بلاغ المكتب المركزي بعد اجتماعه يوم السبت 8 أكتوبر 2022/بيان حول أزمة المياه ببلادنا
بلاغ المكتب المركزي بعد اجتماعه يوم السبت 8 أكتوبر 2022
بيان حول أزمة المياه ببلادنا
"من أجل التخلي عن سياسة الخوصصة وتسليع الثروة المائية
وضرورة الكف عن المقاربة الأمنية لصالح الأمن المائي والغذائي"
يتابع المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بقلق بالغ، ما أصبح يعرفه المغرب من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب والري، وما آلت إليه وضعية السدود والفرشة المائية وانعكاساتها السلبية على السكان من حيث استقرارهم وحالتهم الاقتصادية والاجتماعية. وتشير آخر المعطيات الصادرة من وزارة التجهيز والماء إلى استمرار تدهور حقينة السدود بشكل مخيف، ينذر بتفاقم الأزمة في غياب أفق للتساقطات المنتظمة، وفي ظل ارتفاع في درجة الحرارة بسبب التغيرات المناخية التي باتت تقلق الخبراء والعلماء من ذوي الاختصاص والناتجة عن التلوث الذي تسببه الأنشطة الصناعية للشركات الكبرى العابرة للأوطان، وعدم تحمل الدول مسؤولياتها في اتخاذ الإجراءات الحمائية للبيئة. ففي حدود يوم 12 شتنبر 2022 بلغت النسبة الإجمالية لملء السدود 25,35 %، مع اختلاف في النسب من حوض مائي إلى آخر. فبينما حقينة وادي سبو بلغت 41,55 % كأعلى نسبة في المغرب، متبوعا بواد تانسيفت 40,08 % واللوكوس 40,01 %، فمياه أم الربيع تكاد تجف وتتوقف عن الجريان حيث تدهورت حالتها واندحرت إلى نسبة 6,81 %، يليه نهر ملوية ب 8,86 % وسوس ماسة 13,19 % ودرعة واد نون 18,05 % وزيز كير غريس 19,75% ثم أبي رقراق بنسبة 27,66 %. وتعرف المياه الجوفية بدورها نقصا مهولا تضرر من جرائه أهل البادية من البسطاء الذين يعانون الفقر والهشاشة، بسبب جفاف الآبار وتراجع مستوى الفرشة المائية إلى درجة أصبح العديد منهم يتخلصون من ماشيتهم ويغادرون المكان إلى وجهة يجدون فيها صنبور ماء وعملا بديلا، مهما كان بسيطا، قد يحميهم من عواقب ندرة الماء.
إن الأزمة المائية في بلادنا لا ترجع أسبابها فقط لتوالي سنوات الجفاف وضعف التساقطات المطرية، رغم مستوى درجة عواقبها وآثارها. فمهما كان نصيبها في الأزمة، فإن الدولة لم تتحمل مسؤوليتها في تدبير هذا القطاع الحيوي الذي تتوقف عليه شروط الحياة. ولم يحظ بالعناية الواجبة. بل دبرته بطريقة سيئة وغير عقلانية، حيث:
ü يضيع ما يقرب من 35 % من المياه الصالحة للشرب في شبكات التوزيع وحوالي 500 مليون متر مكعب من حقينة السدود بسبب التوحل وانعدام الصيانة، وعدم ترشيد حقينتها والحفاظ عليها حين تكون السنوات ممطرة وغزيرة؛
ü أصبحت بعض الموارد المائية في العديد من المدن والقرى غير صالحة للاستعمال بسبب التلوث الناتج عن عدم معالجة النفايات والمقذوفات الصناعية والمنزلية التي يتم تفريغها في مطارح عشوائية، أو بالاستعمال المفرط للمبيدات والأسمدة؛
ü باتت بعض أنواع الزراعات، الموجهة للتصدير، تستنزف الثروة المائية بشكل خطير، من حيث حاجتها لكمية كبيرة من الماء، و منها على سبيل الذكر لا الحصر: إنتاج كيلو غرام من الخيار يحتاج ل 353 لترا من الماء، وإنتاج كيلو غرام من الفراولة يتطلب 347 لترا من الماء، بينما يحتاج إنتاج كيلوغرام من البطيخ إلى 235 لترا من الماء، ويتطلب إنتاج كيلو غرام من الأفوكاتو حوالي 1000 لتر من الماء....!!!؛ وتعتبر منطقة سوس ماسة نموذجا من هذا الاستنزاف للموارد المائية الجوفية، حيث تنتج حوالي 60 % من صادرات المغرب من الخضر والبواكير، كما أن لها نصيبا أوفر في تزويد السوق الداخلية، مما ينذر بتعميق أزمة الأمن الغذائي؛
ü استعمال المياه العذبة الصالحة للشرب لسقي ملاعب الگولف والحدائق العمومية والخاصة؛
ü احتكار منابع المياه وخوصصتها في العديد من المناطق واستغلالها بدون أي مراقبة لا على مستوى كمية الإنتاج ولا على مستوى أثمنة البيع التي تفوق سعر التكلفة بما قد يتعدى عشرة أضعاف.فشركات المياه تذر أرباحا خيالية على مستغلي مياه المنابع والمياه الجوفية. حيث استطاعت بعض العائلات من خلالها أن تبني إمبراطوريات مالية شملت أنشطتها الاقتصادية كل المجالات، واخترقت أسهمها كل القارات والأبناك الدولية، فيما يعيش أصحاب الأرض من السكان الأصليين مآسي الفقر والجوع والعطش بسبب استنزاف ثرواتهم ومنعهم من التمتع بها ومن حفر الآبار في أراضيهم وانقطاع الماء الصالح للشرب لمدة تصل إلى 16 ساعة في اليوم؛
ü وإذا كان القانون الجديد رقم 15- 36 الخاص بالماء، قد ركز على بعض المبادئ المهمة والأساسية كالتدبير التشاركي اللامركزي لضمان حق المواطنات والمواطنين في الحصول على الماء، كما ورد في الفصل 31 من الدستور، واستعمال عقلاني ومستدام له، وتثبيت الملكية العمومية للمياه، وتحديد قواعد الوقاية من مخاطر الفياضات وضمان سلامة الأشخاص والممتلكات والبيئة، ووضع آليات وضوابط التخطيط لتدبير الموارد المائية بما في ذلك المياه المستعملة ومياه البحر المحلاة، ومراعاة حاجيات ساكنة الجبال وساكنة سافلة السدود بضمان حقهم في الاستفادة من مجاري المياه ....، فإنه، أي القانون الجديد، يحمل في ثناياه ما يفرغ المبادئ المشار إليها أعلاه من محتواها:
· أكد على الدور التيسيري للدولة في ضمان الحق في الماء وأبعد مبدأ الإلزامية،
· منح مساحة كبيرة لنظام الامتيازات واستغلال المنشآت المائية العمومية، ومن أسوئها ما جاء في الفقرة 1 من المادة 33 حول الامتياز الخاص ب "تهيئة العيون الطبيعية المعدنية أو الحارة وكذا جلب مياه العيون كيفما كانت طبيعتها بهدف تعبئتها وتسويقها"، وما نصت عليه الفقرتان 2 و7 من نفس المادة، حيث تبيح الأولى "إقامة منشآت، بما في ذلك السدود، فوق الملك العمومي المائي... لتخزين أو تحويل المياه بهدف استعمالها لاسيما لإنتاج الطاقة الكهرومائية أو لأغراض أخرى" وتسمح الثانية ب "استغلال وتدبير المنشآت العامة والمائية كالسدود وقنوات تحويل المياه"، مما يعني الشرعنة لتفويت المنشآت المائية التي يتم بناؤها من جيوب المواطنين والمواطنات إلى الخواص للاستفادة من أرباحها في إطار نظام الامتياز واقتصاد الريع؛
· تعدد الإحالات ( 73 إحالة) في القانون 15- 36 على القوانين التنظيمية، التي لم تخرج للوجود لحد الساعة رغم العمل بتنفيذه منذ غشت 2016، ودون تحديد آجال لإصدارها، سيؤدي لا محالة إلى تجميد العديد من المواد المرتبطة بها،
· هذا القانون يمكن اعتباره في نفس الآن تراجعيا نسبة إلى القوانين الاستعمارية التي جعلت من الماء قطاعا عموميا غير قابل للخوصصة والتفويت، ومنها القانون (ظهير شريف) الصادر سنة 1914 والمعدل بظهيرين سنتي 1919 و 1925 والذي يمنع من أن تكون المياه، مهما كان شكلها أو مصدرها، موضوع تملك خاص. كما هو في نفس الوقت استمرار للسياسة الاستعمارية التي كانت تسعى إلى نزع الأراضي ومصادر المياه من الملكية الجماعية للقبائل وجعلها ملكا للدولة لتسهيل خوصصتها وتفويتها للعائلات النافذة. ويمكن اعتباره كذلك المرحلة الأخيرة من المخطط الذي يسعى إلى وضع اليد على كل الثروات والموارد الطبيعية.
إن استفحال الوضع، سواء بسبب قلة التساقطات المائية أو بسبب سوء التدبير وغياب إرادة سياسية واستراتيجية تعنى بالسياسة المائية وغياب عقلنة سياسة الري وخوصصة منابع المياه وتسليعها، رافقته العديد من التحذيرات المبكرة التي تلقتها الدولة دون أن تعيرها الاهتمام الواجب.
وهكذا، فإن منظمة الأمم المتحدة أولت أهمية قصوى للموضوع حيث جعلت من سنة 2013 سنة للمياه، كما اعتمدت المدة الفاصلة بين سنتي 2018 و 2028 عقدا دوليا للعمل تحت شعار "الماء من أجل التنمية المستدامة". كما أولى المجتمع المدني المغربي، ومن بينه الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عناية خاصة أثناء متابعته للشأن الحقوقي والبيئي، وأوصى في العديد من المحطات والمناسبات بالاستجابة لمطالب السكان الذين يحتجون على ندرة الماء وعلى الاستغلال البشع للفرشة المائية لصالح الضيعات الفلاحية التي تستهلك كميات كبيرة من المياه من أجل زراعة دخيلة موجهة للتصدير في مناطق تعاني شح المياه الصالحة للشرب. وعوض أن تنظر الدولة في جوهر المشكل وتنصت لشكاوى المواطنين والمواطنات ونداءات المجتمع المدني، جعلت من القمع وسيلة لإخراس الأصوات التي تخرج للتظاهر مطالبة بالحق في إطفاء الظمأ الشديد، كما كان نصيب سكان زاكورة على سبيل المثال، حين تم اعتقال 24 من المشاركين في الاحتجاجات السلمية فيما بات يعرف ب" ثورة العطش" سنة 2017، بتهمة "التجمهر والانخراط في مسيرة غير مرخص لها". هذه التحذيرات جاءت حتى من المؤسسات التابعة للدولة نفسها، كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي أشار، في تقريره لسنة 2014، إلى خطورة ندرة المياه وسوء التدبير، وأوصى بعقلنة استغلال الموارد المائية وتثمينها...،
إن المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهو يتابع باهتمام بالغ وبقلق شديد ما يعاني منه المواطنات والمواطنون من ندرة المياه، يذكر بمواقفه المعلنة في مناسبات سابقة والتأكيد على أهميتها وراهنيتها وملحاحيتها ويعلن ما يلي:
1- تشبثه بالدفاع عن حق الإنسان في بيئة نظيفة صحية ومستدامة، ويضم صوته إلى كل المدافعين والمدافعات عبر العالم عن العدالة المناخية وضد كل المقاولات المنتجة للغازات الدفيئة، سعيا لضمان العيش والبقاء للأجيال القادمة، وللتوازنات المناخية، على اعتبار أن التلوث البيئي سبب رئيسي في الاضطرابات التي تعرفها التساقطات المطرية؛
2- مساندته كل القرى والبوادي وكل المناطق، التي تعاني شح المياه، في حق التظاهر والاحتجاج السلمي للتعبير عن حاجاتهم في الماء وفي حقهم في نصيبهم من كل الثروات، التي تزخر بها بلادنا، ويعبر عن مؤازرته لكل ضحايا القمع الممنهج الذي يستهدف إسكات وإخضاع المواطنين والمواطنات وإذلالهم والمس بعفتهم وأنفتهم و أصالتهم؛
3- يستنكر خوصصة وتفويت وتسليع منابع المياه، ويندد بالسياسة الفلاحية المتبعة التي تعطي الأولوية للزراعة التصديرية، كالبطيخ الأحمر والأفوكاتو وغيرهما، التي تستنزف الفرشة المائية على حساب الحاجيات الملحة للمواطنين والمواطنات من المياه والاكتفاء الذاتي من الحبوب والقطاني والخضر المستهلكة محليا؛
4- يؤكد على ضرورة الاستثمار في محطات تحلية مياه البحر واستغلال هذه الثروة المائية التي تتوفر عليها بلادنا، وعلى أهمية تصفية المياه العادمة لاستعمالها في سقي المناطق الخضراء والملاعب الرياضية والمواقع السياحية...؛
5- يدعو الدولة إلى الكف عن سياسة القمع ووضع حد للمنع والتضييق على الحق في التظاهر السلمي وإلى الاستجابة للمطالب المشروعة للسكان وإلى حقهم في الماء الضروري والكافي لحياتهم، وإلى الاستثمار في كل ما يخدم الإنسان وفي مقدمته حاجته للماء، والتخلي عن الاستثمار في التسلح والمقاربة الأمنية لصالح الأمن المائي والغذائي.
المكتب المركزي
بتاريخ 8 أكتوبر 2022

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق