في ذكرى رحيل المخرج عاطف الطيب، أحد أبرز فرسان مدرسة الواقعية الجديدة في السينما المصرية
في ذكرى رحيل المخرج عاطف الطيب، أحد أبرز فرسان مدرسة الواقعية الجديدة في السينما المصرية .. خلونا نتكلم شوية
عاطف الطيب صانع الروائع والدرر الخالدة، والذي له رصيد في تاريخ السينما يساوي 21 فيلم، منهم 3 في قائمة أفضل 100 فيلم مصري، وهي أفلام البريء وسواق الأتوبيس وحب فوق هضبة الهرم.
ولد الطيب لأسرة متوسطة، وعاش طفولته وصباه ومراهقته في حي بولاق الدكرور، حيث البيئة الشعبية، بمحاسنها ومساوئها، شاف الناس على حقيقتهم، أحوالهم ومعيشتهم، وعايشهم وتعايش معهم، شاف مشاكلهم وهمومهم، بيفكروا في أيه، بيتعاملوا في حياتهم ازاي، بيواجهوا الدنيا ازاي، أحلامهم شكلها أيه، طموحاتهم، أيه يفرحهم، أيه يحزنهم، باختصار كان واحد من الناس، عاش الواقع قبل أن يكتبه ويخرجه سينمائيًا !!
يُقال أن والده كان صاحب محل البان في الدقي، وكان هو في المرحلة الثانوية، وكان يساعد أبيه بتوزيع اللبن على الناس في البيوت، وقام بامتهان أعمال أخرى بسيطة في مرحلة مراهقته قبل أن يدخل معهد السينما في عام 1966.
يعني كان واحد من الطبقة المتوسطة بامتياز، إن لم يكن أقل كمان، شاهد وعايش كل الواقع الذي تحدث عنه!
دخل الجيش عقب نكسة يونيو، وحارب في أكتوبر 1973، وانتصر، وانتشى وفرح بالانتصار، لذلك نجد في كثير من أعماله إشارات لحرب أكتوبر المجيدة، ومعدن المصريين الحقيقي الذي تجسد في الحرب وتحرير الأرض.
عاطف الطيب جابها من تحت خالص، عمل مساعد مخرج، لفترة، وقبلها كان مخرج أفلام وثائقية قصيرة، وتدرج في مشواره حتى كانت بدايته الفنية بفيلم تحت عنوان "الغيرة القاتلة"، لكنه لم يحظ بنجاح كبير، ثم بعده ومع البداية الحقيقية التي أشار إليها بنفسه بعد ذلك في عام 1982، مع فيلم سواق الأتوبيس، مفضلي الثاني على الإطلاق، مع الممثل الذي أرتبط به كثيرًا، ورأى فيه نفسه، لذلك صنع معه 9 أفلام كاملة، ألا وهو الفنان نور الشريف، ابن حي السيدة زينب، الفنان المثقف الموسوعي مثل صاحبه ورفيق درب نجاحه عاطف الطيب.
كان عمره وقتها 35 عام، تخيل أول بداية حقيقية له كانت بفيلم من عيار "سواق الأتوبيس" .. الذي نجح فنيًا وقتها بشكل مذهل، ومن فرط روعته وحجمه الإبداعي، تم إدراجه في المركز الثامن في قائمة أفضل 100 فيلم مصري، وفي المركز 33 في قائمة أفضل 100 فيلم عربي.
- بعدها بسنتين 1984 عاد ليصنع واحدًا من أقوى أفلام الواقعية "التخشيبة" من بطولة أحمد زكي، وفي عام 1985 صنع فيلمه الشهير "الزمار" بطولة نور الشريف.
- أما في عام 1986 فكان على موعد مع التألق والوصول إلى سقف الإبداع في سينما الواقعية، فصنع تحفته الكبيرة "الحب فوق هضبة الهرم" عن قصة للنجيب المتفرد المحفوظ، ومن تمثيل صانع البدع في أفلامه أحمد زكي، ولم يكتف بهذا، بل قام بصياغة تحفته المتفردة "البريء" عن قصة لوحيد حامد، وتمثيل مفضله الأول في تجسيد إبداعه الواقعي المبدع أحمد زكي، ونجح الفيلمين فنيًا بشكل كبير، ومازالا عالقين في أذهان كل من يبحث عن درر السينما العربية، واحتل البري المركز 28 في قائمة أفضل 100 فيلم مصري، بينما احتل هضبة الهرم المركز 68.
- وبعدها بعام 1987 عاد ليصنع فيلمه الكبير أبناء وقتلة، من بطولة الكبير الراحل محمود عبد العزيز، وفيلم ضربة معلم عن سيناريو للكبير بشير الديك، ومن بطولة المبدع الراحل نور الشريف ومعه كوكبة من النجوم.
- وفي عام 1988 يصنع فيلمه المتميز "الدنيا على جناح يمامة" .. للمبدع محمود عبد العزيز.
- وبعدها بعام 1989، يعود ليضرب من جديد بفيلمين من الطراز المتفرد، وهما فيلم كتيبة الإعدام، عن سيناريو لإمبراطور الدراما أسامة أنور عكاشة، والذي أحدث نجاحًا فنيًا وجماهيريًا كبيرًا عند عرضه، وفيلمه الكبير الآخر "قلب الليل" عن قصة للنجيب والسيناريو لمن حمل شفرة تحويل أعمال النجيب لسيناريوهات درامية، الكبير محسن زايد.
- ثم في عام 1991 كانت هناك تحفته الإبداعية الكبيرة، فيلم "الهروب" والذي جسد بطل واقعيته فيه المبدع الراحل أحمد زكي، ليصنع شخصية "منتصر" الأسطورية، ويمتعنا بواحد من أرقى أفلام الواقعية "الطيبية" نسبةً إلى الطيب.
- ثم في عام 1992 يصنع ثلاثة أفلام أحدثوا ضجة ودويًا كبيرًا عند عرضهما، الأول هو "ناجي العلي" والذي منع من العرض، ثم الآخر فيلم "ضد الحكومة" من بطولة الكبير أحمد زكي، وأخيرًا فيلم دماء على الأسفلت عن قصة لملك الدراما الاجتماعية العربية أسامة أنور عكاشة.
عاطف الطيب هو أحد أباطرة الواقعية في السينما المصرية، بل هو صاحب درة تاجها، حيث أنه ومن خلال هذا المشوار الفني (القليل عددًا، والقصير عمرًا)، إلا أنه ارتبط اسمه بشكل مباشر ووثيق بمشاكل وهموم البسطاء والمهمشين وحقوقهم، ورؤيتهم للحياة، وحقهم في العيش.
لعب الطيب على العنصر البشري بشكل كبير في توصيل فكره، وعمل على ذلك بشكل مباشر يقترب من رؤية البسطاء، حيث استغل طاقات نجوم أفلامه، مثل أحمد زكي ونور الشريف ومحمود عبد العزيز، وصنع من أدائهم الراقي وسيلة تخاطب مثلى مع جميع فئات الجمهور البسيط، التي أراد توصيل صنيعه لها.
عاطف الطيب ظل 13 عام منذ 1982 وحتى 1995 يُخرج أفلام تمثل الواقع بمشاكله وهمومه بكل حرفية وصدق واتقان، صنع أعمال خلدت اسمه في تاريخ السينما، وجعلته المتحدث الرسمي للمجتمع الذي جاء منه وعاش به، القوام الحقيقي لأي شعب، الطبقة المتوسطة، بكل مفردات حياتها من أفراح وأتراح وضيق وسعة.
عاش 48 عام فقط، منها 13 عام إبداع لا ينضب، وإرث فني عظيم نعيش على وهجه حتى وقتنا هذا.
عاطف الطيب كان بيحب السينما بجد، بيعشقها بجنون، أخلص لها، حتى أنه يقال أنها هي التي أثرت على صحته كثيرًا، من فرط عمله وانشغاله بها ليل نهار.
من أجمل كلمات الوصف التي أُطلقت على الطيب ما قاله رفيق دربه نجاحه الفنان نور الشريف، حيث وصفه بأنه نجيب محفوظ السينما المصرية، حيث أن نجيب محفوظ هو ملك الأدب الاجتماعي وأدب الحارة، وعاطف الطيب هو ملك الواقعية الاجتماعية للحارة المصرية في السينما !
عاطف الطيب أحد أفضل المخرجين بالنسبة لي، وأعماله هي الأقرب لقلبي على الإطلاق
رحم الله عاطف الطيب.. ومن على شاكلته، الذين أمتعونا وصنعوا إبداعًا خالدًا متدفقًا لا ينضب أبد الدهر.
عاطف_الطيب
د. أحمد مروان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق