جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

هل أغلقت القاهرة أبوابها في وجه التضامن الدولي مع غزة؟“زاوية ثالثة”

 هل أغلقت القاهرة أبوابها في وجه التضامن الدولي مع غزة؟

مئات المتضامنين من أكثر من 80 جنسية وصلوا إلى القاهرة للانضمام إلى قوافل تضامن مع غزة، لكنهم واجهوا ترحيلات واحتجازات رغم تنسيق مسبق مع السلطات. منظمات حقوقية وأحزاب مصرية تطالب بالإفراج والسماح بمرور القوافل
انطلقت قافلة “الصمود” البرية في 9 يونيو 2025 من العاصمة التونسية، ضمن مبادرة شعبية مغاربية تهدف إلى كسر الحصار المفروض على قطاع غزة منذ نحو عامين. تتكوّن القافلة من نحو 20 حافلة و350 سيارة، تُقلّ ما يتراوح بين 1500 و2000 ناشط من دول المغرب العربي، على رأسها تونس والجزائر، إضافة إلى مشاركين من المغرب وموريتانيا التحقوا بها في وقت لاحق.
وشارك في القافلة أيضًا عدد من النشطاء الليبيين خلال مراحلها داخل ليبيا، فضلًا عن عشرات الأطباء الذين رافقوها مزودين بمعدات طبية وسيارة إسعاف، تحسّبًا لاحتمال السماح لهم بالدخول إلى قطاع غزة.
ومنذ انطلاقها، حظيت القافلة باستقبال شعبي واسع في مختلف محطاتها. فبعد وداع جماهيري في تونس، عبرت إلى ليبيا في 10 يونيو من معبر رأس جدير، ولاقت استقبالًا حاشدًا في مدن الزاوية وطرابلس، حيث تجمّع الأهالي ملوحين بالأعلام الفلسطينية دعمًا للمسيرة.
وبحلول 12 يونيو، وصلت القافلة إلى مشارف مدينة مصراتة في غرب ليبيا، على أن تواصل سيرها شرقًا مرورًا بسرت وبنغازي، وصولًا إلى معبر السلوم الحدودي مع مصر. ووفقًا للمنظمين، يُتوقع وصول المتطوعين إلى مدينة العريش ومعبر رفح يوم الأحد 15 يونيو 2025، حيث يعتزمون تنظيم اعتصام سلمي للمطالبة بفتح الحدود والسماح بإدخال المساعدات إلى غزة.
بالتزامن، تتحرك قافلة دولية أخرى تضم نشطاء من عشرات الجنسيات الأوروبية، من المقرر أن يصلوا إلى مصر عبر مطار القاهرة الدولي، في مؤشر على اتساع رقعة التحركات الشعبية الدولية لدعم الفلسطينيين، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي دخلت عامها الثاني دون أفق سياسي لوقفها.
وفي السياق ذاته، دعا عدد من المتضامنين المصريين إلى تنظيم وقفة تضامنية مساء اليوم، 12 يونيو، على سلالم نقابة الصحفيين بالقاهرة، تحت شعار: “قوافل الصمود: افتحوا الطريق إلى رفح”.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، شهدت القافلة تفاعلًا واسعًا، إذ تداول الآلاف من النشطاء صورًا وفيديوهات توثق مرور “قافلة الصمود” عبر المدن الليبية، نشرها المشاركون عبر حساباتهم الشخصية.
وتُمثل قافلة “الصمود” المغاربية والقافلة العالمية المرافقة لها امتدادًا مباشرًا لتحركات شعبية تصاعدت خلال الأشهر الأخيرة في مسعى لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة. ومن أبرز هذه التحركات، قافلة “فك الحصار” البحرية، التي انطلقت في مايو 2025 بسفينة “مادلين” من أحد موانئ الدول الإسكندنافية، في محاولة إنسانية رمزية لتحدي الحصار البحري المفروض على القطاع.
وفي صباح 9 يونيو، اعترضت قوات تابعة للاحتلال الإسرائيلي السفينة في المياه الدولية، على بُعد نحو 185 كيلومترًا من شواطئ غزة، مستخدمة طائرات صغيرة قبل أن تقتادها إلى ميناء أشدود. وتم على إثر ذلك اعتقال 12 ناشطًا كانوا على متنها.
وبعد مرور 72 ساعة على الاعتقال، قامت سلطات الاحتلال بإبعاد أربعة من النشطاء، عقب توقيعهم على تعهد بعدم العودة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، في حين رفض النشطاء الثمانية الآخرون التوقيع على التعهد، ما أدى إلى استمرار احتجازهم.
الإجراءات الأمنية المصرية والتنسيق مع القاهرة
أثارت الوجهة التي تسلكها قافلة “الصمود” نحو الأراضي المصرية تساؤلات مبكرة بشأن كيفية تعامل القاهرة معها، خصوصًا في ظل الأوضاع الأمنية الحساسة في شمال سيناء. وفي هذا السياق، أصدرت وزارة الخارجية المصرية، في 11 يونيو، بيانًا رسميًا رحبت فيه بالمواقف الدولية والشعبية الداعمة للقضية الفلسطينية، لكنها شددت على ضرورة حصول أي وفود أو قوافل أجنبية على موافقات رسمية مسبقة قبل التحرك داخل الأراضي المصرية، لا سيما في المناطق الحدودية.
وأكد البيان أن السلطات المصرية لن تنظر في أي تحركات تُنفَّذ خارج القنوات الدبلوماسية المعتمدة والتنسيقات الرسمية، انطلاقًا من اعتبارات تتعلق بالسيادة والأمن القومي.
بالتوازي، نقلت مصادر أمنية مصرية أن القافلة لم تحصل حتى تاريخه على التصاريح اللازمة لعبور معبر السلوم على الحدود الليبية، كما لم يُستكمل التنسيق المطلوب مع الجهات المختصة في القاهرة، ما يجعل دخولها الأراضي المصرية أمرًا غير محسوم في ظل الإجراءات الأمنية المشددة في تلك المنطقة.
وذكر مصدر أمني أن الأجهزة المعنية في حالة تأهب قرب الحدود الليبية، لمنع أي محاولات تسلل دون وثائق قانونية، مشددًا على أن مصر “لا ترفض دخول القافلة” من حيث المبدأ، لكنها تطالب بتنسيق مسبق يشمل البيانات الكاملة للمشاركين الذين سيعبرون مسافة تُقارب 1000 كيلومتر داخل الأراضي المصرية وصولًا إلى معبر رفح.
وأوضح المصدر ذاته أن الأجهزة المصرية لن تتصادم مع المشاركين، وستسمح بدخول من يحملون تأشيرات دخول نظامية، كما لم يستبعد انضمام نشطاء أو أحزاب مصرية إلى القافلة عند وصولها إلى رفح. لكنه شدد في الوقت ذاته على ضرورة إبقاء أي تجمع قرب المعبر تحت السيطرة الأمنية الكاملة، تجنبًا لفوضى قد تُستغل إسرائيليًا.
وأفادت المصادر ذاتها بأن الأيام الماضية شهدت نقاشات داخلية في القاهرة بشأن آلية التعامل مع القافلة، إذ مال الرأي الأمني الأولي إلى الرفض، قبل أن يُطرح خيار السماح بدخولها بضوابط تقلص الأعداد، مع شرط امتلاك المشاركين لتأشيرات قانونية. وأرجعت دوائر رسمية هذا التردد إلى طبيعة الموقف الحرج: فرفض القافلة كليًا قد يُعزز الاتهامات بمشاركة مصر في حصار غزة، بينما السماح لآلاف النشطاء بعبور الأراضي المصرية دون تنظيم دقيق قد ينطوي على مخاطر أمنية يصعب احتواؤها.
القافلة تؤكد التواصل الرسمي والسلطات المصرية تتجاهل
في خضم تصاعد الجدل حول منع قافلة “الصمود” من دخول الأراضي المصرية، أصدرت رئاسة مجلس الوزراء بيانًا رسميًا بعنوان “الضوابط التنظيمية لزيارة المنطقة الحدودية المحاذية لقطاع غزة”، أكدت فيه ضرورة الالتزام بالقنوات الرسمية لتقديم الطلبات، مشددة على أن جمهورية مصر العربية ترحب بجميع المواقف الدولية والإقليمية، سواء الرسمية أو الشعبية، الداعمة للحقوق الفلسطينية والرافضة للحصار والانتهاكات الإسرائيلية بحق سكان قطاع غزة.
وأوضح البيان أن وزارة الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج تواصل جهودها الدبلوماسية لمعالجة الكارثة الإنسانية التي يعاني منها أكثر من مليوني فلسطيني، وإنهاء العدوان على القطاع. كما أشار إلى أن تقديم طلبات زيارة المنطقة الحدودية (مدينة العريش ومعبر رفح) يقتصر على السفارات المصرية في الخارج، أو السفارات الأجنبية بالقاهرة، أو ممثلي المنظمات الراغبة في التنسيق مع وزارة الخارجية مباشرة، مؤكدًا أن مصر سبق وأن نسّقت بالفعل زيارات لعدد من الوفود الأجنبية، الحكومية والحقوقية، وفق هذه الضوابط.
وشدّد البيان على ضرورة احترام الإجراءات التنظيمية المعتمدة، الموضوعة لضمان أمن الزائرين، بالنظر إلى حساسية الوضع الأمني في المنطقة الحدودية، والتقيد بالقوانين المتعلقة بدخول الأراضي المصرية، بما في ذلك الحصول على التأشيرات والتصاريح المسبقة.
في المقابل، أصدرت هيئة القافلة بيانًا أكدت فيه أنها قامت قبل أسابيع بالتواصل مع السلطات المصرية عبر القنوات الرسمية، من خلال السفارة المصرية في تونس، وبواسطة وسطاء معنيين في القاهرة. كما وجهت القافلة خطابًا رسميًا إلى وزارة الخارجية المصرية، شرحت فيه أهداف المبادرة وطبيعتها السلمية والإنسانية.
وصرّح وائل نوار، أحد المتحدثين باسم القافلة، أن الطلب الرسمي قُدّم إلى السفارة المصرية بتونس بتاريخ 19 مايو 2025، أي قبل نحو شهر من موعد التحرك، ضمن المسار القانوني المتّبع للحصول على موافقة العبور نحو معبر رفح. وأضاف أن الطلب جاء باسم “قافلة الصمود”، وتم تقديمه قبل أيام من لقاء رسمي جمع وفدًا من القافلة بالسفير المصري في تونس، ترأسه الناشط غسان الهنشيري، وعُقد في مقر السفارة بحضور شخصية تونسية ذات صلات مع الدولة المصرية، فضّل نوار عدم الكشف عن هويتها “حرصًا على سلامته”، مع تأكيده استعداد منسقي القافلة لاستدعائه للإدلاء بشهادته عند الحاجة، ردًا على أي تشكيك. وأكد نوار أن جميع الخطوات التي اتُّخذت كانت احترامًا للإجراءات الرسمية، معتبرًا أن أي محاولة للتقليل من التزام القافلة بالقانون لا تُغطي على الانتهاكات التي تعرّض لها المشاركون لاحقًا.
اعتقالات وترحيل المشاركين
بالتزامن مع تقدّم قافلة “الصمود” عبر الأراضي الليبية، صعّدت السلطات المصرية من إجراءاتها الأمنية تجاه مئات المتضامنين الأجانب القادمين جوًّا للمشاركة في المسيرات المتجهة نحو معبر رفح ضمن “القافلة العالمية إلى غزة”. فمن 9 إلى 11 يونيو، وصل مئات النشطاء من نحو 80 دولة إلى مطار القاهرة، بهدف الالتحاق بالفعاليات التضامنية المخطط لها على الحدود.
لكن السلطات المصرية تعاملت مع هذه الوفود بحزم منذ لحظة وصولهم. ووفق منظمي القافلة ومصادر أمنية في المطار، تم ترحيل العشرات منهم قسرًا بشكل فوري. ونقلت وكالة “رويترز” عن ثلاثة مصادر في مطار القاهرة أن السلطات رحّلت 73 ناشطًا على متن رحلة إلى إسطنبول يوم 9 يونيو، بزعم مخالفتهم قواعد الدخول. كما احتُجز نحو 100 شخص آخر في المطار بانتظار ترحيلهم في الأيام التالية، ليرتفع عدد الموقوفين إلى أكثر من 200 ناشط، بحسب بيان صادر عن القافلة، شملوا جنسيات أمريكية، أسترالية، فرنسية، إسبانية، هولندية، مغربية، جزائرية، وغيرها.
وأكد المنظمون في بيان صادر ليل 11 يونيو أنهم نسّقوا مسبقًا وعلى مدى شهرين مع وزارة الخارجية المصرية، ومع السفارات المصرية في أكثر من 15 دولة، وأن المشاركين استوفوا كافة المتطلبات المطلوبة. ورغم ذلك، فوجئوا بحملة التوقيف والترحيل، مطالبين بالإفراج الفوري عن جميع الموقوفين.
وفي تطور لاحق، رصدت “زاوية ثالثة” استمرار الترحيلات خلال الساعات التالية. ووفق مصادر خاصة، رحّلت السلطات ثمانية مشاركين من أصحاب الجنسيات المزدوجة (أوروبية ومغاربية) دون تزويدهم بأي أسباب أو مستندات رسمية رغم حيازتهم لتأشيرات دخول سليمة.
كما تم ترحيل 140 مشاركًا جزائريًا فور وصولهم، بينهم ثلاثة محامين معروفين بنشاطهم الحقوقي، فضلًا عن أكثر من عشرة مشاركين مغاربة أُعيدوا على متن الرحلات التي وصلوا بها، إضافة إلى مواطنين أتراك. في المقابل، أُطلق سراح عدد من المواطنين الفرنسيين بعد توقيفهم لفترة وجيزة، في حين احتُجز وفد نسائي تونسي داخل المطار، وتبين لاحقًا أن السلطات بصدد ترحيلهم أيضًا ومنعهم من استكمال رحلتهم إلى معبر رفح.
من جهتها، قالت “مؤسسة دعم القانون والديمقراطية”، في بيان رسمي صدر اليوم 12 يونيو، إن السلطات المصرية ارتكبت “انتهاكات جسيمة” بحق المشاركين في القافلة الدولية السلمية. وذكرت أن أفرادًا من الوفد الهولندي احتُجزوا داخل المطار، وصودرت جوازات سفرهم، وتعرضوا لمعاملة مهينة شملت الحرمان من الماء والغذاء والرعاية الطبية، قبل ترحيلهم قسرًا رغم امتلاكهم لتأشيرات دخول قانونية.
وأضاف بيان الوفد الهولندي أن المشاركين لم يتلقوا أي مبررات قانونية للاحتجاز أو الترحيل، رغم التزامهم بالقوانين المصرية وامتناعهم عن أي أنشطة غير مرخصة. ودعت المؤسسة السلطات المصرية إلى وقف كل أشكال التضييق والتوقيف والترحيل بحق المشاركين، والسماح بمرور المساعدات الإنسانية دون عوائق، مؤكدة أن استمرار مصر في منع هذه القوافل “يسهم فعليًا في تعزيز الحصار غير القانوني الذي تفرضه إسرائيل على أكثر من مليوني فلسطيني في غزة”.
في السياق نفسه، علّق المحامي الحقوقي ياسر سعد على البيان الحكومي الصادر بشأن ضوابط زيارة المنطقة الحدودية، معتبرًا أن نصّه القانوني يتناقض مع الممارسات الفعلية على الأرض. وقال سعد في حديثه إلى “زاوية ثالثة” إن الهيئة التسييرية لقافلة الصمود التزمت بتقديم الطلبات عبر القنوات الرسمية المعتمدة، وفقًا للدستور المصري والاتفاقيات الدولية التي تضمن حرية التنقل.
وأوضح أنه لا يوجد في القانون ما يبرر منع أجنبي من دخول الأراضي المصرية إلا بقرار رسمي مُسبق ومُعلَن، يستند إلى أسباب قانونية موضوعية، ويُبلّغ به المعني بالأمر قبل وصوله أو عند المعبر. وأضاف أن احتجاز عدد من المشاركين وترحيلهم من المطار أو من أماكن إقامتهم، رغم امتلاك بعضهم لتأشيرات قانونية، يُعد انتهاكًا صريحًا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي وقّعت عليه مصر.
وختم سعد بالتأكيد على أن رفض السماح بدخول المشاركين دون قرارات معلنة أو مبررات قانونية واضحة يُعد تجاوزًا للحق في حرية التنقل، خاصة أن أهداف القافلة ذات طابع إنساني بحت، ولا تشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي، خلافًا لما جاء في بعض التصريحات الإعلامية القريبة من دوائر السلطة
الجهات الأمنية المسؤولة عن الحملة
تولت أجهزة الأمن المصرية – وفي مقدمتها قوات الشرطة وجهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية – مسؤولية تنفيذ حملة التوقيفات بحق المشاركين في قافلة الصمود. حيث نفّذ ضباط بزي مدني (يُعتقد أنهم من الأمن الوطني) عمليات المداهمة في الفنادق واستجواب الناشطين فيها، بينما قام أفراد أمن المطار وعناصر شرطة الجوازات بتوقيف القادمين عبر مطار القاهرة وتحويلهم إلى مراكز احتجاز مؤقتة داخله. وقد أظهرت عمليات المداهمة والتفتيش في الفنادق تنسيقًا أمنيًا عالي المستوى، شمل إعداد قوائم مسبقة بأسماء النشطاء المستهدفين. من جهة أخرى، لم تصدر وزارة الداخلية أو الأجهزة الأمنية المصرية بيانات رسمية تفصيلية حول هذه الحملة أثناء حدوثها. وعندما سعت وكالات أنباء للتعليق، امتنع مسؤولو الأمن عن التصريح؛ حتى أن مدير أمن القاهرة لم يُجب على طلب وكالة فرانس برس للتعليق على تلك الاعتقالات. يقول محامي حقوقي في تصريح إلى زاوية ثالثة “يشير غياب التوضيح الرسمي إلى حساسية الموضوع، وربما اعتماد السلطات على تعليمات عليا غير مكتوبة للتعامل مع قوافل التضامن هذه. ومن المرجح أن جهاز الأمن الوطني المصري (المعني بالقضايا السياسية والأمنية الداخلية) قاد هذه العملية بالتعاون مع شرطة المطار، وذلك في سياق ما اعتبرته السلطات إجراءً وقائيًا لمنع نشطاء أجانب من الوصول إلى مناطق حدودية ملتهبة (شمال سيناء ورفح) بدون تنسيق أمني مسبق”.
وكان الأطباء والمتطوعون القادمون من دول إسكندنافية لهم نصيب أيضًا من الإجراءات المشددة؛ إذ أفادت مصادر بأن السلطات رحّلت فورًا عددًا كبيرًا من الأطباء والنشطاء القادمين من السويد والدنمارك على متن رحلاتهم لدى وصولهم مطار القاهرة، ولم تسمح لهم بدخول البلاد. في المقابل، ذكر منظمو القافلة أن بعض النشطاء التونسيين ممن سافروا جوًا إلى مصر قبل أيام سُمح لهم بالدخول بعد استجواب أمني مطوّل في المطار دون اعتقال. وقد تم أخذ بياناتهم الشخصية ووُضعوا تحت المراقبة، وهم الآن متواجدون في القاهرة بانتظار التحاقهم بباقي زملائهم في حال سُمِح للقافلة البرية بالدخول.
قال مصدر من المنظمين في تصريح إلى زاوية ثالثة إن “هذا التفاوت في المعاملة إلى أن السلطات المصرية ميّزت بين القادمين بشكل فردي بتأشيرات سياحية – حيث تم إبطاء الإجراءات لبعضهم والسماح بدخول محدود – وبين أصحاب الوصول الجماعي المنظّم الذين اعتبرتهم ربما “وفودًا غير مرغوب فيها” فتم ترحيلهم فورًا”.
الجدير بالذكر أن القاهرة بررت موقفها الأمني الصارم بأن معبر رفح من الجهة الفلسطينية مغلق حاليًا بسبب الأوضاع الميدانية، وبالتالي فإن أي تجمع أجنبي هناك سيكون بدون جدوى ما لم توافق إسرائيل على فتحه. وقد صرّح مسؤولون مصريون أن الحل يكمن في الضغط على إسرائيل دوليًا لتفتح جانب غزة من رفح لإدخال المساعدات، بدلًا من محاولة الوصول إليه عبر الأراضي المصرية دون تنسيق.
ردود الفعل
تشارك في قافلة الصمود التي انطلقت من تونس هيئات مدنية ونقابية بارزة، من بينها: الاتحاد العام التونسي للشغل، عمادة الأطباء التونسيين، الكشافة التونسية، والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين. أما في الجزائر، فقد أعلنت المبادرة الجزائرية لنصرة فلسطين وإغاثة غزة انضمامها إلى القافلة، وهي مبادرة منبثقة عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، إحدى أعرق الهيئات الدينية والمدنية في البلاد.
وعلى مدار الأسابيع الماضية، خضع المشاركون في القافلة لإجراءات تنظيمية ولوجستية، شملت تعبئة استمارات تسجيل، وتقديم جوازات سفر سارية لمدة لا تقل عن ستة أشهر (تماشيًا مع متطلبات السلطات المصرية)، إلى جانب شهادة طبية تؤكد خلو المشاركين من الأمراض، وشهادة تأمين سفر تغطي مدة لا تقل عن شهر، تبدأ من 9 يونيو 2025.
لكن في المقابل تناولت منصات التواصل الاجتماعي المصرية موضوع “قافلة الصمود” بتفاعلات متباينة، عكست انقسامًا تجاه المبادرة. ففي الوقت الذي حظيت فيه القافلة بترحيب شعبي واسع، حيث عبر عدد كبير من المصريين وخاصة النشطاء والحقوقيين للمشاركة فيها ودعم أهدافها المناصرة للقضية الفلسطينية، ظهرت أصوات أخرى عبّرت عن تشكك واضح في نوايا المبادرة، محذّرة من أنها قد تشكل خطرًا على الأمن القومي المصري، وتسعى – بحسب تلك الروايات – إلى دفع مصر للانخراط في صراع سياسي وعسكري في توقيت بالغ الحساسية. في ظل تأخر الموقف الرسمي المصري، ظهرت شخصيات إعلامية ونيابية قريبة من دوائر السلطة للتعبير عن آرائها والتعليق على أهداف القافلة وما وصفوه بـ”نواياها غير المعلنة”.
وفي هذا السياق، وصف الإعلامي أحمد موسى القافلة بأنها “تضم أعدادًا كبيرة من النشطاء الذين لا يحملون تأشيرات دخول رسمية”، معتبراً أن دخولهم المحتمل إلى الأراضي المصرية قد يشكل تهديدًا أمنيًا. وأشار في منشور على منصة “إكس” إلى ما سماه بـ”الفخ” الذي يُراد نصبه لمصر، قائلاً: “اليقظة مطلوبة من الجميع لمواجهة هذا الفخ الذي يستهدف إحراج مصر، سواء تم السماح للقافلة بالدخول أو تم منعها، إذ أن كل خيار قد تترتب عليه حملات معدّة سلفًا ضد الدولة المصرية”.
من جهته قال النائب محمد عبد العزيز عبر على الفيسبوك، أن أي حدث سيؤدي إلى فوضى أمنية في رفح المصرية سيكون نتيجته تسهيل مشروع التهجير الذي يسعى إليه الاحتلال ورفضته مصر ووقفت ضده بكل قوتها الرسمية والشعبية .. حتى وإن أعلن منظموه – بحسن نية أو بسوء نية – أن الهدف هو كسر الحصار!
فيما رفض الإعلامي مصطفى بكري المزايدة على موقف مصر تجاه القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن “مصر ضد الحصار المفروض على أهلنا بهدف تركيعهم”، لافتا عبر صفحته الرسمية على منصة إكس إلى أن مصر رفضت مخطط التهجير ورفضت مئات المليارات من الدولارات. مشيرًا إلى أن المخطط هدفه “إحراج مصر ووضعها أمام خيار من اثنين: إما مواجهة أية محاولة للتهجير بكل حسم وقوة حماية للأمن القومي ورفضا لتصفية القضية، وساعتها سيروج البعض أن مصر تقتل الفلسطينيين لتتحرك القوى المتآمرة وتشن حملات ممنهجة ضد مصر وتطالب بمعاقبتها”، وإما تسمح بالدخول، و”هنا سيقال إن مصر قبضت الثمن وشاركت في تصفية القضية الفلسطينية”.
وقفة تضامنية في قلب القاهرة وترحيب من الحركة المدنية
دعا عدد من المتضامنين المصريين مساء اليوم إلى تنظيم وقفة احتجاجية على سلالم نقابة الصحفيين بالقاهرة، دعمًا للقوافل الدولية السلمية المتجهة نحو معبر رفح، وتأكيدًا على حق الشعوب في التضامن الإنساني وحرية التنقل، ورفضًا للتضييقات المفروضة على المشاركين.
الدكتورة كريمة الحفناوي، إحدى الداعيات والمشاركات في الوقفة، قالت في حديثها إلى “زاوية ثالثة” إن هذه الفعالية تأتي امتدادًا لتحركات شعبية سابقة ضد الإبادة الجماعية والحصار المفروض على غزة. وأشارت إلى أن المشاركين سبق أن نظموا وقفة تضامنية قبل عيد الأضحى للمطالبة بوقف الحرب، وإدخال المساعدات، وأعلنوا وقتها عن تنظيم وقفة جديدة في الخميس التالي للعيد، تأكيدًا على استمرار التحركات الشعبية.
وأضافت الحفناوي: “فوجئنا بتزامن تحرك القوافل الدولية مع خططنا، وتواصلنا مع عدد من المشاركين الذين أكدوا أنهم قدّموا طلبات رسمية إلى السفارات والسلطات المصرية منذ مدة. بعضهم حصل على تأشيرات من دول أوروبية ووصل إلى القاهرة جوًا، فيما خاطبت القافلة البرية السفارة المصرية في تونس ووزارة الخارجية والهلال الأحمر، دون تلقي ردود رسمية. ثم جاء الرد متأخرًا ويحمل طابع الرفض، ما أغلق الباب أمام عبور القافلة”.
وشددت على أن القوى الوطنية في مصر لا تزال تدعم كافة المبادرات المدنية والإنسانية، مضيفة: “نحيي شعوب العالم التي تأتي بدوافع إنسانية لدعم أهل غزة المحاصرين. نحن أمام إبادة وتجويع ممنهج، ومن واجبنا أن نرفع صوتنا ضد هذا الظلم، وندعم كل من يحاول كسره”.
وفي حين لم تُعلن الحركة المدنية الديمقراطية عن تنظيم تحرك موازٍ، رحبت بجهود المواطنين والأحرار في العالم الساعين لفك الحصار، معتبرة أن هذه التحركات تمثل ضميرًا إنسانيًا عالميًا.
وقال وليد العماري، المتحدث باسم الحركة، في حديثه إلى “زاوية ثالثة” إن استقبال الوفود الدولية والسماح لها بالوصول إلى معبر رفح يشكل تحديًا أمنيًا لمصر، لكنه أكد أن الدولة المصرية تمتلك الخبرات الكافية لتنظيم هذه التحركات بشكل منضبط، مضيفًا: “فك الحصار عن غزة قضية إنسانية ذات أولوية، وتستحق بذل الجهود من الشعوب والدول. ومصر قادرة على التعامل معها بمسؤولية وكفاءة”.
وأبدى العماري قلقه من رد الفعل الإسرائيلي تجاه القوافل، لكنه رأى أن التحركات الدولية تمثل فرصة لتأكيد أن مصر ليست هي من تغلق المعبر، أو تمنع دخول المساعدات، كما تروّج تل أبيب. وأوضح: “خلال عام ونصف من الحرب، مرّرت مصر المساعدات في كل مرة سمحت الظروف بذلك. السماح بوصول القوافل سيُفنّد الادعاءات الإسرائيلية، ويُظهر مصر كداعم حقيقي للحقوق الفلسطينية وفاعل إنساني مسؤول، رغم التحديات”.
في الإطار نفسه، دعا حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، في بيان نُشر على موقعه الرسمي وصفحاته، الحكومة المصرية إلى السماح بدخول القافلة، محذرًا من “بعض الدعوات غير الخافية لمنعها بحجج واهية”، ومشدّدًا على أن منعها سيكون “خطأ جسيمًا وحماقة كبرى تسيء لسمعة مصر أمام العرب والعالم”.
وفي وقت سابق، قال مسؤولون إسرائيليون أمام محكمة العدل الدولية إن مصر تتحمل مسؤولية كاملة عن معبر رفح، وإنها تتحكم في دخول المساعدات دون الحاجة لموافقة إسرائيلية. وهو ما نفاه رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، مؤكدًا في تصريحات صحفية أن مصر لم تتعنت في تمرير المساعدات عبر المعبر.
وفي المقابل، وجّه عشرون عضوًا في البرلمان الأوروبي رسالة رسمية بتاريخ 3 يونيو الجاري إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، طالبوا فيها بالسماح للمشاركين في القافلة بالعبور إلى قطاع غزة عبر الأراضي المصرية.
زاوية_ثالثة
Zawia3


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *