سوريا الجديدة...التقسيم العملي والوحدة الشكلية *إدريس عدار
سوريا الجديدة...التقسيم العملي والوحدة الشكلية
إدريس عدار
ما الذي دفع أبو محمد الجولاني، رئيس الأمر الواقع لسوريا، يقبل بيان النوايا الذي قدمه مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، بعد رفضه في وقت سابق؟ ولماذا توجه نحو عقد تفاهمات مع الدروز؟ أي علاقة للأمر بانفضاح المجازر ضد العلويين؟ وما دخل التوافقات بين واشنطن وموسكو في هذا الأمر؟ وقلب الأسئلة ولبها: ماذا ربح الجولاني وماذا خسر؟ وهل فعلا يمكن القول إن هذه الاتفاقات تضمن وحدة سوريا؟
جاءت هذه الاتفاقات في زمن مضطرب. بعد سيلان الدماء في الساحل السوري. لقد انكشف الجولاني، وظهرت تناقضاته في أقل من أربعة أيام. يوم الخميس الماضي قال وزير داخليته إن قوات الأمن العام تنفذ عملية ضد "فلول النظام". ويوم الأحد مع الفجر قال الجولاني إنه عيّن لجنة للتحقيق في انتهاكات وقعت من جماعات مسلحة.
كيف يمكن الحديث عن جماعات مسلحة بآليات وسيارات وسارت من كافة المدن تحت دعاوى انطلقت من المساجد في وقت يقول إن السلاح ينبغي أن ينحصر بيد الدولة؟
وتبين أن السلاح الوحيد الذي يقصد الجولاني هو أي سلاح في الساحل، وهو ما لم يتمكن منه لهذا لجأ إلى الفتك بالمدنيين أطفالا ونساء ولم يعد هذا الأمر خاف، وأكدته تقارير عديدة، ومنها تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان، المعارض لنظام الأسد، وتقارير أممية وأوروبية وما كشفت عنه آلاف الصور والفيديوهات التي تسربت عبر مواقع التواصل الاجتماعي. بينما السلاح الآخر سيبقى بيد أصحابه وهذا ما سنرى.
في الاتفاق الأول مع قسد، وهو لا يخرج عن نطاق نوايا، وحسب معطيات مؤكدة فإن هذا هو البيان الذي قدمه عبدي للجولاني منذ شهرين ورفضه مشترطا حل قواته وإدماجها في الجيش الذي شكله من الجماعات المسلحة التي كانت معه في "إمارة إدلب".
وينص البند الثاني على أن المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية.
وهذا البند يمهد للبند الرابع الذي نص على دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز.
واضح أن النص يتحدث عن دمج المؤسسات وليس حلها. وبالتالي سيكون هناك لواء عسكري وقوة أمنية ممثلة في المؤسسات المركزية لكن هي المسؤولة عن كل شيء في الإقليم.
وسيتم تنفيذ هذا الإعلان للنوايا عن طريق لجان تنفيذية خلال تسعة أشهر، ويمكن اعتبارها أول ضربة وجهها بوتين لأردوغان بعد التوافق الأمريكي الروسي بعيد عن الأوروبيين وتركيا، فالزعيم الإخواني كان كل همه حل قوات سوريا الديمقراطية وهو الأمر غير المنصوص عليه بتاتا. كما تبقى المؤسسات الكردية متحكمة في منابع النفط والغاز.
ولم يتم الحديث عن مفاتح السجون الموجودة بيد عبدي والتي تضم آلاف المقاتلين من داعش، الذين يمكن استثمارهم أمريكيا في المنطقة.
في المناطق الدرزية تم اتفاق من نوع آخر، بعد أن التقى الشرع بقادة تشكيلات مسلحة من أبناء السويداء ومن بينها "حركة رجال الكرامة" و"مضافة الكرامة" (تجمع فصائل) و"أحرار جبل العرب".
والمهم في الاتفاق هو تفعيل الأمن العام والشرطة والمدنية، وتشكيل لواء عسكري عامل في الجنوب ومن أبناء محافظة السويداء.
وأوضح فصيل الكرامة أن الاتفاق ينص في الأساس على أن يتولى أبناء السويداء (من قادة التشكيلات المحلية) مهمة ضبط الأمن والشرطة.
كما توصل الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في سوريا، حكمت الهَجري، إلى "تفاهم من 10 بنود" مع الجولاني، قصد "تسيير المؤسسات".
يتبين أن الدروز سيشكلون لواء عسكريا خاصا بهم، ستمنحهم إدارة الجولاني فقط السيارات والشارات والسلاح ولكن لن تتدخل في مؤسساتهم.
ولم يتسرب أي شيء عن حل مشكل الساحل في إطار التفاهمات الدولية وفي الغالب سيتم في النهاية اللجوء إلى الصيغة نفسها.
ويبدو أن الجيش الذي شكله الجولاني من الفصائل المسلحة سيبقى في الشام ووسط سوريا فقط.
وبذلك يكون الواقع العملي هو تقسيم سوريا إلى أقاليم موزعة طائفيا وعرقيا تحت وحدة شكلية فقط، وقد تكون هذه صيغة أمريكية أخرى للتقسيم الوارد في خارطة برنار لويس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق