جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

أدعى خلود...خلود مختاري

 أدعى خلود، أفترضتُ طيلة حياتي أنني مواطنة مغربية، تحاول أن تحظى بالمساواة مع باقي المواطنين في الحقوق كما في الواجبات، فتحت عيني وقلبي على الحركة التقدمية في بلادنا، انتميت إليها بقناعة التغيير وإحقاق العدالة وباقي القيم الإنسانية، واتخذتُ من ذلك نمطا للعيش بالرغم من العراقيل التي تقف أمام إمكانية وجوب ذلك أمام الفكرة نفسها.

جنسي أنثى، انتماء جنساني وهوية أعي خطورتها في مجتمعنا جيدا، ولقد دفعت ثمنها من صحتي ونفسيتي كثيرا، وبمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء، اخترت أن أتشارك والذمم الصافية، والمواطنين الأحرار الذين يرفضون الظلم على أي كان، "بعضا" مما قد تعيشه امرأة كانت فقط في وضعية وقوف أمام إعصار من الظلم والتسلط والشطط في استعمال هذا التسلط ضدها وضد أسرتها.
قبل اعتقال زوجي، والذي كان رئيس تحرير لجريدة أخبار اليوم، كنتُ أُبلغُ برفض أعمالي لصالح للإذاعات المغربية كرد فعل على أنني أقربُ سليمان، تجاوزت الأمر، وصرت أضع مشارعي بشكل عادي وأتلقى دائما رفضا بطرق ملتوية، كان سليمان آنذاك وبالرغم من يحدث يُتحف العالم بافتتاحيات محترمة، توقفت عن العمل، دون أن أُشعر سليمان أني فقدت جزء من حياتي وشخصيتي (الكتابة)، لأنه أيضا يدخل في اختياراتي، ولم نشتكي قط لأي كان، بل تفرغت لكتابة فلمي الطويل والاستشارات. كنا خلال تلك المرحلة نتوصل بمقالات حاقدة من طرف الجرائد التابعة للأجهزة الاستخباراتية تنهال على أسرتنا بالسُباب والشتيمة ولم نتكلم ولم نشكو ولم نعلن أننا تضررنا.
عند اقتراب موعد ولادتي لابني هاشم، قبل يوم بالتحديد، طرق باب بيتي عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، يطلبون مني مرافقتهم لمقرها، شرحت لهم أنني سأضع ابني في اليوم التالي، وأنني كأي امرأة اقترب وقت ولادتها، أعاني مخاضا كبيرا، وطلبت منهم أن يؤجلوا ذلك إلى ما بعد ولادتي، تدخل عناصر الفرقة الوطنية، وأجابوا بالرفض، وبأن لهم تعليمات باصطحابي معهم، رفضت بدوري، لأن وضع الصحي لا يسمح بذلك، خصوصا وأن النتائج الطبية، تفيد أن الجنين لم يتحرك لمدة يومين في بطني ودقات قلبه ضئيلة جدا. لم أكن أعرف أن الحقد على سليمان سيصل جميع المقربين منه بلا رحمة، فعلا ذهبت إلى المستشفى، لكن تحت ضغط رهيب من اتصالات البوليس، كنت أرد وأنا في قاعة تهييء النساء للولادة وكانت بجانبي ممرضة شابة، تقول لي: مدام عطيني داك التليفون، لأنني كنت أرتجف والجنين في حالة اختناق تُضهرها آلة خاصة بتحديد وضعية الأجنة. كنت مستعدة للولادة الطبيعية، واشتغلت على الأمر بشهور قبل ذلك، لكنني تفاجئت بالطبيب يخاطبني بلهجة شديدة: شوف ا بنتي، غادي تهبطي لقاعة العمليات، وضعك لا يسمح نهائيا بالمغامرة" سلمت هاتفي للممرضة، وفعلت ما قال الطبيب وأنا في حالة انهيار من شدة البكاء، وأنني من شدة القهر، كنت أخاطب نفسي وأنا في طريقي إلى العملية الجراحية، وأقول: "على هذا الطفل أن يرى العالم، بالرغم ما يفعلون"، بعدها بدقائق انخفض ضغط دمي وفقدت الوعي فوق سرير غرفة العمليات. لكن بعد يومين، عاودت اتصالات البوليس والمطالبة بقدومي لمقرهم، وكان ذلك غير ممكن وقد طلبت منهم المجيء إلى المستشفى للاستماع إلي، رفضوا، واستمر ذلك، إلى انتهى بشكل كارثي، لأن بعد أيام من آخر اتصال بي من طرفهم، تم اعتقال هاجر الريسوني، وخلال تلك المحنة، عاودوا الاتصال بي بينما كان ابني في يد أقاربي وأنا منشغلة بسجن هاجر وزياراتها الأسبوعية.
كنت أعي، أن الفظاعة التي مورست في حقي، كان الهدف منها إخضاع سليمان لأكبر ضغط ممكن حتى يتوقف عن الكتابة، ويغادر جريدة أخبار اليوم ويحدث أن يصبح الرجل ما يريدون، لكنه رفض، وأتمم مسيرته، وعند استهداف الجريدة ماديا، ناقش معي أنه سيتخلى عن راتبه لصالح عملاء وموظفين داخل الجريدة بسبب الأزمة المالية، ولم يكن لدي أي مانع خصوصا وأن منهم من كان يمر بظروف قاهرة ولديه التزامات مالية اتجاه أطفاله وبيته، وقد دبرنا الأزمة بكثير من المودة والمحبة، وباحترام كبير زاد اتجاه سليمان. وقد قال لي ذات عشية: خلود، أنا لن أتراجع عن الدفاع عن قضايا الوطن، أنا أمارس حريتي في التعبير، وعليك أن تستعدي للصواعق". ولم تمر السنة حتى أصبحت أعيش محنة اعتقاله، وبعد أن كان هو الهدف غدوت أنا، وأن صبيب الأحقاد اتجه نحوي بالرغم من أن من يقود كل هذا، يعرف أن سليمان رفض الاغتناء من الصحافة، ويعلم جيدا أن باعتقاله سيُدمر أسرة وقد يكون مصيرها الشارع.
بعد اختطاف سليمان، وبعد فضيحة الهجوم على بيتنا ومحاصرته لأيام وجري لمقر ولاية الأمن، وصلتني رسائل تقول " احملي ابنك وغادري، إن ما حدث مع سليمان لن ينتهي بالاعتقال فقط، الظلم في بدايته فقط والآتي أسوء"، أجبت بكلمة واحدة "سأبقى"، أجاب المصدر " هادي راها دولة ا خلود، ماشي جمعية، انفذي بجلدك أنت وهاشم".
لقد التزمت الصمت لمدة عشرة أشهر كان خلالها سليمان في مرحلة التحقيق، والذي لم يحقق شيئا، لكنه ترك سليمان في الجناح العقابي لسجن عكاشة في زنزانة انفرادية، عندما تهطل الأمطار، يغرق فيها وتفسد كتبه وجرائده، ويُترك لأسابيع بدون دواء، وتحت حراسة مشددة على الرغم من أنه الوحيد المتواجد في الجناح، فضلا عن أنه ممنوع من الكلام حتى مع الموظفين والحرس، ومحروم من الفسحة الجماعية… إلى أن أضرب عن الطعام حتى كاد يموت داخل زنزانته.
ما كتبت أعلاه، حكايات عرضية فقط، فما كل شيء يُقال، هناك أشياء من شدة قسوتها، الكتابة لن تداويها، لكن بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء، أريد أن أوضح ما يمارسه الرجل على المرأة من عنف، يمكننا أن نناضل من أجل أن يتحسن بالقانون ونرافع من أجل أن يصبح قانونا، وتلتزم به الدولة، ومؤسساتها على رأسها القضاء، لكن المعارك التي تكون فيها حالة كتلك التي أعيشها، تصمتُ أغلب ممثلات الحركة النسائية لأنهن يعرفن أن الموضوع ليس بين معركة بين امرأة ومجتمع ذكوري، بل هي معركة دولة ضد امرأة، وأن الدخول فيها مغامرة عواقبها ستكون وخيمة جدا، لهذا تتخذ وضعية السكون أمام ذلك.
في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء ، إلى من سألجأ في نظركم؟
-عندما تعرضت للاضطهاد من طرف موظفون سامون، ومسؤولين داخل مؤسسات الدولة، وأنني ما أزال عرضة للإساءة من طرف رجال المخابرات الذين اتخذوا من مهنة الصحافة واجهة للتشهير بي وتهديدي وسبي وإهانتي، لمن سأشتكي عندما كاد مدير السجن أن يسحلني أرضا لأنني أبحث عن زوجي المختفي والمضرب عن الطعام، ومن سيوقف الديبلوماسيين عن الكذب عندما يتكلمون عني أمام الغرب ليقنعوهم أن المغرب جنة فوق الأرض لا ظلم فيها ولا طغيان، لمن سألجأ عندما تم تهديدي بالاغتصاب على مرأى ومسمع النيابة العامة، وعندما يخرج محامون وغيرهم وينهالون علي وعلى زوجي بسباب حاقد عقابه السجن ؟!
"وهذا شيء من حتى".
بمناسبة هذا اليوم أتضامن مع النساء ضحايا العنف الجسدي والنفسي واللفظي، وأتضامن مع النساء اللائي استعملتهن الدولة، لأنها تكيل في مسألة النساء بمكيالين، تستعمل من لهم هشاشة اجتماعية ونفسية ضد المعارضين، وتتستر على من أجرموا في حقهن، ويُخضعن من يقلن لا للاضطهاد.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *