هل انتصر نتنياهو وترامب فعلا؟ وهل كانت الضربة الامريكية لمفاعلات ايران النووية واستهداف القاعدة الامريكية مسرحية؟ د. نزيه خطاطبه
هل انتصر نتنياهو وترامب فعلا؟ وهل كانت الضربة الامريكية لمفاعلات ايران النووية واستهداف القاعدة الامريكية مسرحية؟
د. نزيه خطاطبه
بعد أنْ ذاب الثلج وبان المرج, بدات تتكشف حقائق كثيرة تكذب ما حاول البلطجية نتنياهو وترامب من اشاعته عن نصر ساحق ضد ايران لم يشهده التاريخ سابقا!!! وبدأ الكثير من المحللين يشككون بالرواية الرسميّة الأمريكيّة والإسرائيليّة حول نجاح الهجوم المُشترك ضدّ إيران, كما ان تقرير الاستخبارات الامريكية كشف زيف هذا الانتصار وكذبه, ما اثار غيظ المتعجرف ترامب الذي يحاول اشاعة اجواء نصر وهمي ينسبه لشخصه.
فحسب مجلة «فورين بوليسي» الأميركية فأنّ الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران جاءت بنتائج عكسية، إذ فشلت «إسرائيل» في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، بل ألحقت بها خسائر فادحة. وأشارت إلى أنّ العمليات الإسرائيلية المكثفة لم توقف البرنامج النووي الإيراني، بل ساهمت في تعميق عزلة «إسرائيل» وتعزيز المشاعر القومية داخل إيران. وحسب الصحيفة فأنّ الخسائر في «إسرائيل» كانت «مذهلة»، بينما لا يزال المدى الحقيقي للضرر داخل إيران غير واضحاً إذ يكشف هذا الغموض عن معضلة جوهرية لـ»إسرائيل» وحلفائها الأميركيين؛ فالقوّة العسكرية وحدها لا تضمن النجاح الاستراتيجي.
كان على ترامب، وقف الحرب على ايران بسرعة البرق، لحساباته الداخلية أميركياً ورفض الغالبية العظمى من الامريكان المشاركة بها، بعد أن دخلها من الباب العريض دعماً للكيان الصهيوني وحمايته من الهزيمة المحققة، وأن يُظهِر دخوله كأنه حسم المعركة بصورة تامة ونهائية، من دون أن يخالف عهوده الانتخابية بعدم توريط بلاده في حروبٍ خارجية مطولة ومكلفة وعبثية، كما ظل يردد. لذلك كان من المنطقي أن يجن جنون ترامب عندما تداولت وسائل إعلام أميركية، مثل قناة CNN و»نيويورك تايمز»، تقاريرَ، تستند إلى تقييم «أولي» لوكالة الاستخبارات العسكرية التابعة للبنتاغون DIA، تشككُ في «إنجازه العظيم»، وتقول إن الأضرار التي لحقت بالمرافق النووية الإيرانية التي استهدفتها «عملية مطرقة منتصف الليل»: فوردو، ونطنز، وأصفهان، يمكن إصلاحها في غضون شهر أو شهرين في إحدى الحالات، أو بضعة أشهر في الحد الأقصى، على النقيض مما زعمه ترامب عن فعالية تلك العملية. وعلى الرغم من صراخ ترامب بأن ما جرى تداوله عبارة عن «أخبار زائفة»، فإن تقرير وكالة الاستخبارات العسكرية الأميركية حقيقي.
السيّد علي خامنئي المُرشد الأعلى للثورة الإسلاميّة الإيرانيّة خرج بعد يومين من وقف اطلاق النار ليرد على ترامب في فيديو مُسجّل، ويؤكد “أنّ العُدوان الأمريكيّ لم يُحقّق أيّ إنجاز، وأنّ الضّربات الأمريكيّة على المواقع النوويّة الثّلاثة لم تكن ذات تأثيرٍ كبير”، وأكّد “أنّ الرئيس ترامب بالغ في تضخيم نتائج الضّربات الأمريكيّة، وأنّ واشنطن تلقّت صفعةً قاسية، وتعهّد بعدم الاستِسلام لأمريكا، وأنّ بلاده ستردّ على أيّ عدوان أمريكي جديد بقصف القواعد العسكريّة الأمريكيّة في المِنطقة»
إذا كان ترامب قد زعم أنه كان على علم بموعد وحجم الرد الإيراني على قاعدة العديد في قطر شاكراً طهران على إبلاغه بالأمر، فإن إيران كانت على علم كذلك بموعد وحجم الضربة الأميركية التي استهدفت بصورة رئيسة منشأة فوردو النووية.
صور الأقمار الصناعية، التي ظهرت فيها شاحنات على مقربة من مداخل منشأة فوردو، كانت مهمتها تدعيم أنفاق المداخل الخمسة بسواتر صخرية تخفف من تأثير الموجة الانفجارية وتبديد الاختراق. وقد أدت المهمة بنجاح، إذ إنها لمتخترق حتى البوابات الفولاذية بعد عملية التدشين الهندسية المتقنة.
القنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات “GBU 57، التي تزن ما يقارب الـ ١٤ طنًا، أصابت ثلاثة مداخل أنفاق من دون أن تدمرها كلياً. حيث إن من المستحيل أن تتمكن قنبلة واحدة منها من تدمير فتحة نفق، ولا سيما أنها قنابل تنساب بفعل الجاذبية الأرضية، ونسبة الخطأ في إصابة الهدف بفعل ديناميكيتها الهوائية تجعل احتمال إسقاط قنبلتين في النقطة نفسها مسألة صعبة التحقيق، بل مستحيلة عملياً. والمصادر العسكرية التي تحدثنا إليها، أكدت استهداف ثلاثة أنفاق فقط. أما النفقان الرابع والخامس، فلم تصل إليهما القنابل الخارقة إطلاقًا.
والإجراء الوقائي، الذي اتخذته القوات الإيرانية حمى الأنفاق الثلاثة، التي استُهدفت، وتمكنت السواتر من امتصاص الموجة الانفجارية، وهي لا تحتاج إلا لعملية إزالة بعض الردوم فقط.
أما الضربة الأمريكية، التي أصابت منشأة نطنز النووية، فكانت شكلية عموماً، ولم تؤثر فيها عملياً.
وكل هذا يشير إلى معرفة الجانب الإيراني مسبقًا بتفاصيل الضربة الأميركية وحدودها.
ولذا، يمكن القول إن التفاهم الأمريكي الإيراني على وقف تبادل الضربات، وعلى هذا السيناريو لوقف الحرب، قد جرى قبل الضربة الأمريكية التي كانت شكلية، في حين أن الرد الإيراني لم يتعد أن يكون محاكاة لضرب قاعدة أمريكية قد أخليت، حيث أطلقت عليها ستة صواريخ، منها ثلاثة كروز مجنحة جرى اعتراضها. ولم تصب الصواريخ الباليستية منشآت أميركية حساسة.
ونحن هنا أمام عدة تساؤلات تطرح نفسها لاستكمال قراءة المشهد:
مهمة عراقجي في موسكو، وهل لموسكو دور في إخراج سيناريو وقف الحرب؟
الإجابة مرتبطة بما دار بين الرئيسين بوتين وترامب واتصال بزشكيان ببوتين وتهديد موسكو يتقديم وسائل دفاعية متطورة لطهران في حالة الاقدام على اغتيال المرشد او العمل الجاد لتغيير النظام. ومن هنا يمكن القول بان سيناريو انهاء الحرب قد وضع في موسكو وليس في واشنطن ومن قبل بوتين وليس ترامب.
وهذا السيناريو أصبح أمراً واقعاً بين طرفين نقيضين. بيد أنه لا يعني نهاية العداء أو أن الحرب كانت مسرحية لا غير. إنها على العكس من ذلك كانت من الخطورة بمكان إن استمرت أبعد مما وصلت إليه، كانت ستلحق الضرر والخسارة اللذين لا يمكن تخليهما وتحملهما بكل أطراف الصراع.
هذه هي الحرب الوحيدة التي لم تحسمها إسرائيل لصالحها ضد أي دولة عربية او إسلامية في ست ساعات، ولا في عشرة أيام مثل الحروب السابقة (حرب أكتوبر 1973)، واستنجدت خلالها بامريكا طالبة وقف إطلاق النار، وبأسرع وقت ممكن تقليصا للخسائر بعد استخدام صواريخ خيبر وفتاح والتهديد باستخدام صواريخ متطورة لم يعلن عنها.
ما الذي حقّقته إسرائيل في إيران بعد أحد عشر يومًا من القصف المتواصل؟
ادّعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في بيانه الذي أعلن فيه وقف إطلاق النار أن إسرائيل أنجزت أهدافها. غير أن مثل هذا الادّعاء يثير علامات استفهام كثيرة، على أقل تقدير.
ففي مستهلّ الحرب القصيرة، حدّد نتنياهو عدة اهداف منها: «اجتثاث البرنامج النووي الإيراني, وتقويض منظومة الصواريخ الباليستية وتغيير النظام» بما يكفل تنفيذ مخططه الذي اعلنه قبل عام من هجوم 7 أكتوبر بتغيير خارطة المنطقة .
فهل تحقّق ذلك بالفعل؟ على الأغلب لا. إذ تشير المعطيات إلى أنّ إيران نقلت المواد القابلة للانشطار من منشأة فوردو التي استهدفتها الولايات المتحدة، وهي المواد التي تمثّل الركيزة الأهمّ في برنامجها النووي. وعليه، فإنّ عملية «الاجتثاث» المزعومة تبدو أقرب إلى الإخفاق منها إلى الإنجاز.
أما بخصوص حجم الأضرار التي ألحقتها إسرائيل بالبرنامج النووي الإيراني، فلا تزال الصورة ضبابية إلى حدّ كبير. صحيح أن إسرائيل نجحت في إقناع الولايات المتحدة باستهداف منشآت إيران النووية باستخدام قنابل خارقة للتحصينات (MOPs)، إلا أنّ واشنطن لم تقدّم دعمًا إضافيًا يُذكر للهجوم الإسرائيلي. وبطبيعة الحال، يصعب تقدير حجم الدمار، إذ من غير المرجّح أن تسمح إيران لأيّ جهة خارجية بمعاينة المواقع المستهدفة.
أمّا على صعيد «تغيير النظام» داخل إيران، فالنتيجة معاكسة تمامًا لما سعت إليه إسرائيل. فقد راهنت تل أبيب على إشعال انتفاضة شعبية ضدّ النظام من خلال اغتيال القادة العسكريين لمختلف الأجهزة الأمنية الإيرانية، مستندة إلى قناعة راسخة بأنّ الطريق الأمثل لزعزعة خصمها هو تصفية كبار مسؤوليه
من يمكلك المعرفة والامكانيات فانه لن يفقدها, وبامكانه معاودة المحاولة, فطالما ان ايران ما زالت تملك 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة تفوق نسبة الستين في المئة، وأجهزة الطرد المركزي المتقدمة الي تصنعها وجرى تهريبها مبكرا، وعشرات الخبراء النوويين، فإنها تستطيع الوصول الى انتاج أسلحة نووية في غضون أيام، ، ولعل تجميد البرلمان الإيراني كل اتفاقات التعاون مع وكالة الطاقة الذرية الأممية المتواطئة مع العدوان هو دليل قوة، وليس دليل ضعف او استسلام، ويعكس نوايا قوية مستقبلية في تخصيب المزيد من اليورانيوم، وربما انتاج أسلحة نووية بعيدا عن عيون جواسيس هذه المنظمة.
ولا يمكن إغفال الأضرار البالغة التي أصابت العمق الإسرائيلي. فرغم أنّ إسرائيل فرضت سيطرة جوية سريعة على إيران وشنت ضرباتها متى وأينما شاءت، فإنّ صواريخ إيران اخترقت مرارًا منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية المشهورة، وأصابت قلب إسرائيل وأرجاء واسعة من البلاد، مخلّفة أعدادًا غير مسبوقة من القتلى والجرحى ودمارًا واسع النطاق.
بدأ مخزون صواريخ الاعتراض الإسرائيلي بالنفاد من دون أمل قريب بإعادة التزويد، وتعرّض الاقتصاد الإسرائيلي لشلل شبه تام، فكان ذلك نصرًا آخر يُحسب لإيران.
أما إيران، فقد خرجت من الحرب وهي مثخنة بالجراح، متكبدة خسائر مادية وبشرية من القصف المتواصل، إلا أنّ الجمهورية الإسلامية لم تنهَر حتى أمام القوة العسكرية الإسرائيلية الضخمة.
صواريخ إيران أصابت أهدافها بدقة، وظلّت صورتها أمام الرأي العام الدولي صورة الضحية التي تتعرض لعدوان إسرائيلي.
وقد أظهرت إيران من القوة ما دفع ترامب إلى تحذير إسرائيل من أي هجوم آخر بعد أن بدا أنّ وقف إطلاق النار وُضع على المحك. وهكذا خرجت إيران من المواجهة صامدة، واقفة على قدميها، ومتمسّكة بقدرتها على رسم مسارها المستقبلي استعداد لمعركة جديدة قادمة لامحالة, في مواجهة الهيمنة الامريكية الصهيونية على المنطقة وسعيها لاحتلال كامل قطاع غزة, وضم الضفة الغربية, وضم دول عربية وإسلامية جديدة الى اتفاقات ابرام التطبيعية وخاصة سوريا ولبنان, بعد محاولة انهاء المقاومة و حزب الله ونزع سلاحه, وقد يستخدمون الميليشات الجهادية في سوريا وميليشيات لبنانية لمساعدة قوات الاحتلال الإسرائيلية في ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق