جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

إعلان الرئيسية

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

الاستبداد الديني بين شرعية القمع وصمت الضمير العالمي.أبوعلي بلمزيان.

 الاستبداد الديني بين شرعية القمع وصمت الضمير العالمي.

لم يكن المشهد الذي تناقلته وسائل الإعلام عن جلد رجل في سوريا خمسا وعشرين جلدة أمام الملأ لأنه لم يؤد صلاة الجمعة سوى مشهد آخر من مشاهد البؤس السياسي والاجتماعي الذي تعيشه المجتمعات الخاضعة لحكم الطغيان الديني. إنه ليس حدثا منفصلا، بل تتويج لمسار طويل من التلاعب بالعقائد، حيث تتماهى السلطة القمعية مع الهيمنة الدينية لتعيد إنتاج نفس العلاقات الاستبدادية التي تضمن لها البقاء على حساب وعي الجماهير وحريتها.
هذا الحدث هو الامتداد الطبيعي لأنظمة استثمرت في الجهل، وطوعت الدين ليكون أداة تأبيد لاستبدادها، فلم يعد الإيمان خيارًا فرديًا، بل صار أداة ضبط اجتماعي وقانونًا للهيمنة الطبقية. الحاكم هنا لا يحكم بشرعية شعبية، بل بتفويض من قوة غيبية يدعي أنه وكيلها على الأرض، وبذلك يتحول العصيان المدني إلى كفر، والمعارضة إلى زندقة، والتفكير المستقل إلى ردة تستوجب العقاب.
لكن المفارقة الكبرى تكمن في أن هذا النظام الذي يدعي تطبيق "الشريعة" هو نفسه الذي أباح الأرض لكل قوى الاحتلال، وفتح السجون لكل صوت حر، وصادر لقمة العيش لصالح حفنة من الطغمة العسكرية والطفيلية الاقتصادية. فهل جلدُ إنسانٍ خمسًا وعشرين جلدة سيعيد للشعب السوري كرامته؟ هل هذه العقوبة ستنهي المجازر التي ارتكبتها القوى المتناحرة على الأرض السورية؟ أم أن المطلوب فقط هو استمرار آلة الترهيب في سحق الإنسان وجعله وقودًا لاستمرار الاستبداد؟
إنه نفس النظام القائم على الازدواجية: يدعي تطبيق "حدود الله"، لكنه يتجاهل أن السرقة الكبرى ليست في يد الفقير الباحث عن لقمة عيش، بل في يد أمراء الحرب وسماسرة الدم. يسوقون لنا العقوبات الجسدية باعتبارها "العدالة الإلهية"، فيما يواصلون نهبهم المنظم تحت غطاء الوطنية أو الممانعة أو غيرها من الشعارات المستهلكة.
أما على المستوى العالمي، فإن هذا المشهد ليس مجرد لقطة عرضية، بل هو عار على الضمير الإنساني الذي لم يمت فقط، بل شبع موتًا. هذا الضمير الذي يتحرك انتقائيًا، يندد حين تقتضي المصلحة، ويصمت حين يكون القامع حليفًا جيوسياسيًا. كيف لعالم يزعم الحداثة أن يسمح باستمرار أنظمة تقمع شعوبها بهذه الوحشية؟ كيف لمنظومة دولية تدعي حقوق الإنسان أن تتجاهل هذه الجرائم بينما تتباكى على انتهاكات أخرى وفق مصالحها؟
إن من يحكم اليوم باسم الدين لا يختلف عن إقطاعيي العصور الوسطى الذين استثمروا في الخرافة لضمان ديمومتهم، لكن الفارق أن أدوات السيطرة تغيرت، والضحايا ما زالوا هم نفس الجماهير المستلبة. غير أن التاريخ يعلمنا أن لكل استبداد نهاية، وأن مشروع السيطرة بالعنف مهما طال عمره فهو يحمل في داخله بذور فنائه. عندما يتوقف الجمهور عن التصفيق للجلاد، وعندما تتحول العقوبة الجسدية من مشهد للفرجة إلى دليل على العجز، حينها فقط يبدأ التحول الحقيقي.
- الحسيمة في 25 مارس 2025.
- أبوعلي بلمزيان.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *