من غزة في ظل الحصار والتقتيل... الهدف الاخباريه _ مقال الرفيق أحمد بهاء الدين شعبان الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري حول دراسة الرفيق غازي الصوراني أبو جمال :المنظور الماركسي لمفهوم التحرُّر الوطني
الهدف الاخباريه _ مقال الرفيق أحمد بهاء الدين شعبان الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري حول دراسة الرفيق غازي الصوراني أبو جمال :
المنظور الماركسي لمفهوم التحرُّر الوطني، وسُبل خروج الحركات التقدمية العربية من أزماتها الراهنة" للأستاذ "غازي الصوراني".
_ست مُلاحظات رئيسية مُحاولةً للفهم:
يقوم الرفيق الأستاذ "غازي الصوراني"، في دراسته التفكيكية/التركيبية، المُعنونة: "المنظور الماركسي لمفهوم التحرُّر الوطني، وسُبل خروج الحركات التقدمية العربية من أزماتها الراهنة" بتقديم نفسه لمن يجهله، (ومَن يجهله؟!)، باعتباره: "يساري ماركسي وطني وقومي وديمقراطي".
وللوهلة الأولى يصدم هذا التعريف المُركَّب القارئ، وخاصةً غير المُتمرس بالكتابات الماركسية، فالتعريف المطروح ـ فيما يبدو ظاهرياً ـ يحوي من "المُتضادات"، حتى لا نقول "المُتناقضات" الكثير لو تلقيناه بنظرة سطحيّة مُباشرة؛ غير أن تطبيق المنهج الجدلي بقدرته التحليلية الفائقة على جمع الأضداد، والخروج منها بنتيجة أرقى، سيُنبئنا بأن تعريف شخصية، على غرار الكاتب المُناضل والمُفكر والسياسي الكبير الأستاذ "الصوراني"، لا يكتمل إلّا بهذا المزج المُعَقَّد بين ما يبدو غير قابل للاجتماع، فأن تكون يسارياً ماركسياً حقّاً، أي أُممياً مبدئياً مُناضلاً من أجل وحدة وانتصار الطبقة العاملة العالمية، يقتضي ـ في المقام الأول ـ أن تكون وطنياً حقيقياً تُناضل من أجل استقلال بلدك واستقراره، ويتطلب ـ في ذات الوقت ـ أن تكون قومياً قويماً، تدافع عن أُمَّتِك ومصالحها، وتسعي لوحدتها، وتكافح مع مكوناتها الأخرى، لحماية ثرواتها، ولكف أذي الإمبريالية والصهيونية عن أرضها وناسها، ولتعبيد الطريق لتقدُّمها وازدهارها؛ وفي كل تلك الحالات، فإن لم تكن ديمقراطياً بالاقتناع والفعل، أي منحاز كلية لكرامة الإنسان في وطنك، ولحرية النقد والنقد الذاتي في تنظيمك، وللحق في التفكير الإيجابي والتعبير عن الرأي.. إلخ، فلن يصح لك أن تكون وطنياً، ولا قومياً، ولا أُممياً كما ينبغي أن تكون!
يُقدّم الرفيق "غازي" في دراسته المُشار إليها مشروعاً تأسيسياً مُتكاملاً، يستهدف شق مسار نضالي جديد، مُنجز، لأحزاب وتنظيمات ومكونات "الحركات التقدمية العربية"، يُخرجها من أزماتها الراهنة والمُستدامة، وينتشلها من تراجعاتها المتواترة، ويُعيد إليها ألقها النضالي، ويسترد ـ من خلال تحقيقه ـ ثقة الجماهير في كل الأقطار العربية فيها، وهو أمر على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة، إذا استعرضنا أبعاد النتائج الكارثية المُترتبة على غيابه، والتي يُدركها الجميع، ويُعانون مُر المعاناة من استفحال مظاهرها: من قهرٍ وتسلُّطٍ، وبؤسٍ وتخلُّفٍ، وإفقارٍ وتبعيّةٍ، ونهبٍ واستحلالٍ، واستنزافٍ واستغلال، على كل الأصعدة، وكافة المستويات: الشخصية والعامة!
وفي هذه القراءة الأوليّة، فالبحث يحتاج لقراءاتٍ عديدة بمقدار ما يطرحه من قضايا ويُثيره من تساؤلات، اخترت التركيز على ست نقاط أساسية، تجتمع معاً لتشكيل أعمدةً حاملةً لرؤيةٍ مُكتملةِ الأركان، تصلح للبناء عليها، وتمثل هيكلاً أساسياً يمكن أن يُكسى باللحم، بالحوار والإضافة، والنقد والتنقيح، أُشير إليها بالترتيب الذي أتصوره لتوضيح ملامح الصورة، وبالتركيز الواجب الذي تفرضه مساحة النشر:
أولاً: طبائع البرجوازيات العربية التابعة ومآلاتها المُغلقة
ارتكازاً إلى تحليل المُفكر الشهيد "مهدي عامل"، والمُستند إلى مفهوم "نمط الإنتاج الكولونيالي"، لا يوجد ما يُمكن تسميته بـ "البرجوازيات الوطنية" في منطقتنا، فالقائم لدينا، حسب تعبير الكاتب: "طبقات برجوازية عميلة، تابعة للإمبريالية"، رثّة المبنى، وهشّة الجذور، لم تتطور التطور الطبيعي الذي شهدته البرجوازيات الأوروبية، من رحم الإقطاع إلى الطبقة البرجوازية، ما وَلَّدَ نمط إنتاجها الجديد وقيَّمها الفكرية المُغايرة.
ولذا فإن هذه الطبقة لم تتمرد في يوم على تبعيتها العضوية للبرجوازية الرأسمالية العالمية، بل كانت مُهمتها الرئيسة هي إعادة وإدامة إنتاج التخلُّف، وإخضاع الطبقات الكادحة بالقمع والتسلُّط، وتغييب وعيها، والتشويش على قضاياها المصيرية الكُبرى، ومن هنا فهي طبقة لا يُمكن التعويل عليها، لإخراج الأمة من مُستنقع التبعية والإلحاق.
وبناءً على ما تقدَّم، فإن مُجتمعاتنا، كما يؤكد الكاتب: "بحاجةٍ ماسّةٍ إلى مُراكمة عوامل إنضاج ثورة وطنية ديمقراطية وانتصارها تمهيداً لبناء مُقومات القوة الكفيلة بهزيمة وطرد الوجود الصهيوني والأمريكي من بلادنا، وبدون ذلك لن نستطيع تحقيق أي هدف تحرُّري ونحن عُراة، مُتخلفين وتابعين ومهزومين يحكمنا الميِّت (شيوخ قبائل وأمراء وملوك عُملاء ورؤساء مستبدين)؛ أكثر من الحي (النهوض الوطني والقومي التقدُّمي الديمقراطي)".
ثانياً: الارتباط الموضوعي للثورتين: الطبقية والتحرُّرية
وليس بعيداً عمّا تقدَّم ما يطرحه الكاتب من وجوب الالتفات إلى مفعول الربط الموضوعي، في وعي ومفهوم الحزب الماركسي، بين حاجات الجماهير وغايات النضال الثوري؛ فغياب أو ضعف قناعة الجماهير الشعبية بممارسة النضال التحرري الثوري (والمُسَلَّح في الحالة الفلسطينية)، "تتزايد وربما تصل الى أعلى درجات اليأس والإحباط طالما أن هذه الجماهير الفقيرة عاجزة بسبب فقرها وحرمانها عن تأمين أسباب الحياة الكريمة لعوائلها، حيث "يغيب العقل حين يغيب الدقيق" كما يقول "ماركس".
إن أي حديث عن "الإمبريالية" و"التحرُّر الوطني"، و"الاستقلال"، كما يرى الكاتب، "دون التفات إلى توعية وتنظيم الجماهير الشعبية التي تُعاني الفقر والبطالة والقهر، ودون معرفة بأن الوطني مبني على الطبقي وليس العكس، هو نوع من العجز والقصور"، ما يعني "بوضوحٍ ثوريٍ ساطعٍ، أن أي نضال وطني تحرُّري معزول عن النضال الطبقي الاجتماعي وقضايا الجماهير الشعبية المطلبية، هو نضال قاصر لن يستطيع تحقيق الالتفاف الجماهيري من حوله، ويظل محكوماً بالأفق المسدود رغم ضخامة التضحيات".
ثالثاً: مفهوم "الكتلة التاريخية" وعمليات تَشَكُّلها
يستفيض البحث في طرح فكرة "الكتلة التاريخية": فحواها ومكوناتها وغاياتها وشروط تكوينها، في تجديد لتأويل "مادية ماركس التاريخية"، على نحو ما طرح "جرامشي"، وفسَّرَ شارحوه، ومنهم المُفكر المصري "محمود أمين العالِم"، الذي يرى أن "مفهوم "الكتلة التاريخية" تتداخل فيه مُختلف عناصر فكر "جرامشي" حول الثقافة والأيديولوجية والمثقفين والهيمنة".
ويرى الكاتب، مُستنداً إلى شرح "العالِم"، أن "أبرز ما يعنيه مفهوم الكتلة التاريخية عند "جرامشي" هو استبعاد النزعة الاقتصادية (الاقتصادوية)، وإبراز أهمية الأفكار في الفعل التاريخي، وأهمية التحالف الواسع بين مختلف القوى الاجتماعية المنطلقة للتغيير الجذري، فضلًا عن الربط بين القيادة السياسية والقيادة الثقافية والأخلاقية، ولهذا تتميز الكتلة التاريخية لقوى التقدم والاشتراكية بالديمقراطية أساساً كما يرى "جرامشي"، أي بالترابط والتداخل بين القيادات والقواعد، بين البنية التحتية والبنية الفوقية؛ إلى درجة استيعاب المجتمع المدني شيئاً فشيئاً للمُجتمع السياسي، وهذه الكتلة التاريخية تسعى لتحقيق هدفها التاريخي بخوض ما يسميه "جرامشي" بحرب المواقع، أي الامتداد في أجهزة المجتمع المدني، والنظام السياسي تحقيقاً للهيمنة، وإلغاءً للانقسام السياسي بين الحكام والمحكومين، ولتكوين السلطة الثورية الجديدة".
وبناء على تحليل الفيلسوف الفرنسي "جورج لابيكا"، لـ "شروط قيام "الكُتل التاريخية" واندثارها وتحوُّلها، كما حدَّدها "جرامشي": الشروط "التاريخية والفلسفية" ـ "الشروط السياسية" ـ "الشروط الأيديولوجية ـ الثقافية"، يَخلُص الكاتب إلى أن "الكتلة التاريخية لا تتطلَّب من الأحزاب والتشكيلات الحاضرة؛ لا التنكُّر لتاريخها ولا التضحية بأحلامها، ولا حتى التخلِّي عن أسمائِها، وإنما تتطلَّب منها فقط التخلُّص من الشرنقة المُترهلة التي تسجن فيها نفسها، لتتمكن من الارتباط ارتباطاً جديداً، حيَّاً وفاعلاً، بجسم المُجتمع، والمُساهمة بالتالي في بعث الحركة فيه من جديد"، دون أن يعني ذلك "أبدًا تجاوزنا أو إغفالنا لأهمية دور الأيديولوجيا / الماركسية المُتجددة المُتطورة، ولدور الحزب الثوري الطليعي في قيادة الكتلة التاريخية على طريق تحقيق أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية".
رابعاً: الدور الوظيفي للكيان الصهيوني، والمُتغيرات الأخيرة
ويولي الرفيق "الصوراني"، وهو أمرٌ منطقي للغاية، تطور الدور الصهيوني، في منطقتنا والعالم، اهتماماً كبيراً ومُقَدَّراً، انطلاقاً من رؤيته لأن "ما يجري فيها الآن، في ظل الانحطاط والتبعية لأنظمة الكومبرادور في بلادنا في هذه المرحلة؛ يُمثل أخطر ما واجهته في تاريخها الحديث، لأنه التحدي الشامل للأمة العربية؛ حيث تَبَدّى أن الاختراق الصهيوني يتخطَّى كل الحواجز، ليحاول أن يصل إلى تغيير المُقومات الحضارية والقومية للعرب، على النحو الذي يُكَرِّسُ دوام تبعيتهم وتخلُّفهم وتشرذمهم".
ويلفت الأنظار إلى ضرورة تفهُّم الدور الإسرائيلي كـ "كشريك أصغر للإمبريالية العالمية في هذه المنطقة البالغة الحيوية من العالم، فلقد غدت إسرائيل استعماراً صغيراً، ونعني بهذا الاستعمار الصغير؛ تفويضاً من الإمبريالية العالمية لدولة تابعة تتوطن فيها استثمارات ضخمة، خاصة بالاحتكارات المُتعدِّدة الجنسيات، لكنها صارت تستحوذ على قوة عسكرية واقتصادية وسياسية رادعة؛ تفويضاً بالتصدي خارج حدودها لحماية المصالح الإمبريالية عامة". ثم لاحظ تطوَّر الدور الإسرائيلي من "مشروع صهيوني أساسي للإمبريالية، كقاعدة رئيسية لبسط هيمنتها على المنطقة العربية وحماية مصالحها الأساسية فيها، ومن ثم لكبح تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة من ناحية، ولكبح وإعاقة نهوض حركة التحرر الوطني العربية من ناحية ثانية"، إلى مشروع يُجسِّد "أطماع إسرائيل هي نفسها في السيطرة على المنطقة العربية، حيث واتتها الفرصة في حرب يونيو / حزيران، التي خرجت منها إسرائيل وقد احتلَّت كامل أراضي فلسطين، ومُرتفعات الجولان السورية، وشبه جزيرة سيناء المصرية".
ثم دخلَ الاقتصاد الصهيوني، ونمو صناعاتها المتطورة، مرحلةً جديدةً، واكبت التداعيات المُتتابعة التي أعقبت اتفاقيات "كامب ديفيد"، وتوقيع "مُعاهدة الصلح المصرية ـ الإسرائيلية"، و"اتفاقية أوسلو" و"وادي عربة"، والهرولة العربية للاعتراف بالعدو الصهيوني، .. إلخ، الوضع صار معه "يتطلّع إلى تحطيم حواجز العُزلة والانطلاق إلى أسواق تُشكل له مجالاً طبيعياً هي بالدرجة الأولى الأسواق العربية، ولقد تجسَّد هذا التطور أخيراً في إطار عملية الاعتراف والتطبيع العربي الذي حقَّق أطماع إسرائيل في السيطرة الاقتصادية على المنطقة العربية، وطموح رأسمالها في المُشاركة المُباشرة في نهب الثروات العربية، عن طريق الحصول على نصيبها هي الأخرى من الأموال العربية والنفط العربي".
ويُمكن الرجوع إلى مراجع إسرائيلية وعربية عديدة، لمزيد من التفاصيل بالغة الأهمية في هذا السياق، منها: كتاب "الشرق الأوسط الجديد" لـ "شمعون بيريس"، و"الاقتصاد الإسرائيلي من الاستيطان الزراعي إلى اقتصاد المعرفة" للدكتور "حسين أبو النمل"، و"الاقتصاد السياسي لصناعة التقنية العالية في إسرائيل" لمؤلفيه "فضل مصطفى النقيب" و"مُفيد أحمد قسُوم"، وغيرها.
خامساً: أزمة البديل الثوري، وإعادة بناء اليسار العربي (المُتجدّد)
ورغم وضوح أوضاع وأدوار الطبقات المُتَسَلِّطة في بلادنا على نحو ما أشار الكاتب إليه وعرضناه آنفاً، فالذي يقف حجر عثرة أمام إزاحتها من الطريق هو بؤس حال "البديل" المُـتَوَقَّع: "الحركات التقدمية العربية"، وتخلُّفها عن الجاهزية لتغيير الواقع واستبداله بسلطة الجماهير، وعجزها عن إقناع وقيادة جموع الطبقات الكادحة، لإنجاز مهمة الدفع بهذه الطبقات التابعة إلى "مزبلة التاريخ"؛ أي "عجز العامل الذاتي" الناجم عن "أزمة فكرية تتجلَّى في التراجع الخطير بالنسبة للهوية الفكرية (الماركسية ال لينين ية)"، فضلاً عن "تراجع الأوضاع التنظيمية"، إضافةً إلى "استمرار مظاهر الضعف القيادي"، الأمر الذي "عزَّزَ من أحوال التراجع بين أعضاء الحزب ومؤسساته من جهةٍ، وبين الجماهير من جهةٍ ثانية".
وقد جعلت هذه الأوضاع، كما يرى الكاتب، بلدان الوطن العربي في المرحلة التاريخية المُعاصرة "من أقل مناطق العالم، إنتاجاً للعمل الديمقراطي الثوري الطويل النَفَس القادر على حماية نفسه، والمُنتِـج ـ في المدى الطويل ـ لتحولات سياسية ومُجتمعية نوعية، ودائمة، ومُطردة التطّور، على هذه البقعة أو تلك من الأراضي العربية".
ويقترح الرفيق "غازي الصوراني" نقطة انطلاق منطقيةً لمُعالجة هذا الغياب القاتل: "إن النقد الكامل والصريح، هو نقطة البداية، لإعادة صياغة فصائل وأحزاب حركة التحرُّر العربية، إلى جانب إعادة صياغة أهداف الثورة التحرُّرية الديمقراطية العربية، ومُمَارستها على أساسٍ علمي، بعد أن توضَّحت طبيعة الطريق المسدود الذي وصلته الأنظمة العربية، وانتهت إليه مسيرة هذه الحركة؛ بسبب أزمة فصائلها وأحزابها عموماً".
ويُحذِّرُ الرفيق "الصوراني" من أن هذه الأزمة ليست أمراً عارضاً، وإنما هي "أزمة بنيوية (سياسية ونظرية ثقافية ومعرفية وطبقية عميقة) قد تصل ـ في حال استمرار عوامل تراكماتها ـ إلى حالة من الانسداد تؤذن باسدال الستار على العديد منها، إذا لم تبادر صوب تفعيل عملية المُراجعة النقدية الموضوعية لتجربتها التاريخية السابقة، ومن ثم تفعيل التزامها المعرفي بالماركسية ومنهجها المادي الجدلي، إلى جانب تجديد رؤاها السياسية وبرامجها وآليات عملها التنظيمية وتحالفاتها، بما يستجيب لتحقيق أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية".
فالثورة، كما يرى الكاتب: "لا تنضُج بمُقدماتها فحسب، بل تكتمل بتوفير الوعي المُعَمَّق لكافة العناصر الموضوعية للوضع الثوري والعامل الذاتي (الحزب) ووحدتهما معاً، وهي أيضاً لا يُمكن أن تندلع ـ بالصدفة أو بحفنة من المُناضلين المعزولين عن الشعب ـ بل بالحزب الثوري الديمقراطي المُؤهل، الذي يتقدَّم صفوف الجماهير الشعبية الفقيرة، واعياً لمصالحها وتطلُّعاتها، وحاملاً للإجابة على أسئلتها، ومُستعداً للتضحية من أجلها، واثقاً كل الثقة من الانتصار في مسيرته وتحقيق الأهداف التي تأسَّسَ من أجلِها".
ونحن، في مصر، (وربما في تونس أيضاً)، لدينا تجربةً ذات دروس مُهمّة في هذا السياق. فقد مهَّدت القوى والفصائل التقدُّميّة المصرية لـ "ثورتين"، أو لانفجارين ثوريين كبيرين، في 25 يناير 2011، ثم في 30 يونيو 2013، وبسبب تخلُّف "العامل الذاتي"، انقض عليهما الأعداء والخصوم، ودفعت قوى التقدُّم والجماهير الثمن، ولا زالت تدفعه، باهظاً، جرّاء الإخفاق في امتلاك القدرة على قطف الثمار وتحقيق الغايات السامية المأمولة للشعب والوطن.
لقد أدّى، يستنتج الرفيق "غازي"، "تفكُّك وضعف وقصور قوى اليسار في بلادنا وعجزها عن قيادة الجماهير، إلى توفير الفرص لقوى الثورة المُضادة والقوى اليمينية بمختلف أطيافها ومُنطلقاتها الفكرية لمُجابهة ثورة الجماهير العفوية وحرمانها من تحقيق أي هدف من الأهداف التي قامت من أجلها، سواء في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، أو في تحقيق لقمة العيش والكرامة".
سادساً: أفق المُستقبل والتفاؤل التاريخي:
وككل المناضلين الكبار، لا يني الرفيق "غازي" عن بث روح التفاؤل الثوري، والتعبير عن يقينه بالفوز النهائي لحركة الجماهير وقواها المُكافحة، إذا ما أحسنت مجابهة الظروف المُعاكسة، واجتهدت لحل مُشكلاتها وعلاج مواطن القصور: "لقد أوضحت الحالات الثورية الجماهيرية العفوية أن الصراع الطبقي قد تفجّر، وإذا لم تنتصر الجماهير الشعبية في المحاولة الأولى، هناك بالضرورة محاولة ثانية وثالثة، نتيجة أن هذه الجماهير لم تعد قادرًة على تحمّل وضع الاستغلال والاستبداد والخضوع ، وبالتالي فإن النهاية المنطقية هي انتصار الجماهير على تلك الأنظمة شرط توفر أحزابها الطليعية الماركسية الثورية".
"فإذا كانت الجماهير الشعبية قد نجحت في كسر حاجز الخوف من أنظمتها وأجهزتها الأمنية"، كما يذكر الكاتب، "فليس من الممكن أن يعود ذلك الحاجز مُجدَّداً، لكن المعضلة أو العقبة الرئيسية الجوهرية في الحِراك الجماهيري الشعبي المُستقبلي، تتبدى في تفعيل واستنهاض أحزاب اليسار الماركسي، حيث لا بد من ماركسيين معنيين في المبادرة إلى المزيد من توعية العمال والفلاحين الفقراء وكل الكادحين والمضطهدين وتنظيمهم وتحريضهم على الثورة ضد أنظمة الاستغلال الكومبرادوري، وهذا يعني أن تكون تلك الأحزاب بمثابة عقل العمال والفلاحين الفقراء والمضطهدين، وأن يبلوروا رؤية تخصهم، وإستراتيجية واضحة وأهداف مُحددة وآليات ثورية تقودهم للانتصار". فاليسار، كما يُنبئنا الرفيق "الصوراني": "ليس تسميةً بل موقف وفعل أولاً وأساساً".
ووفقاً لما تقدَّم، ولعلاج آفات ونقاط ضعف القوى والتنظيمات التقدمية العربية المُعاصرة، يقترح الرفيق "الصوراني" البدء في تفعيل عملية الحوار والبحث، بين كافة أحزاب وفصائل اليسار في الوطن العربي ـ بكثيرٍ من الهدوء والتدرج والعمق ـ بهدف إيجاد آلية حوار فكري من على أرضية الحداثة والماركسية، حول كل القضايا السياسية والاقتصادية والمجتمعية القومية والإنسانية، بما يخدم ويُعَزِّزُ الدور الطليعي ـ الراهن والمُستقبلي ـ لقوى اليسار الماركسي العربي، رغم كل الصعوبات والتعقيدات التي تفرضها أنظمة التبعية والاستبداد والاستغلال الطبقي في بلادنا، ورغم الهجمة العدوانية الصهيونية الإمبريالية على شعوبنا من جهة، ورغم ما يعتري هذه المرحلة من ادعاءات القوى اليمينية بكل أطيافها ومنطلقاتها الرجعية المتخلفة أو الليبرالية الهابطة تجاه ضرورات الماركسية وراهنيتها من الجهة الأخرى".
لا يعني هذا التوصيف الصارم والنفّاذ، والمؤلم أيضاً، لواقع حركة التحرُّر العربية وأحزابها وهيئاتها على الساحة، أن الكاتب يائس من إمكانات النهوض، أو قانط من فُرص القيام من العثرة، فهو يثق بصمود الشعوب وقدرتها على اجتراح المُعجزات، لكنه يُطالب الأحزاب والقوي الماركسية والتقدُّمية العربية، بأن تُشمِّر عن ساعد الجد، وأن تؤدي واجبها المطلوب، وأن تبذر البذور الطيبة، حتى تجنى الثمار الصالحة حين يأتي وقت الحصاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق