غازي الصوراني : لماذا أخفقنا كيساريين ماركسيين في الوطن العربي ونجح غيرنا ؟ وأي يسار نريد ؟.....................
غازي الصوراني : لماذا أخفقنا كيساريين ماركسيين في الوطن العربي ونجح غيرنا ؟ وأي يسار نريد ؟.....................
أولا :لماذا أخفقنا ونجح غيرنا ؟
هذا السؤال طرحه بعمق ياسين الحافظ وأجاب عنه بعمق أيضاً، ولعل أحد أسباب هذا الإخفاق العربي هو هذا التاريخ الطويل من الحكم الاستبدادي الشرقي التاريخي عموما والمملوكي ثم العثماني، ثم مرحلة الاستعمار منذ القرن التاسع عشر وصولًا إلى مرحلة الامبريالية الامريكيةالمعولمة منذ نهاية القرن العشرين حتى اللحظة.
في هذا السياق من الملاحظ أن غياب الدولة المركزية الوطنية العربية لمدة طويلة سهل على الاستعمار والامبريالية تجزئة وتخلف واستتباع معظم بلدان الوطن العربي، في حين أن وجود دولة صينية متماسكة في مطلع القرن العشرين ساهم في الحفاظ على وحدة الصين ومن ثم تحقيق التقدم فيها.
كذلك علينا أن نتذكر أن دخول الوطن العربي في الدائرة الرأسمالية جاء متأخراً مقارنة مع أميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا ، لكن دخوله لم يكن حاملا لشروط التطور الرأسمالي، وبالتالي لم تتحقق الرأسمالية في بلداننا حيث ظلت ضمن علاقة التبعية محكومة _ وما زالت في معظمها _ للعلاقات الرأسمالية الرثة.
ويضاف إلى ذلك العنصر الثقافي ، إذ لدينا إرث ثقافي غني يعود إلى الوراء بآلاف السنين، وهذا الإرث يشكل سلاحاً ذو حدين، فيه الكثير من المعوقات التحديثية. ولذلك فإن المشكلة الثقافية في الوطن العربي تكتسب أهمية استثنائية من الصعب ان نجد مثيلاً لها لدى كثير من الأمم الأخرى. وهذا هو أحد أسباب إخفاق الحركات النهضوية العربية، فقد تلهت بالسياسة عن الثقافة وأخفقت في الغوص عميقاً في هذا الإشكال واعتبرت ذلك ترفاً لا يليق بالسياسي المحترف.
وقد بدأ بعض المفكرين الماركسيين العرب يدركون ذلك في السبعينات من القرن العشرين تحديداً ونخص بالذكر سمير أمين وياسين الحافظ وإلياس مرقص وفؤاد مرسي ومحمود العالم وميشيل كامل وفوزي منصور ومهدي عامل ، لكن أفكارهم ظلت حبيسة النخبة ، فهناك من أدرك مثل إلياس مرقص أن آليات الهيمنة الامبريالية تنطوي على تفتيت المستغل سياسياً وربما اقتصادياً أيضا سواء كان المستغل( بفتح الغين) طبقة اجتماعية كادحة أو أمة كادحة، ولا يستطيع المستغل أن يجابه هذه الآليات الاستغلالية إلاّ بمشروع وحدوي يؤكد وحدة الأمة أو الطبقة ، دون أن نقلل من شأن عوامل مشتركة كاللغة والتاريخ.
واذ ينطلق سمير امين من أن المرحلة الراهنة، التي تجتازها بلداننا العربية، ليست مرحلة "المنافسة من اجل الاستيلاء على الحكم"، وذلك في غياب قوة اجتماعية يسارية منظمة وشعبية تستطيع "ان تفرض نفسها على القوى الاخرى الداخلية سواء كانت تتجلى في نظم الحكم ام في بديل الاسلام السياسي وهما وجهان للعملة نفسها"، فهو يرى ان الخطوة الاولى على طريق الخروج من الازمة، تتمثل في العمل على اعادة تكوين اليسار وبناء القوى الشعبية، وذلك في اطار عمل طويل النفس يطاول مستويات عدة "من تحديد الاسس الفكرية، وسمات المشروع المجتمعي المطروح كهدف تاريخي، وتحديد المراحل الاستراتيجية للتقدم في الاتجاه المرغوب... والقوى الاجتماعية التي لها مصلحة في انجاز المشروع والقوى المعادية له، ثم اخيرا بناء قواعد العمل المناسبة" .
ثانيا : أي يسار نريد ؟
مع أزمة الرأسمالية تعود نغمة اليسار من جديد، لكن أي يسار؟
لنتفق أولاً بأن معنى اليسار يتحدد بما هو سياسي وأيديولوجي معا، حيث يشير إلى القوى التي تحمل راية التطور والتقدم والتحرر ورفع الاضطهاد عن الطبقات المفقرة من العمال والفلاحين الفقراء وكل الكادحين والمضطهدين والدفاع عن مصالحهم وفق المنظور الطبقي الماركسي ومنهجه المادي الجدلي.
الإشكالية الكبرى في هذا الجانب تتجلى في أن انهيار الاتحاد السوفياتي أفرز يسارات متنوعة تخلت في معظمها عن الفكر الماركسي اللينيني، حيث قامت تلك القوى "اليسارية أو اليسارات" على فكرة "جوهرية" تتلخص في أن الهدف المركزي لها ، هو الديمقراطية، وأن الديمقراطية هي الليبرالية. لهذا بات هذا اليسار يميل إلى "التحالف" (أو الالتحاق) بقوى برجوازية في بلدان المركز، أو إلى قوى بورجوازية تابعة في بلدان الأطراف هي كومبرادورية في طبيعتها ولا وطنية في ممارساتها ، وبالتالي تقديم مشروع ليبرالي على مقاس تلك البرجوازية.
السؤال هنا هل يمكن لنا اعتبار هذه القوى الديمقراطية الليبرالية قوى يسارية بالمعنى الموضوعي المعرفي التقدمي الماركسي، الجواب الحاسم : لا يمكن قبولها او ادراجها ضمن قوى اليسار الماركسي بعد أن أصبحت نظريا وعمليا ضمن تيارات اليمين الليبرالي.
فإذا تجاوزنا الطابع الأيديولوجي الذي فُقد لدى كل هؤلاء، فإن البرنامج السياسي الليبرالي المطروح ، والتحالفات التي برروها بالاساليب الانتهازية مع البورجوازية التي مارسوا نشاطهم السياسي على أساسها ، يشيران إلى تحوّل ملموس نحو اليمين.
إذن، لقد باتت تلك القوى خارج اليسار بغض النظر عما تسمي ذاتها، حيث ليس الشخص بما يدّعيه بل بما هو في الواقع، عبر الممارسة كما أشار ماركس وانجلز ولينين .
من هذا المنطلق يجب أن نعيد تحديد معنى اليسار، والماركسي خصوصاً، لأن فرز الجبهات أمر ضروري في كل صراع، وحيث أن الخلط اليميني الليبرالي يشوه ويدمر.
وبالتالي لا بد من الوضوح الحاسم الذي ينطلق من ان أي مناضل او مثقف ماركسي يستحيل ان يوافق او يظن أنه يمكن أن يكون هناك يسار غير ماركسي لا ينطلق من الصراع السياسي التحرري والمجتمعي الطبقي مع الرأسمالية المهيمنة، والتي تقف أمام تطور كل الأمم المخلّفة. ولا ينطلق من تحقيق الاستقلال عبر المقاومة بكل اشكالها الكفاحية والشعبية في مواجهة قوى الاحتلال في الزمان المناسب والمكان المناسب.
هذه قيم عامة لليسار الماركسي، ليس يساريا من لا يدافع عنها. وهي قيم يمكن أن تُتضمن في أيديولوجيات متعددة، ماركسية وقومية وديمقراطية، وبالتالي بات من الضروري تحقيق الفرز انطلاقاً منها.
هذه مسألة تفرض أن يعاد النظر في معنى اليسار واليساري، وأن لا يُكتفى بالتسميات، بل أن يجري الانطلاق من الالتزام الخلاق بالنظرية ومنهجها المادي الجدلي من ناحية، وبالمواقف والسياسات والبرامج على صعيدالممارسة من ناحيةثانية.
هنا اشير إلى أن اليسار الماركسي ليس تسمية بل موقف وفعل أولاً وأساساً، ينطلق من التزامه الواعي بالثوابت والأهداف الوطنية التحررية والديمقراطية بارتباطها الوثيق بالأهداف الوطنية والقومية التحررية التقدمية الديمقراطية العربية وفق المنظور الطبقي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق