غازي الصوراني - هيجل في أوج الشهرة والقوة ....
غازي الصوراني - هيجل في أوج الشهرة والقوة ....
وصل هيجل في برلين ، بل وفي بروسيا ، إلى مكانة عظيمة ، فالناس - كما يقول د.عبد الرحمن بدوي -من كل الطبقات استمعوا إلى محاضراته . والطلاب من كل أصقاع المانيا ، ومن كل أمم أوروبا ، وخصوصاً بولندة ، بل وأيضاً يونانيون واسكندفيون جلسوا عند قدميه وأنصتوا في خشوع لكلماته السحرية التي كان يتفوه بها وهو يقلب أوراقه فوق منضدة كرسيه ، وهو يسعل ، ويمخط ويكرر نفسه ، وينطق بمشقه . ولكن عمق المضمون كان ينفذ في العقول ويشع منها حماسه صافية كل الصفاء.
ولقد تكونت حول هيجل ابان حياته ما يشبه المدرسة الفلسفية ، وكانت تتألف خصوصاً من خاصة تلاميذه في الجامعات التي درس فيها ، ثم من بعض الأصدقاء المتأثرين به أو المعجبين به عامة : وكان منهم السياسي ، واللغوي والمؤرخ ، ورجل القانون ، وعالم الجمال.
حسب الترتيب الذي أورده روزنكرنتس فقد انقسم تلاميذه إلى ثلاث جماعات: العقلاء ، الغلاة ، الفارغون .
أما الأولون فهم الساكنون المتعمقون الذين هضموا الفلسفة الجديدة بجد واستخدموها في معالجة علوم خاصة ، تدريجياً ودون ضجيج . والفريق الثاني ، الغلاة ، كانوا أقل حظاً من العلم ، وأوفر قدراً من الشاعرية . فتأثروا خصوصاً بفلسفة الفن وفلسفة التاريخ عند استاذهم، وقد اعجبوا خصوصاً بمهارة هيجل في استخلاص "الصورة" (Idee) من عالم الظواهر . وأثرى خيالهم الشعري من فلسفته . ورأوا فيه سقراط جديداً ، أو برهما ملكوت العقل . وبالغوا، بخيالهم الجامح ، في تمجيده حتى غلوا فيه غلوا غظيماً إلى حد أن عدوه الفيلسوف المخلص للعالم عن طريق الفلسفة !
أما الفريق الثالث فهو فريق الأغلبية الساحقة من تلاميذه ممن كانوا عديمي الشخصية ، متعجلين في الفهم ، لم يتأثروا إلا بسحر الكلمة وغموض العبارة في كلام هيجل. وافتقارهم إلى المعلومات الدقيقة الوثيقة ، حاول هؤلاء الفارغون أن يحدثوا في مذهب هيجل تعديلات ، وظنوا بهذا انهم قد جاوزوا استاذهم القديم ، على حد تعبير روزنكرنتس، الذي يعزو إلى هؤلاء التلاميذ "الفارغين" ما حدث لمذهب هيجل أبان حياته، من سوء ظنه لدى جمهور الناس، حتى انتشرت النوادر الساخرة من هذه "الهيجيلية" وألفت الكوميديات المتهكمة عليها. ومن ذلك كوميديا نشرت سنة 1831 عنوانها : "الرياح أو البناء المطلق تماماً لتاريخ العام الجديد بواسطة قرن أو برون " .
لكن في مقابل ذلك كان تلاميذ هيجل المتحمسون له يصوغون قلائد المديح لأستاذهم في قصائد حافلة بمعاني فلسفة هيجل. وكانوا ينظمون هذه القصائد في الاحتفال السنوي بعيد ميلاد هيجل، الذي كان يقيمه له تلاميذه وأصدقاءه ، ويحضره احياناً كبار المسؤولين في الدولة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق