قليل من الخبز وكثير من الفرجة لاخراس أصوات الناس !الرفيق عزيز عقاوي
قليل من الخبز وكثير من الفرجة لاخراس أصوات الناس !الرفيق عزيز عقاوي
..! وفلح في إخراس أصوات الجياع والغاضبين ..!
كان الامبراطور César يستقدم المحاربين و الحيوانات المفترسة من افريقيا ، لينظم داخل الكوليزيو ( دخول مجاني ) عروضا دورية للتنفيس عن الجماهير ، وخاصة عندما يستشعر غضبا جماهيريا قادما بسبب الاوضاع الاجتماعية ...
كان يوزع حوالي 34 كيلو غرام من الحبوب (céréales ) شهريا على كل بيت روماني بناء على مبدأ :
لا تدعه يشبع ، ولا تدعه يجوع ، وأكثر من الفرجة والتنفيس !
22 قرنا بعذ ذلك، لازالت وصفة César قائمة وتحصد نتائج باهرة ..!
صباحكن ، صباحكم مبروك رفيقاتي ، رفاقي الاعزاء .
كرة القدم سلاح خطير. المغرب يتفوق على سويسرا والولايات المتحدة واليابان والدنمارك وكندا والنرويج وروسيا ودول أخرى قوية في كرة القدم. نحن في المرتبة 12 من أصل 210 دول.
وترتيبنا يستحق دراسة معمقة. لماذا؟ لأن الدول التي تتقدم علينا أو نزاحمها المصاف الأولى، تتقدم علينا أيضا في الاقتصاد وفي الصناعة وفي حقوق الإنسان وفي الصحة. أتحدث عن إسبانيا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا وإنجلترا والبرازيل والأرجنتين وهولندا وألمانيا وكرواتيا والبرتغال...
يعني أن ترتيب هذه الدول في كرة القدم إلى حد ما يطابق أو لنقل يعبّر عمّا حققته في مناح أخرى.
المغرب احتل المرتبة 120 في مؤشر التنمية البشرية (من أصل 190 دولة)، والمرتبة 86 في مؤشر الحرية الاقتصادية (من أصل 184 دولة) والرتبة 120 من أصل 180 دولة في حرية الصحافة..
في كرة القدم، الفرق بيننا وبين إسبانيا 10 مراتب (هي في المرتبة الثانية ونحن 12) في مؤشر التنمية البشرية الفارق تقريبا 91 مرتبة، في مؤشر حرية الصحافة 99 مرتبة، وفي الحرية الاقتصادية 33 مرتبة تقريبا.
ماذا يعني هذا؟ يعني أننا بحاجة لفهم دور الرياضة الأكثر شعبية في العالم في هذا البلد.
هل هي فرع من فروع الحضارة المغربية؟ هل هي امتداد حقيقي وفعلي لواقع الأمة المغربية أم أداة قادرة على فرض "حظر تجوال" فكري ونفسي على شعب كامل دون تحريك رجل أمن واحد؟
ما الذي تعنيه الكرة للمغربي؟ في ما يروج من كلام الصحافة، كل الشعوب تستوي في حب كرة القدم. صحيح، لكن ليست كل الشعوب تستوي في التفوّق فيها..
المغرب هنا استثناء. ضمن لنفسه مقعدا وسط الكبار، ليس في الكرة فقط، وإنما وسط الكبار في كل شيء!
لذا أشكك في مسلّمة أن الشغف بالكرة هو نفسه رغم اختلاف الظروف النفسية والاقتصادية. لا يعقل أن يحب الأمريكي كرة القدم بالقدر نفسه الذي يحب المغربي هذه اللعبة (والأمريكي فعلا يفضل الركبي) ، ولا البرازيلي ولا الإسباني ولا السعودي.
ما تمثله كرة القدم في نفسية شعب، ما تستأثر به من اهتمام واحتفالات، فيه قدر مشترك وفيه قدر خاص. أفترض (ولا أجزم) أنه حين تقل مسبّبات الفرح، منافذ التنافس الحضاري، تكتسح الكرة.
الإنسان الذي يعيش في حرب مستمرة مع الإدارة والمستشفى وحقه في التعليم والصحة والسكن، يتمثّل كل فوز في معركة الكرة بشكل مختلف عن الإنسان الذي تشغله أسئلة أخرى: أي جنسانية يريد؟ أي دين يعتنق؟ هل يجب تجريم الإجهاض؟ هل يجب طرد المهاجرين؟؟
الفكرة أن هذا النجاح الكروي المبهر يصير أداة لشرعنة السياسات والقرارات والتوجهات لأسباب عاطفية مستفيدا من حالة التجييش التي تصنعها كرة القدم..
يكفي أن يشعر الكائن المغربي (أو أن نُشعره، ولا تسألوني عن من أقصد بنون الجماعة!) أنه يضاهي الكبار ويحظى باعتراف العالم، حتى لا يشغل نفسه بأسئلة الجدوى: ما قيمة المجال الذي يضاهي فيه الكبار ؟ما بُعده؟ ما انعكاسه عليه؟
لا يفكر بأن القوة الناعمة مهما حصل تبقى ناعمة!
وهنيئا للمنتخب المغربي تأهله لكأس العالم 2026.. عقبال أن نتأهّل في الاقتصاد والتعليم والصحة والسياسة والصحافة ..
ولما لا، بالمعنى الدارج،"نتأهّل" أيضا على الصعيد الشخصي ..
عصام واعيس




ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق