جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

التصعيد في الشرق الأوسط واستراتيجية الاحتواء: خيارات إيران بين الردع والتريث.*أبوعلي بلمزيان.

 التصعيد في الشرق الأوسط واستراتيجية الاحتواء: خيارات إيران بين الردع والتريث.

إن التصعيد المستمر في الشرق الأوسط يأتي في سياق صراع طويل الأمد يهدف إلى إعادة رسم موازين القوى في المنطقة، حيث تعمل القوى الكبرى على استنزاف إيران من خلال استهداف حلفائها الإقليميين وإضعاف نفوذها تدريجيًا. هذا النهج ليس جديدا، بل هو امتداد لاستراتيجية الاحتواء التي تبنتها الولايات المتحدة تجاه إيران منذ عقود، والتي تقوم على فرض العقوبات، تعزيز الضغوط العسكرية، وتفعيل الحصار السياسي عبر الحلفاء الإقليميين. ومع ذلك، فإن هذه السياسة لم تؤدِ إلى انهيار النفوذ الإيراني، بل دفعت طهران إلى تبني أساليب أكثر مرونة وفاعلية في إدارة الصراع، من خلال تعزيز تحالفاتها الإقليمية وتوسيع استراتيجياتها العسكرية والاقتصادية لمواجهة الضغوط الخارجية.
إيران تجد نفسها اليوم أمام مفترق طرق حاسم في إدارتها للتصعيد، إذ أن استمرار الضغط على حلفائها، خصوصًا حزب الله وسوريا، يشكل تهديدًا استراتيجيًا لمجمل مشروعها الإقليمي. الخيارات المتاحة أمام القيادة الإيرانية تتراوح بين التصعيد المباشر عبر ضربات استباقية تستهدف مصالح أمريكية وإسرائيلية في المنطقة، وهو خيار يحمل في طياته مخاطر هائلة قد تؤدي إلى اندلاع حرب واسعة النطاق، أو الاستمرار في استراتيجية الاحتواء، عبر تعزيز دعمها لحلفائها واستخدام أساليب غير مباشرة لردع خصومها، وهي السياسة التي أثبتت فعاليتها في السنوات الماضية. الخيار الأول قد يكون ضرورة إذا ما وصلت إيران إلى قناعة بأن الاستنزاف الذي تتعرض له وصل إلى مرحلة تهدد وجودها الإقليمي بشكل جوهري، إلا أن تكلفته العسكرية والاقتصادية والسياسية تجعل من غير المرجح أن يتم اعتماده إلا في حالات قصوى. في المقابل، فإن خيار التريث والاحتواء يتيح لطهران إمكانية إدارة التصعيد دون التورط في مواجهة مباشرة، مما يمنحها هامشًا أوسع للمناورة في ظل التوازنات الدولية الحالية.
التحدي الأساسي الذي تواجهه إيران في أي مواجهة مفتوحة يكمن في قدراتها العسكرية والاقتصادية على تحمل صراع طويل الأمد. من الناحية العسكرية، تمتلك إيران ترسانة صاروخية متطورة ونفوذًا واسعًا عبر الفصائل الحليفة، لكن الفجوة التكنولوجية مع الولايات المتحدة وإسرائيل تظل كبيرة، ما يجعل أي مواجهة مباشرة مكلفة للغاية. رغم أن إيران تعتمد على استراتيجية "الردع المتدرج"، التي تقوم على تصعيد محسوب لا يصل إلى مرحلة المواجهة الشاملة، إلا أن هذه السياسة قد لا تكون كافية إذا ما قررت القوى المعادية تكثيف الضغوط بشكل غير مسبوق. من الناحية الاقتصادية، فإن العقوبات المستمرة فرضت تحديات هائلة على الاقتصاد الإيراني، غير أن طهران نجحت في إيجاد بدائل عبر تعزيز علاقاتها التجارية مع الصين وروسيا، واللجوء إلى الاقتصاد غير الرسمي في تصدير النفط. ومع ذلك، فإن استمرار الضغوط المالية قد يؤدي إلى تصاعد الأزمات الداخلية، مما قد يضعف قدرة إيران على الاستمرار في المواجهة لفترة طويلة.
في المقابل، فإن الولايات المتحدة تحاول استعادة نفوذها الإقليمي عبر استراتيجية مزدوجة تقوم على احتواء إيران وتعزيز التحالفات الإقليمية لضمان تفوقها الاستراتيجي. غير أن المشهد الدولي لم يعد كما كان عليه في العقود السابقة، حيث أصبح النظام العالمي متعدد الأقطاب، مما يجعل من الصعب على واشنطن فرض إرادتها بشكل منفرد. الدعم المتزايد الذي تتلقاه إيران من الصين وروسيا يمثل عاملًا رئيسيًا في إعادة تشكيل موازين القوى، حيث تسعى هاتان القوتان إلى منع واشنطن من تحقيق هيمنة مطلقة على الشرق الأوسط. في الوقت نفسه، فإن الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في المنطقة، مثل السعودية والإمارات، أصبحوا أكثر حذرًا في الانخراط في صراعات كبرى، مما يقلل من فعالية التحالفات الأمريكية في تحقيق أهدافها.
التوازنات الحالية تشير إلى أن إيران ستستمر في اتباع نهج مزدوج يجمع بين الردع والتريث، حيث ستواصل تعزيز نفوذها عبر حلفائها مع تجنب مواجهة مفتوحة قد تكون نتائجها كارثية. ومع ذلك، فإن المخاطر تظل قائمة، خاصة إذا ما قررت الولايات المتحدة وإسرائيل رفع مستوى الضغوط إلى درجة تجعل من الحرب أمرًا لا مفر منه. قدرة إيران على تغيير قواعد اللعبة قبل الوصول إلى هذه المرحلة ستعتمد بشكل أساسي على مدى نجاحها في إدارة الضغوط الداخلية والخارجية، واستغلال التغيرات في النظام الدولي لصالحها، من خلال تعزيز تحالفاتها مع القوى الكبرى وإعادة توظيف أدواتها الاستراتيجية بشكل أكثر فاعلية.
- الحسيمة في 22 مارس 2025.
- أبوعلي بلمزيان.



استنزاف حزب الله كمقدمة لتعبيد الطريق للمليشيات الإرهابية المتربصة على الحدود..
ما يجري اليوم من قصف على جنوب لبنان من طرف الكيان يتماشى مع الاستراتيجيات التي تم توظيفها في المنطقة سابقا. استئناف القصف الصهيوني على جنوب لبنان يبدو كجزء من سياسة استنزاف حزب الله وإشغاله بجبهة مفتوحة، مما قد يضعف قدرته على الردع ويحدّ من هامش مناورة المقاومة. وإذا كان هناك تصعيد على هذه الجبهة، فقد يكون الهدف الحقيقي هو إرهاق الحزب قبل شن هجوم متزامن عليه من الداخل السوري عبر الجماعات المسلحة الموالية للغرب و بعض القوى الإقليمية. وهذا يتقاطع مع ما حصل في سوريا عندما تم إنهاك الجيش السوري عبر فتح جبهات متعددة، ما سهل تمدد الجماعات الإرهابية المدعومة خارجيا.
السؤال المطروح: هل سيقع حزب الله في الفخ هذه المرة، أم أنه استخلص الدروس من الحرب على سوريا؟
سؤال سنعود اليه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *