الاتحاد المغربي للشغل.. عندما يتعايش النضال و«الاختلال» الاتحاد المغربي للشغل أمام منعطف
الاتحاد المغربي للشغل أمام منعطف
بعد وفاة زعيم بيروقراطية ا.م .ش وجدت هذه النقابة نفسها أمام محطة حاسمة في تاريخيها. فقد عرى المحجوب بغيابه، مأزق المشروع النقابي الليبرالي الذي ظل تحت حماية تسلط بيروقراطي مسنود بقمع مخزني. فهل ستنجح بقايا البيروقراطية في إعطاء نفس جديد للمشروع النقابي الليبرالي بعد أن أتبث التسلط البيروقراطي فشله؟
إن نجاح البيروقراطية يتوقف إلى حد كبير، ولأول مرة في تاريخ هذه النقابة، على دور وسلوك اليسار النقابي الديمقراطي: هل سيبرز اليسار النقابي كقوة نقابية مستقلة عن البيروقراطية مدافعة عن مشروع نقابي ديمقراطي ومستعدة لمعانقة طموحات وتطلعات الشغيلة، آم سيتخلف عن الموعد، والتضحية باستقلاليته ومصداقيته وأمل قطاعات واسعة من الشغيلة والقوى المناضلة؟
إن المسالة تتجاوز حدود المشاركة من عدمها في الأجهزة التي ستنبثق عن مؤتمر بعيد كل البعد عن مؤتمر ديمقراطي لمنظمة عمالية. نحن أمام خياران لا ثالث لهما: إما الدفاع عن مشروع نقابي ديمقراطي في خذمة الشغيلة بغض النظر عن مواقعنا داخل النقابة وإما الاندماج في المشروع النقابي الليبرالي المعادي لمصالح الشغيلة مهما كان حجم مقاعدنا داخل أجهزة تسييره وتدبيره.
لناخذ الدرس من تجربة ك.د.ش. فقد تخلف اليسار النقابي الديمقراطي عن الفعل في المنعطفات الحاسمة التي مرت منها هذه النقابة، ليس بسبب ضعفه العددي، فقد كان يحضى بالأغلبية في نقابة التعليم والبريد والمالية ويتمتع بتأثير لا باس به في العديد من القطاعات، بل بسبب تنازله عن استقلاليته مقابل وهم تحسين مواقعه وتعزيز قواه من داخل أجهزة تتحكم البيروقراطية بكل مفاصلها، لتكون النتيجة النهائية هي احتواء العديد من أطره ومناضليه وتدمير مصداقيته ونسف قاعدة تأثيره.
فهل سيكون مستقبل اليسار النقابي الديمقراطي داخل ا.م.ش هو نفس المصير الذي آل إليه داخل ك.د.ش؟ نحن نعتقد أن المصير سيكون أكثر سوء في حال تخلفه عن خوض معركة الاستقلالية إزاء البيروقراطية وانسحابه الطوعي من معركة الدفاع عن مشروع نقابي ديمقراطي بديل عن المشروع النقابي الليبرالي. إن المساومات مع العدو البيروقراطي ممكنة، بل ضرورية اذا كانت ستضعفه وتكبله وتقيده أمام الشغيلة، لكن كل مساومة يكون ثمنها تنازل اليسار النقابي الديمقراطي عن استقلاليته وحقه في التعبير والتنظيم وتخليه عن المشروع النقابي الديمقراطي هو انتحار سياسي.
وعلى عكس ما قد يعتقده بعض الرفاق، بان المرحلة والوضع الداخلي لايسمحان لليسار النقابي الديمقراطي بالإقدام على خطوة جريئة وان من الأفضل التوحد مع البيروقراطية حول هوية الاتحاد وإرساء حد أدنى من التسيير الديمقراطي للأجهزة، نعتقد أن الدفاع عن الهوية التقدمية للاتحاد وإرساء الديمقراطية الداخلية، هي معركة ككل المعارك النقابية، لا يمكن كسبها بمساومة، بل فقط من خلال التدخل الواعي والمنظم للشغيلة. إن خوض معركة الهوية والديمقراطية تدور رحاها في القاعدة الجماهيرية للنقابة وليس في الأجهزة الفوقية للقيادة. ومن اجل كسب اليسار النقابي الديمقراطي لتعاطف القاعدة الجماهيرية في معركة الهوية والديمقراطية، لا بديل له عن الدفاع عن سياسة نقابية وإستراتيجية نضالية تسمح للشغيلة بتحقيق انتصارات جزئية، لكن حقيقية، في معاركها اليومية من اجل مطالبها وحقوقها، أي الدفاع عن سياسة نقابية وإستراتيجية نضالية بديلة عن سياسة وإستراتيجية البيروقراطية التي قادت الشغيلة إلى الاستسلام دون معارك أمام الهجوم الرأسمالي.
وهل تختزل ازمة الهوية والديمقراطية ازمة الحركة النقابية المغربية ؟
ازمة الحركة النقابية هي ازمة مشروع نقابي
إن ازمة الحركة النقابية المغربية لا يمكن أن تختزل في مظاهر الهوية والتبقرط والتبعية السياسية والتعددية المصطنعة، بل هي ازمة مشروع نقابي برمته.
لهذا نحن ندعو، خلافا لبعض النقابيين الذين يحصرون مهام اليسار النقابي الديمقراطي في تجاوز مظاهر هذه الأزمة، النقابيين الديمقراطيين وخاصة اليساريين منهم إلى مواجهة الأسباب العميقة لازمة الحركة النقابية من اجل إعادة تنظيم الشغيلة وبناء منظماتها النقابية على أسس جديدة تسمح بالجواب عن:
- التحولات البنيوية التي عرفتها الرأسمالية ونظام اشتغالها، وأثار ذلك على بنية الطبقة العاملة ونشاطها المهني. إن هذه التحولات لها علاقة مباشرة بالقاعدة المادية والاجتماعية للعمل النقابي، وكل رؤية لا تأخذ بعين الاعتبار هذه التحولات لا يمكن أن تقود إلى تجاوز عجز الحركة النقابية عن مواجهة إستراتيجية الهجوم الرأسمالي.
- الاختيارات البيروقراطية القائمة على التكيف مع الرأسمالية الليبرالية والاندماج في المشروع السياسي للطبقة الحاكمة، وهي اختيارات تقف عائقا أمام نضالات الشغيلة وتكبل تنظيماتها وتدجن طلائعها.
نحن إذن أمام أزمة مشروع نقابي عاجز عن تنظيم الشغيلة وتوحيد مقاومتها، وليس فقط أمام ازمة تسيير بيروقراطي ن نحن إزاء ازمة تطال كل مرتكزات الحركة النقابية المغربية (الخط النقابي، الإستراتيجية النقابية، القاعدة الاجتماعية، الهوية السياسية والأفق الاستراتيجي العام).
لهذه الأسباب لا تختزل مهام اليسار النقابي الديمقراطي، من وجهة نظرنا، في تصحيح اختلالات تنظيمية جزئية ووقف انحرافات نقابية ظرفية. إن مهام اليسار النقابي الديمقراطي ليست هي إصلاح ودمقرطة المشروع النقابي البيروقراطي الليبرالي، بل مهامه هي إعادة بناء الحركة النقابية وتنظيمها على قاعدة مشروع نقابي ديمقراطي بديل.
إن تشخيصنا لازمة الحركة النقابية وتصورنا لمهام اليسار النقابي الديمقراطي لا يقودنا إلى الانسحاب من التنظيمات النقابية القائمة وتأسيس إطارات نقابية جديدة، بل يقودنا إلى التمترس الانغراس في صفوف الشغيلة المنظمة والعمل من داخل المنظمات النقابية كما هي، لكن ليس بهدف التكيف مع ازمة المشروع النقابي البيروقراطي والاندماج في أجهزة تدبيره، بل بهدف الدفاع عن مشروع نقابي ديمقراطي بديل، أي الربط بين عملنا النقابي المباشر والهدف الاستراتيجي للخروج من مأزق عمل نقابي دون أفق سياسي، ولتفادي احتواء الطاقات النقابية المناضلة وتدجينها في أجهزة البيروقراطية، بوهم تعديل موازين القوى إزاء البيروقراطية.
أما الخطط التكتيكية المباشرة لربط النشاط النقابي اليومي بالأهداف الإستراتيجية، فهي ككل التكتيكات قابلة للنقاش والحوار والتعديل والتصحيح حسب موازين القوى إزاء البيروقراطية وحسب مستوى نشاط ودرجة تعبئة وكفاحية الشغيلة نفسها.
الطور الحالي من تفكك المشروع النقابي البيروقراطي
مع مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي دخلت الحركة النقابية منعطفا جديدا، ستتبلور معالمه بشكل جلي من خلال محطة الإضراب العام (14 دجنبر 1990) والإضرابات القطاعية التي تلته (1993) وستكتمل المنعطف بشكل سريع مع الإضراب العام لسنة 1996.
على عكس إضرابات 65 و79 و81 لم تنته هذه الإضرابات بتعزيز قوة الحركة النقابية وتجذير خطها النقابي وتوسيع قاعدتها الاجتماعية، بل ستعرف الحركة النقابية سيرورة إضعاف وتفكك تدريجي. وقد مثل توقيع البيروقراطيات النقابية سنة 1996 على "ميثاق الشراكة" مع الدولة و أرباب العمل تحولا نوعيا في تاريخ الحركة النقابية المغربية. فبموجب هذه الشراكة ستنخرط البيروقراطية النقابية في تمرير الحرب الهجومية على المكتسبات الاجتماعية والحقوق النقابية للشغيلة، مقابل الاعتراف بها كشريك اجتماعي وماسسة تمثيليتها في مؤسسات النيابية والاستشارية من خلال آلية "الحوار الاجتماعي".
إن الأمر يتعلق بمنعطف سياسي نوعي هو، في نهاية التحليل، تعبير عن تطور نوعي في ازمة المشروع النقابي البيروقراطي.
وقد طرحنا سؤال ما العمل في إبانه، من خلال تنظيم عدة ملتقيات نقابية ديمقراطية للتداول في خطة تكتيكية لمواجهة هذا المنعطف النوعي، وهو ما قوبل بتجاهل مختلف فصائل تيارات اليسار، ففوتنا فرصة تدشين مسار نقابي بقيادة اليسار، ما نحين بذلك البيروقراطية فرصة التحكم بزمام المبادرة أوفاسحين المجال لتيارات غير عمالية (ليبرالية وإسلامية) لاحتواء قسم مهم من الشغيلة الباحثة عن بديل نقابي لتجاوز خيانة البيروقراطية لمصالحها.
إن اليسار النقابي الديمقراطي يتحمل جزءا من مسؤولية التفكك الفئوي والقطاعي والنزيف الذي عرفته الحركة النقابية بعد منعطف الاندماج البيروقراطي في المشروع الهجومي للطبقات الرأسمالية وخيانة مصالح ونضالات الطبقة العاملة.
وها نحن نعيد طرح السؤال من جديد على ضوء ازمة القيادة داخل ا.م.ش: هل يتمثل واجب اليسار النقابي الديمقراطي في تسريع وثيرة تفكك البيروقراطية لتحفيز سيرورة نقابية جديدة، أم يتمثل في مساعدتها على تدبير أزمتها لإضافة مزيد من القيود والفرصة الضائعة على مخاض ولادة مشروع نقابي بديل؟
الجواب واضح، على الأقل من منظورنا: الإعداد على كل المستويات لتسريع مخاض ولادة مشروع نقابي ديمقراطي بديل.
من اجل معارضة نقابية ديمقراطية مستقلة
تعترض مهمة إعادة بناء الحركة النقابية على قاعدة مشروع نقابي ديمقراطي كفاحي ومعادي للرأسمالية، عدة عوائق موضوعية وذاتية أهمها:
1- عنف الهجوم الرأسمالي وتعميق وثيرة هذا الهجوم مع تفاقم أزمة الرأسمالية وتصميم الطبقات السائدة على تحميل الشغيلة والطبقات الشعبية تكاليف الأزمة الاقتصادية، من خلال الإجهاز على كل المكتسبات الاجتماعية والديمقراطية والعودة عبودية الاستغلال دون قانون أو حقوق.
2- استمرار تسلط القيادات البيروقراطية على المنظمات النقابية وعدم توفراها على الرؤية أو الإرادة لمعارضة المشروع الهجومي للطبقات السائدة، واستعدادها لتقديم مزيد من التنازلات مقابل حماية امتيازاتها وتحصين وجودها كشريك اجتماعي للدولة والباطرونا.
3- ضعف مسلسل تجدد الطلائع والقوى النقابية وتعثر اليسار النقابي الديمقراطي في تجميع وتنظيم وتاطير الطاقات النقابية .
لكن مقابل هذه العوامل المعيقة، هناك شروط موضوعية تسمح لليسار النقابي الديمقراطي بالبروز كتيار مستقل قادرعلى تحفيز تشكل معارضة نقابية منظمة.
فالبيروقراطية النقابية، ليست فاقدة للهوية الطبقية والاستقلالية وللأفق الاستراتيجي فحسب، بل هي فاقدة للشرعية النضالية، بالنسبة لقطاعات واسعة من الشغيلة. كما أن الهجوم الرأسمالي واحتداد التناقضات الاجتماعية يدفع الشغيلة موضوعيا نحو البحث عن تنظيم نفسها وتوحيد مطالبها ونضالاتها، وهي تطلعات تتعارض مع تطلع البيروقراطية النقابية كشريك اجتماعي ملتزم بعدم الإخلال بالتوازنات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
في ظل هذه الشروط لم يعد مقنعا ولا مجديا تقييد النضال والممارسة النقابية ضمن الحدود الضيقة للمشروع النقابي البيروقراطي، أو الأسوأ من ذلك، الاصطفاف خلف هذه القيادة البيروقراطية بمبرر وحدة نقابية غير موجودة أو إصلاح مزعوم لمشروع نقابي بيروقراطي غير قابل للإصلاح.
إن الحاجة إلى خطوة جريئة من قبل اليسار النقابي الديمقراطي في اتجاه الاستقلال عن البيروقراطية و تشكيل معارضة نقابية منظمة، تبدو اليوم مسالة حياة أو موت بالنسبة للحركة النقابية ككل.
لذا نتوجه من جديد بندائنا هذا إلى كل النقابيين الديمقراطيين المعارضين للخط النقابي البيروقراطي، من اجل العمل على :
- تشكيل مجموعات نقابية مستقلة عن البيروقراطية وأجهزتها على المستوى القطاعي والمحلي مفتوحة في وجه كل النقابيين والعمال المعارضين للخط النقابي البيروقراطي.
- تنظيم ملتقيات نقابية ديمقراطية بهدف بلورة مشاريع خطط وبرامج عمل والتحضير لملتقى نقابي وطني .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق