تحية إلى رفاق الدرب * عبدالناصر بنوهاشم
تحية إلى رفاق الدرب *
عبدالناصر بنوهاشم
رفاق الدرب الطويل. رفاق المحنة التي لا تريد أن تنتهي. مرت لحظته أربعون سنة، بالتقويم الشمسي، عن تلك الليلة التي حصدتكم فيها آلة القمع الأعمى. كان ذلك يوم 12 أبريل 1976. كنت على موعد مع محمد الرحوي، الرفيق المسؤول علي تنظيميا، فتغيب.
ولا معنى للغياب غير أنه وقع بين مخالبهم.
التجأت إلى منزل الصديق والرفيق مولاي ادريس، قرعت الباب مرارا، لكنه كان صامتا صمت الزنزانة. وفُتح باب الجيران، وخرجت منه طفلة صغيرة السن. كانت تنظر إليّ ثم تلتفت إلى الوراء، وسمعت صوت امرأة خلف الباب تقول ما معناه: قولي له أن يبتعد، فقد أتى البوليس، وأخذوا صاحب البيت.
فردّدت المسكينة ما قيل لها، والذعر في عينيها البريئتين لن يكون غير خوف من كانت وراء الباب.
تمتمت شاكرا. استدرت لأغادر المكان، وحدستُ عدّة أعين تراقبني. أحسست بالنهاية. ارتفعت دقات القلب حدّ أنني كنت أسمعها. تماسكت وغادرت المكان محاولا أن لا أجري. رفعت عيناي، فرأيت البقال المجاور يضع يده فوق جبينه راسما علامة كاب وهو ما يعني البوليس، ثم يشير إليّ بيديه الاثنين أن اهرب.
استطعت الإفلات تلك الليلة. لكن في الغد. وقعت في المصيدة التي شراكها وضعت منذ مدة. ألحقوني بالكومبليكس، حيث التقيتكما أنتما ومحمد النظراني وعبد الرحمان قونسي، وأحمد السعداني وكثيرون. كانت الأعمار تتراوح بين 15 سنة و22 سنة.
أتذكرون رفاقي حين حذر أحد المسؤولين عن الكومبليكس الحراس، قائلا لهم : إنهم أخطر من حملة السلاح لأن سلاحهم في قلوبهم.
انتهى الكلام. ذنبنا أن في قلوبنا سلاح، وعي، رأي. أو لنقل كُفر. كٌفر بالظلم، بالقهر. كفر بالسياسات "الحكيمة" التي أغرقت البلد في الفساد، كُفر بالديمقراطية المفترى عليها التي لا تقبل غير الرأي الوحيد الأوحد.
ولأننا كفرنا أدّينا الثمن من شبابنا من زهرة أعمارنا. ولأننا كفرنا أدى الثمن آباؤنا وإخوتنا.
فتحية لكم جميعا رفاق الدرب وما أكثركم عددا. وتحية وسلام إلى رفيقي وأخي وصديقي، محمد الرحوي، الذي يقاوم المرض بصلابة مقاومة الجلاد، وهو من لم تنقطع معاناته منذ الإفراج. وتحية إلى رفيقي الفنان، محمد النظراني، الذي يصارع الزمن بأنفة قلّ نظيرها، وإلى صديقي مولاي ادريس الحريزي، في مأساته اللامتناهية. وإلى العزيز عبد الرحمان قونسي الذي كان بجانبي دوما يؤازرني ويرفع معنوياتي كلّما أصابها الوهن.
لقد مرّت يا أصدقاء المحنة الطويلة أربعون سنة على اختطافنا، فماذا عساي أنا لكم قائل. فأنتم تعرفون أن الفجر لا محالة قادم، وأن الغيم وإن كان كثيفا فهو في يوم قريب لا بد زائل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق