كيف يصبح النقاش شرطا للتجديد لا طقسا للتكرار؟السفريوي محمد
كيف يصبح النقاش شرطا للتجديد لا طقسا للتكرار؟السفريوي محمد
مطلوب، بل محمود، هذا النقاش الذي بادر إليه عدد من الرفاق حول الشأن الحزبي والتنظيمي. ليس فقط لأنه يعيد فتح أسئلة مؤجلة، بل لأنه مؤشر صحي على أن هذا الجسم السياسي ما زال يمتلك قدرا من الجرأة والرغبة في التفكير، وهو ما يفترض أن يميزنا كيسار يدّعي لنفسه صفة الثورية. و مع ذلك لا يعفينا من مساءلة منهجه وحدوده و غاياته...
النقاش، كي يكون منتجا ومجدّدا، لا يكفي أن يكون حادا أو صاخبا، بل عليه أن يضع نصب عينيه الأسئلة التي يحرجنا بها واقعنا الملموس، لا تلك التي اشتبك معها آخرون في سياقات تاريخية وسياسية مغايرة. هنا بالضبط يكمن الخلل الذي يتكرر في نقاشاتنا: نستدعي أجوبة جاهزة بدل أن نبدأ من الأسئلة التي يفرضها علينا واقعنا الخاص.
حين صاغ لينين مقترحاته التنظيمية والسياسية، لم يفعل ذلك انطلاقاً من نشاط نظري متعالي، بل من نسق سياسي محدد تحكمه شروط ملموسة: صراع طبقي محتدم في روسيا القيصرية، إضرابات واعتصامات عمالية، مجالس سوفييتية، ونقابات وتنظيمات ثورية يقودها مثقفون وثوريون محترفون. داخل هذا السياق بالذات، اقترح لينين نموذج الحزب الطليعي، أو “هيئة الأركان”، بوصفه أداة مركزية في التغيير. و الاهم أنه أعاد تحديد الأدوار للادوات الموجودة كالجريدة الورقية و النقابة و التنظيم السياسي...
أما نحن اليوم، فنقف أمام مشهد مختلف جذريا. الصراع الطبقي، كما يتجلى في واقعنا ، لا يحتدم بالحدة نفسها، والدليل: نسب الإضرابات العمالية مقارنة بإضرابات فئات اجتماعية أخرى كالمعلمين أو الأطباء أو المحامين. ثم إن النسق السياسي وأدواته لم تعد محصورة في الأحزاب والنقابات، بل أفرز أشكالا جديدة من التنظيم والاحتجاج، من الحركات الاجتماعية إلى وسائط التواصل الرقمي التي تعيد تشكيل الفعل السياسي وطرائق انتشاره وتأثيره.
هنا يصبح الرهان الحقيقي للنقاش اليساري اليوم هو استدعاء منهجية لينين لا مخرجاته. أي التفكير في السياسة والتنظيم انطلاقا من تحليل ملموس لواقع ملموس، لا تبني صيغ جاهزة ولدت في سياق لم يعد قائما. السؤال ليس: كيف نعيد إنتاج الحزب الطليعي كما صيغ قبل قرن؟ بل: ما شكل ومضمون الأداة السياسية القادرة على الاشتغال داخل هذا النسق الجديد، الذي لم يطلع عليه لينين ولم يفكر فيه، لكنه كان سيبدأ، لو عاشه، من السؤال نفسه الذي نتفاداه منه اليوم.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق