الخطاب الشعبوي الرفيق تاشفين الاندلسي
الخطاب الشعبوي
الرفيق تاشفين الاندلسي
تتميز المرحلة التاريخية الراهنة من الصراع الطبقي بسيادة غبار كثيف ما فتئ يتصاعد كلما اشتدت الأزمة الرأسمالية في غياب بديل مجتمعي حقيقي على المدى المنظور ، هذا البديل الذي من المفروض أن يقطع جذريا مع المحاولات الترقيعية للتقليص من الدمار الذي ألحقته هذه الرأسمالية المتوحشة ، يقول المثل الشائع أن الطريقة التي تؤدي الى خطأ معين لا يمكن إعادتها من دون إعادة نفس الخطأ.
في العصور القديمة كلما اشتدت الأزمات و وقعت تغيرات عميقة تمس عمق المجتمع على خلفية الإهتزازات الإجتماعية و الطبقية كانت تلك المجتمعات تترقب ظهور نبي يبحر بها الى شط الأمان في استسلام نهائي لمصيرها مع مقاومة ذوي المصلحة في الوضع القديم . في مجتمعاتنا المعاصرة حيث أن لا أمل بل من المستحيل ظهور الأنبياء فإن الخطاب الشعبوي المتمركز خصوصا على الأبعاد الهوياتية هو الذي سيأخذ مكانه عوض المنظور الميتافيزيقي الذي كان سائدا في العصور القديمة و لو أن البعد الهوياتي هو أيضا لا يسلم من الميتافيزيقا . .
في وضع كهذا ينتعش الخطاب الشعبوي ، هذا الخطاب الذي يتحرك فوق أرضية غير مستقرة فيتجه رأسا الى توصيف الواقع بسلاسة و يستطيع التأثير على الجماهير الواسعة من دون أن تكون قاعدته الاحتماعية متجانسة تماما بحيث تتعرض هذه القاعدة مع الزمن لتفريعات غير متناهية كلما كان الانتقال من مرحلة الى مرحلة أخرى و بسرعة فائقة مما يفسر عدم ارتباط الخطاب الشعبوي بالجماهير عبر أواصر تنظيمية على قاعدة مشروع واضح المعالم تكون فيه الطبقة العاملة قطب الرحى كونها هي المعني بأي تغيير حقيقي من أجل مجتمع ينتفي فيه استغلال الانسان لأخيه الإنسان . و من المميزات الأكثر درامية في الخطاب الشعبوي أنه يستبطن داخله في بعض الأحيان التيارين اليميني و "اليساري" في نفس الوقت و ما يجمعهما في هذه المرحلة هو العداء لأي فكر يهدف الى بناء حزب الطبقة العاملة باعتباره ينتمي للماضي فتجدهم ينفخون مثلا في فكرة أن الجماهير ماعادت محتاجة لقيادات تنظيمية في حين أن الواقع يبين أن أصحاب هذا القول يمارسون هذه القيادة عن كثب ، مع أن المرتع الخصب للبرجوازي الصغير يوجد هنا بالضبط ، إن مفاهيم كالكاريزمية و الزعيم كانا عبر الزمن تلك الرافعة للخطاب الشعبوي تماشيا مع سيكولوجية الجماهير هذا النوع من الخطاب يجد رواجا منقطع النظير في الأوساط الجماهيرية التي يئست من المشهد السياسي و نتائج البرامج الاقتصادية و الإجتماعية في ظل الرأسمالية المتوحشة و التبعية منها بالخصوص التي تطبق لحد الآن ، فتميل (الجماهير) نحو هذا الخطاب الوصفي الحاد و الشامل لكنه المفتقد لأي أساس علمي صارم مما يجعلني أشبهه الى مخلوق ذو أطراف و جسد كبيرين لكن برأس ميكروسكوبي . إذن فالشعبوية نفسها تختلف من مرحلة الى أخرى حسب حدة الصراع الطبقي ، فقد يختلط داخلها اليميني الفاشي مع "اليساري" في مرحلة بدائية كما يحصل اليوم في منطقتنا لكنه ينفصل اليميني الفاشي عن "اليساري" في مرحلة أخرى متقدمة كما يقع مثلا في أمريكا اللاتبنية و بعض الدول الاوروبية . لطالما صرخنا عاليا أن الأفق في تجارب بعض دول أمريكا اللاتينية مسدودا ما لم يحسم اليسار هناك في طبيعة الدولة الطبقية و العمل على تجاوزها ، و ما المكتسبات التي حققها اليسار الشعبوي هناك لا تفتئ حتى يجهز عليها بجرة قلم بسبب هشاشة الوضع المفارق الذي تحدده دولة البرجوازية و لو تحت سلطة اليسار الذي استطاع لظروف خاصة تصدر الانتخابات البرجوازية هناك ، فبهذا المعنى قد تحقق مكتسبات معينة و محدودة في ظل الدولة الرأسمالية بجهد جهيد و قد تأخذ مرحلة طويلة لكنها تكون مههدة في لحظة للإجهاز عليها بسرعة فائقة .
يبقى في الأخير التساؤل ما الجدوى من شعبوية "يسارية" تروم المشاركة في السلطة في ظل الدولة الرأسمالية و تحت نفس قوانينها المدمرة و خصوصا عدم تناسب الجهد من أجل هذا الهدف مقارنة مع مكتسباته .
أن المهام الآنية المطروحة على الماركسيين هو العمل بجدية لتوفير الشروط لبناء حزب الطبقة العاملة و في نفس الوقت العمل على تشبيك هذا العمل أمميا لبناء أممية ماركسية ، خصوصا و أن المنطق السيزيفي في إعادة العمل على ترقيع الخرابات التي تحدثها الرأسمالية سوف يمتد الى ما لا نهاية و خصوصا و أن له رواد كثيرون ممن يدعون اليسارية .
الرفيق تاشفين الاندلسي
تتميز المرحلة التاريخية الراهنة من الصراع الطبقي بسيادة غبار كثيف ما فتئ يتصاعد كلما اشتدت الأزمة الرأسمالية في غياب بديل مجتمعي حقيقي على المدى المنظور ، هذا البديل الذي من المفروض أن يقطع جذريا مع المحاولات الترقيعية للتقليص من الدمار الذي ألحقته هذه الرأسمالية المتوحشة ، يقول المثل الشائع أن الطريقة التي تؤدي الى خطأ معين لا يمكن إعادتها من دون إعادة نفس الخطأ.
في العصور القديمة كلما اشتدت الأزمات و وقعت تغيرات عميقة تمس عمق المجتمع على خلفية الإهتزازات الإجتماعية و الطبقية كانت تلك المجتمعات تترقب ظهور نبي يبحر بها الى شط الأمان في استسلام نهائي لمصيرها مع مقاومة ذوي المصلحة في الوضع القديم . في مجتمعاتنا المعاصرة حيث أن لا أمل بل من المستحيل ظهور الأنبياء فإن الخطاب الشعبوي المتمركز خصوصا على الأبعاد الهوياتية هو الذي سيأخذ مكانه عوض المنظور الميتافيزيقي الذي كان سائدا في العصور القديمة و لو أن البعد الهوياتي هو أيضا لا يسلم من الميتافيزيقا . .
في وضع كهذا ينتعش الخطاب الشعبوي ، هذا الخطاب الذي يتحرك فوق أرضية غير مستقرة فيتجه رأسا الى توصيف الواقع بسلاسة و يستطيع التأثير على الجماهير الواسعة من دون أن تكون قاعدته الاحتماعية متجانسة تماما بحيث تتعرض هذه القاعدة مع الزمن لتفريعات غير متناهية كلما كان الانتقال من مرحلة الى مرحلة أخرى و بسرعة فائقة مما يفسر عدم ارتباط الخطاب الشعبوي بالجماهير عبر أواصر تنظيمية على قاعدة مشروع واضح المعالم تكون فيه الطبقة العاملة قطب الرحى كونها هي المعني بأي تغيير حقيقي من أجل مجتمع ينتفي فيه استغلال الانسان لأخيه الإنسان . و من المميزات الأكثر درامية في الخطاب الشعبوي أنه يستبطن داخله في بعض الأحيان التيارين اليميني و "اليساري" في نفس الوقت و ما يجمعهما في هذه المرحلة هو العداء لأي فكر يهدف الى بناء حزب الطبقة العاملة باعتباره ينتمي للماضي فتجدهم ينفخون مثلا في فكرة أن الجماهير ماعادت محتاجة لقيادات تنظيمية في حين أن الواقع يبين أن أصحاب هذا القول يمارسون هذه القيادة عن كثب ، مع أن المرتع الخصب للبرجوازي الصغير يوجد هنا بالضبط ، إن مفاهيم كالكاريزمية و الزعيم كانا عبر الزمن تلك الرافعة للخطاب الشعبوي تماشيا مع سيكولوجية الجماهير هذا النوع من الخطاب يجد رواجا منقطع النظير في الأوساط الجماهيرية التي يئست من المشهد السياسي و نتائج البرامج الاقتصادية و الإجتماعية في ظل الرأسمالية المتوحشة و التبعية منها بالخصوص التي تطبق لحد الآن ، فتميل (الجماهير) نحو هذا الخطاب الوصفي الحاد و الشامل لكنه المفتقد لأي أساس علمي صارم مما يجعلني أشبهه الى مخلوق ذو أطراف و جسد كبيرين لكن برأس ميكروسكوبي . إذن فالشعبوية نفسها تختلف من مرحلة الى أخرى حسب حدة الصراع الطبقي ، فقد يختلط داخلها اليميني الفاشي مع "اليساري" في مرحلة بدائية كما يحصل اليوم في منطقتنا لكنه ينفصل اليميني الفاشي عن "اليساري" في مرحلة أخرى متقدمة كما يقع مثلا في أمريكا اللاتبنية و بعض الدول الاوروبية . لطالما صرخنا عاليا أن الأفق في تجارب بعض دول أمريكا اللاتينية مسدودا ما لم يحسم اليسار هناك في طبيعة الدولة الطبقية و العمل على تجاوزها ، و ما المكتسبات التي حققها اليسار الشعبوي هناك لا تفتئ حتى يجهز عليها بجرة قلم بسبب هشاشة الوضع المفارق الذي تحدده دولة البرجوازية و لو تحت سلطة اليسار الذي استطاع لظروف خاصة تصدر الانتخابات البرجوازية هناك ، فبهذا المعنى قد تحقق مكتسبات معينة و محدودة في ظل الدولة الرأسمالية بجهد جهيد و قد تأخذ مرحلة طويلة لكنها تكون مههدة في لحظة للإجهاز عليها بسرعة فائقة .
يبقى في الأخير التساؤل ما الجدوى من شعبوية "يسارية" تروم المشاركة في السلطة في ظل الدولة الرأسمالية و تحت نفس قوانينها المدمرة و خصوصا عدم تناسب الجهد من أجل هذا الهدف مقارنة مع مكتسباته .
أن المهام الآنية المطروحة على الماركسيين هو العمل بجدية لتوفير الشروط لبناء حزب الطبقة العاملة و في نفس الوقت العمل على تشبيك هذا العمل أمميا لبناء أممية ماركسية ، خصوصا و أن المنطق السيزيفي في إعادة العمل على ترقيع الخرابات التي تحدثها الرأسمالية سوف يمتد الى ما لا نهاية و خصوصا و أن له رواد كثيرون ممن يدعون اليسارية .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق