الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تحيي اليوم الدولي للقضاء على الفقر 17 أكتوبر 2024،
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان
تحيي اليوم الدولي للقضاء على الفقر 17 أكتوبر 2024،
تحت شعار: "الكرامة للجميع".
تخلد الأمم المتحدة هذه السنة، اليوم الدولي للقضاء على الفقر، الذي يتزامن مع 17 أكتوبر من كل سنة، منذ إقراره من قبل المنتظم الدولي في 1992؛ تحت شعار:"إنهاء سوء المعاملة الاجتماعية والمؤسسية والعمل معًا من أجل إنشاء مجتمعات عادلة ومسالمة وشاملة للجميع". إبرازا منها ل "سوء المعاملة الاجتماعية والمؤسسية التي يعاني منها أولئك الذين يعيشون في الفقر"، و"الحكم عليهم، على سبيل المثال، من خلال مظهرهم أو لهجتهم أو عنوانهم...، ولومهم على وضعهم المادي، ومعاملتهم بقلة احترام". مما يؤدي إلى عنف وظلم مضاعفين، لا سيما بالنسبة للأشخاص الذين يواجهون أشكالا أخرى من التحيز العرقي أو الأصل الإثني أو المجالي.
وهذا ما ينطبق على المغرب، حيث أصبح الفقر ممأسسا وأفرزت له الدولة سجلات وخرائط وبطائق ومصالح إدارية ومهرجانات مصورة، احتفاء بتوزيع ما يسمى "بالقفة"... مما يجعلها تقر وتؤكد أن الفقر هيكلي وليس ظرفيا أو مرتبطا بتحولات طبيعية أو بأزمات عالمية عابرة (كورونا، حرب أكرانيا...).
إن الكوارث الطبيعية التي هزت المغرب كالفيضانات الطوفانية التي مست الجنوب الشرقي من بلادنا هذه السنة والزلزال الذي ضرب على الخصوص مناطق بالأطلس الكبير يوم 8 شتنبر الماضي كشفا للعالم مدى الفقر الذي يعيش فيه جزء كبير من ساكنة المغرب المنسي المهمل، والمقصي من الخطط والبرامج التنموية التي تتغنى بتحقيقها السلطات العمومية في مراكز بعض المدن التي تشكل دعاية وواجهة للزوار القادمين من باقي العالم، كما أزالتا الستار عن التمييز المجالي وعن الاستغلال البشع لثروات السكان الأصليين لصالح ثلة قليلة من العائلات وأصحاب النفوذ الذين يستغلون مواقعهم السلطوية للنهب والسطو على الثروات المعدنية والأراضي الفلاحية ومنابع المياه والخيرات البحرية، مدعومين من السلطات والقوات العمومية والقضاء. فيما يواجه المواطنون والمواطنات الذين يتم تفقيرهم بسلبهم أراضيهم وخيراتهم بالقمع والترهيب والأحكام الجائرة والسجن حين يحاولون الجهر بحقوقهم والدفاع عنها.
كما أن ما خلفه الزلزال والفيضانات من آلاف القتلى والمعطوبين والأيتام والأرامل ومئات الآلاف بدون مأوى، قد كشف عن وجه من أوجه الفقر المتفشي في أغلب البوادي وهوامش المدن المغربية؛ كما سلط الضوء على الفوارق الاجتماعية والمجالية التي تتفاقم سنة بعد أخرى بفعل الاختيارات والسياسات العمومية اللاشعبية المملاة من المؤسسات المالية الإمبريالية (صندوق النقد الدولي، البنك العالمي...)، والتي تشرف على تنفيذها بكل إخلاص الحكومات المتعاقبة على الأقل منذ سنة 1983، تاريخ تطبيق برنامج التقويم الهيكلي بالمغرب. هذا البرنامج الذي دشن لتخلي الدولة عن مسؤولياتها الاجتماعية المحددة في المواثيق الدولية، ولخوصصة وبيع مئات المؤسسات العمومية وتسليع المواد والخدمات الاجتماعية وإخضاعها لقانون السوق عبر الإلغاء التدريجي لصندوق المقاصة، مما أدى إلى ارتفاع مهول في الأسعار وتدهور غير مسبوق للقدرة الشرائية لأغلب المواطنات والمواطنين في ظل سيادة المضاربات والاحتكار وغياب المراقبة على المواد والخدمات الأساسية.
كما أن الفقر ازداد طوفانه واتسعت دائرته بسبب:
1- سياسة الخوصصة التي اكتسحت مجالات الصحة والتعليم والنقل العمومي والاتصالات وباقي الخدمات الاجتماعية وآخرها ماء الشرب الذي أصدرت الحكومة بشأنه قانون رقم 21-83 في يوليوز الماضي يفتح الباب لإخضاع الماء والتطهير والكهرباء والإنارة العمومية لقانون السوق، وبالتالي تعميق الفقر الذي ترزح تحت ناره فئات عريضة من الشعب المغربي. وبنفس المنطق، الذي يستهدف تسليع القطاعات الاجتماعية وجعلها بيد الرأسمال المتوحش الذي لا يهمه سوى مراكمة الأرباح على حساب حقوق المواطنين والمواطنات، التجأت الدولة إلى إصدار قوانين تستهدف استئصال السكان الأصليين من أراضيهم، وفي مقدمتها القانون 17-62 الخاص "بالوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها" الصادر سنة 2019، مما قد يعمق الفقر وسط مالكي أكثر من 15 مليون هكتارا من أراضي الجموع الذين يفوق عددهم 10 ملايين مواطن ومواطنة يعانون، في الأصل، من الفقر والهشاشة؛
2- السياسات الاقتصادية والاجتماعية، المتبعة حتى الآن، المبنية على الريع، والمحافظة على التوازنات الماكرواقتصادية، وتسليع الخدمات العمومية وتعميق الفوارق المجالية والتمايزات القائمة على النوع، وتشجيع المرونة في التشغيل بها يعنيه من تسريح للمئات من العمال والعاملات، وتقليص فرص العمل، كل ذلك لم يفض سوى إلى توسيع دائرة الفقر والهشاشة، والرفع من نسبة الفقراء والمعوزين.
والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إذ تشاطر المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان رأيه في أن "الفقر مسألة خيار سياسي" وبأنه لا يمكن القضاء عليه إلا عبر: "مراجعة تصور العلاقة بين النمو والقضاء على الفقر؛ معالجة مسألة التفاوتات وتبني مبدأ إعادة توزيع الدخل؛ تعزيز العدالة الضريبية؛ تنفيذ الحماية الاجتماعية الشاملة؛ جعل الدور الحكومي في صلب العملية؛ تبني الحكامة التشاركية؛ تكييف قياس الفقر على الصعيد الدولي"، فإنها تنتهز مناسبة احياء اليوم الدولي للقضاء على الفقر للتعبير عما يلي:
• تأكيدها على أن القضاء على الفقر المدقع والهشاشة وتجفيف منابعهما ممكن، وهو مرتبط بالقضاء على الفساد ورهين بإقامة نظام ديمقراطي، يحترم إرادة الشعب المغربي، ويضمن حقه في تقرير مصيره السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والبيئي، ويوفر شروط التنمية المستدامة؛
• دعوتها الدولة إلى نهج سياسات اقتصادية واجتماعية قادرة على محاربة الفقر، وتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير العيش الكريم للجميع؛ مع ما يستلزمه هذا من توزيع عادل للثروات، وتعزيز وتجويد للمرافق العمومية التي تقدم الخدمات الاجتماعية، وحماية من البطالة، ورفع للقدرة الشرائية، وزيادة في الأجور والمعاشات، وإلغاء للضرائب بالنسبة للمداخيل الصغرى والمتوسطة وبالنسبة للمعاشات؛ والرفع منها بالنسبة للأثرياء والشركات الكبرى؛
• حثها الدولة على الوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاقيات والعهود الدولية لحقوق الإنسان التي صدّقت عليها، ولاسيما الإعمال الكامل والواضح لمقتضيات العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛
• تشديدها على وجوب ضمان الحق في الشغل لجميع المواطنات والمواطنين، وعلى رأسهم حاملو الشهادات، واحترام حقوق العمال، من خلال التطبيق السليم لقوانين الشغل، وجعل حد للانتهاكات الصارخة التي يتعرضون لها؛
• مطالبتها بإطلاق سراح كافة معتقلي الرأي والتعبير وكل ضحايا الاعتقال التعسفي، وعلى رأسهم من تبقى من معتقلي حراك الريف، والاستجابة لمطالب الحراكات الاجتماعية العادلة والمشروعة والكف عن نهج سياسة القمع والترهيب والتخويف؛
وفي الأخير، فإن الجمعية تجدد دعوتها إلى جميع القوى الحية ببلادنا، وفي مقدمتها الحركة الحقوقية والديمقراطية، للعمل المشترك والوحدوي في إطار جبهة اجتماعية متراصة، للنضال من أجل بناء مغرب الغد؛ مغرب الديمقراطية، والكرامة، والحرية، والعدالة الاجتماعية، وكافة حقوق الإنسان للجميع.
المكتب المركزي:
17 أكتوبر 2024



ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق