منسحبون غاضبون لكن مناضلون ومتشبعون بضرورة حماية الجمعية. Abdelmajid Lahraichi وتعليق لفؤاد عبد المومني
منسحبون غاضبون لكن مناضلون ومتشبعون بضرورة حماية الجمعية. Abdelmajid Lahraichi
كثرت هذه الأيام التدوينات والتعليقات المتهجمة على الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. هذه الجمعية، شأنها شأن أي مُنْجَز بشري، لها نقط ضعفها وعيوبها وما تستحق عليه النقد والتقويم، لكن من العيب أن ننسى أنها من أجمل ما بنته قوى حقوق الإنسان في هذه البلاد، وأن ننعتها بما ليس فيها أو نسبها بما يدخل في طبيعة وظيفتها. لذا، أود توضيح النقط التالية:
1. لا علاقة للجمعية بأية جماعة إرهابية، ومن يقول العكس عليه أن يأتي بدليل ادعاءه. الجمعية تدافع عن حق الجميع في السلامة الجسمانية والمحاكمة العادلة والمعاملة اللائقة، حتى ولو كان المعني متهما أو مدانا بجرائم الإرهاب. أما التنظيمات ذات المرجعية الإسلامية فتمتنع الجمعية عن ربط العلاقة بها، لأن الشروط لم تنضج بعد للأسف ليصبح الدفاع عن حقوق الإنسان مفتوحا أمام كل من يقبل بمرجعية مشتركة غير مرتبطة بالقناعات الإيديولوجية أو التوجهات السياسية لأي فرد أو جماعة، ولكن هذا الأفق آت لا محالة.
2. حركة حقوق الإنسان حركة عابرة للحدود، ولحسن الحظ أن لهذه الحركة تعاون دولي، إذ لولاه لكانت السلطة المغربية مستمرة في تكرار أقوال الحسن الثاني أن تازمامارت لا وجود لها إلا في مخيلة أعداء المغرب، وأن لا خرق لحقوق الإنسان في بلادنا، وأن من يقول العكس خرج عن الدين والوطن والمواطنة.
3. لا علاقة للجمعية بأية دعوة لتقسيم الأوطان أو لضمها أو توحيدها. هذه مقولات تنتمي لحقل التدافع السياسي والجمعية تمنع عن نفسها ما يتجاوز المبادئ الفوق سياسية، أي الدفاع عن المشروعية والسلمية والحريات الأساسية، يما فيها حرية الدعوة للوحدة أو للاستقلال أو لحل وسط من قبيل الحكم الذاتي.
4. لم تعرف الجمعية انقساما ولا انسحابا من صفوفها، ولا زال كافة مناضلاتها ومناضليها منخرطين في نضالها. ما وقع هو أن مناضلين منتمين لبعض القوى السياسية لم يرضوا عن بعض الإجراءات التنظيمية خلال المؤتمر الأخير، وفضلوا الامتناع عن الترشيح للأجهزة الوطنية للجمعية دون مغادرتها ولا ادعاء أن داخلها اختلاف على مواقف جوهرية.
5. حركة حقوق الإنسان لا علاقة لها بالوطنية ولا بالخيارات السياسية أو القناعات الدينية والإيديولوجية. حقوق الإنسان هي بالضبط ضمان الحد الأدنى من الحقوق والحريات بغض النظر على الانتماءات والقناعات التي تحرك الأفراد. طبعا يتمتع مناضلو حركة حقوق الإنسان بحقوقهم الفردية في الدفاع عن قناعاتهم، ولكن التزامهم أن يقوموا بذلك دون المساس بحقوق الأغيار من جهة، وأن لا يُسقطوا قناعاتهم الشخصية على حركة حقوق الإنسان المستقلة.
6. أكيد أن الجمعية بحاجة إلى تطوير تموقعها واستراتيجياتها ومواقفها وآليات اشتغالها وقدرتها الاستقطابية وانفتاحها واستقلاليتها. ولا يعني هذا أنها في أزمة وجود أو في تناحر داخلي أو أنها قفدت فاعليتها والحاجة التاريخية لها.
7. التهجمات الجارية على الجمعية لا ترتبط بأي موقف غير إرادة المخزن القضاء على كل صوت مستقل لا ينبطح للاستبداد والفساد.
8. مؤلم أن تستقبل فضاءات تعلن أنها مناضلة ويسارية هذه الهجومات المخزية دون تحفظ أو موقف يميز بين الاختلاف بين المناضلين والعسف المخزني المقيت.فؤاد عبد المومني
بوح حميمي بشأن حقوق الإنسان و"الجمعية"
في نهاية دجنبر من سنة 1984، تم إطلاق سراحي دون أي إجراء قضاءي بعد عامين من الاختطاف في المعتقل السري بدرب مولاي الشريف، وهو اعتقالي الثاني، بعد الأول الذي كان قد دام ثلاث سنوات أو يكاد وأنا في سنتي التاسعة عشرة. بضعة أيام بعد ذلك، نشرت جريدة لوموند الفرنسية مقتطفا من رسالة والدي المرحوم اسماعين عبد المومني بالمناسبة إلى ميشيل زافريان، الذي كان آنذاك كاتبا عاما للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان. يقول المقتطف : "بفضلكم وبفضل أشخاص مثلكم، استعاد ابني حريته للتو". ("grâce à vous et à des hommes comme vous, mon fils vient de recouvrer sa liberté"). لم يكن الموضوع تقييما للأفكار والأفعال المرتبطة بي أو بوالدي أو بزافريان أو بالجلادين. كان فقط رسالة عرفان من أب مكلوم لمن اهتموا بمعاناة ابنه وأسرته وساهموا في وضع حد لها. لم يكن من دافعوا عني يعلمون إن كنت إرهابيا خطيرا أو حاملا لمشروع دولة ومجتمع يكرهونه، كما لم يكترث والدي لمواقف داعميه إن كانت تتطابق مع مواقفه من الدين والجيو استراتيجية وملكية وسائل الإنتاج والتنظيمات السياسية والنقابية في بلدهم. كل ما كان يهم هو إخراج شخص من مركز للتعذيب والقتل البطيء وتمتيعه بضمانات السلامة الجسمانية وغيرها من الحقوق كالاعتقال فقط وفق المساطر القانونية والتواصل مع الأهل والدفاع والتمتع بمحاكمة عادلة. وأُتيح لي قبل ذلك وبعده أن أستفيد من حركة حقوق الإنسان المغربية والعالمية، سواء كسند لي أو كإطارات ساهمت ضمنها في الدفاع عن حقوق الإنسان، من قبيل منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش.
هذا مرجعي لما أساهم في حركة حقوق الإنسان المغربية والدولية، أي تأمين الحقوق الدنيا للجميع، بغض النظر عن عرقهم ولونهم ودينهم ووطنهم ولغتهم وفكرهم وقناعاتهم السياسية، بل وحتى أفعالهم التي قد تكون مُنْكَرة. هذا ما جعلني أدافع دون أن يرف لي جفن عن اليساري واليميني والمدني والعسكري والإسلامي والملحد والإرهابي والصحفي والسياسي والصحراوي الاستقلالي والآخر المقتنع بالانضمام أو بالاستقلال الذاتي، والعروبي والأمازيغي والغني والفقير والمحافظ والعاهر والمخزني السابق وحتى الجلاد... كلهم سواء في حقوقهم وحرياتهم الأساسية كما لا يرف لي جفن في الدفاع عن الحقوق والحريات بنفس القوة تجاه السلط التي أتعاطف معها وتلك التي أمُجُّها.
هذا هو مدخل انخراطي في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ودفاعي عنها. وهذا لا يعني طبعا أنني راض على كافة ما يقع داخلها أو ما يصدر عنها. لكني أرى أنها
- تقوم بعمل من الحيوي لمجتمعنا القيام به،
- ويفوق هذا العمل بكثير ما لا تقوم به أو تقوم به على غير الوجه المرغوب،
- وتتقدم هذا الجمعية على مر الزمن، وإن ببطء، نحو تجاوز سلبيات وضعها،
- وبعض ما أراه شخصيا مطبات في وضعها، كالحضور الوازن لمناضلي بعض أحزاب اليسار، هو ثمن لا محيد عنه لضمان الحضور العددي والشجاعة المطلوبة للنهوض بحقوق الإنسان وحمايتها في وجه نظام لا زال القمع أحد أهم أعمدته.
وأنا الآن قد بلغت 67 من العمر، طبعا يحز في نفسي أننا لا زلنا نعاني من براثن القمع والاستبداد، وأن دولة الحق والقانون لا زالت مُنْية بعيدة عن المتناول، وأن مجتمعنا لا زال لم يبن صرح التعايش السلمي المثمر، والتنافس الشريف الآمن، والتنمية الواعدة والمُدمِجة. لكني رغم كل ما لا زال يتطلب عملا طويلا ومضنيا وجماعيا لتحقيقه، أنظر إلى ما حققناه بفرح وباطمئنان، لأن المواطنات والمواطنين الذين كانوا يهربون مرعوبين لمجرد رؤية الدركي، أصبحن وأصبحوا اليوم قادرين على الوقوف أمامه والمطالبة بمعاملتهم كمواطنين لهم حقوق، وهذا مكسب ثمين لنضال الأجيال، يفسح الباب لجميل الآمال والآفاق.
الصورة لأبي في مظاهرة 20 فبراير 2011، صحبة فقيدنا الغالي نور الدين الخمالي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق