الحزب الشيوعي العراقي – القيادة المركزية النصر الفلسطيني
الحزب الشيوعي العراقي – القيادة المركزية
النصر الفلسطيني
إنّ وقفَ إطلاق النارِ الذي دخلَ حيّزَ التنفيذِ يوم الأحد 19/1/2025، هو استراحةُ المقاومِ الفلسطيني الذي أثبت للعالم أنّ الشعوبَ الفقيرة المضطهَدة تنتصرُ على الرغم من فقرِ الإمكانات المادية العسكرية، وإنّ إرادة القتال والثباتَ عليه، تأتي مع مفرداتِ الظلمِ الذي يلحقُ بالشعوب، ومثالُهُ الراهنُ شعبُنا الفلسطيني المقاومُ والصابرُ في غزّةَ. وما يشاهدُهُ العالمُ اليومَ عبرَ الشاشات واللقطاتِ المصوّرةِ لأبناءِ الشعب في غزة وهم يتحدثون بفخرٍ عن المقاومةِ وأبطالِها، وعن النصر المؤزّرِ، على الرغم من قسوةِ ومعاناة الشهور الـ 15 التي مرت عليهم في أبشع أنواع المعاناة، من الجوعِ والبرد والحر والتدميرِ المستمر والقتلِ الوحشي، هو لافتةٌ عريضةٌ وبلا حدود عن النصر الفلسطيني. وليس أوضحَ اليوم من الحديثِ عن التطهير العرقي الأرعن والجرائم التي ارتكبها العدو الصهيوني بمعية أمريكا وحلفائها الغربيين ودول الرجعية العربية بمن فيهم دول النفط الخليجية والخونة العرب ساسةً ومثقفين، بعد أن شهِد العالم كله تلك تلك الجرائم، واحتجت الشعوب الحرة وأحرار العالم على الوحشية الصهيوأمريكية ضد النساء والأطفال والشيوخ في غزة.
لكن الملفت للنظر بروزَ لغةٍ انهزامية في الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي في أثناء الحديث عن وقف إطلاق النار في غزة وهي تذكرُ النصرَ كما لو انه هزيمة. إنّ هذه اللغة الانتهازيةَ المهزومة هي لغةُ الخونة العبيد، ولغة أعداء الشعوب، الذين يحاولون أنْ يضعوا للحرية ثمناً بخساً يعادل الأبنية والحَجَرَ، ويقارنوها بالتدمير الحاصل على الارض، كما لو أنها معادل خاسر للحرية. إنهم في الحقيقة، يدعون الشعوب للاستسلام ووضعِ نيرِ العبودية في أعناقِهم، فيما هم جميعاً يعلمون أنّ الحرية لا تُنال بطلبِها وتوسِّلها من يدِ المتسلط والقاتل ومجرم الحرب والغازي الأجنبي المستعمر العدواني، بل أنّ ثمنها فقط التضحيات وبذل الدم والروح والغالي والنفيس، وهذا ما قدمه شعبنا الفلسطينيي بلا تردد. نعم، أنه لمن المؤسف، بل ومنتهى الجرم والهمجية، ويدمي قلب الأحرار، أنْ يتعرّض الأطفال والنساء والمدنيون العزّلَ لمثلِ هذه الجرائم الوحشيّة التي ارتكبتها الإمبريالية العالمية بتوكيل غربي أمريكي للفاشية الصهيونية. لكنها في الحقيقة تؤكد طبيعة العدو وحيوانيته ووحشيته منقطعة النظير في عصرنا الراهن.
ونذكّر هؤلاء الذين يحاولون أن يُنسونا معاني الحريّة بما قاله "أحمد شوقي"، من أنّ في عنقِ كلِّ مواطنٍ حرٍ دَيْناً يشعرُ به ويؤرقه، ويعذبه عدمُ سدادِهِ من دمه حينما يحينُ موعد السداد، عندما يرى الأعداءَ يسومونَهُ وأهلَه العذابَ والظلمَ والازدراء وهدرَ كرامتِهِ وسحقَها ومسحَها بالأرض. لذا قال شوقي مخاطباً هؤلاء الأحرار فقط:
وللحرّية الحمراءَ بابٌ بكلِّ يدٍ مضرّجةٍ يُدَقُ
وقوله هذا لم يوجهه إلى الانهزاميين والخونة والقاعدين المتربصين بالحرية وبكل نصر وكل كرامة.
إنّ الشهور القليلة الماضية شهدت إعلان هزيمة العدو وجاء تأكيدها على لسان قادته. وهي الحقيقة التي دفعته مرغماً وصاغراً نحو توقيع الاتفاقية، مع الميزة المتقدمة في بنودها لخيارات المقاومة الفلسطينية، التي حاول الإعلام المرتزق إغفالها، فيما هو يصنع في المقابل الضجيج ويبث الإشاعات المغرضة والتهويل عن الضغط الأمريكي على العدو لتوقيع اتفاقية وقف إطلاق النار. وفي الحقيقة إنّ الغالبية من قيادات العدو أدركوا أنّ الهزيمة واضحة وأنّ التهديد والوعيد بالقضاء على المقاومة كان مجردُ هراء ولغو عنصري أطلقه العدو المحتل بمعية الحكومة الأمريكية وحلفائهما من مجرمي الحروب، وقتلة الأطفال، ومنظمي التطهير العرقي في غزة.
نعم، إنّ للمتغيرات الدولية دوراً في الحسابات الجيوسياسية، ولأن أمريكا هي الداعم الأول والأهم والأكثر تأثيراً على مجريات الصراع والحضور العسكري للعدو، وهي غالباً ما انقذت العدو بدعمها غير المحدود من الهزيمة وانهاء وجوده. عليه يأتي فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الامريكية ليكون عاملاً إضافياً في إرباك حسابات العدو في تل أبيب، الإرباك الذي صنعته المواجهات الشجاعة للمقاومين في غزة وتدمير آلته العسكرية والبشرية والاقتصادية، وفقا للإحصاءات الرسمية. لأن جامع الأموال هذا "كما يصف ترامب نفسه" الصهيوني، المتغطرس، المجرم عرّاب الخيانة العربية المعروفة بعنوانها الفاقع اللون "صفقة القرن" البائسة، ليس مستعداً لدفع دولاراته حتى لحلفائه وأصدقائه، وغالبا ما أعلن عن موقفه هذا حتى بالنسبة لحلفائه الأوربيين، كما وسبق أنْ لوّح بترك الأوكرانيين والصهاينة معاً وحجب الدعم عنهم.
لكن في الأساس أنّ ما تكبده العدو من خسائر في جيشه ومعداته، على الرغم من الحجم الهائل من المساعدات والدعم الدوليين، أضعفه وأربك حساباته وأجبره على الإقرار بالهزيمة وتوقيع الاتفاق. هذه هي الحقيقة باختصار شديد. ولو نظرنا بشكل متفحّص إلى تلك الخسائر المرعبة التي تكبدها العدو ميدانياً في المواجهات البطولية للمقاومة، مع الانهيار الاقتصادي الشديد الذي برز واضحاً في ضعف الناتج المحلي الإجمالي وفوضى وعجز الموازنة العامة، لوجدنا أنّها خسائر كارثية نسبةً إلى كيان صغيرٍ مكوّن من بنية عسكرية في أساس تكوينه، وغير قادر على إدارة مؤسساته الخدمية وتحسين ظروف المعيشة لجيشه ومرتزقته ومؤساساته القمعية وحياته المدنية برمتها. ولولا الدعم الغربي وخيانة دول عربية وكيانات وظيفية، لانهار كيان العدو الغاشم في أولى المواجهات.
فقد أشارت الاحصاءات التي قدمها العدو، وبعض المؤسسات المتخصصة، عن كلفة الحرب الهائلة، إلى أن خسائر العدو عموماً بلغت معدلات كبيرة. فكلفة الحرب الإجمالية مع التعويضات بلغت 67.6 مليار دولار، من أصل حجم الموازنة العامة لعام 2024 والبالغة 128.474 مليار دولار، اي ما يعادل 53% من الموازنة. وهو الأمر الذي الحق الضرر بـ 65% من سكان الارض المحتلة ودفع اكثر من 25% منهم الى العيش تحت خط الفقر. وارتفعت بسبب ذلك ايضاً معدلات الهجرة الى الخارج التي قاربت المليون، هربا من وحشية الكيان والنتائج التي سببتها جرائمه والتي سيأتي بها الغد.
فيما شهد الناتج الاجمالي الداخلي عجزاً قدره 8.3%، كان منه؛ تراجع السياحة بنسبة أعلى من 80%، مقارنة بعام 2019 و70% مقارنة بعام 2023. وأغلقت 60 ألف شركة أبوابها وصفّت أعمالها خلال عام 2024. وتعطلإ الآلاف من المصانع والمعامل التي تعمل في سد الحاجات االيومية، وإنهار الإنتاج الزراعي بشكل خطير بنسبة تجاوزت 75%، وفُقدت حاجات الغذاء اليومي الأساسية، لولا ما قدمته الحكومة الأردنية الخائنة للعدو بقصد سد حاجته وانقاذ جيشه ومرتزقته من المحاصيل الزراعية طيلة فترة القتال. وقد انخفض تعداد الأيدي العاملة في قطاع البناء بنسبة 50%، وهو ما أصاب قطاعات العمل الأخرى أيضاَ، بسبب من التجنيد والهجرة إلى الخارج والإقفال. وقدّر الإعلام الخسائر في قطاع البناء بـ 644 مليون دولار لكل أسبوع.
أمّا الخسائر العسكرية المادية، فإن نتائج الإحصاءات تقول إنّه منذ بداية الاجتياح الصهيوني لقطاع غزة حتى وقف إطلاق النار يوم 19//1/2025، كان كالتالي؛ دمر المقاومون في غزة 1130 آلية شملت 962 دبابة و 55 ناقلة جنود و 74 جرّافة و 3 حفّارات و14 مركبة عسكرية. أما عن أعداد الجنود والمرتزقة فقد ذكرت وزارة الدفاع الصهيونية أن 10.300 جندي أُصيبوا إصابات بالغة، منهم 3500 كانت إصابات معيقة وبتر أطراف. وتحفظت على ذكر عدد القتلى في صفوف جنودها ومرتزقتها، أوحاولت إنقاص عديدهم بنسب كبيرة.
هذه الخسائر الهائلة والاضطرابات الداخلية وتفاقم الصراعات وتمرد الجنود والمرتزقة عن المشاركة في الجرائم العسكرية العدوانية ضد سكان غزة العزّل، والخوف من مواجهة أبطال المقاومة، كشفت عن تفكك نظام الفصل العنصري والابادة الجماعية الصهيوني وهشاشته البالغة من الداخل. كذلك بات اشتعال الصراعات بين أطراف الحكم الصهيوني في تل أبيب، يهدد بشكل مركزي هذا الكيان في وجوده بصورة كاملة. ومن المفروغ منه أنّ هذه الأوضاع التي صنعها أبطال المقاومة في غزة منذ فجر يوم 7 أُكتوبر/تشرين الأول، هي التي أنتجت النصر الفلسطيني وألحقت الهزيمة بالعدو وداعميه الأمريكان والأوربيين والخونة والمطبعين والرجعيين العرب جميعاً. والأرقام بحد ذاتها تؤكد أنّ المقاومة أحرزت نصراً عجزت عنه الأنظمة العربية طيلة تأريخها، على الرغم من التدمير الهمجي الذي أحاق بغزة، في الأبنية والمساكن والمدارس والمشافي، وعلى الرغم أيضاً من عديد الشهداء من أطفال ونساء ومقاومين، وتلك هي أثمان الحرية الغالية. لكن ما يشهد على النصر أن المقاومة ظهرت في النتيجة بعد وقف إطلاق النار، بعنفوانها الثوري وقوتها التي وصفها أحد جنرالات الجيش الصهيوني السابقين، قائلاً إنّ المقاومين يزدادون عدداً، وكل يوم يجنّدون أضعاف ما يخسرونه من مقاتلين، خلاف ما يواجهه العدو من مشاعر الهزيمة، وآثارها على نظامه السياسي وكيانه الخرب.
المجد للمقاومة الفلسطينية ونصرها المؤزر.
الحزب الشيوعي العراقي – القيادة المركزية
21/1/2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق