جاري تحميل ... مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

وقفة الوفاء بآسفي: حين يتكلم الغياب بلغة الحاضر

 وقفة الوفاء بآسفي: حين يتكلم الغياب بلغة الحاضر

عبد الغاني العونية
لم يكن العاشر من دجنبر هذا العام يومًا بروتوكوليًا في آسفي. المدينة، التي اعتادت أن تخفي جراحها تحت غبار الميناء، خرجت لتقول ما يجب قوله: الحقوق ليست ذكرى، والرحيل ليس نهاية.
في الساحة التي تعرف جيدًا من مرّوا بها، وقفت وجوه أنهكها الزمن لكن لم تُهزم، وجوه أخرى شابة تحمل في عينيها ذلك البريق الذي يُقلق كل سلطة ويطمئن كل قضية عادلة. لم يكن المشهد مجرد وقفة، بل مساءلة صامتة للدولة في اليوم نفسه الذي تريد فيه أن تحتفل بالحقوق، فيما نعرف جميعًا أن كثيرًا من أبنائنا دفعوا ثمن الكلمة والاحتجاج والكرامة.
محمد اليسير… رجل لم يغادر مكانه.
الراحل محمد اليسير ليس اسمًا يُذكر في خطاب ولا صورة تُحمل في وقفة. هو من طينة أولئك الذين يبقون في تفاصيلنا اليومية دون أن نشعر: في نبرة الاحتجاج، في وضوح الموقف، وفي تلك الجملة التي يرددها المناضلون حين تضيق عليهم السبل: "ما نضيعوش البوصلة."
كان رجلًا هادئًا بما يكفي ليكون صلبًا، وصلبًا بما يكفي ليظل إنسانيًا. لم يكن يفاوض على الحق، ولم يكن يبحث عن موقع. كان يعرف أن طريق النضال بلا امتيازات، وأن من يدخلها عليه أن يتوقع عزلة طويلة، وأملاً أقصر مما يتوقع الناس.
اليوم العالمي لحقوق الإنسان… امتحان لا احتفال.
في آسفي، لم يتحول هذا اليوم إلى مناسبة احتفالية. التحول كان في تحويل المناسبة إلى محكمة مفتوحة تُعرض فيها كل ملفات الانتهاكات: الاعتقال السياسي، التضييق على الحركة الحقوقية، هشاشة الحريات، وخيارات رسمية تُفكّك ما تبقى من مكتسبات.
كان واضحًا أن المشاركين لا يرفعون شعارات فقط، بل يرفعون سجلًّا طويلًا من الوجع الجماعي. وحين ارتفعت صور اليسير، بدا الأمر كما لو أننا نضع شاهدًا صغيرًا فوق قبر كبير اسمه الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المغرب.
آسفي… مدينة تُذكّر الدولة بأن الذاكرة أخطر من المعارضة
آسفي ليست مدينة محايدة. كل شيء فيها يحمل أثر نضال ما: من قصاصات البيانات التي كانت تُوزَّع في التسعينيات، إلى الأصوات التي خرجت في 2011، وصولًا إلى معارك اليوم.
وقفة الوفاء أعادت هذه الذاكرة دفعة واحدة. كأن اليسير، بغيابه، أطلق مرة أخرى ذلك الإنذار الجماعي: "لا تتصالحوا مع النسيان."
خاتمة: الوفاء ليس طقسًا… بل استمرارٌ في الطريق.
هكذا، تحوّل الغياب إلى حضور، واليوم العالمي لحقوق الإنسان إلى منصة لتجديد العهد، لا لإعادة قراءة المواثيق.
وقف رفاق اليسير وقالوا ما يعنيه الوفاء فعلاً: أن نواصل الطريق كما لو أن الراحل ما يزال بيننا ينصحنا بالهدوء والوضوح، وأن المنظومة مهما بدت قوية فهي أكثر هشاشة مما تزعم حين نقف مجتمعين.
في آسفي، كان الدرس بسيطًا وقاسيًا: المناضلون يرحلون، لكن مسؤوليتنا تجاه ما دافعوا عنه تبقى، وتتسع.








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *