غازي الصوراني_ تطور الفلسفة والعلم والتاريخ المشترك بينهما.........
غازي الصوراني_ تطور الفلسفة والعلم والتاريخ المشترك بينهما.........
"إن تاريخ الفلسفة لا يمكن أن يكون، تاريخاً مجرداً للافكار وللمذاهب، منفصلة عن مقاصد واضعيها وعن المناخ المعنوي والاجتماعي الذي رأت في ظله النور، ومن المتعذر على المرء ان ينكر ان الفلسفة شغلت في ما نستطيع أن نسميه بالنظام الفكري السائد في كل عصر مكانة متباينة للغاية ".
من ناحية ثانية، لا بد من الإشارة إلى "ارتباط الفلسفة منذ نشوئها بالعلم والرياضيات، وهذا ما نلمسه منذ بداياتها الأولى في الحضارة الإغريقية القديمة، إذ غلب عليها آنذاك التنظير للمعرفة الرياضية والفيزيائية من جهة، وللأخلاق والسياسة من جهة أخرى، وظلت هذه الصلة الجوهرية قائمةً حتى في العصور الوسطى الدينية الطابع، لكن طغيان الثقافة الدينية آنذاك جعل الفلسفة تتمحور حول الدين أكثر من تمحورها حول العلم، وكانت إلى حد ما أسيرة عِلْمَيْ الكلام واللاهوت.
لكن الحقبة الحديثة التي ابتدأت بعصر النهضة الأوروبية في القرن السادس عشر الميلادي غيّرت ذلك تماماً، وحررت الفلسفة من قيود الدين، وأعادت الأمور إلى نصابها في ما يتعلق بالصلة العضوية بين العلم والفلسفة، بحيث يمكن القول إن الفلسفة باتت تشكل بعداً جوهرياً من أبعاد العقل النظري في ثقافة ما، وتدخل مع العلم في علاقة عضوية في تشكيل هذا العقل".
فإذا نظرنا بجدية إلى حالة العلم الحديث، أو بشكل أكثر دقة إلى الأسس النظرية والافتراضات التي يقوم عليها، فإننا نرى أن العلم لم يتحرر في الواقع من الفلسفة، وكل من يتكبد عناء دراسة تاريخ الفلسفة سيجد منجما غنيا بأفكار في منتهى العمق، إذ أن الفلسفة طريقة تفكير مختلفة عن التفكير اليومي، إنها تتعامل في كل تاريخها وسيرورتها مع الأسئلة الكبرى، "التي لا بد أن الجميع قد فكر فيها في وقت ما، أسئلة من قبيل: ما معنى الحياة؟ وما هو الخير وما هو الشر؟ وما هي طبيعة الكون؟ الخ. لقد شغلت هذه الأسئلة، التي أجاب العلم نفسه عن العديد منها، عقول المفكرين العظام لأكثر من 2000 سنة، ولذلك فإن الصلة بين العلم والفلسفة تعود إلى زمن بعيد".
لقد استمر اقتران العلوم بالفلسفة حتى القرن السابع عشر. وها هو ذا ديكارت يقول "أن الفلسفة أشبه بشجرة جذورها الميتافزيقا وجذعها الفيزياء وفروعها الطب والميكانيكا والأخلاق"، وحين أُدخلت طريقة الملاحظة التجربة والفرضية والتحقق في مجال العلوم، " لم يكن بد من انفصال العلوم عن الفلسفة "فشهدت العصور الحديثة حركات انشقاق متوالية داخل الفلسفة، فانفصل عنها أول ما انفصل الفيزياء، على يد كل من غاليليو 1564– 1642 ونيوتن 1642– 1727 ولحقت بها الكيمياء على يد لافوازييه 1743– 1794 واستقل علم الاحياء على يد كلود برنارد 1831– 1878 وتبعها علم النفس ثم علم الاجتماع وغيرهما من العلوم.
على أن نظرة كهذه إلى الفلسفة وإن كان لها ما يبررها من بعض النواحي، لم تلق استجابة من العدد الأكبر من الفلاسفة ورجال الفكر، لذلك لم ينثنوا عن مواصلة التفلسف في المسائل الأساسية للوجود والأخلاق والمصير الإنساني وغير ذلك، وهذا يعني أن للفلسفة فعالية ملازمة للإنسان باعتباره كائناً عاقلاً، وانه لن يكف عن التفلسف إلا حين يتخلى عن إنسانيته وعن عقلانيته"، وتلك هي سمة الفكر الفلسفي عبر ما قدمه الفلاسفة منذ الاغريق إلى يومنا هذا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق