محمد جبر الريفي: رحيل صوت النضال والإبداع الفلسطيني- بيسان عدوان
محمد جبر الريفي: رحيل صوت النضال والإبداع الفلسطيني
بيسان عدوان
"إن الثقافة ليست مجرد معارف وتقاليد، بل هي سلاح يحدد مصير الشعوب، لذا فإن حضارة القمع تسعى إلى طمس الهوية والذاكرة، لتبقى الشعوب بلا جذور، بلا تاريخ."
لخص محمد جبر الريفي بتلك المقولة حول الإبادة الثقافية وحضارة القمع، مدى أهمية الثقافة في تشكيل الهوية الوطنية، وكيف تستخدم أنظمة القمع القوة لفرض هيمنتها على الشعوب عبر تدمير ثقافتها وذاكرتها.
رحل الكاتب الفلسطيني محمد جبر الريفي في غزة يوم السبت ٢٦ أكتوبر/تشرين الأول، تاركًا خلفه إرثًا أدبيًا وثقافيًا غزيرًا، يجسد معاناة الشعب الفلسطيني وتطلعاته. وُلد في عام 1943 في قرية الريف بالقرب من حيفا، وعاش تجربة النكبة واللجوء منذ نعومة أظفاره، مما صقل رؤيته الأدبية ونظرته إلى العالم.
عاش الريفي في ليبيا لأكثر من عشرين عامًا، حيث عمل كمدرس، لكنه لم يتوقف عن الكتابة والإبداع. في تلك الفترة، انخرط في الحياة الثقافية هناك وتولى أمانة سر اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين فرع ليبيا خلال الثمانينيات. بعد عودته إلى غزة في منتصف التسعينيات، استمر في التعبير عن قضايا وطنه، حيث كان كاتبًا نشطًا ومبدعًا لا يعرف الكلل.
محمد جبر الريفي هو كاتب فلسطيني بارز ترك أثرًا عميقًا في الأدب العربي من خلال أعماله التي تناولت قضايا الهوية الوطنية واللجوء والنكبة. يمكننا استعراض بعض من أعماله البارزة وتحليل مضامينها:
"الغزو الثقافي: الموقف الأمريكي والواقع العربي"
هذا الكتاب يتناول تأثير الثقافة الغربية، وخاصة الأمريكية، على المجتمعات العربية. من خلال تحليل الاستراتيجيات الثقافية التي استخدمتها الولايات المتحدة لتقويض الهويات الوطنية، يستعرض الريفي كيف تساهم هذه الظواهر في تعزيز الهيمنة السياسية. ينبه الكاتب إلى أهمية الوعي الثقافي كوسيلة للمقاومة، حيث يحث على ضرورة تعزيز الثقافة الوطنية كوسيلة لمواجهة الغزو الثقافي.
"حضارة القمع"
في هذا العمل، يسبر الريفي أغوار الأساليب القمعية التي تمارسها الأنظمة المختلفة ضد شعوبها. يعرض فيه كيف أن القمع لا يقتصر على القمع الجسدي بل يمتد إلى القمع الفكري والثقافي. يتناول الريفي تجارب الشعب الفلسطيني كحالة دراسية، مشيرًا إلى كيفية تأثير الاحتلال على الإبداع والحرية الفكرية. يشكل الكتاب دعوة للتفكير النقدي حول الأنظمة القمعية وضرورة المقاومة ضدها.
"حارس الليل"
تعتبر هذه المجموعة القصصية واحدة من أبرز أعماله، حيث تتناول مجموعة من القصص القصيرة التي تعكس تجارب الفلسطينيين في الشتات. يسلط الريفي الضوء على معاناة اللجوء وفقدان الهوية من خلال شخصيات تتصارع مع ذكرياتها ومآسيها. تبرز هذه القصص الجوانب الإنسانية العميقة للفلسطينيين، مما يجعل القارئ يتعاطف مع واقعهم.
"أشياء غير منسية"
تتناول هذه المجموعة أيضًا ذاكرة الفلسطينيين وتجاربهم في سياق النكبة. يتميز الريفي في هذه الأعمال بقدرته على التعبير عن المشاعر المعقدة المتعلقة بالفقدان والحنين. من خلال نصوصه، ينقل القارئ إلى عوالم مأساوية، لكنه في الوقت نفسه يبرز الأمل والإصرار على المقاومة.
"طقوس مناجاة البحر"
في هذا العمل، يربط الريفي بين الطبيعة الفلسطينية وتجارب الإنسان الفلسطيني. يستخدم البحر كرمز للحنين والذكريات، ويعكس الصراعات النفسية التي يعيشها الشعب الفلسطيني. تعتبر الكتابة في هذه المجموعة أكثر شاعرية، حيث يمزج بين اللغة الأدبية والتعبير العاطفي.
"وجوه لا تفترق"
تتناول هذه المجموعة القصصية مسألة الهوية والذكريات، حيث يقدم الريفي صورًا متعددة من حياة الفلسطينيين. تظهر الشخصيات في هذه القصص كرموز للصمود والإصرار، وتتناول قضايا الاغتراب والعودة، مما يعكس واقع الشعب الفلسطيني المعاصر.
تتميز أعمال محمد جبر الريفي بعمقها الفكري وجمالها الأدبي، حيث استطاع من خلالها أن يعبر عن معاناة الشعب الفلسطيني وآماله. من خلال الكتابة، أنشأ الريفي جسورًا تربط بين التجارب الفردية والواقع الجماعي، مؤكدًا على أهمية الأدب كأداة للمقاومة والتعبير عن الهوية. تبقى أعماله نافذة مهمة لفهم التجربة الفلسطينية وما يعيشه الشعب من تحديات وآمال.
لقد كان محمد جبر الريفي أيضًا صوتًا جريئًا في إدانة العدوان الإسرائيلي وفضح جرائم الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. ظل يكتب مقالاته ومنشوراته التي تندد بالظلم، مبرزًا ما يعانيه أبناء وطنه من شتات وفقدان أحبتي.
برحيله، فقدت الثقافة الفلسطينية أحد أبرز كتّابها، لكن إرثه الأدبي سيبقى شاهدًا على المقاومة والأمل. إن أعماله ليست مجرد كلمات على صفحات، بل هي صرخات من القلب تعبر عن معاناة أمة بأكملها. ستظل ذكراه حية في قلوب المثقفين والقراء، وستستمر تأثيراته في الأجيال القادمة من الكتّاب الذين يسعون إلى استعادة الحق الفلسطيني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق