جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

ملتمس الرقابة في التجربة البرلمانية المغربية1964بنبركة يخيم على الملتمس

 ملتمس الرقابة في التجربة البرلمانية المغربية


هشام عميري
صحفي ومدون مغربي، وباحث في العلوم السياسية
عن موقع الجزيرة مباشر..
عرفت التجربة البرلمانية في المغرب تقديم ملتمسين للرقابة، الأول عام 1964 والثاني عام 1990، ولم يؤدّ أي ملتمس منهما إلى إسقاط الحكومة، نظرا إلى القيود الدستورية التي تعرفها هذه الآلية السياسية، فلا يمكن أن نتصور الأغلبية البرلمانية تساند المعارضة من أجل التصويت.

ففي 1964، ومع أول تجربة برلمانية عرفها المغرب آنذاك (1963-1965)، تقدمت المعارضة البرلمانية بملتمس الرقابة ضد الحكومة، وقد وقع هذا الملتمس 24 نائبا، لكنه فشل بسبب عدم وجود الأغلبية المطلقة والتي تتمثل في تصويت 73 نائبا وفق مقتضيات دستور 1962 في فصله 81.
يلاحظ بأن ملتمس الرقابة رغم فشله، كانت له مجموعة من الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فملتمس الرقابة لسنة 1964 كان له أثر بعد مرور عام على تقديمه، إذ أعلن الملك عن حالة الاستثناء، بسبب الأحداث الدامية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء يوم 23 مارس/ آذار 1965، ومعها تمّ حل البرلمان إلى غاية 1970. وهي المرحلة التي عرفت صراع بين القصر والأحزاب السياسية، خصوصا حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المنشق عن حزب الاستقلال عام 1959، وكانت فرصة من أجل إعادة النظر في الوضعية الاقتصادية والسياسية التي كانت تمر بها البلاد، آنذاك.

**************
حينما نجت الحكومة من ملتمس الرقابة

خلال جلسة عمومية لمجلس النواب، يوم الاثنين 15 يونيو 1964، تقدم عبد اللطيف بنجلون، رئيس الفريق النيابي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، أمام منصة المجلس، معلنا باسم فريقه ولأول مرة في تاريخ المغرب، تقديم ملتمس رقابة ضد السياسة الاقتصادية لحكومة الوزير الأول، أحمد باحنيني. على إثرها، أعلن رئيس المجلس، عبد الكريم الخطيب، تعليق أعمال المجلس إلى الأسبوع الموالي لمناقشة الملتمس. دامت جلسات المناقشة أربعة أيام، من 22 إلى 25 يونيو 1964، وحضرها أغلب النواب وكافة أعضاء الحكومة، ونقلت أطوارها على أمواج الإذاعة وشاشات التلفزة، بأمر من الملك الحسن الثاني.

الحكومة في قفص الاتهام

خلال جلسات النقاش، تناوب على تناول الكلمة باسم الحزب نوابه المعروفون٫ آمثال: عبد اللطيف بنجلون، عبد الواحد الراضي، المعطي بوعبيد، محمد الحبابي، وآخرون. أدانوا خلالها السياسة الاقتصادية لحكومة أحمدباحنيني، ووصفوها “بغير الحكيمة، وغير الشعبية،وغير القائمة على أساس سليم”.لتقديم الملتمس، اعتمد نواب الفريق الاتحادي على مقتضيات الفصل 81 من دستور 1962 الذي يتيح، لمجلس النواب، إمكانية معارضة مواصلة الحكومة لمهامها بالمصادقة على ملتمس رقابة يكون موقعا، على الأقل، من عشر الأعضاء. وتؤدي المصادقة عليه إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية.

حسب رفاق عبد الرحيم بوعبيد، نجم عن هذه السياسة استفحال الأزمة الاقتصادية، نتيجة انخفاض الإنتاج الوطني. فمقارنة بعدد السكان الذي حقق زيادة في الفترة بين 1961 و 1964 بأكثر من 10 في المائة، لم تستطع الطاقة الإنتاجية أن تبلغ هذه النسبة. وانتقد الاتحاديون أيضا “الإسراف” في توظيف الاعتمادات المالية في ميزانية التسيير، والرفع من أسعار المواد الاستهلاكية، خاصة السكر الذي أصبح يستحوذ على أكثر من نصف المدخول السنوي للفلاح المغربي.

أكثر من هذا، تسببت السياسة الاقتصادية للحكومة، داخليا في عجز في خزينة الدولة قدر بـ 115 مليار فرنك سنة 1964 وحدها، وخارجيا في انخفاض احتياطي المغرب من العملة الصعبة. ومعنى هذا أن الدولة ستلجأ إلى الدول والمؤسسات المالية الأجنبية للاقتراض، وهو ما يرفضه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية جملة وتفصيلا، باعتباره وسيلة للتبعية للخارج.

وشكل الموقف من الاستثمارات الأجنبية محطة رئيسية في النقاش، حيث اتهم خلاله نواب الاتحاد الحكومة بالثقة المفرطة في الرأسمال الأجنبي، ودعمه بالإعانات المالية والتخفيضات الضريبية، بدعوى أنه سيؤدي إلى تصنيع البلاد، متحججين بعدم إنجاز أي مشروع منذ 1961 بمشاركة الرأسمال الأجنبي الخاص، بل “إن الاتفاقيات، حسب مرافعة محمد الحبابي النائب عن مدينة الرباط، المتعلقة بالاستثمارات الجديدة، المبرمة بين الدولة المغربية والرأسمال الأجنبي الخاص يرجع تاريخها كلها إلى ما قبل ماي 1960. إن كل هذه الاتفاقيات أبرمت مع حكومة كانت تعلن بصراحة وجوب مشاركة الدولة في جميع المشاريع التي ترمي إلى نمو الاقتصاد في البلاد”.

ملتمس أكبر من الحكومة

لم يكن في الحقيقة ملتمس الرقابة ضد السياسة الاقتصادية لحكومة أحمد باحنيني فقط، فهذه الأخير لم يكن مر على تعيينها أكثر من سبعة أشهر، بل كان بمثابة إعلان رفض للخيارات الاقتصادية التي نهجتها الدولة منذ سنة 1960، تاريخ إقالة حكومة عبد الله إبراهيم.


لقد كانت هذه السياسة الليبرالية ذات طبيعة اقتصادية صرفة تفكر بمنطق التوازنات، فتراجعت عن المخطط الخماسي، واتجهت نحو الاعتماد على الرأسمال الأجنبي الخاص. لكن دون جدوى، فقد فضل المستثمرون الأجانب سحب أموالهم من المغرب، والاستثمار داخل الفضاء الاقتصادي الأوربي الذي أصبح ملائما مع تأسيس السوق الأوربية المشتركة.لقد شكل الملتمس إحدى أشرس حلقات الصراع بين توجهين اقتصاديين. أحدهما يسعى إلى تحقيق ما يصفه ب “التحرر الاقتصادي”، عبر التنزيل الكامل لمقتضيات المخطط الخماسي (60-64) الذي أقرته 
حكومة عبد الله إبراهيم: الإصلاح الزراعي بتوزيع الأراضي المصادرة من المعمرين والمتعاونين مع الاستعمار على صغار الفلاحين، السير في اتجاه التصنيع، وإمداد الإدارة بالأطر عبر خلق مراكز التكوين والتوجه نحو تعميم التعليم. لقد “كانت في مجملها سياسة اقتصادية ذات نفس اجتماعي يراعي انتظارات الفئات الاجتماعية البسيطة من ثمرات الاستقلال، وتطرح في نفس الوقت أوراشا كبرى للإقلاع الاقتصادي سواء في مجال الفلاحة (حرث مليوني هكتار بالجرار في غضون 1964) أو في المجال الصناعي من خلال المركبات الصناعية”، يعلق الطيب بياض، المؤرخ المتخصص في التاريخ الاقتصادي للمغرب المعاصر. أما التوجه الثاني، والذي تمثل حكومة أحمد باحنيني إحدى حلقاته، فكان هاجسه الأكبر عصرنة الفلاحة، بحثا عن التصدير وجلب العملة الصعبة، لذا فضل توزيع الأراضي على ملاكين كبار كانوا، بتعبير المؤرخ بياض، “أكثر جشعا من المعمرين الفرنسيين”، عوض توزيعها على الفلاحين الصغار. وهو ما رأى فيه الاتحاد الوطني سياسة لا شعبية.

اتجهت هذه السياسة نحو الفشل، وانخفض الناتج الداخلي الخام، ولم يكن معدل النمو يتجاوز 2 في المائة. هنا، يقول الطيب بياض، لجأت الحكومة إلى البنك الدولي، “لطلب إرسال خبراء دوليين إلى المغرب لتشخيص الوضع وتقديم حلول. استقر وفد البنك الدولي في المغرب ثلاثة أشهر في ربيع سنة 1964، واقترح حلولا بمزيد من الليبرالية”، فاتسعت هوة الصراع بين الفريقين.

بنبركة يخيم على الملتمس

في اليوم الثالث من جلسات مناقشة ملتمس الرقابة، تناول الكلمة باسم الحكومة، كل من عبد الرحمان الخطيب وزير الداخلية، ومولاي أحمد العلوي وزير الأنباء، وطالبا نواب الاتحاد الوطني بالتبرئ من المهدي بنبركة وإدانته، على خلفية موقفه من الاشتباكات الحدودية بين المغرب والجزائر سنة 1963 (حرب الرمال) والتي اعتبرها “حربا عدوانية على الجمهورية الجزائرية الديمقراطية”. وشملت المطالبة أيضا إدانة حميد برادة، رئيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذي أدلى، من الجزائر، بتصريحات مشابهة لبنبركة.

خلال الجلسة، تحدى عبد الرحمان الخطيب عبد اللطيف بنجلون، رئيس الفريق الاتحادي، بالصعود إلى المنصة والإعلان، أمام الكاميرا، إدانة الاتحاد الوطني لبنبركة المحكوم عليه غيابيا بالإعدام قبل أسابيع، متعهدا بتقديم استقالته من وزارة الداخلية، إلى الملك، مساء اليوم نفسه.

كلام ممثلي الحكومة أثار غضب نواب الاتحاد الوطني الذين شددوا على الصبغة الاقتصادية الصرفة لملتمسهم، معتبرين أنه “في هذا الإطار، وفيه وحده فقط، يدخل ملتمس الرقابة الذي تقدم به الفريق النيابي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية”. وحدث أن هدد محمد التبر، النائب عن الدار البيضاء برفع دعوى قضائية، لدى المحكمة العليا، ضد الوزير الأول الذي أدلى في وقت سابق، بتصريحات مشابهة لما قاله الخطيب والعلوي.وبدوره، سار مولاي أحمد العلوي، وبحدة أشد، في الاتجاه ذاته. فبعد أن تلا أمام النواب مقتطفات من تصريحات بنبركة وبرادة، توجه بالكلام إلى بنجلون، قائلا:”تعرفون بنبركة، وأنا أعرفه أيضا. إنه متخصص في انشقاق الأحزاب والنقابات. أنا أعرفكم، روحكم مختلفة عنه. تقدموا إلى هنا، إلى هذه المنصة، تبرؤا من بنبركة والمتآمرين. عندها سنستقيل فورا”. وختم كلامه بالقول إن ملتمس الرقابة موجه ضد سياسة الدولة العامة، وليس ضد سياسة الحكومة الاقتصادية.


رغم تشديد نواب الفريق الاتحادي على الطابع الاقتصادي لملتمسهم، إلا أنه لا يمكن قراءته بمعزل عن سياق الاحتقان السياسي الذي طبع علاقة الاتحاد الوطني بالقصر في بداية الستينات: مقاطعة دستور 1962، اتهام النظام بتزوير الانتخابات التشريعية لسنة 1963، ثم ما عرف بمؤامرة 16 يوليوز 1963 والتي صدرت على إثرها أحكام بالإعدام في حق الفقيه البصري، وعمر بنجلون، ومومن الديوري.

كان الملتمس أيضا رسالة إلى جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية (الفديك) التي تسند حكومة باحنيني، بعد فوزها في الانتخابات التشريعية، والتي اعتبرت بمثابة “تحالف حضري-قروي”، بتعبير جون واتربوري، للتصدي للأحزاب المنبثقة عن الحركة الوطنية.

الحكومة لم تسقط، بل الملتمس

هل كان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية واثقا من إسقاط حكومة أحمد باحنيني؟. يجيب عبد اللطيف بنجلون، رئيس الفريق الاتحادي، في إحدى مرافعاته بالنفي، موضحا أنه لو كان أي فريق يعرف سلفا عدد الأصوات التي ستكون بجانبه، لما تقدم أحد بملتمس رقابة.

عدم وثوق الاتحاد من إمكانية إسقاط الحكومة، يمكن إرجاعه أيضا إلى موقف حليفه، حزب الاستقلال، الذي بدا ملتبسا، على الأقل للوهلة الأولى. يقول أحد مقالات جريدة “العلم” لشهر يوليوز 1963: “نحن، كما قلنا سابقا، لا يهمنا سقوط الحكومة أو بقاؤها في وضع نيابي غير سليم، فما ننتظر من سقوطها تغييرا جذريا للأوضاع، ولا ننتظر من سقوطها قيام مشروعية جديدة في الحكم، ولا ننتظر من سقوطها أن تقوم بعدها حكومة صالحة، كما أننا لا نطمع من وراء بقائها أن تقوم بعمل صالح”.


لم يؤيد “الفديك”- باعتباره جزءا من الأغلبية الحكومية- الملتمس، بينما صوت لصالحه نواب الاتحاد الوطني وحزب الاستقلال الذي برر موقفه بأنه “لنا سياسة وهذه السياسة هي سياسة معارضة للحكومة القائمة. وإننا اليوم إذ نصوت لصالح الملتمس، نصوت عليه لأننا نريد أن نبقى منطقيين مع أنفسنا”.عشية يوم الخميس 25 يونيو 1964، وبعد أربعة أيام من المناقشة، تقدم كل من حرمة ولد بابانا عن “الفديك”، وعبد اللطيف بنجلون عن “إ.و.ق.ش”، وعبد الخالق الطريس عن حزب الاستقلال، إلى المنصة لتحديد المواقف النهائية لأحزابهم من ملتمس الرقابة.

بعد انتهاء التصويت، أعلن عبد الكريم الخطيب رئيس المجلس أن “ملتمس الرقابة، لم يحصل إلا على ستين صوتا، أي أقل بثلاثة عشر صوتا عن الأغلبية المطلقة. وبالتالي سقط الملتمس”.

رغم فشله، لم ير الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في الأمر هزيمة، بل اعتبر الملتمس، “بما كشفت مناقشاته من حقائق، إدانة لسياسة الحكومة الحالية سواء من طرف الرأي العام أو داخل المجلس نفسه”. أما حكومة أحمد باحنيني فلم تعمر أكثر من عام آخر، حيث لحقها تعديل بعد شهر من سقوط الملتمس، ثم ما لبث الملك الحسن الثاني أن فاجأها في 7 يونيو 1965، معلنا حالة استثناء دامت خمس سنوات.

————-

ملحوظة: نشر هذا المقال في العدد 2 من مجلة “الآن” المغربية، من 13 إلى 19 أبريل 2012. يمكنكم الوصول إليه على الرابط

http://alaan24.com/magazine/2.html



فيديو-1-
فيديو-2-

فيديو-3-

فيديو-4-
فيديو-5-
فيديو-6-
فيديو-7-
فيديو-8-
فيديو-9-

فيديو-10-
فيديو-11-
فيديو-12-




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *