية المغربية وهي في عنفوان شبابها ونضجها.
عارض الخطابي دستور 1962 انطلاقا من نتائج المفاوضات المغربية – الفرنسية – التي انتهت بمنح المغرب استقلالا ناقصا ومشوها ومغشوشا ما زلت تداعياته حاضرة، وبكل قوة، في مغرب اليوم.
- عارض الخطابي دستور الملك الحسن الثاني لأن الزعيم علال الفاسي كان من المساهمين في وضعه والمؤيدين والداعين له.
- عارض الخطابي دستور 1962 انطلاقا من تجربة دستور حكومة الجمهورية الريفية وكيفية صياغته ومساهمة ممثلي القبائل الريفية في وضعه.
- كما عارض الخطابي هذا الدستور انطلاقا من قناعاته الفكرية والسياسية والدينية والتي تجلت من خلال البلاغات والتصريحات والكتابات التي صدرت عنه في هذا الشأن، ومن هذه البيانات نقدم شذرات مختارة.
مجلس الأمة لوضع الدستور: "إن الأمة المغربية ما فتئت بعيدة كل البعد عن المشاركة في إدارة شؤون لبلاد، رغما عن المشاكل الكبيرة التي تجتازها بلادنا، فلم يفكر أحد من المسؤولين في إنشاء مجلس شرعي يمثل الأمة تمثيلا صحيحا ونزيها يحل المشاكل المتراكمة، الخارجية والداخلية للبلاد...زولا يزال القانون هو المتحكم. كما يزال العلماء في سباتهم العميق ولايفكرون في واجبهم على الإطلاق، كأنهم غير مسؤولين عن شيء مما تتخبط فيه البلاد من الفوضى والفساد... فيا أبناء المغرب، عليكم إن تعلموا أنكم أنتم وحدكم المسؤولون عما جرى في الماضي وفي الحال والاستقبال...وأول شيء يجب عليكم القيام به هو إنشاء "مجلس الأمة" لحل المشاكل المتراكمة المستعجلة والقضاء على الفوضى والفساد والتي كانت السبب فيما مضى للاحتلال الأجنبي للبلاد الذي دام خمسين سنة، وما زال هذا الاحتلال قائما بكل معانيه".
لا حرية بدون دستور وطني: "...في الواقع، لم يقدر للأمة المغربية، منذ زمن بعيد، العيش وفقا نظام دستوري مناسب. ولذلك عمت فيها الفوضى، وانعدم الاستقرار وانتشر فيها التمرد والشغب. ومع مرور الزمن وتطور الحياة أخذ الشعب المغربي يعي ضرورة إيجاد دستور ينظم حياة البلاد ويرعاها. تجلى هذا الوعي بتعبير الشعب عن رأيه في الصحافة وبواسطة الكفاح المسلح. كانت المعركة الأخيرة التي خاضها الشعب المغربي لاستعادة استقلاله تعبيرا أصيلا عن توقه للحرية. ولكن لا حرية دون دستور. ليس هناك من دستور إلا الدستور الوطني الذي تضعه الأمة بنفسها ولنفسها. [...] إن الدستور الشرعي لبلد ما لايمكن أن تصيغه إلا لجنة أو هيئة منتخبة تمثل مختلف الطبقات الشعبية تمثيلا صادقا وأصيلا ".
بعض مواد الدستور تناقض والشريعة الإسلامية: صرح عبدالكريم، في معرض تحليله لمضمون الدستور الملكي لعام 1962: "بأن أحكام هذا الدستور قلما تتوافق مع التجربة الحية للشعب طيلة قرون: [...] وبعض مواد الدستور تتناقض مع الشريعة الإسلامية، عقيدة الشعب المغربي [...] فهذا الدستور يمنح رئيس الدولة حق عقد الاتفاقات وحق إعلان الحرب إلخ...مما يشكل خطرا فادحا. نحن نعل كيف قام رؤساؤنا، وما بالعهد من قدم، ببيعنا بالجملة بأرخص الأثمان لأن الدستور العرفي، المعمول به في ذلك الحين، كان يسح لرئيس الدولة أن يتصرف في شؤون الأمة وفق أهوائه ورغباته. ومن يضمن لنا أن زعمائنا لن يخونونا، حالا ومآلا كما فعلوا فيما مضى؟ لذا ينبغي أن تكون المسائل الهامة في السياسة الخارجية من اختصاص الممثلين الحقيقيين للشعب كما تنص عليه دساتير الشعوب التي تحترم نفسها ".
ضرورة تحديد سلطة رئيس الدولة: يضيف عبدالكريم قائلا في معرض حديثه عن سلطات رئيس الدولة: "وله (أي للرئيس) صلاحية تعيين رئيس الوزراء والوزراء في حين أنه يعتبر غير مسؤول. ويقضي لمنطق الصائب بأن يحدد الدستور سلفا سلطات رئيس الدولة: كان يعين مثلا رئيس الحكومة من بين الفئة التي تحظى بثقة الشعب، وأن يختار معاونيه في السلطة التنفيذية شرط أن يكون مسؤولا أمام الهيئة التي انتخبتها الأمة أي مجلس النواب. وهكذا يقطر الطريق على كل محاولة للانزلاق في مخاطرة يمكن أن تغري شخصا واحدا أو عدة أشخاص لتحقيق مآربهم الشخصية على حساب مصلحة الأمة ومستقبلها.
الدستور المصنوع للمغاربة: جاء في نداء وجهه من القاهرة إلى الشعب المغربي:
"لا نريد أن تكون أضحوكة الدستور المصنوع للمغاربة مؤخرا، موضعا للمشاحنات، أو الخلافات، وأن تكون هدفا للمنازعات والخصومات، ومحلا للجدل والمراء، بين أبناء الأمة المغربية.
"فما دامت الأمة المغربية أمة مسلمة تدين بدين الإسلام الحنيف، وما دام في البلاد من يفهم هذا الدين والحمد لله، فمن السهولة بمكان أن نجد الحل الصحيح لكل ما يعترض سبيلنا في حياتنا الاجتماعية، بدون اللجوء إلى التحايل، وإلى الخداع والتضليل".
"..إن التنصيص في هذا لدستور المزعوم على (ولاية العهد) ما هو إلا تلاعب، واستخفاف بدين الإسلام والمسلمين، إذ كلنا نعلم أن مسألة الإمامة نفسها كانت دائما موضع خلاف بين علماء الإسلام منذ زمن بعيد، وما ذلك إلا لعدم وجودها في القانون السماوي، هذا في الإمامة، وأما في ولاية العهد فلا خلاف أنها (بدعة) منكرة في الإسلام، وكلنا يعلم أن مؤسسها معروف، ونعلم من سعى في خلقها في ظروف معينة، ولغاية معلومة، فإذا كانت مخالفة للشرع الإسلامي فلا محالة أن تكون موضع (تهمة)، 
"ثم إن ولاية العهد إذا كانت مفروضة قسرا، فلا تلزم المسلمين، إذ من المجمع عليه أن كل بيعة أو يمين كانت بالإكراه تكون باطلة.

بتصرف عن موقع
Nador24

دستور 62.. هكذا استطاعت الملكية محاصرة الأحزاب والاستفراد بالحكم



بين الانكسار والانتصار، بين الخيبات والاخفاقات، عاش التاريخ الراهن للمغرب مجموعة من المحطات التاريخية، التي شكلت نقط تحول في النسق الذي تسير به الدولة، ويسير فيه المجتمع. وفي هذه السلسلة، المعنونة بـ «بين الانتصار والانكسار، جزء من تاريخ المغرب»، ستعيد «فبراير» نشر أهم المحطات التاريخية التي مر منها المغرب المعاصر، من زوايا مختلفة بعيدا عن القراءة السطحية للحدث.

لقد شهد مغرب ما بعد الاستقلال، حراك على جميع المستويات، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، هذا الحراك لم يكن ليكتمل لولا نقاش دستوري يشمل جميع المجالات قادر على تأطير المرحلة الجديدة التي دخلتها بلاد تسعى لتصفية مخلفات الاستعمار.

النقاش الدستوري بالمغرب، لم يكن وليد لحظة 1962، وقت اخراج أول دستور للمملكة، بل سبقه نقاش مشروع الدستور الذي طرح على السلطان في 1908 من لدن جماعة لسان المغرب التي طالبت من السلطان أن يمنح لشعبه دستورا، لكن (مأل) عددين جريدة “لسان المغرب” الناشرة من طنجة، والذي صدر فيهما مشروع الدستور، صودر من القصر السلطاني آنذاك.

كما سبقت الدستور الأول للملكة، قوانين مهمة تعد المرتكز للنظام السياسي الذي اسسه الملك محمد الخامس، ومن بين هذه القوانين نجد وثيقة دستورية تحت اسم ” العهد الملكي ” في 8 ماي من سنة 1958، والتي حدد فيها الملك طبيعة نظام الحكم على أنه ملكية دستورية، ذات نظام سياسي تعددي، ثم قانون الحريات العامة في 15 نوفمبر 1958 الذي وضع الإطار القانوني لتأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية.

اصدار هذه القوانين جاء في خضم الصراع الذي خاضه القصر مع أحزاب الحركة الوطنية، وخصوصا حزب الاستقلال الذي، كان بوده إرساء دعائم نظام الحزب الواحد، ولكون الراحل محمد الخامس، لم يكن راضيا عن محاولة الاستقلاليين الهيمنة على المشهد السياسي المغربي، فقد قام بإفشال مسعاهم عبر القوانين المذكورة أنفا.

وقبل المرور إلى لحظة التأسيس الأولى، فقد شهد عام 1960 تعيين الملك محمد الخامس لـ”مجلس دستوري،” مكونا من جل ألوان الطيف السياسي المغربي، باستثناء حزبين رفضا الدخول فيه مطالبين بانتخاب مجلس تأسيسي للدستور عن طريق الاقتراع العام وهما: الحزب الشيوعي المغربي المحظور آنذاك منذ 1959 والإتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي كان قد انفصل لتوه عن حزب الاستقلال.

مجلس الدستور، المعين من لدم الملك أوكلت له مهمة وضع دستور دائم للبلاد، وتقديمه للملك قصد المصادقة عليه قبل شهر دجنبر 1962، لكن انسحاب الكثير من أعضائه المحسوبين على أحزاب الحركة الشعبية بقيادة المحجوبي أحرضان، والدستور الديمقراطي بقيادة محمد حسن الوزاني، والأحرار المستقلين بقيادة أحمد رضى اكديرة، بدريعة الاحتجاج على تعيين علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال رئيسا على المجلس، عجل بفشل هذه التجربة التأسيسية بالمغرب، رغم الاعتراضات التي طرحت عليها من باقي الفرقاء السياسيين.

قبل متم سنة 1962 وبالضبط في السابع من ديسمبر من ذات السنة، طرح الملك الحسن الثاني مشروع دستور “ممنوح” على الاستفتاء الشعبي، دون أخذ رأي المعارضة فيه أو العودة إلى إحياء فكرة مجلس الدستور، لتُحسم بذلك معركة الدستور والسلطة التأسيسية لفائدة الملك.

وتم الاستفتاء على الدستور، رغم دعوة أحزاب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والدستور الديمقراطي والحزب الشيوعي المغربي إلى مقاطعته واستبداله بانتخاب مجلس تأسيسي للدستور، لكن أحزاب الاستقلال والحركة الشعبية والأحرار المستقلين صوتوا لصالح الدستور، والنتيجة الرسمية للاستفتاء كانت بالإيجاب بنسبة 84 في المائة.

ومن حيث مضمون دستور 1962، فقد حدد في فصله الأول طبيعة النظام السياسي المغربي بكونه نظام ملكية دستورية ديموقراطية واجتماعية، وفي فصله الثالث منع نظام الحزب الوحيد، وجعل دور الأحزاب مختزلا فقط في تنظيم المواطنين وتمثيلهم دون أي أمل في الوصول إلى السلطة، كما هو متعارف عليه في الأنظمة الديمقراطية، لأنه وببساطة، من يمتلك السلطة بحسب الدستور هو الملك.

لا يمكن فهم سلطوية النظام السياسي، في الفترة المذكورة إلا من خلال منطوق الفصل 19، الذي جاء فيه أن “الملك أمير المؤمنين، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الدين، والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات، وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة”.

وفي فصله 14 أقر حق الإضراب، لكنه أفرغه من أي معنى حينما أضاف إليه عبارة” وسيبين قانون تنظيمي الشروط والإجراءات اللازمة لممارسة هذا الحق”.

وأما الفصل 24 فقد أعطى للملك وحده الحق في تعيين أو إعفاء الوزير الأول وباقي الوزراء، دون تمتيع الوزير الأول بأي سلطة تقريرية كيفما كان نوعها، واكتفى الفصل 62 بتمتيع الوزير الأول فقط بسلطة تنظيمية مرتبطة بعمل مختلف الوزارات.

وجعل الفصل 36 البرلمان مكونا من مجلسين: مجلس للنواب ينتخب جميع أعضائه بالاقتراع المباشر وآخر للمستشارين وينتخب أعضاؤه بصفة غير مباشرة عن طريق مستشاري الجماعات المحلية والهيئات المهنية وممثلي المأجورين، وحدد الفصل 44 مدة مجلس النواب في أربع سنوات.

إن عودتنا لهذه الاحداث التاريخية المهمة الغرض منه قراءة واقعنا اليوم من خلال التاريخ، ففهم طبيعة النظام السياسي اليوم الذي يشكل فيه الملك دورا محوريا، ويحظى باختصاصات واسعة دستوريا سواء على المستوى السياسي أو الديني، وكذا لفهم الدور الضعيف للأحزاب والبرلمان ومنهما الحكومة، يستند بالأساس على دستور 1962، كيف ذلك؟

لفهم المسألة أكثر، فإنه بالقضاء على “مجلس الدستور”، واستفراد الملكية بالقرار التأسيسي، من خلال منحها للشعب دستورا، فقد حسمت الملكية في تلك الفترة، وإلى اليوم، مع مجموعة من القضايا الخلافية التي طالبت بها المعارضة وأحزاب الحركة الوطنية في تلك الفترة، والتي لا تزال –أي المطالب- مرفوعة إلى يومنا هذا دون أن تتحقق ولو جزئيا، وهنا نتحدث بالضبط عن مطلب الملكية البرلمانية، وتقليص هامش اختصاصات المؤسسة الملكية على المستوى الديني، وإعطاء فرصة حقيقية للأحزاب للمشاركة في السلطة من خلال اختصاصات واسعة للحكومة والبرلمان.

ولا يمكن كذلك فهم المرحلة جيدا إلا إذا ربطناها بالانتخابات الأولى التي أجريت في ظل الدستور الجديد، في السابع عاشر من ماي من سنة 1963، ففي هذه الانتخابات حددت معالم اللعبة السياسية المستمرة إلى اليوم، والمبنية على قاعدة “الكل سيشارك والقصر سيحدد الفائز”.

ففي هذه الاستحقاقات التشريعية كان حزب الاستقلال يمني النفس في قيادة الحكومة، وهو ما يترجم بسلوك التصويت لصالح الدستور، الذي لم يكن راضيا عنه في الداخل، لكن مغازلة القصر لبلوغ السلطة فرضت على الحزب أن يسير في هذا المنحى. إلا أن الاستقلال، وبالرغم من عمقه الجماهيري آنذاك كحزب ساهم في طرد المستعمر، لم يشفع له بقيادة الحكومة الأولى في ظل الدستور، وخرج هو الآخر خاوي الوفاض حينما استأثر صنيع القصر الجديد، حزب جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، المعروف اختصارا باسم ” الفديك” بأغلب الوزارات، ضمن تكتيك السلطة الجديد، ما جعل الحزب ينتقل للمعارضة ولأول مرة منذ الاستقلال.

عن موقع 

febrayer

/بنعمرو : هذا هو سياق تأسيس «الفديك» ومؤامرة 63




{ مقاطعة الاتحاد لدستور 1962 تطابقَ وموقفيْ محمد بن عبد الكريم الخطابي وشيخ الإسلام بن العربي العلوي.. هل كان مشروع جبهة وطنية قيد التشكل في مواجهة النظام؟       <  إن تطابق موقفيْ محمد بن عبد الكريم الخطابي ومحمد بن العربي العلوي مع موقف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية فيما يخص مقاطعة هذا الأخير لدستور 1962، لا يمكن اعتباره دليلا في ذلك الوقت، على وجود مشروع خلق جبهة وطنية قيد التشكل في مواجهة الحكم، خصوصا وأن الجبهة تتشكل عادة وأساسا من منظمات تكون متقاربة في الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها وإن كان ليس هناك ما يمنع من أن ينضم إليها مستقلون فاعلون يتقاسمون مع مكوناتها نفس الأهداف… وسواء كان التطابق المذكور يدخل في نطاق مشروع خلق جبهة وطنية معارضة للنظام المغربي أم لا، فإنه من الثابت تاريخيا، سواء في عهد الاستعمار أو الاستقلال، أن  كلا من الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي، وشيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي، كانا باستمرار، بجانب الحركة الوطنية وأحزابها المكافحة والمناضلة ضد الاستعمار القديم والجديد وضد الاستغلال والاستبداد والفساد وقمع الحريات وتزوير الإرادة الشعبية وبالتالي مناهضَين لاختيارات وتوجهات الحكم المغربي… { هل كان «الفديك» ردا من الحسن الثاني على مشروع الجبهة الوطنية؟       < عدة عوامل دفعت الحُكم إلى خلق ما سمي وقتها بـ»جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية» .  ومن بين هذه العوامل مواجهة حزبين كانا قويين ومتجذرين  في أوائل الستينات على الخصوص في المناطق الحضرية: الأول هو حزب الاستقلال، والثاني هو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المنفصل عنه في أواخر الخمسينات. وكان من الممكن ألا يسارع الحُكم إلى إنشاء «الفديك» بتكليف مستشاره أحمد رضا اكديرة، اليد اليمنى، وقتها، للنظام، بالتخطيط والإشراف على إنشائه، إلا أن ما حدث، هو أن المقاطعة القوية حجما ونوعا  للاستفتاء على دستور 1962، وهي المقاطعة التي قادها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وساهم فيها الحزب الشيوعي المغربي والحزب الديمقراطي الدستوري، واستجابت لها فئات واسعة من الشعب المغربي خاصة في الحواضر، فضحت النظام وتوجهاته. ومن ناحية أخرى،  فإن حزب الاستقلال وإن كان، بعد إقالة حكومة عبد الله إبراهيم في ماي 1960، ساهم في الحكومة التي ترأسها محمد الخامس والتي ناب عنه فيها ابنه الحسن الثاني، كما أنه انضم إلى الأحزاب الموالية للنظام والداعية إلى التصويت بـ «نعم» على استفتاء 7 دجنبر 1962 المتعلق بدستور 1962، إلا أن ما حدث هو أنه، وقبل انتخاب البرلمان الذي حدد له تاريخ 16 يوليوز 1963 وبالضبط في أوائل يناير 1963، انسحب جميع وزراء حزب الاستقلال من حكومة النظام. إن السببين المذكورين، بالإضافة إلى طبيعة النظام، دفعته إلى الاعتقاد بأن هناك معارضة قوية متكونة من الأحزاب المحسوبة على الحركة الوطنية، تتقارب فيما بينها، ويمكن أن تشكل فيما بينها كتلة لمعارضته سياسيا والتنسيق لمواجهة مرشحي حلفائه في الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في ماي من سنة 1963، فسارع إلى العمل على تكوين ما سمي بـ«جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية»،  وهي الجبهة التي تشكلت من الأحزاب الموالية للنظام (الحركة الشعبية، الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الأحرار المستقلين)، ومن اللامنتمين المرتبطة مصالحهم بمصالح النظام، وهي الجبهة التي تلقت كافة أنواع الدعم السياسي والمالي والإعلامي والسلطوي من الحكم، الأمر الذي كان سببا في أن «تفوز» وهي التي لم يمض على تأسيسها سوى بضعة أشهر سابقة على انتخابات 17/05/1963 (تأسست الجبهة في مارس 1963)، نقول، أن تفوز في: مجلس النواب: بـ69 مقعدا، في الوقت الذي لم يحصل فيه حزب الاستقلال سوى على 41 مقعدا، والاتحاد الوطني للقوات الشعبية على 29 مقعدا، أما في مجلس المستشارين، المنتخب من المجالس المحلية والمهنية ومندوبي المأجورين، فقد اكتسحت الجبهةُ الأغلبية الساحقة من مقاعده. {  ما هو السياق التاريخي لما سُمي بـ«مؤامرة 16 يوليوز 1963» وماذا بقي عالقا في ذاكرتك من المحاكمة؟   <  يجب أن نؤكد على أن النظام لا يهدأ له بال إلا إذا أضعف، بكافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة التي يتوفر عليها، وذلك عن طريق الاحتواء بالإغراءات أو بمختلف أنواع المضايقات والتهديدات والقمع، التنظيماتِ المتجذرة بين أوساط الجماهير الشعبية، سواء كانت سياسية أو نقابية أو اجتماعية ذات توجه يساري أو يميني أو ليبرالي، أو ذات مرجعية إسلامية. ويجب ألا ننسى أن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية قاطع دستور الحكم لسنة 1962 فاضحا طريقة إعداده ومحتواه ومطالبا بانتخاب مجلس تأسيسي لإعداد دستور ديمقراطي قبل عرضه على الاستفتاء، كما يجب ألا ننسى أن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وإن كان، بعد مقاطعة دستور 1962، قد شارك في الانتخابات التشريعية لشهر ماي من سنة 1963، فإنه لم يشارك فيها بقناعةِ أنها ستكون ممثلة لإرادة الشعب، شكلا ومضمونا، وإنما من أجل تنويع جبهات مواجهة النظام وفضحه على كافة المستويات والمؤسسات، بما فيها المؤسسة التشريعية، وهذا ما يظهر من خلال محتويات بيان المشاركة في الانتخابات التشريعية الصادر عن اللجنة المركزية للحزب، وهو البيان الذي اشتمل على أسباب المشاركة وأهدافها والذي وردت فيه عبارة « لا إصلاح لهذا النظام إلا بزواله»… ورغم المضايقات والاعتقالات والمحاكمات التي لحقت الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ومناضليه، منذ تأسيسه، من أجل إرهابه، ورغم خلق التنظيمات السياسية، ومن بينها «جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية»، بدعم سياسي ومادي وإعلامي من الحكم، من أجل منافسة الحزب على اكتساب ثقة الجماهير، فإن كل ذلك لم يؤثر على مواقف الحزب وعلى شعبيته، بل زادتها قوة ومتانة واتساعا، بدليل النتائج المشرفة التي حصل عليها، رغم التزوير، في انتخابات ماي 1963، في الوقت الذي لم تحصل فيه «الفديك» على الأغلبية المطلقة رغم التزوير لصالحها و الدعم الكبير لها من طرف السلطة، الأمر الذي دفع النظام إلى الرفع من درجة قمعه من أجل إنهاء وجود الحزب في الساحة النضالية، وهذا ما حصل في 16 يوليوز 1963 عندما كانت لجنته المركزية مجتمعة بمقر الحزب بالدار البيضاء، من أجل التقرير في موضوع المشاركة أو عدم المشاركة في الانتخابات الجماعية التي كان مقررا لها تاريخ 28 يوليوز 1963 وذلك بعد أن شن النظام حملة واسعة من الاعتقالات بين صفوف مرشحي الحزب. وأثناء الاجتماع هجمت الشرطة على مقر الحزب واعتقلت من فيه ثم أفرجت عن القليل واحتفظت بالأغلبية وأضافت إليها العديد من مناضلي الحزب بمختلف الأقاليم، وطبخت للجميع، تحت التعذيب والتزوير، ملفات «مفبركة» بتهم خطيرة وصلت عقوبة بعضها إلى حد المؤبد والإعدام…  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *