جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

إعلان الرئيسية

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

غازي الصوراني _ عن الانقطاع المعرفي في الفلسفة العربية........

 غازي الصوراني _ عن الانقطاع المعرفي في الفلسفة العربية........

الانقطاع المعرفي في الفلسفة العربية الذي جرى منذ وفاة ابن رشد 1298م، أدى إلى تعرض الفلسفة العربية، منذ ذلك التاريخ إلى حالة من التراجع والضعف، جاءت انعكاساً لضعف وتراجع عملية التطور السياسي الاجتماعي والاقتصادي والمعرفي الذي توقف عن الصعود، بل على العكس بدأت عوامل التطور الاجتماعي والمعرفي السالب في الظهور، ومن ثم خلق وانتشار المناخ الملائم لتكريس التخلف وإعادة إنتاجه وتجديده واستمراره في بلادنا منذ القرن الثالث عشر حتى المرحلة الراهنة، من خلال تكريس مظاهر التخلف والخضوع للأجنبي منذ انهيار العصر العباسي الأول (861م) وتفكك الدولة العباسية إلى دويلات وطوائف متعددة ومتنافره، الطولونيين في مصر لغاية 905م، ثم الأدارسة في المغرب لغاية 926م، ثم الحمدانيين في سوريا والجزيرة العربية حتى عام 1004م، ثم الفاطميين في مصر حتى عام 1171، والمرابطين في المغرب شمال أفريقيا حتى عام 1147م، ثم الايوبيين حتى عام 1260م، ثم عهد المماليك منذ عام 1250 – 1516 وصولاً إلى العهد العثماني منذ 1516 حتى 1918 نهاية الحرب العالمية الأولى، وقبل ذلك التاريخ احتلال الاستعمار الفرنسي والإيطالي لبلدان المغرب العربي (الجزائر 1830 /موريتانيا 1858/ المغرب 1912 / تونس 1881/ ليبيا 1911) ، وكذلك احتلال الاستعمار الإنجليزي لمصر عام 1882 ثم احتلال فلسطين والعراق والأردن بعد الحرب العالمية الأولى ، ثم احتلال الاستعمار الفرنسي لسوريا ولبنان 1921 تنفيذاً لاتفاق سايكس بيكو 1916، ووعد بلفور 1917 ومن ثم تشجيع الحركة الصهيونية واغتصاب فلسطين وقيام الدولة الصهيونية عام 1948، وصولاً إلى تغلغل النظام الامبريالي الامريكي في بلادنا وحلوله محل الاستعمار الإنجليزي منذ عام 1957 وتكريس سيطرته المباشرة وغير المباشرة على معظم بلدان الوطن العربي عموما والبلدان النفطية في الخليج والسعودية خصوصا ، ومن ثم تزايد سيطرته واستغلاله لثروات شعوبنا عبر تكريس التبعية وتعميق مظاهر التخلف والاستبداد ارتباطاً بالمصالح الطبقية للأنظمة الرجعية من ناحية وبسياسات النظام الامبريالي الأمريكي المعولم الراهن من ناحية ثانية، وكان هذا الوضع سبباً رئيساً ليس في غياب الدور المعرفي التنويري التحرري للفلسفة فحسب، بل أيضاً غياب الدور السياسي المرتبط بوضوحها العقلاني النقدي الديمقراطي ، في مقابل حضور وانتشار الأفكار والتيارات المذهبية الرجعية من خلال الحركات الاسلاموية المنبثقة عن الفكر الوهابي المُعبِّر عن مصالح النظام الرجعي السعودي من ناحية والخادم للاستعمار الإنجليزي ثم للامبريالية الامريكية من ناحية ثانية .
في ضوء ما تقدم ، يحق القول، إن الحالة الراهنة للفكر الفلسفي في الوطن العربي، تتميز ليس بالتراجع المعرفي الحداثي الإنساني فحسب، بل أيضاً بسيطرة الأفكار الغيبية المتخلفة بصورة غير مسبوقة في التاريخ العربي الحديث والمعاصر، حيث تبدو الأبواب موصدة في وجه الفلسفة عموماً، وفي وجه مفاهيم الحرية والتنوير والعقلانية والليبرالية والديمقراطية والمواطنة، وكافة المفاهيم الحداثية، لحساب مفاهيم الاستبداد والتخلف المعرفي والاجتماعي، التي يعاد انتاجها وتجديدها في هذه المرحلة التي تتعرض فيها بلدان الوطن العربي ومجتمعاتها لمزيد من الانقسامات والتجزئة والتفكك والتشرذم وضياع الهوية، انعكاساً لتفاقم وتزايد مساحة التبعية والخضوع والارتهان للمركز الامبريالي من ناحية وتزايد مظاهر الفقر والجهل والاستغلال والاستبداد من ناحية ثانية ، الى جانب انتشار حركات وتيارات الإسلام السياسي الأصولية المتطرفة التي تعلن رفضها الصريح لقيم الحداثة، المتمثلة في الديموقراطية والاستنارة، وتضع في مواجهتها: الشورى، وإحياء فكرة الخلافة، أو ولاية الفقيه.
لقد بات من الواضح تماماً أن هذه الأصولية المتشددة ترفض كل أشكال الحداثة الثقافية، مقابل الاعتراف بثقافة واحدة فقط: الدينية السلفية، النقيضة لمفاهيم الحداثة الرئيسية: العقلانية والإنسانية والفردية، بمثل رفضها لمفاهيم الوطنية والقومية والتقدم العلماني، في مقابل تكريس الأفكار والمفاهيم والمذاهب الرجعية، في خدمة المصالح الطبقية للفئات والشرائح العليا الحاكمة في بلادنا، الأمر الذي أدخل مجتمعاتنا في حالة التخلف الاقتصادي والاجتماعي، علاوة على تواصل حالة الانقطاع المعرفي – التي أشرنا اليها- منذ وفاة ابن رشد إلى اللحظة الراهنة، ارتباطاً بانتشار وتغلغل المفاهيم الرجعية، بعد تمكُّن الغزالي، وتلاميذه، من تصفية الفلسفة في المجال السُنِّي، بينما تحوَّلت الفلسفة إلى اللاهوت، في المجال الشيعي، إلى جانب تكريس ما يسميه المفكر الراحل جورج طرابيشي، "نفي الفلسفة" في مجتمعاتنا مع دخول "الحضارة العربية الإسلامية مرحلة أفولها وانحطاطها منذ القرن الثالث عشر الميلادي، بتأثير الهجوم الشرس، الذي شنته عليها مدارس الفقه العديدة منذ منتصف القرن الثالث للهجرة مع (أحمد ابن حنبل)، وحتى بلغت ذروتها مع (ابن تيمية) في القرن الثامن للهجرة"، فأفلحت دولة الاستبداد بتسخير هذا، في حصار وإعاقة العقل النظري التنويري الديمقراطي العربي، حتى غدت الفلسفة العقلانية الديمقراطية والتقدمية غريبة في بلادنا، بل مرفوضة، في مقابل تكريس فلسفة التخلف التي تقوم على التلقين، والإملاء، وبالتالي الإذعان، دون نقاش، أو حتى بدون اقتناع، ما أشاع مظاهر الركود والتخلف الاجتماعي في أوساط الجماهير الشعبية العربية العفوية منذ القرن الثالث عشر الميلادي إلى يومنا هذا ، عبر أنظمةٍ شديدة التخلف ، كرّست الحاكم الفرد وعائلته باسم الخلافة او السلطنة او المشيخة او المملكة او الامارة ، بقوة الاستبداد المحمول بالشعارات الدينية الشكلانية الديماغوجية التي قاموا بنشرها في أوساط الجماهير العفوية البسيطة .
في هذا السياق، لابد من طرح السؤال التالي : كيف وصل العرب في المرحلة الراهنة إلى هذه الحال الشديدة الانحطاط التي أدت إلى اعادة انتاج وتجديد التخلف بكل مضامينه الاجتماعية والثقافية، وأين يكمن الخلل؟، وجوابنا ......يتبع


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *