جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

بالاحمر يونس مجاهد… من مناضل راديكالي إلى وكيل ناعم للسلطة*عبد العزيز بن صالح

 بالاحمر

يونس مجاهد… من مناضل راديكالي إلى وكيل ناعم للسلطة
..................................................
يقدّم مسار يونس مجاهد نموذجاً صارخاً لتحوّل جزء من النخبة اليسارية المغربية من مواقع الصدام الثوري إلى لعب أدوار وصاية ناعمة في خدمة السلطة. هذا التحوّل لا يُقرأ فقط في السيرة الفردية، بل في بنية العلاقة بين الدولة وجيل اليسار السبعيني الذي خرج من السجون ليدخل ببطء إلى “حضن الدولة” مقابل اعتراف رمزي وامتيازات مادية.
ينتمي مجاهد إلى الجيل الراديكالي الذي مرّ من تجربة “إلى الأمام”، وتجربة الاعتقال التي شكلت عنده—وعند كثيرين—رأسمالاً رمزياً تم استثماره لاحقاً بكثافة. في حواره المطول مع يونس مسكين، أعاد تقديم نفسه كبطل أسطوري نجا من آلة السلطة المفترسة، لكنه بالغ في تكبير دوره التاريخي، مقدماً سردية بطولية متضخمة تفوق كثيراً الشهادات والمرويات الأخرى حول مرحلة التنظيم.
بعد خروجه من اليسار الجذري، التحق بما يشبه “الانتماء المعنوي” للاتحاد الاشتراكي دون أثر تنظيمي فعلي داخل هياكله. كان حضوره رمزياً أكثر منه نضالياً، واستثمر اسم الحزب للحصول على شرعية تسمح بدخول فضاءات قريبة من الدولة دون أن يمر فعلاً من قنوات التنظيم أو نضالاته الداخلية. لكنه وجد موقعه الحقيقي في النقابة الوطنية للصحافة، حيث تحوّل إلى أحد أقوى الشخصيات تأثيراً في المشهد الإعلامي لسنوات. النقابة في عهده لم تكن مجرد إطار مهني، بل تحولت إلى أداة ضبط ناعمة، تمنح الدولة صوتاً “مقبولاً” داخل الوسط الصحافي، يبرر، يخفف، ويعيد تأطير أي توتر محتمل.
هكذا أصبح مجاهد واحداً من “وسطاء الدولة”، أولئك الذين لا يشغلون مناصب حكومية فعلية، لكنهم يقدمون خدمات سياسية ذات طبيعة رمزية ومهنية. رغم غياب وظيفة رسمية، راكم امتيازات اجتماعية ونمط عيش مريحاً، ما غذّى الانطباع بأنه يستفيد من “ريع رمزي” مقابل أدوار واضحة: كبح التوتر داخل الجسم الصحافي، توفير غطاء نقابي لبعض السياسات، وتلميع خيارات الدولة إعلامياً.
لكن السؤال الجوهري اليوم: هل ما زال النظام محتاجاً لمثل هذه النماذج؟
الحقل السياسي الإعلامي تغيّر. الدولة لم تعد تعتمد على وسطاء يمتلكون رأسمال نضالياً قديماً؛ فقد تآكلت رمزية الاعتقال والنضال السبعيني، خصوصاً أمام جيل جديد من الصحافيين لا يقدّس تلك السرديات. كما أن أدوات الدولة نفسها تطورت: الضبط القانوني المباشر، المجلس الوطني للصحافة، الرقابة التقنية والمالية، وبنية إعلامية جديدة لم تعد تحتاج بالضرورة إلى وجوه “مروّضة” من اليسار القديم.
ذلك يعني أن أدوار الحرس القديم، بما فيه مجاهد، دخلت مرحلة أفول تدريجي. فوظيفتهم كانت مفيدة في مرحلة معينة، عندما كانت الدولة تحتاج لمن يتحدث باسمها من خارج المؤسسات الرسمية. أما اليوم، فالصيغة الجديدة لإدارة الإعلام أكثر تقنية وبراغماتية وأقل اعتماداً على رمزية “المناضل السابق”.
إن مستقبل مجاهد ومن يشبهه يبدو أقرب إلى التقاعد الرمزي الهادئ منه إلى لعب أدوار محورية. لقد أدوا مهماتهم، واستنفدت وظيفتهم التاريخية، ودخلوا منطقة الظل التي يتوارى فيها الذين فقدوا قيمتهم التداولية لدى النظام.
عبد العزيز بن صالح


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *