جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

تحركات المخزن في الحراك التعليمي وبعده:الرفيق كبير قاشا

 تحركات المخزن في الحراك التعليمي وبعده:الرفيق كبير قاشا


     لقد كانت مسيرة الرايات والنفاخات والصور  والنشيد الوطني التي نظمتها بعض التنسيقيات بالرباط بمناسبة غياب الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي والتنسيق الوطني، مسيرة تحمل الكثير من الشبهات وعلى رأسها إتمام ما بدأته صحافة المخزن من شيطنة لنا باتهامنا بإثارة الفتنة والخيانة واللاوطنية، ومحاولة حشد تأييد الشغيلة لما كان يتم التحضير له لمناضلي FNE كأفراد ولنقابتهم كتنظيم، خصوصا وأن الوزارة لم تعد تعتمد في تصريحاتها لصيغة (النقابات الموقعة على اتفاق 14 يناير) لتمييزنا عن الباقي، بل اضحت تعتمد عبارة (النقابات القانونية الأكثر تمثيلية) وهي صيغ ندرك جيداً مراميها الخفية، وبذلك فإن تلك المسيرة كانت تنزيلا لما كانت تهندسه المافيا المخزنية لنا وللحراك، وتعبير عن استعداد للتفاني في خدمة هذه الخطط لنسج أواصر الصداقة مع  المخزن، هذا الذي لاصديق ولا شريك له بل يختار خدما فقط، لقد كانت مسيرة مد يد  وتودد وتزلف وتجند في طابور ضاق بتعساء البحث عن كسرة خبز ممرغة بالعار، مسيرة عبرت  عن حجم اختراق المخزن لحراكنا لتفكيكه وإفراغه من الداخل، مسيرة للتضييق علينا، ومحاولة إخضاعنا لابتزاز كشف عذرية وطنية، وذلك بأشكال احتجاجية اعتدنا عليها في مسيرات القرى المنكوبة من أجل فتح مسلك طرقي أو للاستفادة من شعير الدعم، وهذه الأمور لا ينبغي لنا الآن السكوت عليها أو يتم تجاهلها حتى يفوت الفوت.

إن استهداف الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي قد انطلق مبكرا للتضييق على هامش مناوراتها، وتواصل لاحقاً لإضعاف موقعها التفاوضي، وذلك باستعمال أفراد لم يكن همهم تنظيم الشغيلة ديمقراطيا ولا انتظامها في هياكل نضال، ولا بناء أدوات دفاع ذاتي، ولنا من الشجاعة والجرأة ما يدفعنا للقول بأن البعض منا أيضا في الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي ارتكب أخطاء قاتلة في نفخ الروح في هذه الهياكل وإنعاشها وتبيئتها بالشكل الذي سيمكنها من التلاعب بالحراك وتحويل مساره لاحقاً.

لا يحق لنا أن نتغاضى عن الأخطاء والخطايا التي أدت لهذا الوضع الذي أضحى المخزن يستتمره لتوفير أجواء الإجماع على قانون تنظيمي لتجريم الحق في الإضراب، وهو ما عبرت عنه مؤخرا العديد من التصريحات التي تستعجل ضرورة انتزاع هذا السلاح من العمال؛ وهو الأمر بالنسبة لإصلاح التقاعد أو قل تخريبه دون أن يتغير المعنى وأضف لذلك قانون النقابات، إن الفرصة أضحت سانحة أكثر من أي وقت مضى لتمرير كل الٱثام، فما قدمته أدوات تخريب العمل النقابي الجاد بالوكالة لايضاهيه حالياً إلا ما قدمه (ابن كيران) للمخزن بعد الحراك المبارك ل20 فبراير، لقد أعادونا جميعاً لنقطة الصفر ، وإذا كان مطلوبا منا زرع الأمل والثقة بالنضال، فإن من أوجب واجباتنا أن لا يستهلكنا تطييب الخواطر والمجاملات الفارغة والخشية من المكاشفة والمصارحة مهما كانت قاسية.

لقد حرصنا بما فيه الكفاية على وحدة الصف ونقل الحراك من متاهة العفوية إلى الفعل الهادف والواعي من أجل انتزاع كل ما يمكن انتزاعه، وعملنا على تأجيل كشف الحساب بهذا الشأن، قدمنا كل التنازلات ودعمنا حتى المطالب الفارغة من أي مضمون إجرائي مدافع عن المدرسة العمومية، وتعاملنا بحكمة مع تحرشات كانت تستهدف نقابتنا مركزة على ما يفرقنا أكثر مما نتشارك فيه، الشيء الذي جعل حراكنا في حقيقته حراكات بالجمع، يتوغل في الطريق المسدود ويجمع كل المتناقضات التي كانت تعمل على إفساده من الداخل وسرعت إلحاق الهزيمة به، ٱلفنا بين من خرج من أجل إقرار ما لايقبله عقل، ومن لايريد سوى استبدال الإسم باسم آخر، ومن يرى في عروقه دم الملائكة التي تجعله لايلامس الأرض بل يمشي محلقا في السماء، ومن يسعى لاستثمار أجواء توقف الدراسة في المدرسة العمومية لمضاعفة أرباحه في الأوكار الخصوصية أو دروسه الجامعية، ومن يدافع عن مطالب تقوض في عمقها ذلك الشعار الكبير الذي كنا نؤطر به تحركنا، والبعض ممن كان يحمل بصدق هم المدرسة، وبذلك لم نرشد حراكنا لبر أمان، بل ساهمنا في إغراقه، وقد اتضح ذلك بخواتيمه بعد الاستفاقة من الحلم الأفيوني، وتنظيميا حين عجزنا عن فرز قيادة نقابية بتصور واضح للمرحلة وتكتيكها بعيداً عن المحاباة والتربيت على الأكتاف، تلك الاكتاف التي لم تستطع تحمل مسؤوليتها، ولم يكن همها يتجاوز تدبير اليومي دون أية رؤية للمستقبل، تلك الأكتاف المشلولة التي  ترى أن دفع الناس للسقوط في المستنقع ثم العويل بتحميل الآخرين مسؤولية إخراجهم منه يمكن أن يمنحها قوة أو مصداقية ما.

إن هؤلاء الذين تحولوا لألعوبة بيد المخزن ودفعوا الحراك للإنتحار بسبب فقرهم النظري وعدم امتلاكهم لأي تصور أو رؤية تمنحهم القدرة على هدم الحواجز بين ماهو اقتصادي وما هو سياسي في الحراك، هؤلاء الذين سايروا المخزن في الاتجاه الذي كان يدفع إليه المعركة معتقدين بأن الدولة مؤسسة إحسانية، هؤلاء الذين استهانوا بالعدو لأنه لم يسبق لهم يوماً مواجهته على أية جبهة، هم من يحاول حالياً الدفع مرة أخرى في اتجاه نقابة مستقلة عن السياسة، ومستقلة عن كل فئات الشغيلة التعليمية، مستقلة عن النقابات، مستقلة عن كل شيء إلا عما ينبغي أن تستقيل منه وتستقل عنه.

 إن الدفاع عن هذه البدائل الكارثية والمساعي الإنتهازية المتخفية خلف هالة نضالية أو التهليل لها، يضع صاحبه مهما تلفعت مسوغاته بتمائم الراديكالية، في خندق أعداء الشعب المغربي، وهو بذلك يسدي خدمة مجانية للعدو ويكمل مهمات المخزن بعد الحراك، ويدعم الاستبداد في معركة تشتيت صفوف العمال وبعثرتهم، ويكشف عجزه البين عن التعلم من تاريخ الولادات والانشقاقات النقابية التي كانت تحمل دوما و أبدا نفس الشعارات:( الديمقراطية في مقابل البيروقراطية، التغيير في مقابل الجمود، خدمة الشغيلة عوض استخدامها....) ولكن نهاياتها هي ما نعاينه حالياً من كل أشكال التعاون الطبقي ومكافأة المتعاونين بمناصب في المجالس والمؤسسات والبرلمان. 

إن هذه البدائل النقابية التي يطمح البعض لبنائها، وهي بدائل أليفة ومستأنسة وبلا مخالب، هي في صلبها بدائل وهمية لمشاكل حقيقية ومستمرة، مشكلة النهوض بالعمل النقابي في القطاع العمومي وافتكاكه من قراصنته وتشبيك العلاقات مع قوى النضال بمشروع اجتماعي نقيض للمشروع المخزني، خصوصا وأن أنصار هذا البديل لا يملون من التأكيد على حسن سيرتهم ومحدودية خبرتهم ونقائها من جرثومة النضال، وانحيازهم التام لصالح سياسات الدولة ماداموا يعبرون عن استوائهم على أرضية لاسياسية في ممارستهم النقابية، وبأن لا علاقة لهم بكل ما يمكن أن يهدد مصالح الرأسمال وأطماعه.

عطفا على ما سلف فإن (يسار) الرهان على تشتيت وتخريب وحدة العمال غير معذور فيما يقوم به من تطبيل لهذا الخط، وهؤلاء وإن اختلفوا من حيث الألفاظ المستخدمة عن أولئك الذين اختاروا استعمال قبة البرلمان لاستعراض الباحثين  عن فرص توبة وعطف مخزنيين، عوض أن يستعملوا هذه المؤسسة لفضح ما تغذيه من أوهام في أمخاخ بعض من المقهورين، فإنهم جميعا يزيتون نفس الطاحونة التي ستسحق التعليم العمومي .

إن المدافعين عن  إعادة إنتاج تجربة (النقابة المستقلة للابتدائي وهيئة الإعدادي) في التعليم، لا يعملون سوى على تعميق عوامل التفتيت والشرذمة وتغذية القطاع بالنزعات الأنانية وما تستحضره من تناحرات، ويساهمون بذلك في صناعة جزر جديدة في التعليم وجلب المزيد من الويلات، بل إنهم يعبرون عن عجز عطائهم النظري وقدرتهم على الإبداع والابتكار والصبر والتفاني النضالي، وانحيازهم للخيارات السياسية الكبرى للمخزن، بتوهمهم إمكانية تحقيق شيء نافع من مقدمات أثبتت عدم جدواها أو فائدتها لأي شيء، بما فيه المطالب الخبزية الميكروسكوبية، إن الجهل لم يقدم للإنسانية عبر تاريخها الطويل سوى المصائب.

وختاما إذا لم تفطر بعدوك فلا تبكي إذا وجدت نفسك فوق مائدة غذائه...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *