ظاهرة الانشقاقات والصراعات عند الحركة النقابية المغربية
ظاهرة الانشقاقات والصراعات عند الحركة النقابية المغربية
الفهرس
تقديم
ثانيا : الانشقاق الأول للاتحاد المغربي للشغل وتأسيس الإتحاد العام للشغالين بالمغرب
ثالثا : الانشقاق الثاني للاتحاد المغربي للشغل وتأسيس الكونفدرالية الديموقراطية للشغل
رابعا : الانشقاق الأول للكنفدرالية الديموقراطية للشغل وتأسيس الفدرالية الديموقراطية للشغل
خامسا : الانشقاق الثاني للكنفدرالية الديموقراطية للشغل وتأسيس المنظمة الديموقراطية للشغل
خامسا مكرر:الانشقاق الثالث للكنفدرالية الديموقراطية للشغل وتأسيس الكونفدرالية العامة للشغل2014
سادسا : انشقاق الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب وتأسيس الاتحاد النقابي للشغيلة المغربية؟
سابعا : قبل الختم
تقديم
تعتبر ظاهرة التشرذم والانشقاقات والصراعات من أهم مظاهر أزمة الحركة النقابية المغربية، فقد بدأت منقسمة على نفسها منذ اليوم الأول وهي اليوم أشد انقساما، فالإطارات النقابية متعددة داخل القطاع الواحد (التعليم نموذجا) وأغلبها تأسس بناءا على رغبة حزبية أو شخصية ضيقة، ليتوالى تأسيس النقابات الحزبية أو العمل على تحزب ما لم يتحزب منها. وقد اعتمدت في سبيل تحقيق ذلك كل الوسائل والأساليب الانقلابية المتسمة بالمعارك واحتلال المقرات واعتماد العنف والاستعانة بالمنحرفين والاتهام بالفساد المالي والأخلاقي ورفع الدعاوى أمام المحاكم
أولا : الخلاف الأول
يوم الأحد 20 مارس 1955، تأسست أول مركزية نقابية مغربية الإتحاد المغربي للشغل ، بمنزل رئيس اللجنة التحضيرية الطيب بن بوعزة، وبحضور 57 مناضلا نقابيا مغربيا من الذين سبق لهم أن نشطوا في فروع المركزيات النقابية الفرنسية التي كانت موجودة في المغرب، حيت صوت المؤتمرون على أعضاء اللجنة الإدارية، ثم أعضاء المكتب الوطني. فانتخب الطيب بن بوعزة أمينا عاما والمحجوب بن الصديق نائبا له، وقد اعتبر الأمين العام هذا اليوم "صفحة مجيدة في تاريخ الحركة النقابية
غير أن الواقع كان لم يكن كذلك، فقد روى محمد الصديق وهو من مؤسسي للاتحاد المغربي للشغل وعضو في أول مكتب وطني أن المحجوب بن الصديق انتقد قرار اللجنة الإدارية وأكد أحقيته بمنصب الكاتب العام بدعوى علاقاته الخارجية، فاضطرت اللجنة الإدارية إلى عرض الأمر على المؤتمرين الذين زكوا الطيب بن بوعزة من جديد في منصب الأمين العام بأغلبية ساحقة . فعمد المحجوب بن الصديق إلى تغيير النتيجة بعد تكليفه بإرسال التقرير إلى وكالة الأخبار برفقة محمد الصديق الذي يضيف قائلا لكن المفاجأة كانت عظمى ونزل الخبر كالصاعقة حينما نشرت وكالات الأخبار والصحافة الدولية في اليوم الموالي الخبر الذي ورد فيه أن المحجوب بن الصديق أمين عام عوض الطيب بن بوعزة. لقد عم القلق والغضب أوساط النقابيين الذين قرروا ما قرروه في جو حر وديمقراطي . وبعد الضجة القوية التي نتجت عما اعتبر تزويرا لجأ المحجوب إلى أسلوب المساومة والشانطاج فهدد بفضح المؤتمرين لدى سلطات الحماية إن لم يغلقوا ملف الأمانة العامة
في هذا اليوم التاريخي الذي اعتبره الطيب بن بوعزة صفحة مجيدة في تاريخ الحركة النقابية المغربية وفي هذه الأجواء وضدا على رغبة المؤتمرين، توافقت القيادة السياسية (اليسارية) على تنصيب المحجوب بن الصديق على عرش أول نقابة في تاريخ المغرب فماذا سيفعل الخلف؟ بعد هذا الذي فعله السلف؟
ثانيا : الانشقاق الأول للاتحاد المغربي للشغل وتأسيس الإتحاد العام للشغالين بالمغرب
بعد مرور خمس سنوات على تأسيس الاتحاد المغربي للشغل، و على إثر انشقاق التيار اليساري عن حزب الاستقلال وتأسيسه لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وردا على انحياز النقابة للحزب الجديد بل المساهمة الفعالة في تأسيسه. بدأت القيادة الاستقلالية بزعامة محمد الدويري الاتصال ببعض العناصر النقابية الغاضبة على قيادتها بهدف تأسيس إطار نقابي بديل اختير له اسم الاتحاد العام للشغالين بالمغرب وذلك يوم 20 مارس 1960
هذا الحدث كان له الأثر الأكبر على الاتحاد المغربي للشغل الذي قابله بمعارضة كبيرة ترجمها بالدعوة إلى إضراب عام يوم 25 مارس 1960 ضد ما أسماه بالنقابات الصفراء، حيت برزت على الساحة النقابية مباشرة بعد ذلك عدة تنظيمات نقابية؛ وبهذا يكون حزب الاستقلال قد دشن تقليدا جديدا في الحياة النقابية المغربية وهو ربط النقابة بالحزب بشكل مباشر.
الاتحاد العام للشغالين بالمغرب سوف لن يتعرض لانشقاقات كبيرة لكنه سيعرف انقلابين متتاليين على كرسي الكاتب العام.
الانقلاب الأول: تزامن مع متابعة عبد الرزاق أفيلال الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب من طرف القضاء المغربي حول مشروع الحسن الثاني بصفته رئيسا لجماعة عين السبع عام 1983؛ فقد تحالف حميد شباط (عمدة مدينة فاس) مع محمد بن جلون الأندلسي (نائب الكاتب العام) والعربي القباج وتيتنا علوي، ضمن ما أسموه بالحركة التصحيحية، للإطاحة بعبد الرزاق أفيلال من على عرش الكتابة العامة للاتحاد الذي تربع عليه مدة تجاوزت الأربعين سنة؛ حيت اعتبروا أن مرحلة تسييره للاتحاد العام للشغالين تميزت: بالتسلط والفردية في التسيير، من خلال "فبركة" الأجهزة وتعيين مكاتب على المقاس والمزاجية في القرارات والعشوائية والفساد في التدبير المالي للنقابة التي أصبحت في نظرهم ضيعة له ولعائلته؛ لم يقف الأمر عند هذا الحد فقد صرح حميد شباط الكاتب العام الحالي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب في حوار مطول مع جريدة المشعل: أن عبد الرزاق أفيلال كان مخبرا لإدريس البصري وعندما كنا نجالسه لاتخاذ قرار إضراب نقابي كان يتوصل بمكالمة هاتفية من طرف وزارة الداخلية... في وضعيته الصحية والعقلية الحالية لا نرى أية فائدة في إبقائه على رأس النقابة.... لهذا أكرر نصيحتي للسيد أفيلال بأن يعرض نفسه على طبيب نفساني لعلاجه
أما محمد بن جلون الأندلسي الذي تولى الكتابة العامة في المؤتمر الاستثنائي للنقابة يوم 29 يناير 2006، فقد صرح لنفس الجريدة: نعتبر عبد الرزاق أفيلال جزء من الفساد العام الموجود في المغرب، فهو يطرد من يشاء ويجلب إليه من يشاء، والمؤتمرات التي يعقدها هي عبارة عن مواسم سيدي أفيلال
لائحة الاتهامات الموجهة لأفيلال لن تقف عند هذا الحد بل إن خديجة الزومي عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام أضافت أن: عبد الرزاق أفيلال كانت له علاقة مشبوهة ببعض النساء، نجد مثلا أن السيدة كنزة الغالي كانت تقوم بأسفار خاصة وباستمرار على حساب مالية الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، أما السيدة صباح فقد أقامت مشاريع خاصة من صندوق النقابة، هذه باختصار بعض بؤر الفساد التي طبعت عهد أفيلال
الانقلاب الثاني: تزعمه حميد شباط (نائب الكاتب العام) للإطاحة بمحمد بن جلون الأندلسي الذي قضى ثلاث سنوات (فقط) كاتبا عاما للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، وقد كان يدفع في اتجاه تأجيل المؤتمر لأنه كان يعرف أنه أكل يوم أكل الثور الأبيض. نفس السيناريو سيتكرر هذه المرة والأشخاص الذين ساندوه في الانقلاب الأول هم الذين سينقلبون عليه، وسيرفعون في وجهه كما رفعا هو في وجه سلفه لائحة من الاتهامات: بالفساد وسوء التدبير والرغبة في الزعامة. فقد صرح حميد شباط الذي أصبح كاتبا عاما للاتحاد العام للشغالين بالمغرب في المؤتمر التاسع الذي انهي أشغاله يوم 1 فبراير 2009 لصحيفة المساء: كان الأندلسي الوحيد داخل المنظمة الذي يستعمل وسائل غير شريفة لمحاولة تأخير المؤتمر تبين أنه لم يرق لمستوى الكاتب العام ولذلك غلبنا مصلحة النقابة على المصلحة الذاتية للأخ محمد بن جلون. هناك شيكين بقيمة 30 مليونا و12 مليونا مكتوب عليهما بخط يد الأندلسي أن مبلغهما مخصص لشراء سيارة مسجلة في اسمه، وقد كنا نعتقد أنها من أمواله الخاصة فإذا بها تعود إلى أموال الطبقة العاملة. وفضلا عن ذلك فقد سجلت شخصيا أن العمال والموظفين لدينا في النقابة يقتطع لهم من أجورهم دون أن يصرح بهم بن جلون في الضمان الاجتماعي. الوحيد الذي يمكن أن أصنفه في خانة من هب ودب في المكتب التنفيذي هو بن جلون الأندلسي، أما بقية أعضاء المكتب فهم أطر مستواهم يفوق مستوى الأندلسي الذي اخترناه لمنصب الكاتب العام رغم أنه يعرف أنه لم يكن يحلم بهذا المنصب عن طريق المؤتمر يمكنني القول إن 99 % من مسئولي الجامعات ضاقوا ذرعا بالتصرفات الانفرادية للسيد بن جلون لأنه كل عام يطرد مكتبا وينشئ مكتبا جديدا
كما فعل مع خصمه السابق، فإن في جعبة شباط المزيد من التهم والحجج التي يبرر بها انقلابه على صاحبه فقد أضاف في تصريح لجريدة الصباح أنه: "رجل لا يتوفر على أسس صحيحة، وليس له فكر ثاقب أو مخطط للمستقبل، ولا يتوفر على النزاهة وليس نظيفا، ولم يقل أبدا للمكتب التنفيذي أنه يتوصل بدعم الدولة، ولم تكن مالية النقابة تخضع لتدبير دقيق وشفاف
ثالثا : الانشقاق الثاني للاتحاد المغربي للشغل وتأسيس الكونفدرالية الديموقراطية للشغل
بدأ الخلاف داخل حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بين التيار النقابي بزعامة المحجوب بن الصديق، الذي كان يرى ضرورة تحييد نقابة الاتحاد المغربي للشغل عن النضال السياسي، وبين عناصر حزبية يقودها المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد اللذان كانا يعتبران النقابة وسيلة أساسية للضغط على النظام وذلك عن طريق الرفع من حدة الضغط الاجتماعي للحصول على تنازلات كبرى. غير أن العلاقة بين الجناح النقابي والجناح السياسي تأزمت بعد إلغاء إضراب 1961. الذي خلف استياءً كبيرا وسخطا واسعا؛ حيث أعلنت جامعة موظفي وعمال البريد عدم موافقتها على إلغاء الإضراب، مما سيعرض عمر بن جلون للاختطاف والتعذيب على يد من أسماهم بعناصر من الجهاز البورصوي
بدأ التهييئ للانفصال عبر تأسيس نقابات قطاعية مستقلة عن الاتحاد المغربي للشغل، كالنقابة الوطنية للبريد والمواصلات والنقابة الوطنية للتعليم والنقابة الوطنية للفوسفاط والنقابة الوطنية للشاي والسكر والنقابة الوطنية للسككيين والنقابة الوطنية للصحة العمومية
وبعد انشقاق الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1975. اتخذ قرار بتأسيس نقابة جديدة تكون قاعدتها الأساسية هي النقابات الوطنية التي عقدت أول ندوة من أجل التشاور وإبداء الرأي ختمت بتشكيل لجنة تحضيرية بقيادة عبد الرحمان شناف، إلى جانب الكتاب العامين للنقابات الوطنية، وأصدرت نداءا يوم 16 يوليوز 1978 تشرح فيه أسباب الانفصال ودواعي التأسيس، حيث دعت الطبقة العاملة إلى "الالتفاف حول الجنة التحضيرية من أجل قطع الطريق أمام من أسمتهم بالانتهازيين والسماسرة والمتخاذلين الذين فصلوا النضال النقابي عن النضال الوطني التحرري، مما أدى حسب رأيهم إلى عزل الطبقة العاملة وتهميشها في الساحة المغربية واضمحلال الكثير من المكاسب النقابية؛ لذلك وجب التفكير في تأسيس إطار جديد موحد وديمقراطي مفتوح لجميع العمال كيفما كان اتجاههم السياسي أو العقائدي. إطار مبني على حق الأعضاء في اختيار المسئولين وفي التقرير والتوجيه العام الذي سيسير عليه"؛ لم يكن هذا الإطار سوى الكونفدرالية الديموقراطية للشغل باعتبارها مركزية عمالية جماهيرية تقدمية ديمقراطية مستقلة ، وقد عقدت مؤتمرها التأسيسي بمدينة الدار البيضاء يومي 25 و26 نونبر1978م
بقيادة محمد نوبير الأموي الذي سيصبح عضوا في المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1989م
رابعا : الانشقاق الأول للكنفدرالية الديموقراطية للشغل وتأسيس الفدرالية الديموقراطية للشغل
إن مسلسل الانشقاقات لن يتوقف عند هذا الحد بل سيتبع كل انشقاق سياسي انشقاق نقابي، هذه المرة وفي سابقة هي الأولى من نوعها في المغرب أسست نقابة الكونفدرالية الديموراطية للشغل (بقيادة كاتبها العام محمد نوبير الأموي ونائبه عبد المجيد بوزوبع وأغلب النقابيين المنسحبين من المؤتمر السادس لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ضمن ما سمي آنذاك بالحركة التصحيحية) حزبا جديدا هو المؤتمر الوطني الاتحادي في 21 أكتوبر 2001 حيث سينتخب عبد المجيد بوزوبع أمينا عاما له.
ويرجع أغلب المتتبعين بداية الانشقاق إلى المؤتمر الرابع للكونفدرالية الديموراطية لشغل الذي انعقد بمدينة العيون أيام 14 و15 و16 مارس 2001، أسبوعين قبل انعقاد المؤتمر السادس لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مما اعتبر عملية استباقية لتأمين مستقبل النقابة بتزكية المحسوبين على تيار الأموي في مراكز القرار الكونفدرالي وإزاحة التيار الموالي لليازغي.
توالت الأحداث لتنتقل من مجرد خلاف إلى صراع على المواقع انطلق مع أحداث أكدير؛ فحسب تقرير أعده المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديموقراطية للشغل يوم 17 فبراير 2002 "وصل عدد كبير من الأشخاص المنحرفين وذوي السوابق مدججين بمختلف الأسلحة البيضاء من سكاكين وسلاسل وقضبان حديدية وعصي وسيارة تحمل أكياسا من الحجر فبدأ الهجوم على المقر، وقد أصيب عدد من الحضور إصابات خطير فمنهم من كسرت رجله ومنهم من كسر أنفه ومنهم من أغمي عليه". وقد نشرت الصحافة الوطنية تفاصيل الأحداث موثقة حيث سعى كل طرف إلى اتهام الطرف الآخر، وقد انتقل الصراع إلى مواقع أخرى كتطوان وطنجة والرباط وغيرها من المدن؛ إلا أن الصراع الأبرز كان داخل النقابة الوطنية للتعليم حيث تم طرد عبد الرحمان شناف (جناح الاتحاد الاشتراكي)، ليرد هذا الأخير باللجوء إلى القضاء ويرفع دعوى استعجالية ضد عبد السلام بن صالح (جناح المؤتمر الوطني الاتحادي) باعتباره الداعي إلى مؤتمر استثنائي للنقابة الوطنية للتعليم
وفي تصريح لصحيفة "كازا بلانكا" حول أسباب الصراع قال عبد الرحمان الشناف: خلال كل مؤتمر كان المكتب التنفيذي والكاتب العام للكونفدرالية الديموقراطية للشغل يحاولون التدخل لفرض الأجهزة المولية لهم بهدف احتواء النقابات الوطنية وإصدار بلاغات باسمها بل وصلت بهم الوقاحة إلى تزوير خاتم النقابة الوطنية للتعليم. إن ما يستنتج من كل هذا أن الكاتب العام يسعى للاستيلاء والهيمنة على أجهزة الكونفدرالية وتحويلها إلى حزب كما يسعى إلى (مركزة) المقرات وبطاقات العضوية، وباختصار (مركزة) كل القرارات بيد المكتب التنفيذي والكاتب العام بصفة خاصة
أما عبد السلام بن صالح فقد رد قائلا "الفرق بيننا هو أن هناك جناحا يساند الحكومة بشكل أعمى، وجناحا يساند ما هو إيجابي ويتحفظ على ما هو سلبي. وعبد الرحمان الشناف يمثل الجناح الأول، فهو ليس سوى الأداة المنفذة لتعليمات يمليها عليه الطرف الآخر في أفق تأسيس مركزية نقابية بديلة عن الكونفدرالية الديموقراطية للشغل وستظهر لكم الأيام ذلك
لقد كان حدس الرجل صائبا حيث سيؤسس الاتحاد الاشتراكي يوم 4 أبريل 2003 نقابة الفدرالية الديموقراطية للشغل لكن الرجل لم يكن يعلم أنه سيتحمل مسؤولية الكاتب المحلي لنفس النقابة بمدينة طنجة بعد أن اختلف مع رفاقه في الكونفدرالية واستراح قليلا بالمنظمة الديموقراطية للشغل ليستقر بالفدرالية
خامسا : الانشقاق الثاني للكنفدرالية الديموقراطية للشغل وتأسيس المنظمة الديموقراطية للشغل
إن المؤتمر الوطني الاتحادي سيعرف بدوره انشقاقا آخر، حيث سيؤسس عبد المجيد بوزوبع القيادي الثاني في الكونفدرالية الديموقراطية للشغل، والذي يشغل في نفس الوقت مهمة الأمين العام للمؤتمر الوطني الاتحادي حزبا جديدا هو الحزب الاشتراكي ونقابة جديدة هي المنظمة الديموقراطية للشغل يوم 05 غشت 2006 بقيادة علي لطفي؛ وذلك بعد تقديمهم استقالتهم من اللجنة الإدارية التي انبثقت عن المؤتمر الوطني المنعقد أيام 10 و11 و12 مارس 2006. واعتبروا أن المؤتمر لم ينعقد بعد والنتائج التي تمخض عنها غير شرعية
وقد توصلت وكالة المغرب العربي للأنباء ببيان الجمع العام التأسيسي وببلاغ من الأمين العام للحزب الاشتراكي عبد المجيد بوزوبع يعلن فيه استقالته من اللجنة الإدارية بسبب ما أسماه "جملة من الخروقات التي شابت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر وإقصاء بعض المؤتمرين من الحق في حضور أشغاله رغم انتخابهم بفروعهم بطريقة ديمقراطية وكذا إغراق المؤتمر بأشخاص يفتقدون للصفة الشرعية كمؤتمرين، إضافة إلى مصادرة الحق في التعبير عن الرأي واستعمال العنف ضد مناضلات ومناضلين والعصف بكل أخلاقيات التداول الديمقراطي في النقاش واتخاذ القرارات، والتراجع عن المواقف المبدئية والنضالية والانصهار في السياسة الرسمية للحكومة والتهليل لها عبر سلم اجتماعي، وتواطؤ مكشوف لتمرير العديد من القوانين التي تجهز على حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة بمختلف مواقعها بالوظيفة العمومية والجماعات المحلية والقطاع الشبه العمومي والخاص؛ في إطار مخطط تدميري تفكيكي وتحريفي وصل حد الانقلاب على مشروع الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والإجهاز على هويتها ومرجعيتها وشرط وجودها، والعصف بأسس ومبادئ نشأتها وخطها النضالي والكفاحي التقدمي، من طرف جزء من قيادة مترهلة ومنحرفة، وتحويل هذا الصرح العمالي إلى وكالة للمتاجرة والسمسرة ومراكمة الامتيازات على حساب مصالح وتطلعات وأمال الطبقة الكادحة، وملفاتها المطلبية في بعديها المادي والديمقراطي"، كما أدان البيان التأسيسي "الفساد المالي الذي ظل ينخر جسم قيادة الكنفدرالية الديموقراطية للشغل، ودعا مؤسسات وهيئات المجتمع المدني المعنية بحماية المال العام والمجلس الأعلى للحسابات بفتح تحقيق وإجراء افتحاص مالي للمنظمة المذكورة
واعتبر علي لطفي الكاتب العام للمنظمة الديموقراطية للشغل أن الهدف من تأسيس نقابة جديدة هو "إعادة بناء المشهد النقابي المغربي الذي يواجه السكتة القلبية نتيجة الأمراض التي نخرت جسمه وهيكله، والتأسيس لفهم وتعاطي جديد مع المسألة الاجتماعية على أسس جديدة قوامها الأخلاق والفعالية
سادسا : انشقاق الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب وتأسيس الاتحاد النقابي للشغيلة المغربية؟
أما الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب المحسوب على حزب العدالة والتنمية فلم يعرف انشقاقات كبيرة بسبب الانكماش إن لم نقل الجمود الذي عرفه طيلة مسيرته قبل التحاق أعضاء حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية بصفوفه بداية التسعينات بسبب ما اعتبروه: "غياب فضاء ديمقراطي في مركزيات نقابية أخرى وبعدم تخلص بعضها من الاختيارات الإيديولوجية لمرحلة الحرب الباردة، فوجدوا ضالتهم في الإتحاد الوطني للشغل . إلا أن هذا الأخير عرف بعض الانسحابات التي تزامنت مع انسحابات من صفوف حزب العدالة والتنمية. هذه الانسحابات أكدتها مصادر صحفية وقللت من شأنها قيادة النقابة
فقد انسحب 12 عضوا مسئولا من الاتحاد الوطني للشغل بطنجة، يتزعمهم السيد محمد السندي الكاتب الإقليمي للنقابة بالمدينة، والتحقوا بالفدرالية الديموقراطية للشغل (الاتحاد الاشتراكي)؛ حيث أصبح السيد السندي وفي ظرف أربعة أيام كاتبها المحلي بنفس المدينة عوض عبد السلام بنصالح الكاتب السابق للاتحاد المحلي للفدرالية بعد التحاقه بها قبل أسابيع، بعد أن انشق هو الآخر عن المنظمة الديموقراطية للشغل قادما إليها من الكونفدرالية الديموقراطية للشغل، وقد اكتفى بالنيابة رغم رمزيته التاريخية بالمدينة والنقابة والحزب
وفي بيان موجه إلى الرأي العام، أرجع محمد السندي أسباب الاستقالة إلى ما أسماه: "غياب العمل النقابي السليم داخل لاتحاد الوطني للشغل نتيجة الخلط بين العمل السياسي والدعوي والنقابي، وأن احتجاجهم لم يغير من سلوكيات بعض الوجوه الحزبية التي كانت تفرض عليهم الطاعة العمياء والتبعية المطلقة لمن يتحكمون في الحزب سواء على المستوى الوطني أو المحلي وقال محمد السندي إن اتخاذ قرار الالتحاق بالفيدرالية الديموقراطية للشغل جاء بعد تفكير وتشاور عميقين مع رفاقه النقابيين المستقيلين". وأضاف "انشغالنا الأول كان هو الالتحاق بمركزية نقابية، إذ يمكن ممارسة عمل نقابي سليم، هدفه الرئيسي يتمثل في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة"، واعتبر أن "الوازع الذي حركنا يتمثل في إرادة توحيد صفوف الطبقة العاملة في إطار تنظيمي قوي يمكن من ممارسة العمل النقابي بشكل فعال من أجل الدفاع عن حقوق العمال
وقد أصدر محمد يتيم الكاتب العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب يوم الثلاثاء 10 مارس 2009 بيان حقيقة حول دواعي استقالة السيد السندي أكد من خلاله "لم يسبق للسيد السندي أن اشتكي خلال السنوات الست التي انتمى فيها للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، أو طرح في لقاءات المكتب الوطني أو خلال زيارات الكتابة الوطنية أي شكوى من نوع الافتراءات الواردة في البيان، وكان الأولى لو كانت الأسباب الحقيقية للاستقالة ترتبط بالتسيير والعلاقات الداخلية للاتحاد، أن يكون المعني بالأمر قد طرحها في اللقاءات الشهرية للمكتب الوطني، أو بين أنظار الكتابة الوطنية، أو على هيئة التحكيم، ولا ندري كيف ظل السيد السندي صامدا طيلة هذه السنوات قبل أن تتكشف له الحقائق فجأة ومنها الديمقراطية الصورية والخلط بين الدعوي والسياسي وتسخير العمل النقابي لأهداف وطموحات سياسية شخصية، والتحكم في العمل النقابي والسياسي من خارج الإطار النقابي والسياسي. إننا نؤكد تأكيدا جازما استقلالية قرارات الاتحاد واستقلال هيئاته عن أي توجيه حزبي أو حركي، وهو ما يعرفه السندي حق المعرفة، وكانت النزاهة الخلقية والفكرية، والعشرة الطويلة تقتضي أن لا يقحم الحزب أو الحركة في خلاف نقابي لو كان هناك خلاف في الأصل، ونتحداه أن يأتي بواقعة واحدة تثبت ارتهان القرار النقابي لجهة خارج الإطار النقابي، وكانت المروءة والمصداقية تقتضيان حتى في حالة الخلاف في التقدير في منهج العمل النقابي قدرا من الإنصاف وعدم تقديم الفرصة للمتربصين بالحزب والنقابة من أجل استغلاله وتوظيفه في لعبة أكبر من السيد السندي نفسه والحقيقة أن السيد السندي ما فتئ يدعو ويطالب بتفعيل الشراكة بين النقابة والحزب لدعم العمل النقابي في مختلف المحطات، كما أنه ما فتئ يلجأ إلى طلب مساندة برلمانيي الحزب للدفاع عن العمال المطرودين في طنجة".
كما أعلن أعضاء الجامعة الوطنية للإسكان والتعمير انسحابهم التام والنهائي من نقابة لاتحاد الوطني للشغل. وأوضح محمد رفوق الكاتب العام السابق للجامعة خلال ندوة صحفية أن الأسباب التي تقف وراء هذا الانسحاب تعزى بالخصوص إلى التناقضات بين مبادئ المرجعية والحقائق المعاشة داخل الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب وخاصة بعد المؤتمر الذي انعقد بالجديدة سنة 2005 والذي غابت عنه أدنى أساليب الشورى والديموقراطية بل إنه ساهم في تكريس انقلاب أبيض ضد المناضلين غير المحسوبين على تيار حركة التوحيد والإصلاح حيت باشر الكاتب العام الجيد -محمد يتيم- سياسة تطهيرية ممنهجة في حق كل المناضلين الأولين بمن فيهم مؤسسي هذا التنظيم ، من جهة أخرى أعلن محمد رفوق عن تأسيس نقابة جديدة تحت اسم النقابة المغربية المستقلة لقطاعات البناء والإسكان والتعمير والتنمية المجالية" حيث أكد أنها "نقابة مستقلة عن أي تيار سياسي أو حزبي أو عقائدي وغير تابع لأي مركزية نقابية
وقد أسس المنشقون عن نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، يوم الأحد 22 مارس 2009 بقاعة عبد الصمد الكنفاوي بمدينة الدار البيضاء، تنظيما نقابيا جديدا حمل اسم "الاتحاد النقابي للشغيلة المغربية" بحضور حوالي 700 مؤتمر مؤسس، من بينهم مؤسسون سابقون للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، ولم يستبعد الحسن السعد القيادي السابق في الاتحاد، تأسيس حزب جديد بعد انسحاب أعضاء النقابة الجديدة من حزب العدالة والتنمية. وقال في تصريح لصحيفة المغربية: إن تأسيس الاتحاد النقابي للشغيلة المغربية تعبير عن تصحيح مسار داخل الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب الذي انحدر إلى ممارسات ترتكز على الإقصاء والتهميش في عملية تصفية أشرف عليها محمد يتيم الكاتب العام للنقابة بمساعدة عناصر داخل التوحيد والإصلاح.. إن الاتحاد النقابي للشغيلة المغربية مركزية نقابية تحتضن كل المنسحبين الذين يتزايد عددهم يوما بعد يوم من بينهم قياديون وازنون بالاتحاد الوطني للشغل بالمغرب وعلى رأسهم عبد الله إيسوفغ المرشح المتفق عليه لقيادة الاتحاد النقابي للشغيلة المغربية وعضو المكتب الوطني السابق وعباس حاضر عضو المكتب الوطني ورئيس جهة مراكش وبوشعيب عب المغيث رئيس نقابة الطاكسيات وعضو المكتب الوطني ورفوق وسعيد مفكر
سابعا : قبل الختم
شأنها في ذلك شأن الأحزاب السياسية، ترفع المركزيات النقابية شعار الديمقراطية، وتطالب بتطبيقها في تدبير الشأن العام، إلا أنها ترفض الالتزام بها في تسيير شؤونها، بل وتصر على تغييبها حيث نلاحظ أن جل الاستحقاقات لاختيار الأجهزة والقيادات تعتمد اعتمادا يكاد يكون وحيدا على ما أصبح معروفا بل ومألوفا لدى القواعد "الكولسة نسبة إلى ما يجري في الكواليس، بل إن الأمر يتعدى انتخاب الأجهزة والقيادات إلى "طبخ" القرارات، لتبقى المجالس الوطنية واللجان الإدارية والمؤتمرات إن انعقدت مجرد مسرحية لإضفاء نوع من الشرعية على تلك الأجهزة والقيادات والقرارات. هذه الممارسات ليست وليدة اليوم بل لازمتها منذ تأسيس أول نقابة "الإتحاد المغربي للشغل" إلى آخر نقابة تأسست "الاتحاد النقابي للشغيلة المغربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق