لماذا يُستخدم التعذيب؟ تحليل هادي العلوي للعقاب والألم والسلطة
لماذا يُستخدم التعذيب؟
يشدد هادي العلوي على أن التعذيب لم يظهر مع الشرطة والسجون الحديثة، ولم يبدأ مع الدولة؛ بل ولد قبلها، إذ نما في الخيال الديني والطقوس الأولى، وامتزج الألم بالقرابين وبفكرة العقاب، ثم انتقل لاحقاً إلى يد الحاكم حين احتاج وسيلة تحفظ سلطته.
يشرح العلوي أن التعذيب لم يكن تعبيراً عن طبيعة بشرية شريرة بقدر ما كان نتاجاً لسلطة تبحث عن أدوات للردع. فمع انقسام المجتمع وصعود الصراع على الحكم، صارت الحاجة إلى الخوف أكبر من الحاجة إلى الإقناع، وتحوّل الألم إلى جزء من لغة السياسة.
في كتابه "تاريخ التعذيب في الإسلام" يتعامل العلوي مع التعذيب كمنظومة، لا كحوادث منفصلة، ويعدها نظاماً كاملاً من الممارسات التي طورتها السلطات الإسلامية منذ معاوية وزياد والحجاج وصولاً إلى العباسيين، حيث أصبح التعذيب تقنية للحكم، تُستخدم لانتزاع الاعتراف، أو لجمع الضرائب، أو لإسكات الخصوم.
لكن العلوي يذهب أبعد من السياسة، إذ يرى أن مخزون العقوبات الأخروية -النار، السلاسل، تبديل الجلود، الرجم- كل هذا خلق استعداداً نفسياً يسمح للسلطة أن تمارس الألم دون أن تصطدم بالضمير العام.
فحين تصبح النار جزءاً من المخيال الديني، يصبح التعذيب الأرضي أقل شذوذاً.
بهذا المعنى، يصبح الجلاد نتاجاً لبنية كاملة تُشرعن الألم، وتدمج المقدّس بالبطش، وتحوّل العقوبة إلى طقس اجتماعي وسياسي. وهذا ما يفسّر، بنظر العلوي، كيف صار الحجاج رمزاً؛ ليس لأنه الأشد، بل لأنه الأكثر تعبيراً عن التقاء السلطة بالنص.
يؤكد العلوي أن التعذيب ليس ظاهرة دينية في جوهرها، بل سياسية؛ لكن الدين -عندما يتحوّل إلى أداة للسلطة- يضيف إليها قوة تبريرية. فالتعذيب يتحول من وسيلة إلى "حق" يمارسه الحاكم باسم الشرع أو الدفاع عن الجماعة.
يتكرّس التعذيب كنظام كلما ضعفت شرعية الدولة، فتزداد حاجتها إلى الألم، بحسب العلوي، وكلما اشتد حضور المقدس في السياسة ازداد القمع قسوة.
بالنسبة لهادي العلوي، تاريخ التعذيب هو تاريخ الفشل السياسي في بناء شرعية قائمة على العقد الاجتماعي. إنه الوجه الآخر للدولة حين تصبح هشّة، فتستند إلى الرعب بدلاً من الثقة. وكلما غاب المجتمع عن صناعة السلطة حضر الجلاد لتمثيلها.
ما رأيكم؟


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق