غازي الصوراني_ ما هي المقدمات المادية والفكرية التي دفعت نحو ولادة عصر النهضة؟
غازي الصوراني_ ما هي المقدمات المادية والفكرية التي دفعت نحو ولادة عصر النهضة؟
المقدمات الأولى أو المرحلة الانتقالية نحو أسلوب الإنتاج الرأسمالي :-
إن الفكر الذي ساد في المرحلة السابقة ( الإقطاعية ) لم يهتم ببحث المسائل المطروحة بما يدفع نحو الانتقال من حالة الجمود أو الثبات إلى حالة النهوض والحركة الصاعدة، ولم تسفر تلك المرحلة عن نتائج إيجابية تذكر سواء في الفلسفة أو في العلم، ذلك أن "المفكرين" في العصر الاقطاعي، لم يتطلعوا إلى البحث عن الحقيقة بل عن وسائل البرهان على صحة العقائد الدينية خدمة لمصالح الملوك والنبلاء الإقطاعيين ورجال الدين. كان لا بد لهذه الفلسفة القائمة على مثل هذه الأسس أن تسير في درب الانحطاط في ظروف بدأ فيها يتعزز العلم مع بدايات تشكل أسلوب أو نمط الإنتاج الجديد في أحشاء المجتمع الإقطاعي ما بين القرنين الرابع والخامس عشر.
كان بداية ذلك التشكل عبر إطارين كان لابد من ولادتهما مع اقتراب نهاية تلك المرحلة وهما: إطار التعاونيات، وإطار المانيفاكتوره التي كانت البدايات التمهيدية نحو ولادة المجتمع الرأسمالي حيث ظهرت المانيفاكتورات في المدن الإيطالية أولاً ثم انتقلت إلى باقي المدن الأوروبية.
في هذه المرحلة الانتقالية، نلاحظ تطوراً ونمواً للمدن وظهور التجار والصناعيين وأصحاب البنوك، والاكتشافات التكنيكية المغازل الآلية – دواليب المياه – الأفران العالية ودورها في صناعة التعدين واختراع الأسلحة النارية والبارود والطباعة في أواسط القرن الخامس عشر .
فيما بعد تم إحراز نجاحات أخرى عززت تطور أسلوب الإنتاج الرأسمالي الصاعد والمنتشر في أوروبا، وارتبطت هذه النجاحات بعناوين كثيرة ضمن محورين أساسيين:
الكشوفات الجغرافية مع نهاية القرن الخامس عشر وبداية السادس عشر، خصوصاً اكتشاف أميركا والطريق البحري إلى الهند ورحلة " ماجلان " حول الأرض وبالتالي إرساء أسس التجارة العالمية اللاحقة.
وفي ظل هذا الوضع كان من "الطبيعي" أن تسعى البرجوازية الصاعدة بعد أن امتلكت مقومات الوجود الاجتماعي والسياسي إلى نشر ما تؤمن به من قيم ومعتقدات وآراء وأفكار في كافة مجالات العلوم والمعارف الجديدة، حيث وجد الفكر الفلسفي العقلاني وفكر التنوير عموماً عند هذه الطبقة الرعاية والتشجيع، ساعدها على العمل والإنتاج من جهة، وأوجد لها التبرير الكامل بالمطالب الكبرى لها - كطبقة صاعدة - في المساواة في الحقوق والحرية في اعتناق الآراء المختلفة مع الكنيسة وفي التفكير والعمل خارج إطار الكنيسة أو الدائرة المقدسة، حيث بدأت في التبلور، المفاهيم والقيم الجديدة، وبدأ الحديث عن المصلحة والمنفعة والصالح العام، والرابطة الاجتماعية التي تعني الرفض الضمني للنظام القائم على أساس التمايز الاجتماعي ؛ إنه الانقلاب في التصورات الإيديولوجية، فعوضاَ عن النظرة "العمودية" حيث يكون ترتيب الناس في أعلى وأدنى تبرز النظرة "الأفقية" لأعضاء الوجود الاجتماعي الواحد حيث يكون المبدأ الوحيد المقبول للوجود وللعمل معاً هو شعار "المساواة".
لقد وجد فلاسفة النهضة أنه يتعين عليهم التحرك على أكثر من صعيد، وقتال أكثر من قوة، فثمة ارث تاريخي عمره خمسة عشر قرنا، لديه من أسباب القوة ما يكفي لاستئصال أقوى العقول نباهة، وافقار أشد النفوس حيوية، وتحطيم أصلب البشر عودا، فقد كان احتجاب الله عن الكون بألف حجاب، يشكل قناعة لدى الناس في العصر الوسيط، رسختها الكنيسة لكي تقوم بدور الوسيط بينه وبين الناس، تتكفل من خلاله بحل ألغاز الكون، وتفسير ما يجري فيه وفق ما يخدم مصالحها، وقد تصدى فلاسفة النهضة بكل قوة لذلك الدور الذي لعبته الكنيسة، وسعوا جاهدين إلى تحطيم الأساس الذي يقوم عليه، وبالتالي إلى حرمان الكنيسة من استمرار تلك الفرصة التي انتزعتها لتسخير البشر لصالحها بالإبقاء على حالة الخوف والقلق الدائمين اللذين كانا ينهشان في عقولهم وضمائرهم".
إن الميزة الأساسية التي يمتاز بها فلاسفة عصر النهضة، هي أنهم أفلحوا في زعزعة الأسس والقيم التي كانت تقوم عليها فكرة الإنسان في العصر الوسيط، من خلال الأفكار والمفاهيم الحديثه، من أبرزها مفاهيم العقلانية، والانسانية والفردية، وبالتالي فإن المسألة المركزية التي نُلْفِتْ الانتباه اليها، هي أن هذا العصر سُمِّيَ عصر البعث renaissance الذي تولت قيادته، ووجهت مساره الطبقة البرجوازية الصاعدة آنذاك
يتبع إلى الحلقه القادمه : عرض مختصر لمفاهيم العقلانية والإنسانية والفردية.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق