جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

رسالة من عمر بنجلون إلى المحجوب بن الصديق

الأخ المحجوب، الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل


للمرة الثانية، يتم اختطافي وتعذيبي في أحد الأقبية.
الأولى وقعت يوم 20 دجنبر 1961 على الساعة الواحدة والنصف صباحا. كان ذلك بمناسبة الإضراب العام الذي قررته فيدراليتنا الوطنية للبريد، إضرابا كان ناجحا باهرا للاتحاد المغربي للشغل، كما عنونت جريدة «الطليعة».
اختطفت من طرف عصابة خاصة تابعة للسلطة الفيودالية، هذه الأخيرة قررت العملية عندما اقتنعت بأن الإضراب فعلي. كان لابد لها من مسؤول. رأس ثعبان تمارس عليه انتقامها الأخرق. وكان لي شرف هذا الاختيار.
أقول شرف. لأن قناعتي الراسخة هي أن الطبقة العاملة تشكل الطليعة الطبيعية في الكفاح الفعلي والملموس الذي يجب أن يخاض ضد الفيودالية والبورجوازية والامبريالية.
وهذه المرة، لا أستطيع للأسف، أن أتحدث ( تماما) عن شرف، فباسم الطبقة العاملة تعرضت في واضحة النهار، للاستفزاز من طرف مسئولين في الاتحاد المغربي للشغل، أمام أنظار حراس الاتحاد المغربي للشغل وحياد متواطئ من طرف الشرطة، وتعرضت للضرب واللكم ونقلت إلى قبو.
تعرضت في ظرف 12 ساعة لثلاث حصص من التعذيب تجاوزت وحشية كثيرا ما تعرضت له السنة الماضية، لأن الأمر في المرة الأولى كان مجرد تهديد.
تصرف أخرق كذلك أصر على أن أحكي تفاصيله. أتوجه إليك بصفتك الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل الذي انأ احد مناضليه، كما أنني أحد مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي أنت احد قادته الذين رسموا «توجهه وعقيدته».
اسمح لي أن اعتبر بأن الأمر يتعلق بخطأ آخر يرتكب باسم الاتحاد المغربي للشغل والطبقة العاملة. وأن أذكرك بالأسباب العميقة التي تقف في رأيي وراء كل هذه الأخطاء. كل هذا التعبير عن «متمنيات» فيما يخص المستقبل (الذي يهمني بالمقام الأول).
اسمح لي أن أواصل الاعتقاد بأنك لم تشك أبدا في رغبتي الصادقة في خدمة الطبقة العاملة. طليعة الطبقات الشعبية في كفاحها ضد استغلال الفيودالية الاستعمارية.
اسمح لي أيضا أن آمل أنك سترى في هذه الرسالة، تعبيرا عن الألم الذي أحسه لأنني قدمت وعوملت كعدو للطبقة العاملة.
واسمح لي أخيرا أن أعتبر أن الصمت في مثل هذه الظروف، سيكون خدمة موضوعية تقدم للنظام الفيودالي، الذي استفاد من الصمت الذي أحاط منذ زمن بعيد بالأخطاء المتراكمة.
وإليك أولا تفاصيل الإحداث، ثم الأسباب العميقة وراء هذه الممارسات وأخيرا بعض الخلاصات و«المتمنيات» بالنسبة للمستقبل.

تفاصيل الأحداث
لا يمكن أن نعزل ما وقع لي عن الأحداث التي وقعت لك (أنت أو مساعديك) مع فيدرالية البريد.
منذ 25 دجنبر، تاريخ انتخاب 8 مندوبين من البريديين بالرباط للمؤتمر (ومن بينهم أنا) لم تتوقف الأحداث.
تشبثت بتعيين المندوبين إلى المؤتمر، كما هي العادة، عبر أشخاص معينين. وبعد عدة محاولات، وجه إليكم المكتب الفيدرالي والمكتب المحلي للرباط وسلا وفودا ورسائل وبرقيات تعبر كلها عن تشبثها بمبدأ الانتخاب الديمقراطي للمندوبين إلى المؤتمر.
كل المندوبين القادمين من كل الفروع اجتمعوا يوم الجمعة ابتداء من الثالثة مساء ليقرروا في الموقف الواجب اتخاذه أمام صمت المركزية، وقرروا بالإجماع رفض تعيين المركزية للمندوبين والبقاء متضامنين مع الإخوة المنتخبين، خاصة معي شخصيا (بعدما أخبروا أن تواجدي انأ هو الذي يطرح مشكلا).
وكان آخر وفد معين قد عقد لقاء مع ممثلي المركزية (بينهم، عبد الرزاق، عواب وعمور)، وأخبر الوفد أنه فيما يخصني حتى وان كنت مندوبا، فإنني لن أدخل المؤتمر...
وقرر اجتماعنا الذي عقد بعد ذلك في الساعة العاشرة ليلا، بأن البريديين مجتمعين سيتوجهون إلى المؤتمر، وسيتحاشون الرد على أي استفزاز، وينتظرون حتى يتم قبولهم، كان مقررا أن نجتمع يوم السبت في الثامنة صباحا بالمقر المحلي للبريد بالدار البيضاء.
تجمع جزء من المندوبين، نبهت الإخوان، انه في انتظار وصول باقي الوفود، سأتوجه رفقة الاخ بلمليح لرؤية إن كانت الوفود قد بدأت دخول قاعة الاجتماع ، كانت الساعة حوالي 8 صباحا و20 دقيقة.
أوقفت سيارتي بشارع الجيش الملكي ومررت أمام قاعة الأفراح (دون أن أسير حتى فوق الرصيف). وعند عودتي الى سيارتي، وجهت التحية للاخ عمروق، وهو بريدي متفرغ بالمركزية، الذي بدأ يتهمني «بالتآمر» و«بالتشويش»... وصفع الأخ بلمليح.
كان رد فعلي الوحيد هو أنني أخذت الأخ بلمليح إلى السيارة عندما تلقيت عدة لكمات من طرف عنصر كان متواجدا جدا بجانب عمور (كاتب نقابة البتروليين، الذي تمت ترقيته الآن إلى عضوية المكتب الوطني للاتحاد المغربي للشغل). وبيما كنت أتعرض للاستفزاز (وهو اختصاص يتقنه عمور) واصلت طريقي دون أن أرد بأي فعل. ومن بين الحاضرين تعرفت، الى جانب عمور وعمروق، على عواب (الشبيبة العمالية، المديوني (القطاع الخاص) وبوشعيب الريفي (الضمان الاجتماعي).
ولكن العنصر الذي هاجمني في المرة الأولى التحق بي مجددا وجرى نحو عمور، وأثرت انتباه هذا المسؤول الى ما كان يجري أمام عينيه. في هذه اللحظة بالذات، صدر الأمر بصوت مرتفع «أمسكوه»، حملتني عصابة من 6 إلى 7 عناصر نحو قبو قاعة الأفراح.
عند الوصول، كان «الأمر الصادر» هو عدم ضربي. ولكن بعد حوالي 20 دقيقة، وتحت اشراف شخص يدعى قويدر، تعرضت لمدة نصف ساعة للضرب بالأيدي والأرجل في جميع أطراف جسدي. كانت العملية تتوخى إجباري على «الاعتراف» بأنني أنتمي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب. وأمام إصراري، تم تقطيع ملابسي بآلة حادة وفي نفس الوقت كنت أتعرض للتهديد بتشويه وجهي.
هذه الحصة الأولى من التعذيب انتهت عندما جددت التأكيد على انتمائي الى فيدرالية البريد التابعة للاتحاد المغربي للشغل، وأعلنت بوضوح أنهم لن يستطيعوا أبدا إرغامي على تأكيد الانتماء لا إلى الاتحاد العام للشغالين بالمغرب ولا إلى أي منظمة معادية للاتحاد المغربي للشغل.
تم اقتيادي إلى عمق القبو، وأعطي الأمر بعدم التحدث إلي، تلتها حصة أخرى من الضرب (كانت قصيرة) كانت الساعة تشير إلى حوالي 10.
«حراسي» جلبوا لي وجبة ساندويش وبعض الماء، بل إن أحدهم اشترى لي سجائر.
حوالي الساعة الرابعة بعد الزوال، حضر مسؤول نقابي صحبة اثنين من بين الحراس الذين ضربوني. أوضح لي أنه لولا تدخل المسئولين، لتم اختطافي وأوضح لي أنه لا يجب أن ألوم إلا نفسي و«الذين أرسلوني».
أجبت أنني لست مشاغبا، ورد علي بأن« شارع الجيش الملكي هذا اليوم في ملك العمال الذين لا علاقة لهم بالسياسة ولا يعرفون إلا الخبز، وأضاف أن العمال لا يعرفون لا البصري ولا الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بل يعرفون فقط المحجوب وما يقرره» ووصف مرجعياتي لفيدرالية البريد بأنها «تحليلات على طريقة الزيتوني» ورغم أنه يمكن لفيدرالية البريد أن تذهب إلى الاتحاد العام للشغالين بالمغرب.
حوالي الثامنة والنصف ليلا، أخذوا مني أوراقي التي أعادوها إليَّ على الفور. ثم انطلقت حصة جديدة من اللكم والرفس والضرب بالهراوات. تمت سرقة النقود التي كانت معي وكذلك ساعتي. هذه الحصة من التعذيب كانت فيما يبدو لي، بمبادرة من أكثر الحراس وحشية، كان يريد الاستيلاء على حاجياتي.
بعد عشر دقائق، تم اقتيادي أمام باب القبو، ونصحوني بعدم التحرك. ولكن بعدما اكتشفت عدم وجود أية حراسة، انصرفت معتقداً أنني هربت، في الواقع فهمت فيما بعد بأنه:
ـ دقائق بعد ذهابي، تم استقدام بعض من طرحوا المشكل، إلى القبو «ليتأكدوا» بأنني لم أكن هناك.
ـ أصدقائي مندوبي البريد رغم أنهم ابتعدوا على الجانب الآخر من شارع الجيش الملكي، تعرضوا للهجوم بعدي حوالي 10 و 30 دقيقة، ولم ينجوا (حتى من تدخل الشرطة) سوى بانحسار مرور السيارات في الشارع.
ـ عراب قدمني أمام الملأ كعميل للأمريكيين جاء لنسف المؤتمر، وذلك لإذكاء حماس من كانوا يحملونني الى القبو (عراب الذي أكد شخصيا أنه كان متفقا معي إيديولوجيا).
ـ جميع رفاقي في البريد، قدموا للطبقة العاملة وللمندوبين الأجانب كعناصر استفزازية تابعة للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، وللشرطة كعناصر موجهة من طرف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
ـ بعض المسئولين النقابيين كانوا يعطون الموافقة الأولية للشرطة (التي لم تتدخل في أية لحظة).
هذه هي الوقائع الثابتة. عنف لا اسم له مع حياد متواطئ من الشرطة ثم السب البذيء، وأخيراً السب الرسمي من طرفك أنت من منصة المؤتمر ضد فيدرالية البريد والحركات التقدمية في هذا البلد (وخاصة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية)،الذي تنتمي أنت ونائبك عبد الرزاق لأمانته العامة.
وهذا العنف الذي مورس ضد البريديين ذنبهم الوحيد أنهم ظلوا متشبثين بمبدأ الانتخاب الديمقراطي للمندوبين إلى مؤتمر الاتحاد المغربي للشغل الذي تشكل فيدرالية البريد «حصنه» حسب قولك.
أود أن أنبه أنني أفضل عدم الرد على مزاعمك المتعلقة بعدد البطائق التي بيعت بالرباط والاشتراكات التي دفعت (هذا سيقودنا الى قضايا «شخصية») لماذا كل هذا؟
حتى وإن لم تعد بحاجة للبريديين (كما قلت)، حتى وإن كنت قد قررت الاستغناء عن «المدرعات» وكنت قد دخلت في مرحلة نزع السلاح، فإن ذلك لن يكفي لتفسير مثل هذه الأساليب غير السلمية.
لا أقول بأنك قررت شخصيا تنفيذ هذه العملية، ولكنها تمت بأمر وبحضور مسئولين في المكتب الوطني للاتحاد المغربي للشغل الذين كانت لهم كل المبررات ليعتقدوا أن لهم الضوء الأخضر وواجب عدم ترك الفرصة تمر.
وسيكون من التفاهة تصديق تأكيداتهم السابقة (وهي تؤكد الطابع المتعمد للعملية) ولأن المستقبل هو الذي يهمنا يتعين استغلال هذه الأحداث لتحليل الأسباب العميقة للمرض.
في الواقع لم يكن حضوري في المؤتمر مرغوبا فيه، لم يكن مرغوبا في حضور البريديين الذين يقدمونهم موجهين من طرفي، لم يكن مرغوبا كذلك في حضور العديد من مناضلي فيدراليات أخرى للاتحاد المغربي للشغل أو بعض الاتحادات المحلية.
لم يكن مرغوبا في تواجد هؤلاء لأن هناك تخوفا من طرح وجهة نظر هؤلاء المناضلين الصادقين حول:
- الدور الطليعي الذي يجب أن تلعبه الطبقة العاملة في حركة التحرير
-ضرورة ممارسة الديمقراطية الداخلية من أجل الحفاظ وتطوير وحدة الطبقة العاملة على أسس ثورية.
- خطر التحييد السياسي للطبقة العاملة والتقوقع البسيكولوجي والسياسي الذي يحاول البعض إقامته بين الطبقة العاملة وباقي الطبقات الشعبية.
- الخطر المحدق بوحدة وقوة الاتحاد المغربي للشغل، الخطر الناتج عن بعض الممارسات التي أضعفت كثيرا قتالية النقابات التي أصبحت في بعض الحالات هيئات للمنع الممنهج للإضرابات، أو فقط مجرد هيئات شكلية في خدمة بعض المصالح الشخصية.
تعرف جيدا وجه النظر هذه ومن يدافع عنها لمصلحة الطبقة العاملة والاتحاد المغربي للشغل. لم تحاول أبدا أخذ ذلك بعين الاعتبار على العكس تعتقد أن ذلك موجه ضد شخصك كان لك دائما رد فعل دفاعي قادك إلى التغطية إن لم يكن تشجيع كل الذين كانت مصالحهم وارتباطاتهم تعطيهم كل الأسباب لمحاربة التقدميين.هذا العداء المتجذر والذي يتم تشجيعه وتنظيمه إلى أن يتحول إلى نسف من داخل الحركات التقدمية، خلق دوامة التضامن الواعي واللامشروط بين جميع هذه العناصر التي تلتقي مصالحها.ولكن كيفما كانت السوابق والمعرفة التي اعتقد أنني اكتسبتها عن الجهاز وأساليبه، لم أكن أتصور لحظة أن هذه الدوامة بلغت هذا الحد والى هذه الأساليب التي لا نستطيع حتى وصفها بالفاشية، أساليب موجهة ضد فيدرالية بأكملها.وربما هنا يكمن خطئي الحقيقي، هل علي ألا ألوم إلا نفسي؟ (كما أوضح لي ذلك المبعوث الذي حضر إلى القبو)،لا، لأن شخصي، في كل الأحوال، لا يهم في هذه القضية.
انأ انتقد (ونحن كثيرون في ذلك) سياسة وعقلية سمحت تدريجيا بإقامة جهاز يتشكل من عناصر، اعتقد أن بعضهم لم تعد له أية روابط لا اجتماعية ولا إيديولوجية ولا عاطفية مع الطبقة العاملة.أن أنتقد (ونحن كثيرون في ذلك) أساليب لا تشرف منظمة عمالية أنتمي إليها، أساليب ما كانت لتقع إلا لأن لاشيء وقع من أجل الخروج من دوامة الممارسات المزدوجة، والغبية التي لا تشكل كلمات «عمال» ، «خبز»، «سياسيين» «متطرفين» «يساريين» سوى ذرائع تستعمل حسب ظروف ومصالح «النظام».
أنا انتقد (ونحن كثيرون في ذلك) العداء المتواصل ضد الوطنيين والتقدميين الصادقين الذين أظهروا صلابتهم والسلاح في أيديهم ضد الاستعمار أو الذين هم مثلي مناضلون شباب التحقوا حديثا بالكفاح ضد الفيودالية والبورجوازية والامبريالية (التي تخدم «الجهاز» و«الدوامة» التي ذكرت موضوعيا مصالحها. هذه هي الممارسات التي انتقدها.
أما مؤتمرك، مؤتمركم لن يحل شيئا في الجوهر، فتشكيلته، وتوجهه، وقراراته... كل ذلك ليس سوى نتاج جديد «للدوامة» التي يستفيد منها البعض ويكون البعض ضحيتها (مؤقتا).
فالدور الطليعي للطبقة العاملة حتمي، والتاريخ الكوني وبعض المؤشرات التي تظهر منذ مدة داخل الطبقة العاملة المغربية تؤكد ذلك.
وجهت إليك هذه الرسالة لأقول لك كل هذه الأشياء، هذا الحادث كان مناسبة لكتابتها بالحبر على الورق مع «متمنياتي» بالنسبة لسنة 1963 وهي كالتالي:أمل إلى ما أسمته خلاصاتي بالنسبة للمستقبل (الذي وحده يهمني)
- أتمنى أن يقوم كل واحد بالتصحيحات الضرورية بإعطاء المفاهيم الثورية كل محتواها الحقيقي، بدل استعمالها مناسباتيا كذرائع في خدمة التشهير والتجريح.
أتمنى أن تنتصر الحكمة والتبصر في آخر المطاف لتحاشي أن يصبح كل واحد سجينا لدوامة أطلقها بنفسه أو أن يستسلم أكثر فأكثر للأمر الواقع.
أتمنى بالخصوص أن تكون هذه الرسالة مساهمة في تصحيح بعض الأخطاء حتى لا يمنع أي شيء الطبقات الشعبية تحت قيادة الطبقة العاملة من التحرر من قهر الفيدرالية والاستعمار والانخراط بأسرع ما يمكن في بناء الاشتراكية.
أتمنى أخيرا ألا يكون كل ما سبق، مرة أخرى محسوب على ما يمكن أن يكون لدي (ولدى آخرين) من «انتهازية» و«تطرف» و«يسارية»... أو فقط «نذالة».
مع كل إخلاص لقضية الطبقة العاملة وللاتحاد المغربي للشغل ولكل الحركات التقدمية.


عمر بنجلون


 هكذا حول المحجوب بن الصديق النقابة إلى ما يشبه المافيا


كان سلوكه سبب العديد من الانشقاقات التي عرفها الاتحاد المغربي للشغل
سليمان الريسوني
فاتح ماي 2013.. مشهد غير مألوف على منصّة الاتحاد المغربي للشغل في شارع الجيش الملكي في الدار البيضاء: عبد الكبير طبيح وكمال الديساوي، عضوا المكتب السياسي لحزب «الاتحاد الاشتراكي»،
يجلسان جنب الميلودي موخاريق وباقي أعضاء الأمانة الوطنية للنقابة التي ظلّ الاتحاديون طيلة أزيد من 35 سنة يصفونها بالبيروقراطية والبورصوية والمافيوزية... يصعد الميلودي موخاريق إلى منبر الخطابة، يَحتدّ صوته وهو يتحدّث، ككل سنة، عن أعداء الطبقة العاملة وعن الاتحاد المغربي للشغل «الذي ظل دائما ينادي بوحدة الطبة العاملة»... لكن موخاريق لم يتحدّث هذه السنة (2013) عن الانتهازيين، الذين شقوا عصا الطاعة على النقابة الأم، وساهموا في شرذمة وإضعاف الطبقة العاملة، في إشارة إلى الاتحاديين، الذين خاضوا صراعا مريرا مع المحجوب بن الصديق و«عصابته» -كما كانوا يسمونها- لينتهىّ الصّراع بتأسيسهم نقابة «الكنفدرالية الديمقراطية للشغل» في 1978.
«مافيا الاتحاد المغربي للشغل»
نحن الآن في يوم 20 دجنبر 1961. السّاعة تشير إلى الواحدة والنصف زوالا. كان ذلك بمناسبة الإضراب العامّ، الذي قررته الفدرالية الوطنية للبريد، لمّا تعرَّضَ القيادي الاتحادي البارز عمر بنجلون للاختطاف والتعذيب. بهذا الصّدد، يقول بنجلون في رسالة وجّهها إلى المحجوب بن الصديق، زعيم نقابة «الاتحاد المغربي للشغل»: «اختطفتُ من طرف عصابة خاصة تابعة للسّلطة الفيودالية، هذه الأخيرة قررت العملية عندما اقتنعت بأنّ الإضراب فعليّ. كان لابُدّ لها من مسؤول. رأس ثعبان تمارس عليه انتقامها الأخرق.. وكان لي شرف هذا الاختيار». يتهم بنجلون بشكل مباشر في رسالته من كان يصفه ب«الجناح البيروقراطي» بالوقوف وراء تنفيذ عملية اختطافه وتعذيبه، بقوله في الرّسالة نفسها: «هذه المرة، لا أستطيع للأسف، أن أتحدث (تماما) عن شرف، فباسم الطبقة العاملة تعرّضتُ في واضحة النهار، للاستفزاز من طرف مسؤولين في الاتحاد المغربي للشغل، أمام أنظار حراس الاتحاد المغربي للشغل وحياد متواطئ من طرف الشّرطة، وتعرّضت للضرب واللكم ونُقلت إلى قبو».
في الواقع كان هذا الحادث يُعبّر عن حجم الصراع الذي يخترق النقابة «المقربة» آنذاك من حزب «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية» بين جناح يدافع عن ارتباط النقابة بالحزب وجناح بقيادة المحجوب بن الصديق يؤكد أن دور النقابة الأساسي هو الدفاع عن «خبز» الطبقة العاملة وعدم خوضها في الشأن السياسي، بأيّ شكل من الأشكال، ما غذى اتهامات كان يوجّهها رفاق عمر بنجلون والمهدي بنبركة للمحجوب بنصديق ب«الارتماء في أحضان المخزن والتخلي عن هموم الطبقة العاملة».. هذا ما يعبّر عنه صراحة القيادي الاتحادي الطيب منشد حين يقول: «منذ ذلك الوقت اعتبرنا أنّ الجهاز الرّسمي للاتحاد المغربي للشغل أصبح جزءا لا يتجزأ من جهاز الدولة، لكن يمكن أن نقول إنّ إدارة هذا الصراع كان يتم في غياب أي خطة أو رؤية حزبية واضحة».
أما عبد الهادي خيرات فيقول في تصريح ل«المساء»: «لا يجب أن نقزّم الصراع الذي كان آنذاك في أنه كان دائرا بين عمر بنجلون والمحجوب بن الصديق، بل كان ذلك فقط أحدَ تمظهرات الصّراع داخل الحزب انعكس على النقابة»، مضيفا أنّ بن الصديق رفض دعم الحزب في انتخابات 1963 بعد اللقاء الذي جمعه مع مستشار الحسن الثاني، أحمد رضا كديرة، وهو ما يشير إليه في كتاباته المرحوم محمد عابد الجابري.. ولعلّ هذا ما جعل جريدة «الوضوح»، الناطقة بلسان رضا كديرة، تنوه بموقف «حياد» الاتحاد المغربي للشغل و«رزانة قيادته».
سيذهب بنجلون بعيدا في اتهام المحجوب بن الصديق ومن معه، حين سيصفهم ب«المافيا» في كتاب له بالعنوان نفسِه، أصدره عقب تقرير للمفتشية العامة للمالية رَصدت فيه اختلالات كبيرة في مالية النقابة. وقد اتهم عمر بنجلون المحجوب بن الصديق في كتاب «المافيا» بالسعي إلى تأسيس حزب من داخل الاتحاد المغربي للشغل و«اختلاس» أموال الطبقة العاملة وتحريف العمل النقابيّ عن أهدافه
بن الصديق يسيطر على النقابة
في سنة 1959، وقف المحجوب بن الصديق، عامل السكك الحديدية الذي أسنِدت إليه قيادة للاتحاد المغربي للشغل، يخطب وسط مئات العمال بمناسبة المؤتمر الثاني للنقابة، قائلا «إن العمل النقابي لا علاقة له بالشعوذة والديماغوجية والكذب، وليس، أبدا، وسيلة لتحقيق المطالب الشخصية». وأضاف المحجوب بن الصديق، الرّجُل الذي منح المغرب لقب «أقدم نقابيّ في التاريخ» (55 سنة على رأس النقابة) بمناسبة افتتاح المؤتمر الثاني أن «العمل النقابي هو المُرادف للنضال المعقول والصّبور وعدم البحث عن منافع، وهو كذلك الالتزام الشريف بالتحرّك من أجل خدمة مصالح الطبقة العاملة فقط».
كان هذا الخطاب أيامَ كان «الاتحاد المغربي للشغل» يضمّ كل أطياف المَشهد السياسي في المغرب، من حزب الاستقلال إلى الحزب الشيوعي، ويجلس فوق منصّته في فاتح ماي من كل سنة قادة تاريخيون من قامة المهدي بن بركة وعبد الله إبراهيم.. شيئا فشيئا، بدأ المحجوب يقترب من «حاشيته» ويبتعد عن العمال.. وبدأ كبار حاشيته يصنعون، بدورهم حواشيهم. وشيئا فشيئا، أيضا، لم يعد بن الصّديق يعبأ لانتقادات واحتجاجات «الحركة الإصلاحية» والصحافة الوطنية والدولية، التي كالت له من النعوت: «الامبراطور، الديكتاتور، الحاكم بأمره».. بل خط لنفسه مسارا انبنى على أنّ النقابة هي الزعيم والزّعيم هو النقابة، والويل والتبور لمن يقف بينهما.. مطالبا بالديمقراطية والمحاسَبة. فكيف وصل بن الصّديق إلى زعامة «الاتحاد المغربي للشغل»؟
حاز المناضل النقابي الطيب بن بوعزة خلال المؤتمر التأسيسيّ للاتحاد المغربي للشغل سنة 1954 ثقة المُؤتمِرين، الذين انتخبوه لمنصب الكاتب العامّ بدلا من مُنافِسه المحجوب بن الصديق، الذي عارض نتيجة الانتخابات واعتبرها غيرَ مقبولة، ودعمه في ذلك عبد الله إبراهيم، في حين عارضه كل من المقاوم إبراهيم الروداني وغيره، ممن طالبوا باحترام نتائج الانتخابات.. ولحسم الموقف طرِح الخلاف على رجال المقاومة، ولعب المحجوب بن الصديق وعبد الله إبراهيم دورا بارزا في استغلال ورقة الصراع بين المقاومة واللجنة التنفيدية لحزب الاستقلال، واتُّهم الطيب بن بوعزة بميله الى قيادة الحزب، التي اتخدت موقفا مُعاديا من الإبقاء على المقاومة المسلحة.. وفي فبراير 1956 عُقد اجتماع في منزل المقاوم الحسين بلعيد بناء على دعوة من محمد البصري للنظر في هذا النزاع. وحضر هذا الاجتماعَ كلٌّ من الطيب بن بوعزة، المحجوب بن الصديق، إبراهيم الروداني، محمد الصديق الإبراهيمي والتباري، وكان أغلب الحاضرين ضد المحجوب بن الصديق، الذي عاتبوه على «تسابُقه» على منصب الكاتب العامّ.. إلا أن تهديدات المحجوب بن الصديق بالانشقاق ومساندة حزب الاستقلال له أجهضت كل محاولة للتسوية بناء على نتائج الانتخابات، وحفاظا على وحدة الطبقة العمالية ونزعا لبذور الانشقاق في صفوفها تم إسناد الكتابة العامّة للمحجوب بن الصديق شيئا فشيئا، بدأت بعض القطاعات تأخذ لنفسها موقعا على يسار قيادة الاتحاد المغربي للشغل، فبعد نجاح الإضراب العامّ الذي نفذته «الجامعة الوطنية للبريد»، كما تشير إلى ذلك رسالة عمر بنجلون، بدأت قيادة الاتحاد المغربي للشغل في مراقبة هذه الجامعة، كما قامت قيادة «ا. م. ش.» بتطويق جامعة البريد وضرْب تيار الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (مجموعة عمر بن جلون) ليحتدم الصّراع في شهر نونبر 1962 بين مجموعة المحجوب بن الصديق وعمر بن جلون بمناسبة التهييء لعقد المؤتمر الثالث للاتحاد المغربي للشغل. وفي يناير 1963، اتخذت قيادة الاتحاد قرارا بتجميد الجامعة الوطنية للبريد و طرْد قيادييها من الاتحاد وحلّ أجهزتها القيادية وتعيين لجنة مؤقتة لتمثيل قطاع البريد، وقد أرسل نائب الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل محمد عبد الرزاق برقية إلى وزير البريد لإخباره بذلك. ولمواجهة هذا الوضع انعقد اجتماع المجلس الوطني للجامعة الوطنية للبريد يوم 9 نونبر 1963، وتقرَّرَ تأسيس إطار قانوني مستقل للمشاركة في انتخابات اللجن الثنائية، وفعلا تم تأسيس الجامعة الوطنية لمُستخدَمي البريد كنقابة مستقلة عضويا عن الاتحاد المغربي للشغل
الانشقاق الأول داخل الاتحاد المغربي للشغل
لفهم الإنشقاقات التي عرفتها أول نقابة وطنية في المغرب، لا بُدّ من الرجوع الى البيئة التي خرجت من رحِمها نقابة الاتحاد المغربي للشغل، والتي تزامنت مع قرب جلاء الاستعمار، وتحول مقاليد السيطرة إلى المؤسسة الملكية آنذاك، كما يقول الرّاحل أبرهام السرفاتي في كتابه «الصّراعات الطبقية بالمغرب».
فلم تكن طبيعة النظام الذي كان سائدا في المغرب من ثلاثة قرون، والقائم على تحالف «البرجوازية الحضرية» والإقطاعية داخل القبائل الخاضعة للسلطة المركزية، يسمح بالصراع الطبقي أو «أدلجة» العمل النقابيّ، حيث وضعت الحركة الوطنية الصّراع الاجتماعيَّ في المرتبة الثانية بالنسبة إلى الصراع الوطني.. ورغم الاهتمام بالطبقة العاملة، فإنّ إيديولوجيا الأحزاب الوطنية رفضت مفهوم صراع الطبقات، وهو ما وصفه أحمد بلافريج في 1933 بأنّ «البروليتاريا، الرأسمالية والبرجوازية، بالنسبة إلينا كلمات مُستورَدة لا معنى لها»..
هذا ما يفسّر إصرار المحجوب بن الصديق على «فصل النقابي عن السياسي»، ودعوته إلى أن يبقى الاتحاد المغربي للشغل مُستقلا عن أي حزب من الأحزاب، وإلى الحفاظ على ما يشبه الاستقلالية في العمل النقابيّ، غير أنّ حزب الاستقلال فسّر الأمر على أنه انحياز إلى الجناح اليساري الذي انشقّ عن الحزب لتأسيس «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية» سنة 1959
لم تكن حينها قد مرت أكثرُ من خمس سنوات على تأسيس الاتحاد المغربي للشغل، حتى انشقّ التيار اليساريّ بزعامة المهدي بنبركة عن حزب الاستقلال، وردّاً على انحياز الاتحاد المغربي للشغل للحزب الجديد، بدأت قيادة حزب الاستقلال -بزعامة محمد الدويري- ربط اتصالاتها ببعض العناصر النقابية «الغاضبة» على قيادة الاتحاد المغرب للشغل، بهدف تأسيس إطار نقابيّ بديل أعلن عنه في 20 مارس 1960 تحت اسم «الاتحاد العام للشغالين بالمغرب».. وكان لقرار الانشقاق هذا أثرٌ كبير على المحجوب بن الصديق، الذي قابله بمعارضة كبيرة، ترجمها بالدعوة إلى إضراب عامّ يوم 25 مارس 1960 ضدّ ما أسماه «النقابات الصفراء، الإنشقاق الثاني ضربة أخرى لم تنجح في الإطاحة بالزعيم رغم مساهمة المحجوب بن الصديق في تأسيس الحزب اليساري الجديد آنذاك «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية» فإنه سرعان ما بدأت الخلافات داخل الحزب تتنامى بين التيار النقابيّ، بزعامة المحجوب بن الصديق، الذي كان يرى ضرورة تحييد نقابة الاتحاد المغربي للشغل عن النضال السياسي، وبين عناصر حزبية يقودها المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد وعمر بنجلون، الذين كانوا يعتبرون النقابة وسيلة أساسية للضغط على النظام عن طريق الرّفع من حدة الضغط الاجتماعي للحصول على تنازُلات كبرى؛ غير أنّ العلاقة بين الجناح النقابي والجناح السياسي تأزّمت بعد إلغاء إضراب 1961، الذي خلّف استياء كبيرا وسخطا واسعا، حيث أعلنت جامعة موظفي وعمّال البريد عدمَ موافقتها على إلغاء الإضراب، مما سيُعرّض عمر بن جلون للاختطاف والتعذيب على يد من أسماهم -في ما بعد- عناصر من «الجهاز البُورْصَويّ» المحسوبين على المحجوب بن الصديق سرعان ما سيتحول هذا الاختلاف في وجهات النظر وتعريف العمل النقابي الى صراع سياسي سيبلغ مداه، عندما ظهر الخلاف الأول حول الانتخابات التشريعية والبلدية لسنة 1963. عن ذلك يروي القيادي الاتحادي محمد اليازغي في مذكراته كيف أنّ «قيادة الاتحاد المغربي للشغل قرّرت ألا يشارك أعضاؤها في الانتخابات التشريعية لماي 1963 وألا تدعم مرشحي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية»، حتى تسهّل الأمر على جبهة الدّفاع عن المؤسسات الدستورية، التي أسسها أحمد رضا كديرة بتوجيه من الحسن الثاني، حيث «سينجح في دائرة بنمسيك في الدار البيضاء، وهي دائرة عمالية، في حين قرّرت أن تقوم بإعداد مشاركة منفردة في الانتخابات البلدية والقروية ليوليوز 1963. مباشرة بعد ذلك سينطلق رفاق المهدي بنبركة في التهييئ للانفصال عبر تأسيس نقابات قطاعية مُستقلّة عن الاتحاد المغربي للشغل، كالنقابة الوطنية للبريد والمواصلات والنقابة الوطنية للتعليم والنقابة الوطنية للفوسفاط والنقابة الوطنية للشّاي والسكر والنقابة الوطنية للسّككيين والنقابة الوطنية للصّحة العمومية.. وبرزت على الساحة النقابية عدة تنظيمات، ورغم تناسل المُنشقّين عن النقابة الأم فإنّ «الزّعيم» بن الصديق ظلّ متمسكا بزمام وزعامة النقابة، التي باتت توصف «بنقابة الزّعيم» بعد إرسائه نظاما وُصف «بالبيروقراطي» داخل النقابة، بسبب إصراره الدائم على أنْ يبقى الاتحاد مستقلا عن أي حزب من الأحزاب أمْلت الظرفية التي كان يشهدها المغرب، منذ أواسط الستينيات، على العمل النقابي أن يتماهى مع الظروف السياسية للبلاد، في ظلّ احتدام الصراع بين النظام والمعارضة، والذي لعب فيه العمال دورا كبيرا، سرعان ما سيتحول الى دور مُكمّل، بعد انشقاق «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» عن الاتحاد الوطني سنة 1975.. وهو ما سيُتوَّج باتخذ قرار تأسيس نقابة جديدة تكون قاعدتها الأساسية هي النقابات الوطنية، التي عقدت أول ندوة من أجل التشاور وإبداء الرّأي، ختمت بتشكيل لجنة تحضيرية بقيادة عبد الرحمان شناف، إلى جانب الكتاب العامّين للنقابات الوطنية، وأصدرت نداءا يوم 16 يوليوز 1978 تشرح فيه أسباب الانفصال ودواعي التأسيس وكان المُستهدَف حينها هو المحجوب بن الصديق مباشرة، حيث دعت النقابة الجديدة «الكونفدرالية الديموقراطية للشغل»، الطبقة العاملة إلى «الالتفاف حول الجنة التحضيرية» من أجل قطع الطريق أمام من أسمتهم «الانتهازيين والسّماسرة والمُتخاذلين الذين فصَلوا النضال النقابي عن النضال الوطني التحرّري»، ممّا أدى -حسب رأيهم- إلى «عزل الطبقة العاملة وتهميشها في السّاحة المغربية واضمحلال الكثير من المكاسب النقابية»، لذلك وجب التفكير في تأسيس إطار جديد «موحَّد وديمقراطي مفتوح لجميع العمال، كيفما كان اتجاههم السياسي أو العقائديّ. إطار مبني على حق الأعضاء في اختيار المسؤولين وفي التقرير والتوجيه العامّ الذي سيسير عليه». وخرج المؤتمره التأسيسي، الذي عقد في مدينة الدار البيضاء يومي 25 و26 نونبر 1978، بقيادة محمد نوبير الأموي، ليقدّم النقابة الجديدة باعتبارها «مركزية عمالية جماهيرية تقدّمية ديمقراطية مستقلة»، سرعان ما ستدخل في صراع مباشر مع النقابة الأمّ «الاتحاد المغربي للشغل» من «نقابة الزّعيم» الى «نقابة بوسْبرديلة. بعد اغتيال عمر بنجلون سنة 1975، يحكي الطيب منشد، أحد أبرز مؤسّسي الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، كيف أنّ «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عمد الى تشكيل لجنة عمالية تضمّ خيرة مناضليه وأطره وكفاءاته آنذاك، ومن مختلف القطاعات الحزبية.. أذكر منهم محمد اليازغي، محمد الحبابي، عبد اللطيف المانوني (المستشار الملكي حاليا) أحمد بنجلون، حبيب المالكي، محمد الفاروقي ومحمد بوزوبع، محمد مشبال، نوبير الأموي، عبد الهادي خيرات، محمد جسوس، عبد الرّحمان بوبو».. وهي اللجنة التي أوضح المُتحدّث ذاته أنها كانت تشتغل بتوجيه مباشرمن عبد الرحيم، وحدت مهامّها في تأطير النقابيين الاتحاديين في مختلف القطاعات والمساعدة على تأسيس نقابات وطنية في القطاعات غير «المُنقَّبة» استعدادا لتأسيس البديل النقابي المُرتَقب وبينما يبدو تربّع نوبير الأموي، الذي أطلق عليه وزير داخلية الحسن الثاني، إدريس البصري، تهكما، لقب «بُوسْبرديلة»، على رأس النقابة الجديدة لحظة تأسيسها، مُجرّدَ صدفة، يكشف عبد الهادي خيرات، أحد اعضاء النواة المؤسسة، ل«المساء» أنه «لما تعفّف المرحوم البوزيدي عن تولي رئاسة النقابة، نطق خيرات موجّها كلامه للأموي: «عْلاشْ ما تكونشْ أنتَ؟».. فإن جريدة «الديمقراطية العمالية»، «المحرر» قدّمته للرّأي العام عقب انتهاء المؤتمر وانتخابه، في مقدّمة حوار معه، فوصفته ب«ذي الوجه المستدير، والشّارب الكثيف، والجسم الممتلئ، ذاك هو محمد الأموي (41 سنة) الكاتب العامّ للكونفدرالية الديمقراطية للشّغل، والذي لم يفقد أي شيء من أصوله الفلاحية.. يحدُث له أن يستشهد بماركس، رغم أنه لم يتعلم الصّراع الطبقي في الكتب»..
كما قالت عنه الجريدتان، أنه «كان رجل تعليم في بداية الاستقلال، ثم أصبح مفتشا في التعليم بعد 10 سنوات. لقد ناضل محمد الأموي أولا في صفوف المركزية النقابية (الاتحاد المغربي للشغل) والتي كانت آنذاك المنظمة الوحيدة للشغيلة المغربية. وكان من بين الأوائل الذين حاربوا سياسة «السلم الاجتماعي» التي مارستها القيادة (قيادة المنظمة). وقد ساهم بشكل فعَّال في تنشيط النقابة الوطنية للتعليم، العمود الفقري للكونفدرالية الديمقراطية للشغل»، وفق ما أورده شعيب حليفي في كتابه المذكور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *