في ذكرى وفاة شهدي عطية الشافعي 15 يونيو 1960
في ذكرى وفاة شهدي عطية الشافعي 15 يونيو 1960
عندما تحدث شهدي عطية الشافعي عن نهايته ..
(إنها رسالتنا المقدسة .. أن نقاتل ونكافح ونجاهد حتى نطَهر الأرض من كل استعمار وكل استعباد وكل استغلال .. فإذا متنا أو قتلنا أو ذوبَنا أو أشيع بنا إلى غياهب السجون استمرت رسالتنا شعلة مقدسة يحملها الآلاف والملايين .)
- شهدي عطية الشافعي من مقال نحن في السجن في يوليو 1946 -
عام 1945 قامت منظمة طليعة العمال بإصدار مجلة الفجر الجديد وكان صاحب الإمتياز ورئيس التحرير أحمد رشدي صالح وكتب في المجلة عدد من المثقفين المصريين منهم أبوسيف يوسف وعبدالرحمن الشرقاوي وسعد مكاوي ونعمان عاشور وغيرهم وكتب شهدي عطية الشافعي أيضا ثلاث مقالات بها وحدث أن تم اعتقاله عام 1946 فتضامنت المجلة معه ومع زملائه فأرسل لهم شهدي عطية مقالا من داخل السجن بعنوان " نحن في السجن " نشرته المجلة في يوليو 1946 يقول في ختام المقال "إنها رسالتنا المقدسة .. أن نقاتل ونكافح ونجاهد حتى نطَهر الأرض من كل استعمار وكل استعباد وكل استغلال .. فإذا متنا أو قتلنا أو ذوبَنا أو أشيع بنا إلى غياهب السجون استمرت رسالتنا شعلة مقدسة يحملها الآلاف والملايين ." فهو هنا يتوقع قتله في غياهب السجون فدائا لرسالته ولعله في أسوأ توقعاته لم يكن يدرك أبدا أنه سيُقتل في ظل النظام الثوري الذي طالما دعى إليه وكتب هو وزميله عبدالمعبود الجبيلي " أهدافنا الوطنية " والذي يعتبر تمهيدا لأهداف ثورة 23 يوليو 1952 ولعل الرسالة التي أرسلتها زوجته لجمال عبدالناصر بعد مقتله معبرة عن ذلك حين قالت " تذكر يا سيادة الرئيس أن شهدي لم يقتل في العهد الملكي أو على يد الإحتلال الإنجليزي لكنه قُتل في عهد الثورة " فقد كان شهدي عطية مؤيدا لجمال عبدالناصر وعبَر عن تأييده أثناء محاكمته في الإسكندرية عام 1960 في المحكمة التي كانت برئاسة الفريق هلال عبدالله هلال ووصف نظام عبدالناصر بالوطني وحث رفاقه على مساندته في معاركه ضد الإستعمار . وقد عبَر الشاعر الكبير فؤاد حداد عن مقتل شهدي وهو يؤيد عبدالناصر بهذه الصورة التراجيدية بقصيدة طويلة قال فيها :
وادي اللي كان بيقول ما أقدرش
أنزل طابور أنا ما اتمخطرش
راحت عليك أيام العرش
آدي الحكومة الوطنية
ربما كان مقتل شهدي عطية بهذه الصورة الوحشية كان يمكن أن يمر مرور الكرام مثل مقتل فريد حداد الذي سبقه بسبعة أشهر فقط لولا عاملين مهمين ومكملين لبعضهما البعض العامل الأول هو وجود عبدالناصر في يوغسلافيا وقتها وهذه قصة معروفة وعدما علِم تيتو طلب وقوف البرلمان حداداعلى روح فقيد الحركة العمالية العالمية الذي قُتل في سجون مصر فأرسل عبدالناصر يطلب التحقيق وهنا يأتي العامل الثاني فقد حاول البوليس تضليل النيابةوفي 18 يونيو1960 جاءت النيابة للمعتقل للتحقيق لسؤال زملاء شهدي عما حدث. لكن إدارة المعتقل عملت على تضليل النيابة وأنكرت وجودهم في هذه اللحظة ظهرت بطولة صبحي رياض صليب وهو من كوادر حدتو، وكان معتقلا في عنبر رقم 3 بالأوردي ويتعرض للتعذيب مع زملائه فقد سمع رياض صبحي وهو داخل العنبر شخصا يسأل أين سقط شهدي؟ هنا تسلق صبحي شباك العنبر بشجاعة وصرخ قائلا: هنا تم قتل شهدي وبذلك أفسدت شجاعته محاولة ضباط المعتقل تضليل النيابة. ولم يعبأ بأنه تحت قبضة ضباط قتلة لا يتورعون عن الانتقام منه أو قتله.وهكذا كانت دماء شهدي عطية فداءا لباقي رفاقه ولعل مقتل شهدي عطية بهذه الطريقة ظلمته كثيرا فأصبح التعاطي معه عن مقتله فقط دون معرفة تاريخه الطويل في العمل السياسي أو كتاباته وأهمها "تطور الحركة الوطنية المصرية 1882 – 1956" هو الكتاب الذي يتناول الحركة الوطنية من الثورة العرابية حتى ثورة يوليو مرورا بثورة 1919 وهذا الكتاب لم يٌطبع سوى مرتين في عام 1957 وثاني مرة طبعته ابنته حنان في أوائل الثمانينات حين أسست دار "شهدى " وأيضا كتاب "ماذا تريد أمريكا من الشرق الأوسط" الذي يحذر من خطورة الإندفاع والتحالف مع القوى الإمبريالية ويلقي الضوء على المخططات الأمريكية في المنطقة لكن هناك جانب من جوانب شهدي عطية الفكرية ظل في دائرة الظلام فترة طويلة ربما كان لشهدي نفسه يدا في ذلك بسبب إندفاعه في العمل السياسي وهو الجانب الأدبي فقد لا يعرف الكثير أن شهدي بدأ النشر الأدبي مبكرا جدا عام 1933 وهو طالب في البكالوريوس فكان يطتب مقالات أدبية في مجلة الرسالة جنبا إلى جنب مع أحمد حسن الزيات وأحمد أمين وإيليا ابوماضي وبشارة الخوري والرافعي وتوفيق الحكيم وغيرهم من عمالقة الأدب , فكتب شهدي مجموعة مقالات فلسفية عام 1933 عن تولستوي وناحية من نواحي فلسفته فكتب عنه " طفل خجول نفور من الناس، لكنه رقيق المشاعر شديد الحس جياش العاطفة. ثم جندي يحارب في سبيل الوطن. مستهتر متهتك مبالغ في الاستهتار. وهو ملحد مغرق في الإلحاد ساخر بالدنيا. ثم هو كهل شديد الإيمان قوي الثقة في الحياة.وأخيراً تتمخض حياة الروائي الكبير عن شيخ يعتزل ثروته ويترك المدنية بكل زينتها وخداعها ونفاقها ليعمل جنباً إلى جنب مع فلاحيه، وليفيض قلبه حنانا على الإنسانية المعذبة. وليصبح شخصية خالدة على ممر الدهور.هكذا كان تولستوي وهكذا كانت حياته." وعندما أراد شهدي عطية أن يبدي رأيه في مسرحية أهل الكهف للأستاذ توفيق الحكيم كتب مسرحية أبطالها هم أبطال أهل الكهف وأضاف إليهم توفيق الحكيم نفسه وجعلهم يحاورونه وكتب في مقدمة المسرحية " قرأت لتوفيق أهل الكهف فيمن قرأ. وأحببتها حباً فوق حب الناس لها. ولكن ناحية منها لم ترضني، وليس ذلك بجريرة للمؤلف آخذها عليه. ولكنه شعور نفسي تملكني." ومؤخرا صدرت رواية "حارة أم الحسيني وقصص أخرى لشهدي عطية " وهى رواية كتبها في جريدة المساء في الخمسينات وبعض القصص الأخرى وهكذا يتكشف وجهاً آخر للشهيد شهدي عطية الشافعي كان خافيا على الكثير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق