جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

العدمية في الفنون التشكيلية ( الدادائية نموذجاً )د/ مني غريب

 مقالتي الأسبوعية في جريدة القاهرة الثقافية

العدمية في الفنون التشكيلية ( الدادائية نموذجاً )د/ مني غريب
" كنا نأمل خلق نظام جديد ومتوازن" ( هانز آرب )
بعض العلماء يعتبر العدمية مجرد تسمية طُبقت على فلسفات منفصلة مختلفة، أو قد يتعامل معه كمفهوم تاريخي مرتبط بالشك، والتشاؤم الفلسفي، والعدمية Nihilis أتت من الكلمة اللاتينيةNihil، والتي تعني ( لا شيء) وهو مفهوم يعبر عن هي مجموعة من وجهات النظر الفلسفية التي ترفض الجوانب الأساسية المعقولة للوجود الإنساني، مثل المعرفة، والأخلاق، والقيم الإنسانية ،وترفض تلك الفلسفة أي معني للحياة ، وتتبني فكرة أن المعرفة شئ مستحيل ، ويستخدم مفهوم العدمية أحياناً لشرح المزاج العام للاكتئاب من عدم جدوى الوجود أو تعسف المبادئ الإنسانية والمؤسسات الاجتماعية، كما كانت بعض الفترات التاريخية توصف بالعدمية مثل فترة ما بعد الحداثة حيث تمثلت فيها صفات الفلسفة العدمية وتتعدد الأفرع الفكرية لهذا المذهب الفلسفي فنجد ( العدمية الوجودية) والتي تتبني فكرة أن الحياة بلا معني جوهري ، ( العدمية الأخلاقية ) وهي ترفض جميع المعايير الخلاقية ، ( العدمية السياسية ) وهي تقوم برفض جميع المؤسسات الاجتماعية والسياسية ، (العدمية المعرفية ) والتي تتبني فكرة أنه لا يمكن للمعرفة أن تكون موجودة ،( العدمية الميتافيزيقية) التي تتبني فكرة أن الأشياء غير المجردة غير موجودة (العدمية الميرولوجية) وهي تؤمن بأن الحياة نفسها غير موجودة ، وقياساً علي تلك المعايير نجد أن هناك أيضاً ( العدمية الفنية ) وهي التي تشكك في وجود معني أو هدف للفن ، ومن المدارس الفنية التي يتجلي فيها هذا المفهوم هي (المدرسة الدادائية ) وهي نوع من الفكر الفني المابعد الحداثي والذي نشأ في زيورخ بسويسرا عام 1916 على يد مجموعة من الفنانين والشعراء والأدباء المستقلين من جنسيات أوروبية مختلفة من بينهم (هوغو بول، إيمي هينينيز، ترزتن تزارا وهانز آرب) وغيرهم من الفنانين أثناء وقت الحرب العالمية الأولى وذلك بهدف الانتقام من كل ما يتصل بالحروب والمجازر، والثورة ضد الأكاذيب التي تبرر قتل الإنسان بأي شكل من الأشكال، وقد نشأت هذه الحركة الفنية متأثرة بحركات فنية أخرى سبقتها منها التكعيبية والمستقبلية، والبنائية، والتعبيرية، وكان إنتاجها متنوعاً بشكل كبير بدءًا من فن الأداء إلى الشعر والتصوير الفوتوغرافي والنحت والرسم، وتميز الفن الدادائي بسخريته من المواقف المادية والقومية، وكان له تأثير قوي في العديد من المدن مثل: برلين وهانوفر وباريس ونيويورك وكولونيا، حيث أصبحت أفكارها حجر الأساس لفنون العصر الحديث والمعاصر، كما كان لها السبق المباشر لحركة الفن المفاهيمي، إذ لم يكن تركيز الفنانين على صياغة أشياء مبهجة من الناحية الجمالية ، لكنها كانت أعمال وُلّدت أسئلة صعبة حول المجتمع وما هو دور الفنان وما هو الغرض من الفن من الأساس ؟ ، فالقلق الروحي العميق الذي نتج أثر إندلاع الحرب العالمية الأولى والضياع واليأس الذي أصاب المجتمع الأوربي آنذاك جعل هناك تشكيك في كل المفاهيم المحيطة بالإنسان فأصبح الشك في قيمة الإنسان والمجتمع والأخلاق والدين والعمل ، بل وأصبح الشك حتي في قيمة العلم وقيمة العقل الذي أنتج الأسلحة الفتاكة والمدمرة و تسبب هذا الخراب علي الإنسان بدلاً من إسعاده ، و هاجم الفن الدادائي القيم السائدة وأعلن عن عبثية العقل والمنطق والعلم بدعوى فشلهم في إيقاف الحرب والعمل على إطالتها ، وكان تركيز هذا الفن علي طرح أفكاراً تدور حول دور الصدفة واللاعقلانية ونسف فكرة الفن من الأساس وبما إن تلك الحركة الفنية هي حركة هدم وتدمير وإستهزاء بكل القيم ، فقد إتجه الدادائيون في أعمالهم إلى (العدمية) في كل مجالات الحياة ومنها الفن ، فكانت تصميماتهم الفنية خالية من أي إعتبارات قيمية أو مقاييس للأعراف والأصول والأذواق ، وخرجت بموضوعات لا عقلانية هدفها كسر الإيقاع الجمالي ، و من ناحية اخرى إستفادت الدادائية من المدارس الفنية التي سبقتها في طرق التعبير فمن خلال المدرسة التكعيبية إستفادت من الكولاج ، ومن المدرسة المستقبلية طباعة النصوص ، وإستعمال اللون من التعبيرية ، والتلقائية من كاندنسكي ، والإبتكارات الشعرية من أبو لينير ، ومن خلال هذا النمط الفني الجديد انتهج عدد من فناني أوروبا المحاربين للفن السائد ورمزيه ليوصلوا رسائلهم ويؤكدوا على بربرية الحرب التي ساندها البرجوازيون، وسعوا إلى إشاعتها لتلبي مصالحهم، حيث بدأ الفنانون أمثال كورت شفيترزKurt Schwitters في صنع الفن من مخلفات ألمانيا ما بعد الحرب من شظايا القنابل والمسامير وقطع الزجاج المكسور والأخشاب والملصقات الممزقة، وجعل منها لوحة فنية تحاكي الواقع الذي يعيشونه، وإعتمدت الدادائية على الاستهزاء من جميع الحركات الفنية والأدبية والسياسية في ذلك العصر، وأثارت المقاربات الجريئة والجديدة للدادئيين الجدل داخل الثقافة المعاصرة. حيث إن انفصالهم السريع عن تقاليد ذلك العصر استحواذ، وجذب عدداً كبيراً من الجماهير في عشرينيات القرن الماضي، لكن الحركة ككل كان مصيرها الانهيار سريعاً كما كان ظهورها ، حيث كانت نهايتها مع صعود أدولف هتلر إلى السلطة في الثلاثينيات، بتوجيهه ضربة قوية لعالم الفن الحديث للقضاء على جذوره ونتيجة لذلك، رأى فنانو هذا المذهب أن أعمالهم يتم الاستهزاء بها أو تدميرها، ففروا من من أوروبا لإيجاد مناخ فني أكثر تحرراً .
د/ مني غريب


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *