جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

غازي الصوراني _ سؤال مركب: لماذا انقطعت النهضة في بلداننا أو لماذا تعثرت مسيرتها ولماذا حدث النكوص على المستويين الواقعي والفكري ؟؟

 غازي الصوراني _ سؤال مركب: لماذا انقطعت النهضة في بلداننا أو لماذا تعثرت مسيرتها ولماذا حدث النكوص على المستويين الواقعي والفكري ؟؟

إن جهود الباحثين لم تصل إلى استنتاجات مقنعة مرضية في مسألة تعثر النهضة وتوقف مسيرتها. وهذا ما يستوجب استمرار البحث في هذا الميدان وتعميقه ونحن نبحث عن سبل استئناف مسيرة النهضة العربية، أو الانطلاق في نهضة جديدة أو ثالثة على حد قول المفكر محمود أمين العالم .
وإذا كانت الرجعية -كما يقول عطيه مسوح- قد أفادت من بعض الموروث الفكري ، وضعف الوعي النهضوي لدى الجماهير ، في تعويق النهضة، فإن البرجوازية الناشئة لم تحظ بدعم القوى ذات النزوع الاشتراكي، بل خلافاً لذلك، فقد رات هذه القوى ضعف البرجوازية ذريعة لطرح فكرة مقاومة التطور الرأسمالي لأن البرجوازية المحلية تابعة وعاجزة عن تحقيق التطور المستقل، ودعت إلى السير في طريق الاشتراكية.
غير أن هذه المحاولة النهضوية ذات النزوع الاشتراكي ، وبرغم بعض نجاحات ، انهارت دون تحقيق نهضة حقيقية، فما هو السبب في هذا الانهيار؟
إن السبب كما يقول فيصل دراج، يكمن في مصادرة أنظمة الاستقلال ، التي تذيب الأجهزة جميعاً في الجهاز الأمني، إمكانية توليد المجتمع المدني ، بعد أن أنتجت مجتمعاً على صورتها، ينكر الحوار ويعيد توزيع الرقابة السلطوية.
لذا كان طبيعياً أن تقوّض هذه الأنظمة فكرة القومية، التي هي علاقة حداثية في جملة علاقات حداثية، مثل الديمقراطية ودولة القانون واستقلال المجتمع المدني النسبي عن المجتمع السياسي.
توسّلت الأنظمة المتسلّطة ، وبوتائر متسارعة، الأقنعة الدينية المختلفة، تعبيراً عن شرعية مفقودة وبحثاً عن شرعية لن تظفر بها . هكذا يتحوّل الدين ، في شكله الاستعمالي أو البرجماتي، إلى أيديولوجيا دينية، تُدرج في مقولات الأيديولوجيا السلطوية، التي تسوّغ ممارسات الأنظمة الحاكمة.
السؤال المطروح من فيصل دراج : ما هي القضايا النهضوية التي لا تزال تحتفظ براهنيّتها حتى اليوم؟
قضايا أربع:
1- المجتمع المدني، الذي يقول ببشر متساويين في الحقوق والواجبات، بمعزل عن المعتقد الديني والانتماء الفكري والأصول الإثنية.
2- الإصلاح الديني، الذي يعترف بحقوق الاجتهاد وتاريخية النصوص وتطوّر الحاجات الإنسانية، وبتراكم المعارف الإنسانية، الذي يقرأ القديم على ضوء الجديد.
3- والفصل بين العلم والدين، وهو موضوع مشتق من سابقه، يقرّر العلم الديني فرعاً من فروع المعرفة الإنسانية، بعيداً عن دعوى «علم العلوم» أو «فلسفة الفلسفات»، التي تحوّل المعارف إلى مراتب والمراتب إلى معارف.
4- أمّا الأمر الأخير فهو تحرّر المرأة، الذي هو إشارة إلى تحرّر الرجل والمجتمع ككل .
على أي حال لن يتحقق التجديد بخطاب لغوي انتصاري، يجيّش العاطفة ويقمع غيرها، بل ببرنامج سياسي في مناخ عقلاني ديمقراطي مستنير، يقبل البشر في اختلافاتهم ويعترف بحاجاتهم المختلفة، بعيداً عن تجريد لا تمكن البرهنة عنه، والسؤال المركزي الآن هو، أي مستقبل للديموقراطية؟
إن النظام الديموقراطي -كما يقول د.علي الدين هلال- "ليس مجرد فاعلين وانتخابات وتشكيل حكومات، وليس مجرد من يحصل على النسبة الأكبر من أصوات الناخبين، بل أيضا ماذا يستطيع هؤلاء الفاعلون من قوى ومؤسسات فعله، ومدى تمثيلهم للمصالح الاجتماعية وقدرتهم على تحسين ظروف الحياة لأكبر عدد من الناس"4 .
فالديموقراطية تنهض بجناحين: جناح إجرائي يتعلق بالترتيبات والمؤسسات الانتخابية والتمثيلية ونزاهتها، وجناح موضوعي يتصل بنوعية الحكم وجودته ومضمون السياسات العامة وتمكين المجتمع5.
إن الديموقراطية بإيجاز هي أسلوب ومضمون، شكل ومحتوى، وهناك أنماط ونماذج متنوعة لها تدور بين أنصارها جدالات فكرية ممتدة.
وعند مقارنة الأهداف بما تحقق فعلا يتضح أن الانتقال إلى الديموقراطية في كثير من البلاد لم يحقق كل النتائج أو الآمال التي دارت بخلد المدافعين عن هذا الانتقال، فأحيانا توقفت النظم الديموقراطية الجديدة عن الشكل دون المضمون، وفي احيان أخرى ارتدت إلى أشكال من السلطوية، (الحالة الفلسطينية والانقسام) ومن ثم جاء أداء هذه النظم مخيباً لآمال المستفيدين المحتملين منها.
لقد أصبح من الواضح الآن أن ازدهار الديموقراطية لا يتحقق بمجرد الاعتقاد في مبادئها، أو الالتزام بنتائجها في صناديق الاقتراع مرة كل أربع سنوات، وذلك لأن هذه الممارسات قادت إلى نوع من "الركود الديموقراطي" وعزوف الشباب عن مؤسساتها، بل يتطلب ازدهار الديموقراطية ممارسة العملية الديموقراطية على نحو دوري ومستمر –من خلال صندوق الرأس- بما يعطي المواطن الشعور بأن له دورا في التأثير في اختيار السياسات، وفي القضايا التي تؤثر في حياته وبما يؤكد معنى المواطنة الإيجابية6 .
غني عن القول بأن "شعوبنا لم تعش، بعد، المرحلتين التنويرية، للدين، ولم تنهض الثورات العلمية، والفلسفية، والسياسية"، آخذين بالاعتبار أن الديمقراطية لن تهبط علينا بالمظلَّة، ولن تَنْبُت شيطانيًا من الأرض، بل هي تحتاج إلى حراك نهضوي طليعي يمكِّننا من تجاوز كل مظاهر التخلف وامتداداته، العقلية، والثقافية، والقانونية السائدة.
هنا نلمح العلاقة المباشرة بين الفلسفة، المعاصرة ومفاهيم الديمقراطية والتقدم والثورة، فهي علاقة وثيقة متبادلة، وتأسيسية، ذلك إن الخطاب الفلسفي السديد يتعامل مع المستقبل، والمجتمعات الناهضة، لن تحملها سوى قوى ديمقراطية، تقدميه ثوريه، تمتلك جرأة التغيير الجذرية، تلتزم بالفلسفة الماركسية، في سياقها التطوري المتجدد، والبعيد عن الجمود، لإقامة صروح جديدة على أنقاض القديم.
وعلى هذا الطريق فاننا مطالبون بتحقيق المهمات الحضارية التي حققتها الثورة العلمية في أوروبا، وتتلخص هذه المهمات في الاتي:
1- تحرير الإنتاج المعرفي، وبخاصةً الإنتاج العلمي، من هيمنة مراكز السلطة الأيديولوجية على اختلاف أنواعها. وبعبارة اخرى، فالمطلوب هو السعي نحو منح مؤسساتنا العلمية والمعرفية استقلالاً ذاتياً يقيها من تزمت الفئات التقليدية ومن التقلبات السياسية والاجتماعية.
2- وضع العلم في مركز الصدارة على صعيد الفكر والمعرفة، بمعنى اكسابه بصفة المرجع النهائي والحكم الفيصل في المسائل الأساسية في نظر جميع الفئات والهيئات، سواءاً أكانت رسميةً أم شعبية.
3- خلق جماعات علمية قومية ضمن اطار الجماعة العلمية العالمية، تنتج المعرفة العلمية عبر مؤسسات ولغة وطرائق وطرق نظرية ومعتقدات وقيم ومناظرات وأساليب ومقاييس مشتركة.
إن تحقيق هذه المهمات، يستلزم مشاركة جماهير الشعب، في جميع قطاعاته، مشاركةً فعالة، فالتقدم المنشود لا يمكن أن تحرزه الصفوة وحدها بمعزل عن جماهير الشعب، كما أنه ليس في مقدور الجماهير وحدها، المشاركة في هذه العملية الحضارية الضرورية ما لم تُهَيأ لذلك مادياً ومعنوياً"، وخاصة امتلاك عوامل التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بالمعنى التنويري النهضوي، كمقدمة لابد منها لعملية النهوض الديمقراطي التقدمي..... يتبع إلى ملامح الفلسفة في القرن الحادي والعشرين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *