جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

إعلان الرئيسية

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

لم يعرفني غالب شعث

ورحل الصديق غالب شعث
صاحب "الظلال في الجانب الآخر" و"يوم الأرض" و"المفتاح"، الذي اعتزل العالم في شقته في مصر الجديدة منذ سنوات طويلة، كتب خلالها "أوراق مهاجر".
رحل في الثامنة والثمانين، هو الذي ولد غالب في القدس العام 1934، هاجر إلى غزة إثر النكبة. ودرس الفن في فيينا وتخرج من اكاديمية الفنون التعبيرية عام 1967. أسس مع مجموعة من المخرجين المصريين "جماعة السينما الجديدة" في السبعينيات، ومن أبرز أعمال فيلم "الظلال في الجانب الآخر" للكاتب محمود دياب الذي يمثل نموذجا للسينما الجديدة، للفنان محمود ياسين والذي حصد عدة جوائز عالمية وفيلم "يوم الأرض"، و"المفتاح"، الذي حصل على الجائزة الذهبية في مهرجان لايبزغ في ألمانيا.

حصل غالب على دبلوم الهندسة من فيينا، ودبلوم في الإخراج من معهد السينما في فيينا، وترجم بعض سيناريوهات الأفلام منها "انفجار" من إخراج مايكل أنجلو انطونيوني، كما أسس لمرحلة السينما الفلسطينية في لبنان.



 لم يعرفني غالب شعث في الاتصال الأخير

جاء إلى غزة في 1995، وكنت قد سمعت به وبأعماله من أحمد دحبور ومحمد حسيب القاضي، رجل دمث، هادئ، قليل الكلام، إذا أعجب بشيء فهو يستحق الإعجاب، وتصادقنا على الفور، وكنت بصحبته دائما في غزة، نرتاد الأماكن معاً، وأعرفه على المؤسسات والأشخاص، كان مغرما بالأسماك، لذا كان معظم وقتنا على الشاطئ.
حين تعرفت على المرحوم الروائي والناقد والمترجم أحمد عمر شاهين، اكتشفت أنه من أصدقاء غالب، وكنا نذهب "حين أكون في القاهرة" إلى مقهى الحرية في باب اللوق، ونجلس لساعات طويلة، وتكبر الحلقة من الكتاب المصريين الكبار والصغار، وربما ذهبنا إلى الأتيلييه خلف مكتبة مدبولي لنقضي سهرة مع رؤساء تحرير وكتاب وفنانين، كان غالب شعث في معظم الأحيان مستمعا، لكنه مركز الجلسة رغم ذلك.
زرته كثيرا في بيته في مدينة نصر، وأخذنا معه أنا وزوجتي إلى الإسكندرية ليعرفنا إلى أخواته الأربع، كان في السبعين، وهو أصغر أفراد العائلة، وفي الإسكندرية قدمت لنا أخته الكبرى شقتها، وأقامت مع أخت أخرى، لم تقل أخواته كرما عنه.
قطع راتبه لسنوات، قبل أن يعود إليه، وتبرز مشكلة أخرى في أن البنك أغلق حسابه، وكان من الصعب إعادة حساب مغلق في البنك العربي في غزة، وبعد مدة طويلة تمت إعادة الحساب، فلم يشكُ غالب طوال هذه السنوات ولو لمرة واحدة، بل كان يرفض أن يتلقى أي مبلغ عدا عن راتبه.
قدمني إلى حسني سليمان صاحب دار شرقيات في شارع هدى شعراوي في القاهرة، وأصدرت عبر هذه الدار مجموعة شعرية كان غالب أكثر سعادة بها مني، لكنه في الوقت ذاته كان قد كتب ما يشبه السيرة السينمائية الشخصية، وكم ألححنا عليه أن يقوم بطباعتها، وظل يتردد في أجزائها الثلاث، بما له من ذكريات هامة على مستوى التاريخ السينمائي والإعلامي، وهو الذي عمل معه المصور الشهيد هاني جوهرية، وعرف معظم الفنانين الفلسطينيين عن قرب، بل والكتاب والقادة السياسيين أيضاً.
في النهاية طبع منها جزءا واحدا بعنوان "من أوراق مهاجر" ولم تطبع بقية الأجزاء التي ما زالت تنتظر.
أخرج أفلاما كان محمود ياسين من أبطالها، وكانت علامة في السينما بشهادة النقاد المصريين، كما فاز فيلمه "المفتاح" بالجائزة الذهبية في مهرجان لايبزغ للأفلام الوثائقية في ألمانيا، وكان في وقتها أهم مهرجان في العالم للأفلام الوثائقية.
في آخر مكالمة لي معه، سألني: من أنت؟ ففاجأني السؤال، فذكرته بنفسي، فقال: خالد مين؟ حكيت له عن مواقفي معه، وعن نزهاتنا معا في شوارع القاهرة، فلم يتذكر.
قريبه الذي يسكن معه، أخذ منه التليفون وأخبرني أن غالب يعاني من مشكلة في الذاكرة، أظنه لم يرغب في أن يقول: ألزهايمر، لكني بعد المكالمة بكيت هذا الرجل الذي لم ينصفه أحد رغم كل مجهوداته الريادية، فقرر في أواخر حياته أن ينسى كل شيء، ويرحل صامتاً كما عاش صامتاً.
من صفحة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *